الأربعاء ٢٧ أيار (مايو) ٢٠١٥

قراءة في رواية «في كانون يموت الحب حياً»

وفاء ابريوش

بين البرد الماديّ و المجازيّ وُلد في كانون الحب.. فتناثر المطر على طول خط الرواية في شتاء الخليل البارد.. الذي تخللته بعض الثلوج كصفعات طبيعية و نفسية في ذات بطلة الرواية "ندى".. التي عانت في ظل هذا الفصل المتكرر الزمهرير الداخليّ الذي كان يكوّن الصقيع في جنبات نفسها.. و يجعلها عُرضة لنهش الغُربة الأبيض.. و تضاد ما تربّت عليه و ما حاولت أن تذيبه طوال شتائها الروحانيّ القارس.

الصراع "صلصال" أحمد الحرباوي الذي كان يشكله بمهارة عالية.. بين الشخصيات الرئيسة و الثانوية.. و بين الأيدولوجيات التي طُرحت من وجهة نظر المُستَعمر و المُستعْمِر.. و التي تجلّى فيها وعي الكاتب فيما يحيط بوطنه من تهديد حقيقي.. و إقرار أن الفلسطينيي لا يعادِ اليهودية كدين و لا كإنسان بل نزاعه قائم مع المنظمة الصهيونية التي اغتصبت الأرض.. و قتلت و شردت أهلها و أجرمت في حقهم.. و مؤرخاً في السياق لمأساة الشعب الفلسطيني من تهويد لآثاره في " تل رميدة " ص59 و فاجعة مجزرة الحرم الإبراهيمي ص 51.

و كان الصراع على أشدّه في نفس البطلة حين كانت تطرح أفكارها الحميمة على نفسها.. إذ تهاجم الحبيب و تتوعده و تلين حال رؤيته.. أو في التوتر الشديد من نظرة المجتمع و العجوز الذي يحمل فأس العيب فوق رأسها.. أو بينها و بين والدها و أمّها التي هي عامل ضغط بحكم ما نشأت عليه.

الأبطال الثانويون هم أيضا في خضم دائرة الصراع يخدمون الموقف الذي تتبناه ندى.. و يساعدونها بطريقة غير مباشرة في بناء قناعاتها نحو صحة ما تفعله أو في انجرافها العاطفي.. مما أجّج التشويق و جعل القارئ في حالة دهشة متواصلة إزاء النتائج المرتقبة و المتوقعة.. هذه الكتابة التي تحمل كماً هائلاً من القلق و المجهود الفكري لرص المفاجآت تُحسب كنقطة قوّة في استدراج القارئ نحو نهاية روايته من قبل الكاتب المبدع.

ارتكزت الرواية في أغلبها على الحوار الداخلي " المونولج " الذي كان على لسان " ندى " البطلة و الراوية للأحداث.. كما تخللها حوار خارجي " الديالوج " مؤثر في غير محل.. و كان الحوار في خدمة ثالوث البطلة الذاكرة و الحنين والنسيان.. إلى أن أتم الروائي " أحمد الحرباوي " الخاتمة بمشهد المطر و الأغنيات و الحقيقة المتشظية بين ثالوث البطلة.. لغة الرواية لغة السهل الممتنع.. ذات بنية سردية متماسكة و صور فنية ماتعة و عمق فني فلسفي ميّز هوية الكاتب و أسلوبه.

يُحسب للمؤلف ترك ساحة الحدث فالقارئ لم يشعر بوجوده في الراويه.. لأنه وهب الحدث بذكاء لأبطاله و ترك القارئ بضيافتهم.. و على طرقات أفكارهم التي قد تنسجم مع مُعتقد القارئ أو تختلف معه.. حيث تُركت هناك أسئلة مفتوحة على البحث و التأمل منها :

إثارة قضية الحجاب في غير موضع منها في ص24 و ص48 و 92 حين خلعت "ندى الحجاب في حضرة وائل رغم عدم حضور الدهشة في ملامحه".. هناك سؤال مفتوح هل الحجاب عائق في تقدّم المرأة العربية؟ و حين خلعته ماذا أضاف لها ذلك؟ ألسنا في الغرب و الشرق نتخاصم على طول و قصر قماش لباس المرأة فهل هي قضية جوهرية حقيقية للصراع الداخلي و الخارجي و ماذا ستكون نتيجتها؟أليست المرأة المُحجبة عرضة للنقد و التهديد حتى في أكثر المجتمعات تحرراً و التي تدعي إطلاق الحريات حتى علمانية دولتها مثل فرنسا و تركيا و غيرها كثير لماذا يظل الرهان على القماش في تقدّم المرأة؟

استعان الكاتب في موضعين لتوضيح مقصوده في حكم المماليك ص 9 و الروزنا ص39 حبذا لو كان التوضيح في نهاية الصفحة حتى لا يتسبب في تشتيت القارئ.

في النهاية كانون قد يُجمّد كل شيء.. إلا أنه أطلق إلى سماء الأدب العربي روائيّ فلسطينيّ ذا علامة فارقة في اختراق تابو الآخر المغاير و الحديث عنه بشفافية و حيادية.. بلغة عقلانية وجدانية عميقة.. إذ أبرز منهجاً فكرياً تحررياً مصطبغاً بالطابع الأدبيّ.. مما منح الرواية قيمةً وطنية و اجتماعية و إنسانية و لغوية.. لقد اختار " أحمد الحرباوي " درباً شائكاً و فيه الكثير من العقبات و المفاهيم المجتمعية البالية إنه يحاول أن يجيب عن سؤال مُخيف.. " و إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قُتلت " لقد أجاب عن بعض الأسئلة " في كانون يموت الحب حيا " و مازال مضمار الإجابة الحر مُشرع.. فأتمنى له التقدّم في كل إجابة و أدب قادم.. لأنّ من أحيا نفساً كأنما أحيا الناس جميعا.

وفاء ابريوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى