الاثنين ٢٥ أيار (مايو) ٢٠١٥
« رُؤى ثقافيّة»
بقلم عبد الله بن أحمد الفيفي

فارقُ التَّوقيت بين غرناطة ومجريط (*)

(جِداريـَّـة)

إذا لم تَستطعْ شيئًا، فخُذْهُ،
ولا تَجْتَزْهُ؛ فَهْوَ سَيَسْتَطِيْعُ!
 
1- تراجـيـع
صَرَّحَتْ بِالهَـــوَى إذْ رَمَتْ أَجَـلِـي
شاهَتِـيْ(1) وانْثَـنَتْ طِفْلَـــةَ المُـقَـلِ
مَــنْ رأَى بَيــْنَــنا فِـتْـنَـةَ الغَــزَلِ
.................. ................
.................. ................
وشِهابُ الزَّمَنِ الآفِـلِ يَنْداحُ ضِــياءً وحُــداءَ
وعلى ثَهْمَدَ يَلْتَاثُ كطَيْــفَيْنِ نُواسًــا وغِــنـاءَ
وعُيونًا سُحُبًا تَهْطِـــلُ خَــيْلًا وخَيَـالًا ولِقــاءَ
وتَسامَــيْتِ بآطامِكِ كَرْمًا ونِصــالًا ونِــــداءَ
فأَتَيْــناكِ فُرَادَى بِخُطًـى تَلْتَحِفُ العِشْقَ سَــماءَ
..............................................
..............................................
وتَعَلَّقَتْ لُغَــةُ الجَــوَى قَلْـبًا تَدَلَّــهَ واسْتَــهامْ
أَمَرَ الأَوانُ زَمانَهــا فَهَفَـتْ حَـمَامـاتُ السَّــلامْ
فتَعانَقا.. ما غَــاضَ بالصَّفْـواءِ يَنْـبُوعُ الغَــرامْ
نَمَيَا معًا.. دِفئًا يَلُوْبُ.. ونَشْوَةُ الوَعْدِ اضطِـرامْ
...............................................
...............................................
وفي ذاتِ عَصْـرٍ تَسَوَّرَ طَيْفُ الغُرابِ الجِــدارا
غَــرِيْبَ المُحَــيَّا قَرِيْــبَ الحُمَــيَّا تَدَلَّـى ودارا
ومَـــرَّ على العاشِقِــيْنَ يُــراوِدُ جــارًا فجـارا
ودارَ .. ودارَ .. ودارَ .. ودارَ .. ودارا
وخَلَّــفَ مِنْ رِيْشِــهِ في القُلُــوبِ الحَيَـارَى..
...............................................
و ط ا ر ا
!!!
* * *
 
2. البارحة
هُنا وَقَفْتُ البارِحَةْ..
هُنا وَقَفْتِ البارِحَةْ..
والبارِحاتُ مَرَّتْ، يا حبيبتي.. والحُبُّ مرْ
كأُغنياتِ مِعْوَلٍ(2)
تَسيلُ في مَدارجِ الفَضاءْ
عَطْشَى تَشِيْمُ دَمعةَ الـ (دِّ) ماءْ..
أ قُلْتُ: «ماءً»، أم «(دِ) ماءْ»؟!
ففي مَدَى الدَّالِ تَدُوْلُ بَيْنَنا الدُّوَلْ
وكالغِناءِ في الصَّباحِ
يُوْلَدُ العَناءُ في المساءْ
وثَمَّ دالٌ تَرشُقُ الحياةَ دائـمًا بِلَثْمَةِ الفَنَاءْ
......................................
لا شيءَ هاهُنا يَعِيْ الْتِفافَ العُمْرِ في مَساربِ الشَّجَنْ
لا شيءَ، يا حبيبتي،
إلّا أنا..
إلّا أنا..
وأنتِ، يا حبيبتي،
وجَذَوَةُ الوَقْتِ المُقِيْمِ بَيْنَنا..
وذاك الشِّعْرُ والوَطَنْ..
خرائطُ الفِتَنْ!
 
لا شيءَ، يا حبيبتي،
يَرُدُّ شيئًا لم يَشَأْ ولم يَـحِنْ
لا شيءَ، يا حبيبتي،
يَرُدُّ شيئًا لم نَشَأْ
ولم نُرِدْ لَـهُ بأنْ يَحـِيْنْ
ولم نَحِنَّ، نحنُ، يا حبيبتي،
نَحِنَّ، نحنُ، يا حبيبتي،
لهُ بأنْ يَحـِيْنْ
لِيَشْرَئِبَّ مِن دَفاترِ السِّنينِ غُصْنُـهُ..
لَوْ بَعْدَ حِيْنْ
...................................
وآهِ، يا حبيبتي، لَوْ تَعْلَمِيْنَ..
آهِ، يا حبيبتي، لَوْ تَعْلَمِيْنْ!
فكُلَّما رأيتُ شالَ هذا النَّهْرِ
يَنْـثَني على الضِّياءْ
والآبَـنُـوْسَ غَيْمَتَـيْنِ
حَفَّـتَا الرُّخامَ كالجَـنِـيْنْ
وطافَتِ الأَنامِلُ الحَرِيْـرُ تَغْزِلُ الـمَساءْ
كحُمْرَةٍ
يَذُوْبُها في القُبْلَةِ الأُوْلَى مُهاجِرٌ حَزِيْنْ
وبَيْنَ راحتَيْكِ نامَتْ أُحْجِيَاتُ الحُبِّ والغِناءْ
والوَجْدُ راحَ يَبْـتَـنِـيْ على النَّسِيْمِ مَوْعِدَهْ
وحَدَّثَتْني مِن جَديدٍ قَوْلَها غَيْرَ المُباحْ
روائحُ الخُزامِ والبَشَامِ والأَقاحْ..
شَظَّتْ مَرايا اللَّيلِ فِيْكِ
ن / ش / و / ةُ ا / ل / ص / ب / ا / حْ
ودَوَّمَتْ تَجاعيدُ الثَّوانيْ
ب . ا . ر . ح . ةْ
!!!
* * *
 
3. مُـدَّ دَمَـك !
مُدَّ دَمَكْ
لستَ تُصافِحُ إلّا يَدَكْ
لستَ تُصافِحُ إلّا دَمَكْ
 
مُدَّ جَداوِلَ أَدْمُعٍ ودَمٍ تَغَشَّى مِعْصَمَكْ
كَمْ في بَناناتِكَ أطفالًا يَضِجُّونَ.. وكَمْ
في راحتَـيْكَ يَـئِنُّ قَتْلَى وثَكَالَى..
مُدَّها..
مُدَّ دَمَكْ..
ما أَعْدَلَكْ!
....................
تَدْعُو لَكَ السُّجُونُ
والسَّهْلُ والحُزُونُ
والمَسْجِدُ المَصُونُ
ومَوْتُنا الفُنُونُ:
أَنْ يَنْصُرَكْ
مُدَّ دَمَكْ
....................
* * *
 
4. فارق التوقيت
بَيْنَ عِذْقِ النَّخْلَـةِ الأُوْلَى ومَوْجَـاتِ الإذاعَــةْ
ونُخَيْلاتٍ تَهَاوَى.. فـارِقُ التَّوْقِيــْتِ سَاعَــةْ
مِثْلَما أَنْكَرَ- رُغْمِيْ- سَيْـفِيَ الهِنْدِيْ الْتـِماعَـهْ
أَنْكَرَ النَّخْلُ صَباحًا في ثَرَى العَــيْنِ ارتِفاعَــهْ
شَطُّـهُ الأَقْصَى تَعَرَّى شَطْـرُهُ الأَدْنَى مَجــاعَـةْ
أَيُّ صُبْحٍ دَجَّــنَ النَّخْــلَ زُرافــاتٍ ورَاعَــهْ
مَنْ تُراهُ- يا رفيقي- باعَ نَخْلَ العُمْرِ، باعَــهْ؟
صَفْقَـةٌ ما بَعْدَهــا للنَّاسِ في السُّوقِ بِضاعَــةْ
يا خَرِيْفَ العُمْرِ، لا بُوْرِكْتَ نَخْلًا مِن وَضاعَةْ
لَيْتَني ما عِشْتُ يَوْمِيْ.. لا، ولم أُدْرِكْ سَماعَـهْ!
صَفْحَةٌ سَوداءُ حَسْبِيْ مِن سَوادٍ في نَصَاعَــةْ
سَطْرُها الأَوَّلُ كِذْبٌ سَطْرُها الثانـي لَـكَاعَــةْ
- هل لهذي الحَالِ حَلٌّ؟ قُلْ لنا، يا ذا البَراعَةْ!
- حــينما تُنْـتَزَعُ الذَّاتُ مِــنَ الذَّاتِ انْتِزاعَــةْ
قُــلْ على الدُّنيا سَلامٌ! كُلُّ مَعْنًى كالفُقاعَــةْ!
كُلُّ حَرْفٍ ثـَارَ شَمْشُوْنًا، فمَنْ يَلْوِي ذِراعَـهْ؟
يَرْتَدِيْ التَّلْمُــوْدَ «بِشْتًا» ويُصَلِّي بالجَماعَــةْ!
* * *
 
5. صوت
 
ما أَسْمَعُهُ..
هل يَسْمَعُني؟
هَمْسًا يَسْتَلُّكِ مِن شَمْسِـي
يَسْتَلُّكِ مِن أَمْسـِي
فيُضيءُ دَمِي
طَيْرًا مِن كَلْماتِ الفِيْدا/
الإنجيلِ/
القرآنِ «الأَصْلِيِّ»
بِرَفَّـتِـهِ
تَتَوارَى صُفْرَةُ صَوْتي
أجنِحَتي الكَسْلَى تَعْشَوْشِبُ أُغْنِيَةً حُوْرِيَّـةْ
إِذْ تَرْقُنُ
بَيْنَ
حَنايا
الرُّوْحِ
مُعادَلةً فَجْرِيَّـةْ
لُغَةٌ أُخرى تلكَ..
هاتي لُغَتي الأُوْلَى
الْـ.. تَبـْنِـيْ نَخْلِيْ الطُّوْلَى
حَرْفًا
حَرْفًا
رَقْـمًا
رَقْـمًا
في ضَحْوَةِ يومٍ
لا يَـتَجَلْبَبُ أَلْوانًا قَزَحِيَّـةْ
...
ها إنِّي أَسْمَعُهُ..
أو لا..
مَنْ يَسْمَعُهُ؟..
فأنا في ماءِ السَّاعةِ مَغْمُوْسٌ..
 
لكنِّي أَسْمَعُهُ:
ذِئبًا يَتَخَلَّقُ مِن جُوعي الحافي
يَعْوِيْ بِكِ فِـيَّ
ويَلْعَقُ في صَوتي دَمـَـهُ
ليُحِيْلَ اللَّيلَ نهارا
ويَـرُدَّ الهَجْعَـةَ نارا
ويَسُدَّ الأُفْقَ مَحارا
...
أفروديتُ،
 
ها إنِّي أَسْمَعُكِ..
فإلى مَ، ورَبِّكِ، أُصْغِي وَحْدِي
يَكْلَحُ في وَجْهي وَجْهُ اللَّيلِ..
تَتَراقَصُ قُدَّامِيْ أُنْثَى الغُوْلِ
...........................
«أَ مَا أَنْفَكُّ مُتَّـكِئًا عليها//
لِأَنْظُرَ مُصْبِحًا ماذا أَتاني،
إذا عَيْنانِ في رَأْسٍ قَبِيْحٍ//
كَرَأْسِ الهِرِّ مَشْقُوقِ اللِّسانِ؟!»(3)
...........................
وكَهامَـةِ أَمْسِيْ
هامَةُ رَأْسي
تَعْوِيْ:
اسْقُوْني!..
اسْقُوْني!..
اسْقُوْني!..
 
يَرْتَدُّ الصَّوْتُ..
تُناديني:
اسْقُوْني!..
اسْقُوْني!..
مَن لي؟!
لا ماءَ اليومَ ولا خَمْرا
لا خَمرَ اليَوْمَ ولا أَمْرا
 
لكنِّي أَسْمَعُهُ/
أو أَنِّي أَسْمَعُني؟!..
مِن خَلْفِ فَحِيْحِ السَّدِّ..
مِن بَـيْنِ صَهِيْلِ الرَّدِّ..
وعلى الجُدْرانِ،
يُوَقِّعُ لَـحْنًا مَبْحُوْحًا
وأكادُ أَرَى..
لَـفَـتَاتٍ مِنْهُ تَراني!
تَصْفُوْ بَـيْنَ دَمِيْ وفَمِيْ حِبْرًا أَخْضَرْ
شَلَّالًا عِطْرِيًّا
ما ضَمَّتْ
- يا أنتِ -
في ثَوْرَتِهِ كَغَدائرِكِ الفِتْـنَـةْ
كسَنابِلَ مِن ذَهَبِ النَّجْوَى
ماجَتْ
تَتَساءلُ في قَلَمي
..
يا لُؤْلُؤَتي،
ها إنِّي أَسْمَعُكِ!
صَوْتًا كَثًّا كالرَّغْوَةِ
يَغْشَاني كُلِّي
يَصْحُو في كُلِّ مَساماتِ النَّمْلِ
بِشِتاءِ الأَريافِ الباكيْ صَيْفَ المُـدُنِ!
...
ها إنِّي
الآنَ بصَوتي أَسْمَعُكِ!
إنِّي...
رِيْحًا تَجري بدِمائي
لكنِّي..
أَخْشَى
أنْ لا تأتي..
أَبـَـدًا..
أو أنْ تأتي إذْ لستُ أراكْ!

(*) هكذا كان العرب الأندلسيُّون ينطقون اسم (مدريد).

(1) الشاهَة: أُنثى الشَّاهين، وهو طيرٌ جارحٌ معروف، مِن فصيلة الصقور. وتُسمَّى بلهجة فَـيْـفاء: شاهية. وفي لهجات البادية: شاهَة. ومن أسماء النساء: شاهَة، وشيهانة. وهي معروفةٌ بسعة الحدقة وحِدَّة البَصَر. وربما استُعمل الاسم في مؤنَّث (شاه)، ويعني: مَلِك الملوك بالفارسيّة.

(2) طائرٌ يصيح في أيّام القحط بصوتٍ حزين، كأنه العَويل؛ ومِن هذا لعلّها اشتُقَّت تسميته بـ«مِعْوَل». وتَزعم الحكايةُ الشعبيّةُ في موطن الشاعر أنه إنما يَستدرُّ السماءَ لتُمطرَ، فيظلّ في صياحه هذا حتى تنزل له من السماء قطرةُ ماءٍ، لتَخْرُجَ منه وقد صارت قطرةَ دَم.

(3) البيتان لتأبـَّط شَرًّا. والبيت الأوَّل لديه: «فلم أَنْفَكَّ مُتَّـكِئًا عليها».


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى