الأربعاء ١٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٥
بقلم وديع العبيدي

إلى الأم العراقية

(في الدكرى السنوية الأولى لوكسة حزيران العراقية – العاشر من حزيران 2014!)

إذا كنتُ مؤتلقاً كالقمرِ
إذا كنتُ مزدهراً كالشّجرِ
وكانتْ رياحي ربيعيّةً
وكلُّ غصونيَ مثقَلَةً بالثّمرِ
وكانتْ حوالَيَّ أحلى البناتِ
يغنّينَ.. يرقصْنَ رقصَ الغجَرِ!
أكانَ يخامِرُني بعضَ لحظة..؟
بأنَّ سنيني ستركُضُ
ربيعي سيقصُرُ
غُصُوني تَجِفُّ
خطايَ ستدنو من المنحَدَرِ..!.
*
ولا كنتُ أحلُمُ يوماً
بأنَّ بلادي
تطاردُ فيَّ فتاها
ولا ماءُ دجلةَ
ونخلةُ حمدانَ
وصورةُ أمّي
تعِنُّ علَيَّ
إلى أنْ تموتَ بدوني
وتتركَني
فتاها المُراهِقَ
صديقَ الجرائدِ والمكتباتِ
تسلمُني تارةً للحروبِ
وأخرى لِبردِ السّجونِ
حتى تضيقَ البلادُ
تضيقَ بأرضي العِبادُ
وتسألُني خطوتي كيف ضعْتُ!
وضاعَتْ بلادي
لتصبح شيئا من الدكريات
ومن قصص الليل والخمر والكان كان..!
ودارتْ علينا البلاد
دارتْ علينا المسافاتُ
حتى اجتمعنا فِتاتٍ
بأرضِ بلادِ الشّتاتِ
نَحِنُّ إلى الأمسِياتِ
ولهْوِ المقاهي
لِبَرْدِ المَحلاّتِ
لَعِبِ الدّرابينِ
شَعْرِ البناتِ
لِبَعْضِ الأناشيدِ والأغنياتِ
فيا ليتنا ما كبُرْنا
ويا ليتنا ما تركْنا حصونَ طفولتِنا
وألعابَنا المُستحيلةَ
لِنًمْسي ضَحايا المجازِرِ
وقودَ الحروبِ
وأسرى السّجونِ
بين الرفيقِ وبينَ المُناضِلِ
وتُمْسي القَوادَةُ في وطَني حِرْفَةً
وأبناءُ شعبي مشاعِلَ
ويا.. ليتَنا!!.
*
أحِنُّ
فَيجْهَشُ في داخِلي الطفلُ
إلى خبْزِ أمّي
وتنّورِ أمّي الصّباحِيِّ
وبسمَةِ أمّي
لونِ القميصِ الذي ترتديه
إذا خبَزَتْ!..
أحِنُّ إلى..
نخلِ ديالى.. بساتينِهِ
ونهرِ خريسانَ.. رهبتِهِ
وليلِ ديالى
ما أوحَشَ الليلَ عندَ ديالى
حين ينامُ الوجودُ
إلاّ مياهُ ديالى وصوتُ ينابيعِهِ
خطا كيلومتراتِهِ المستفَزّةِ
بليلِ الإجازةِ!..
فتصرُخُ في داخلي مهرَةُ الاشتياقِ
أعيدوا زماناً تولّى!
أعيدوا إلينا العراقَ!!
أعيدوا طفولتنا المستباحةَ فيه
أعيدوا رجولتنا المستباحَةَ حدّ النِّفاقِ
أعيدوا إلينا أناشيدنا المدرسيَّةَ
بؤسَ المحلاّتِ وبهجتها!!..
والطمأنينةَ المستلَذَّةَ فيه!
فهذا العِراقُ العِراقُ العِراقُ
كلُّ بلادِ البسيطةِ
ليستْ تعادِلُ دَرْبونَةً في العِراقِ
وكلُّ صباحاتِ هذي الخليقةِ
ليستْ تعادلُ صبحيَّةً في العِراقِ!!
وأحلى ليالي الخليقةِ
ليستْ تعادِلُ ساعةً
من سطوحِ ليالي العِراقِ!!
ولا النجمُ.. لا القمرُ المستديرُ
إذا ما تغَشّى وراءَ النخيلِ!
وكلُّ نساء الخليقةِ ليستْ تعادِلُ
بسمةَ أمّي.. فرحَةَ أمّي
ولا حزنَها المستديمَ بِليلِ الشتاءِ..!
*
ديالى.. ديالى
العراق.. العراق
مقابرُنا أينَ أمسَتْ..
دكاكينُنا أينَ أمسَتْ..
دفاترُنا والتصاويرُ..
ومَنْ ظل مِنْ أهلِنا الأولين
أهلِنا الأقدمين
أهلِنا الآهِلينَ بِروحِ العراق
ومَنْ يسكنُ اليومَ مَنازلَنا
تلكَ البُيوتَ التي خلفوها
وكم مرة زوروا في الوثائق والسجلات
واستحل الأجانب ربع طفولتنا
آآآآآه.. ما أصعب هدا العراق
ما أصعب أن لا تلتقي سحنتان
ما أصعب أن لا تلتقي راحتان
ما أصعب أن يتلون حتى الكلام بسم الطوائف
وأن يخرج المرء من جلده كي يعيش
وأن ينزع المرء من فكره كي يعيش
وأن ينكر ابن آدم حق أصالته
وعواطفه حسب هوى الغاصبين
دُوَيْجِيَةٌ.. دُوَيْجِيَةٌ كالقدر
سُحَيْلِيَةٌ.. سُحَيْلِيَةٌ.. لا مفر
كلُّ الدّروبِ تجاه الجنوبِ
ونحنُ نشِقُّ تجاه الشمالِ
كلُّ جيوشِ الخليقةِِ تمضي تجاهَ بِلادي
ونحنُ نغادرُها هاربينَ
أيخشى ابن آدم أهلَهُ..؟
أيخشى بلادَهُ..؟
ويطلُبُ منخى لدى الغرباء!
أضيئوا شموعاً لهذا العزاء..!
أضيئوا شموعاً لهذا العزاء..!
فأمَّتُنا أمَّةٌ أشقياءٌ.
نُسمّيه ردَّةَ الفكْرِ
نسمّيهِ ردَّةَ الوعي
صدمةَ الفكرِ.. صدمةَ الوعي
نوعاً من الانتحارِ..
نُسّمّي بلاد البساتين منفى
وهذي المنافي لنا وطناً!
نُسَمِّي الغريبةَ أمّاً وأختاً
وننسى اللواتي وراءَ البحارِ
يخطْنَ ملابسَنا المدرسيّةَ
وينسجنَ صوفاً لبردِ الشتاءِ
أليسَ غريباً علينا
أنّنا الآنَ نستبدِلُ ماء الفراتِ
ببعضِ الخمورِ الغريبةِ
أطفئوا الآنَ ضوءَ قناديلِكم
فهذي دماءُ الضحايا تضيءُ
فلولاً دماءُ الضَّحايا
لولا المُضَحّينَ في بلدِ الرافدينِ
لما أتخمتْ فئةٌ في البلادِ
وما طورِدَتْ أمّةٌ في الشتاتِ
وما مُسخَ العبدُ والاعتقاد
وأني لأسألُ ربَّ العِبادِ
كمْ بتعذَّبُ....
يُعَذَّبُ باسمِ العراقِ
وكمْ طفلةٍ أو صغيرٍ تَيتَّمَ
كم امرأةٍ تترمَّلُ في كلِّ يومٍ
فباسمِِ المَهاجير في بلدِ الرافدين
باسمِ اللواتي يبعْنَ أثاثَ المنازِلِ
وصيغتَهُنَّ.. ملابسَهُنَّ..
ستراً من الجوعِ..
لقمةً للصغارِ
أنادي عليكُم
ضدَّ مَنْ هوَ هذا الحِصارُ؟!!
ضدَّ مَنْ هوَ هذا التحِالُف واقتناء السلاح؟!!
وعَمَّنْ يدافِعُ هذا المقاتلُ..؟
وعمّن يجاهِدُ هذا المجاهدُ..؟
وهذا العِراقُ يضيعُ
وأمّتُهُ تذبَحُ في النّهارِ!
أراضيه مقسومة للجوار
وأهلوه للسبي والقتل والاحتضار
كفانا ادعاء.. كفانا هراء
كفانا جيوشا وأسلحة وهزائم
كفانا مجازر
كفانا رياء
جماهيرُنا تسكنُ في العراءِ
يحاصِرُها الجوعُ والقلقُ الوطَني
وصارَ العدُوُّ على كلِّ بابٍ
يَدُقُّ فتستقبِلهُ الأنظمةُ
سواء.. سواء
عَلَناً أو خَفاء
فكُلُّهُمُو ضِدَّنا يا ضحايا..
وكلٌّ لهُ دورُهُ في القيامَةِ
ويبقى العزاءُ
لنْ ينفَعَ البلدُ الأجنبيُّ
ولا الادعاءُ
ولا قولُ بعضِ الجماعةِ
بأنّا من الوطنِ أبرياءٌ
وأنَّ السياسةَ داءٌ
لا تهربوا في الشتاءِ!
ولا ترجعوا في الربيعِ!
لقد ذبحوا قمراً في اليمامَةِ
فلا تذبحوا قمراً في العِراقِ
لقد قتلوا أمّتي في فلسطينَ
فلا تقتلوا أمّتي في العراقِ!!..

بحسب التقارير الدولية يوجد سبعة ملايين أرملة ويتيم في العراق،
وأكثر من عشرة ملايين لاجئ ومهجر داخل العراق وفي دول الجوار، وذلك جراء الحروب والعنف الداخلي أو التطهير العرقي والطائفي للمدن العراقية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى