الاثنين ٢٣ آذار (مارس) ٢٠١٥
بقلم غزالة الزهراء

خطوات على الطريق

لقد نشأت سندس في أسرة متواضعة، خلوقة، وميسورة الحال، يتكون أفرادها من ثلاثة ذكور، وأربع إناث، ابتليت بإعاقة حركية منذ الولادة مما جعلتها تتنقل بصعوبة ملفتة للنظر.
تشبعت بالحنان والرعاية كبقية إخوتها وأخواتها، إعاقتها الحركية ألحقت بها جم الضرر، تدهورت حالتها النفسية فاعتصمت بين جدران البيت مكرهة كأنما تعاقب نفسها على مالا دخل لها فيه.

لم تصب يوما إلى التحرر من قيود عزلتها، أو مصادقة ثلة من بنات الجيران اللواتي في مثل سنها.
تطل برأسها من النافذة المقابلة للشارع، تلقي نظرة خاطفة على أولئك الآدميين الذين يطرقون بأقدامهم الأرض صباح مساء، إنه سيناريو عجيب يتكرر يوميا من غير كلل.
ينقبض قلبها فجأة ويضطرب، تدحرج نظرات مكتئبة سريعة على قدميها، ينتابها شعور مضمخ بنتانة اليأس بأن وجودها هذا لا يسخو عليها بفائدة، ولا تجني منه شيئا على الإطلاق.

طوفان التشاؤم يغمرها بسيله الدافق، ويدفع بها نحو الحضيض طيرا مصابا مقصوص الجناحين، تفاجئ أمها بسؤالها عساها تتلقف في خضم متاعبها المتلاطمة جوابا مقنعا يضمد جراحاتها المكلومة: ما الذي تسبب في إعاقتي بهذه الصورة؟
ـــ لا تلقي للأمر كبير اكتراث يا قرة عيني، إنه لا يستحق منك كل هذا العناء، لقد ولدت هكذا بقدرة الخالق، ما علينا إلا أن نحمده حمدا كثيرا.
ودعمتها بنصائحها الوفيرة الثرية لرفع معنوياتها: يجب أن تتعايشي مع هذا الوضع بكل صدق، أن تتقبليه على صورته ولا تخجلي منه، كوني صامدة في وجه العراقيل.

أخيرا رفعت سندس راية التحدي عاليا ، وكسرت تلك القوقعة المظلمة التي ركنت بداخلها، وواجهت مجتمعا برمته بنفس جديد، وطاقة جديدة.
شبان منطقتها لم يرأفوا بمأساتها تلك، يتغامزون، ويتضاحكون، ويرشقونها بنظراتهم الاستفزازية التي تنفذ سريعا إلى العظم.
لم تحفل بما يصدر من نفوسهم المريضة، وعقولهم المتحجرة بل تسامت بروحها الطيبة وسلوكها الراقي فوق الجميع، في نظرها ما هم إلا قشور فاسدة تطفو فوق ماء ملوث عكر.
لم لا تشغل نفسها بشيء ذي أهمية في حياتها؟
لقد ظل السؤال يطرق دماغها، ويلح عليها إلحاحا شديدا لا فكاك منه، ويبذر في زوايا ذاتها قبسا من نور يشتعل، تمسكت بحبل الرجاء، وقررت أخيرا أن تتعلم صناعة الحلويات، وتحوز على الشهادة في هذا المجال.
أقبلت سندس على ذلك بإرادة قوية لا تقهر، صارت محترفة ماهرة، وفي غمرة شعورها بالرضا نسيت تماما أنها معاقة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى