الأحد ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
بقلم زهرا داود نجاد

المدیح النبوي في الشّعرالمملوکي

الملخص

کانت المدائح النبویة تستحق أن یفرد لها مجلدات خاصة بها، فإنّنی یختصّ مکتوباً یضمّ أعلام المادحون النبي J ولهذا وجدت عدد من مشاهیر الشعراء الذين ینشدون قصائد في مدح النبي J، من جوانب هذا البحث أن الشاعر أغراض عن التکسب بشعره کعادة الشعراء في کل زمان ومکان، وخاصةً عند القدماء منهم، ولکنّ کان مدح النبي Jمن الأغراض التي إهتمّ به الشعراء، لأن أنشدوا أشعاراً من عواطفهم العمیقه تجاه النبي J ودافعوا بشعرهم عن النبي J ورسالته. وفي عصر المملوکی نری عددا من الشعراء الذين ینشدون قصائد في مدحه. وتجدر الإشارة إلی بعض المادحین خاصة شعراء المملوکي.

المدیح النبوي شعر دیني یرکز علی سیرة النبي Jوفضائله، وقد رافق هذا الشّعر مولوده وهجرته ودعوته. أن شعر المدیح النبوي شعر صادق بعید عن التکسب، یجمع بین الدلالة الحرفیة الحسیة والدلالة الصوفیبة الروحانیة.
في کل العصور نجد قوماً إهتموا بنظم القصائد في مدحهJ، ذاکرین بعض صفاته وأخلاقه، وشیئا من سیرته ومآثره، وهي ماعرفت بــإسم المدائح النبویة التي تعتبر فناً من فنون الأدب الرفیع، وهو من فنون الشّعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية الصادقة، وباب من الأدب الرفيع لأنّها لاتصدر إلّا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص.
یتمیز المدیح النبوي بصدق الشاعر ونبل الأحاسیس ورقة الوجدان وحبّ الرسولJ طمعاً في شفاعته ووساطته یوم الحساب ویعني هذا أن المدیح النبوي یشید بالنبيJ بإعتباره سیّد الکون والمخلوقات، وأنه أفضل البشر خلقه وخلقاً، وهو کذلک کائن نوراني في عصمته، لذلک یستحق .
الکلمات الدلیلیة: المدیح النبوی، العصر المملوکی، الشعر، البوصیري.
لقد بعث اللّه تعالی الأنبیاء والرسل لهدایة البشر، ولإخراجهم من الظلمات إلی النور وإرشادهم ولتزکیة نفوسهم، وإرشادهم لما فیه خیرهم في الدنیا والآخرة. وعلی الأمة فریضة أن یقتدي بهم في أعمالهم وسلوکهم.
فالنبي Jأفضل من الأنبیاء والمرسلین، أفضل من کل فرد، وأفضل من مجموعهم لو إجتمعوا. إذ لانعرف حقیقته ولا نحیط بفضائله إلاّ اللّه. إنّ البراهین القاطعة لإثبات هذا الکلام موجود في القرآن الکریم.
یوجد في القرآن الکریم آیات کثیرة في شرف النبي J وفي ذکر خصائصه الطیبة. أشار اللّه إلی علو مقامه في القرآن الکریم، قال تعالی: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [إنشراح : 4]، وقد فرض اللّه سبحانه طاعته في القرآن الکریم علی العالم فریضة مطلقا قال تعالی: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [آل عمران: 132]، وقال تعالی: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران : 32 ]، وقال أیضا: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [النساء : 69 ]، یعني من أطاع الرسول فقداطاع اللّه ومن تولّی الرسول فقد أضله عن الصراط المستقیم وکلّ من أطاع اللّه وأطاع الرسول فقد فاز بالدرجات العلی، کماقال تعالی: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾.[ آل عمران : 31]
وأشار في هذه الآیة من حبّب الرسول فقد وصل إلی الفوز العظیم وهو محبة اللّه، وغفران ذنوبه ومن خالف بعضهاکانت محبته ناقصة. قال تعالی: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾.[ النساء :65]
لایجد النّاس في نفسه حرجاً بما شرعه الرسول J في قوله تعالی: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النجم :4 و3 ]، وهذه القضیة تعود إلی قوله تعالی: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ [أنبیاء : 107 ]، فالأحکام الصادرة عن الرسول J صادقة، إنّما هی أحکام صادرة عن اللّه تعالی.
یقول في الآیة الاخری: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[توبة : 128]،قدتبیّن في هذه الآیة خمسة صفات النبيJلأن یبعث عواطفهم وأحاسیسهم العمیقة.
وقد ورد بعض هذه الأسماء في القرآن الکریم فهي: النبي، الرسول، أحمد، محمدJ، مبشر، نذیر، داع إلی اللّه، السراج المنیر، الرؤوف، الرحیم، المزّمل، المدّثر، عبداللّه، الکریم، النور المبین، خاتم النبیین، طه ویس. ویکون في القرآن آیات أخری لبیان حول الموضوع فإنّنی إکتفیت عن ذکرهم. وأما من الناحیة الشعراء نذکر بعض المادحین النبي J.
ظهر المدیح النبوي Jعند بعثة الرسول ولکن کان ذو إختلافاً حول نشأة المدیح النبوي، یعتقد بعض الباحثین بأنّ إبداعه مع الدعوة النبویة والفتوحات الإسلامیة مع حسّان بن ثابت وکعب بن مالک وکعب بن زهیر وعبداللّه بن رواحة.
جدیر بالذکر من الذين ساعدوا المدیح النبوی هم شریف رضی وإبن فارض والشعراء المتأخرین وخاصةً الشاعر البوصیري في القرن السابع الهجري والشعراء الأندلسیین.
أكثر المدائح النبوية قيل بعد وفاة الرسول، وما يقال بعد الوفاة يسمى رثاء، ولكنّه في الرسول يسمى مدحاً. ومن المعلوم أن ذکر شمائل المیت یسمی رثاء، لکنّه في الحق النبي Jیسمّی مدحاً، لأنّه موصول الحیاة، وأنّهم يخاطبونه كما يخاطبون الأحياء، ويمكن القول بأن الثناء على الميت لا يسمى رثاء إلا إذا قيل في أعقاب الموت، لأن الرثاء يقصد به إعلان التحزن والتفجع، على حين لا يراد بالمدائح النبوية إلّا التقرب إلى الله بنشر محاسن الدّين والثناء على شمائل النبيJ.
وبعد وفاة النبي J رثاه حسّان بعدة قصائد تعبّر عن صدق مشاعره، وخالص محبّته له. ومنها قصیدة تکلّم فیها عن المنبر والمصلی والمسجد والوحي، وذکر فیها بکاء الأرض والسماء، وعرض فیها بعض أفعاله J، وعبّر فیها عن شوقه إلی لقاء الرسول J في الدار الآخرة، و بیّن ما نعم به المسلمون من هدایة و رشاد، وهي قصیدة طویلة إخترنا منها الأبیات التالیة:

معهدٌ:ج معاهد، المکان المعهود فیه الشیء، المکان الذي لا یزال القوم یرجعون إلیه، المعروف.تَهْمَدُ: لم یکن بها حیاة ولا عود ولا مطر.
«والواقع أن هذه المدائح کانت في إبتداء أمرها تجري علی الطرائق الجاهلیة، ثمّ إنتهی بها إلی فن أدبي رفیع بـإسم فن البدیعیات، الذي نشّر بین النّاس أنواعا من الثقافة الأدبیة. وتجدر الإشارة إلی أن هذا الفنّ لم یقتصر علی البیئات الصوفیة وحدها وإنّما إهتمّ به عدد لا بأس به من الشعراء من غیر المتصوفة»، [زکي مبارک، محمد، المدائح النبویة في الأدب العربي، ص 18 – 14 .] ونخصّ بالذکر شعراء العصر المملوکي الذين فاقت قصائدهم «البدیعیة» سائر العصور.
تعرف المدائح النبویة کما یقول الدکتور زکی مبارک بأنّها فن:«من فنون الشّعرالتي أذاعها التصوّف، فهي لون من التعبیر عن العواطف الدینیّة، وباب من الأدب الرفیع؛ لأنّها لاتصدر إلاّ عن قلوب مفعمة
بالصدق والإخلاص» [زکي مبارک، محمد، المدائح النبویة في الأدب العربي، ص107.]المدح في اللغة: «مدح المدح في اللغة: أحسن الثناء علیه، ضد ذمّه».[معلوف، لویس، المنجد في اللغة، ، ص751.].
«أما المدح فقد خصّ بها أعلام عصره من الأفندیة، والأمراء، والعلماء والفقهاء، والقضاة، والمتصوّفة وغیرهم بالإضافة إلی المدح النبوی».[د. باشا موسی، عمر، تاریخ الأدب العربي ، ص 412.]
ویبدا الشاعر المادح في هذا النوع من الشّعر الدیني بأن یذکر النسیب النبوي ثمّ یذکر أبیات تضمّنت ذکر قبر، یظهر تقصیره في أداء واجباته الدینیّة والدنیویّة وکثرة ذنوبه، وکان طالباً من اللّه (عزَّوجل) التوبة والمغفرة، وینتقل بعد ذلک إلی المدح النبي Jوإنما رأیناه یکتفي بتکرار المعاني المعروفة لدی شعراء النبویات ثمّ ینشد أبیاتا لطلب شفاعته یوم القیمة، فقال یخاطب الرسول معتذراً ویختتم الشاعر هذه المناجاة النبویّة بذکر إسمه کعادته في أعظم مدائحه، بالإضافة إلی التغنّي، ویدعو من خلال هذا الإختتام بالصلاة والسلام علی النبيJ.
ومن المعلوم أنّ من عادة الشعراء المبالغة، وتجاوز قدر الممدوح فوق ما یستحقّه، لکنّ مدح النبي J لیس فیه من مبالغة، بل تقصیر وعجز؛ وعلی رأیی لن تجد أحدا من الخلق یبلغ بمدحه قدره.
فإنّ المدائح النبویة لایشبه بالمدح التکسبي أوالتملق إلي السلاطین والأمراء والوزراء، وإنّما هذه المدح خاص للنبيJ بالصدق والمحبة والعشق الروحاني.
«تطورت هذالأسلوب وإزدهرت عبر العصور عند ما أحسن المسلمون بالخطر والضعف تجاه العدو الغازی فظهرت القصائد الکثیرة في مدح النبي J وإنتشر المدیح النبوي علی نطاق واسع، وکان أفضل الشعراء لهذه الفترة هو محمد بن سعید البوصیري (695 ه) الذي برز بقصائده المشهورة في المدیح النبوي کالبردة والهمزیة ویمتاز شعر البوصیري بالرصانة والجزالة وحسن إستعمال البدیع في المدائح النبویة. ومما شاع في هذا العهد المدائح النبویة. فنظم البوصیري بردته الشهیرة التي مطلعها:

ذُو سَلَمِ: موضع قرب المدینة. جِیرَانٍ بِذِی سَلَمِ: هم الحجازیّون الذین عرفهم البوصیري أیام نزوله في الحجاز.
وکان في العصر العثماني، الشعراء الذين ینظمون القصائد في مدح النبيJ وذکر مناقبه الفاضلة وصفاته الحمیدة وذکر سیرته النبویة والأمکنة المقدّسة وکانوا یستفتحون القصیدة النبویة بمقدمة غزلیة صوفیة یتشوّقون فیها إلی رؤیة الشفی، وزیارة الأمکنة المقدّسة والحرم النبوي الشریف وکانوا یطلبون من النبي J الشفاعة یوم القیامة لتنتهِ القصیدة النبویة بالدعاء.
«یعد صفي الدین الحلّي بحق في طلیعة شعراء هذا العصر أغرم بالبدیع فکان أول من نظم القصائد، وتجمع أنواعه وتعرف بالبدیعیات.» [الفاخوری، حنا:تاریخ الأدب العربي ص 866.]
کانت النبویات المملوکیة حلود نکوصیة تعویضیة لمشکلات الإنسان العربي المسلم في عصر الممالیک، وفیه یقف الشاعر النبوي بین یدي الرسول، باکیاً شاکیاً متوسلاً ضارعاً، نادماً تائباً، فیعترف بإقتراف الذنوب، بالخطیئة الفردیة والخطیئة الجمعیة، طامعاً في طلب الصفح عنه وعن أمته، متوسلاً به Jفي تحقیق إلخلاص الفردي أو الجمعي أو هما معا، وفي النهایة یختتم الشاعر النبوي هذا العنصر الثالث والأخیر بطلب الصلاة الإلهیة الدائمة علی النبي J ویکون ذلک الدعاء إیذاناً بإنتهاء النبویة کلّها.
«قصیدة البوصیري (الکواکب الدریة في مدح خیر البریه) الشهیر بالبردة التي وقع الإجماع علی أنّها أفضل مدیح النبيJ بعد(بانت سعاد).» [الباجوري، إبراهیم، شرح البردة للبوصیري، ص4.]
«البوصیري نظمه نظم الدرّ والجوهر، قصیدته المشهورة بالبردة، وإنّما إشتهرت بذلک لأنّه لما نظمها بقصد البرء من داء الفالج، حتی أعجز الأطباء، رأی النبي J في منامه الرؤیا فقرأ له أبیاته وحینما وصل إلی هذا المصرع: «فَمَبْلَغُ الْعِلْم فِیهِ أَنَّهُ بَشَرٌ »
أنسی مابعده، فالرسول تعلّمونه وقیل له: قل هکذا؛

فمسح بیده علیه، ولفه في بردته، فبرأ لوقته وحینما إستیقظ من نومه وکان شافیاً.» [درنیقة، محمدأحمد، معجم أعلام شعراء المدح النبوي، ص 347.]
کان البوصیري من المؤسسین القصیدة المدیحة النبویة والقصیدة المیمیة الرائة.
إنّ بردة البوصیري، شأنها شأن سائر المطولات النبویة، هي في نهایة الأمر رحلة رمزیة في المکان والزمان، وتعبیر فنّی عن أسلوب الجماعة الإسلامیة في العیش إبان العصر المملوکي، ویصبح النبي Jهنا رمزاً للأمل الشعبي في الخلاص والتحرّر، بغیة إعادة التوازن للذّات المقهورة، الفردیة والجمعیة. والرسول J- بطل هذا النبویات الشعریة- یهدیء من روعّنا ومخاوفنا ویمنحنا مشاعر الأمن والحمایة.
کما قال الفاخوري حول شعر البوصیري: «رصانة وجزالة وجمال بدیعي ذلک هو شعر البوصیري في مدائحه النبویة؛ وهو في ما سوی ذلک هزیل لایخلو من الألفاظ العامیّة والسخف.» [الفاخوری،حنا، تاریخ الأدب العربي، ص483.]
في ضوء ماسبق، یمکن القول بأن البردة البوصیري تتبع في هیکلها العام ذلک النسق البنائي أو النظام الترکیبي للنبویات الشعریة عموماً، الذي یتکوّن من ثلاثة عناصر تکوینیة أو وظیفیة، تقع في مجملها في مائة وستین بیتاً، هي:
 مقدمة القصیدة، أو النسیب النبوي (الأدبیات من 33-1).
 الوسط أو العرض، أو التصوّر الملحمي الرسول الأعظم (الأدبیات من139-34).
 خاتمة النبویة، أو الإعتراف وطلب الخلاص (الأدبیات من160-140).
فهی من هذه الناحیة قصیدة «نمیطة» أو نموذجیة في شعر النبویات.
لیست الغزل والنسیب الکلمتان مترادفتین بالمعنی الأخص، ولکن بینهما فرقاً: إن النسیب ذکر خلق النساء وأخلاقهنّ، وتصرف أحوال الهوی به معهنّ، وقد یذهب عن قوم موضع الفرق بین النسیب والغزل، والفرق بینهما أن الغزل هو المعنی الذي إعتقده الإنسان في الصبوة إلی النساء نسب بهنّ من أجله، فکان النسیب ذکر الغزل والغزل المعنی نفسه.
«إن أغراض النسیب أربعة: هي الرمزیة المحضة والحنین والغزل والنعت.» [د. عبداللّه، الطیب، المرشد إلی فهم اشعار العرب وصناعتها، المجلد الثاني في الرموز والکتابات والصور، ص 874.]
إنّ البردة تلتزم بالنسیب النبوي الذي ینبغي أن یتحقق فیه الإرتحال الزماني من الراهن إلی التاریخي، والإرتحال النفسي في الوعي والشعور، من الواقع إلی المثال، من الإنفصال إلی الإتصال، من الموت إلی التجدد والإنبعاث، ثمّ الإرتحال المکاني، إلی الوطن العذراء، علی حد تعبیر شعراء النبویّات، أو إلی الوطن الأصلي کما یسمّیه المتصوّفة، والذي ینبغي أن تشدّ إلیه الرحال، فالرحلة من هذه الناحیة مقدّسة، فهي تمکین للقاء، وإعلان للهوی، وتأکید للحبّ والوصال، و هي السبیل إلی تداعیات الشوق والصبابة وذکریات الهوی والعشق، وتعبیرات الحنین، و هي السبل إلی تحقیق أمنیات الشاعر وأحلامه في «إستحضار» المحبوب والتوحّد فیه، بحثاً عن الدفء والحبّ والملاذ والأمن والحنان والرحمة، والحمایة، وإلتحقق، وهي السبیل إلی الإفصاح عن مشاعر الإغتراب والخوف والإضطهاد وأحاسیس الهجر والحزن والأسی والشجن والفني والسقم والفراق.
مختارات من الهمزیة النبویّة:

سَناً: النور، الضوء. سنَاءُ: العلو، الإرتفاع.

کلمّا جاءت فترة مدة ضل فیها النّاس عن الحق أرسل اللّه نبیاً یبشرّ قوم هو یحثّهم علی أن یصبروا لأنّ اللّه سیبعث محمداً Jخاتماً للرسل حتی یهدي النّاس جمعیاً.

صَمَّاءُ: قاسیة. فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِانْتَ : إقتباس من قوله تعالی مخاطباً النبي J:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّه لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.[ آل عمران: 158.]
«للبوصیري قصائد کثیرة، ولکن إشتهر بمدائحه النبویة، ألتي ذاعت شهرتها في الآفاق، وتمیزت بروحها العذبة وعاطفتها الصادقة وروعة معانیها، وجمال تصویرها، ودقة ألفاضها، وحسن سبکها، وبراعة نظمها؛ فکانت بحق مدرسة لشعراء المدائح النبویة من بعده.»[ د.دیوسالار، فرهاد، مختارات شعریة ونثریة من عصرسقوط بغدادإلي مطالع عصر الحدیث ، ص 33.] وقد شرح البردة عددکبیر من العلماء المسلمین الأعلام، وکثیرون الأخری، شرحها، وأیضا شرحها العلماء کثیرون بالفارسي والترکي.
«یبدأ البوصیري هذا العنصر، کعادة شعراء النبویات، بالتصریح بإسم الحبیب مقترنا بأخص خصائصه وأعظم صفاته - فیما یعتقد- ولیس محض مصادفة أن تکون هي - عند البوصیري- الصفات القومیة الدینیة، الدنیویة والأخرویة، یبدأ بها مباشرة _علی نحو إجمالي_ وصفه للرسول:

الْکوْ نَیْنِ: الدنیا والآخرة. الثَّقَلَیْـنِ: عالم الإنس والجن.
الإقتداء به عصمة لهذا الأمة، وخلاص لها من کل هول، وهو رمز وحدتها وتماسکها في مثل هذه الأوقات العصیبة من تاریخ الأمة. ولعل بدایة هذا التصور عند البوصیري علی النحو (التفاضلي) قومیا ودینیا، حیث النبي محمد J سید العرب والعجم مثلما هو سید الأنبیاء، یشي بالعبد القومي مثلما یشي بالعبد الدیني في هذا الصراع التاریخي.

مُلْتَمِسٌ: طالب. غَرْفاً: ماغرف من ماء ونحوه. رَشْفاً: الماء القلیل یبقی في الحوض.
فهو في هذا الصراع سیّد النبیین، وأعظم الرسل وأفضلهم في الصفات، ومثل هذا (التفاضل) إلحاد لایمکن إلّا أن یکون في مجال سطمته الأولی الصراع القومي والدیني العنیف، وهو بالفعل کذلک في مثل هذا العصر المملوکي. أما الفریق الآخر الذي ینتمي الیه البوصیري ویحظّی بتأییده ومبارکته فهو المتصوّفة الذين یؤمنون بنظریة الحقیقة المحمدیة أو النور المحمدي، التي تضفي علی الرسول ما شاء أصحابها من خوارق ومعجزات وآیات لاحصر لها ولا مستحیل أمامها.
إنّ البوصیري -شأنه النبویات- یعیش حالة إغتراب حادة تجاه ما هو کائن، واقع، حاضر. ومن ثمّ کان خوفه، وکانت ضراعته وتوسلاته، وکانت أمانیه وأحلانه تجاه مال ینبغي أن یکون. ولکي تتحقّق هذه الأحلام والآمال والأمنیات في الخلاص، الفردي والجمعي، الدنیوي والأخروي، عند شعراء النبویات، فإنّ هذا الخلاص (أو طلب الشفاعة) فیما یعتقد المسلمون بعامة لا یتأکد ولا یتجدد إلّا إذا إقترن بطلب الصلاة الالهیة الدائمة المستمرة علی الرسول، والتسلیم علیه دائما أبدا، تنفیذا لأمره تعالی ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56.] واستناداً إلی بعض المرویات الدینیة.
ومن هنا کان حرص شعراء النبویات -ومنهم البوصیري- علی إختتام نبویاتهم بهذا الدعاء، حتی بات تقلیداً فنیاً لابد من مراعاته عقب طلب الشفاعة أو الخلاص مباشرة لنیل الرحمة التي رتبها اللّه علی مثل هذه الصلاة علی النبي وهي- أي الرحمة – أقصی ما یطمح إلیه شعراء النبویات وجمهورهم العریض في نهایة الأمر أو النبویة وانشادها.
مثل هذا التصوّر الملحمي للبطل في سیرنا الشعبیة لا یختلف کثیرا عن هذا التصوّر الشعبي الملحمي للرسول، کما صوّرته النبویّات في العصر المملوکي، بل هو متأثر به حیث هو نبع إلهام و نداءات للإرتفاع، ودعوة للإقتداء، فالرسولJ) هو البطل الدیني والقومي والعسکري، و هو المثال أو النموذج (التاریخي) الذي إعتصمت به الجماعة في سالف العهود، وبمقدورها أن تعتصم به من جدید، فهو Jسید التاریخ، والمجتمع الحاضر، و هو المستقبل کما ینشد، الوجدان القومي والدیني للأمة العربية، في ضوء ما تعکسه وتؤکده مردداتها الشعبیة والدینیة والصوفیة، صورة شعراء المدیح النبوي الأوائل من أمثال کعب بن زهیر وکعب بن مالک وحسّان بن ثابت ومعاصریهم، وبین التصوّر المتأخر للرسول ص) عند شعراء المدیح النبوي المتأخرین الذين أحالوا شخصیة الرسول Jسیرته إلی سلسلة طویلة متصلة من الخوارق والمعجزات.
وفي ضوء أوصاف الملحمي، أو شبه الملحمي لبطولته العسکریة، وغزواته ذهب معظم الباحثین إلی أن نبویات البوصیري لها وظیفة تحریضیة، أو دفاعیة، ومن ثمّ فقد صنفها بعضهم في شعر.

فهرس المراجع و المصادر

1- القران الکریم.
2- بوصیري، محمد بن سعید، دیوان البوصیري، ، منشورات سید محمد کیلاني، مصر ، 1955م /1374ه.
3- درنیقة، محمد أحمد، معجم أعلام شعراء المدح النبوي ، دار المکتبة الهلال، بیروت، 2003م.
4- د. دیوسالار، فرهاد، مختارات شعریة ونثریة من عصرسقوط بغدادإلي مطالع عصر الحدیث، چوک آشتیان، ایران، 1387 ش .
5- د. فروخ، عمر، تاریخ الادب العربي، بیروت، دار العلم للملایین، الطبعة الاولی 1979م.
6- د. موسی باشا، عمر، تاریخ الأدب العربي، دار الفکر، دمشق، 1999م .
7- زکی مبارک، محمد، المدائح النبویة في الأدب العربي، طبع المکتبة العصریة، الطبعة الأولی، صیدا، بیروت، 1935م .
8- الطیب، عبداللّه ، المرشد إلی فهم اشعار العرب وصناعتها، دار الفکر، الطبعة الأولی،بیروت، 1421 ه .
9- الفاخوري، حناّ، الموجز في الأدب العربي وتاریخه، الأدب في الأندلس والمغرب أدب الإنحطاط، دار الجیل، بیروت، 1411ه.
10- الباجوری، الشیخ إبراهیم، شرح البردة، مکتبة الآداب، ملتزم الطبع والنشر القاهرة، 1267م.
11- الزّیات، أحمد حسن، تاریخ الأدب العربي، انتشارات جامعة آزاد، شیراز، 1373 ش.
12- معلوف، لویس، المنجد في اللغة، الطبقة الخامسة والثلاثون، طهران،1383 ش.

جامعة آزاد الإسلامیة في کرج
کلیة الأداب واللغات الأجنبیة قسم اللغة العربیة وآدابها
العنوان الرسالة: ( الشعر الدیني ومظاهر تشکله في العصر المملوکي)
الأستاذ المشرف:
الدکتور فرهاد دیوسالار، بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج
الأستاذ المشرف المساعد:
الدکتور محمد گلچوبي، بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج
الطالبة: زهرا داود نجاد
سنة: 1393 هـ. ش/ 1435 هـ . ق
عنوان المقالة بالإنجلیزیة:
العنوان المقالة الأولی: المدیح النبوي في الشعر المملوکي: Tithe: Prasing The Prophet In Mamlok Poetry
العنوان المقالة الثانیة: الشعر حول مسجد الأقصی في العر المملوکي: Title: Poetry About Aqsa Mosque In Mamluk Era
اسم الجامعة بالإنجلیزیة: Islamic Azad University Karaj Branch,Department Of Arabic Literature, Karaj,Iran


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى