السبت ١٣ حزيران (يونيو) ٢٠١٥
إهدار مليار جنيه بسبب
بقلم عادل عامر

إهدار الوقت في الجهاز الإداري بالدولة

يخسر الاقتصاد المصري من الفساد المالي والإداري بحوالي100 مليار جنية سنويًا، وهي قيمة ما يمكن أن توفره الدولة إذا قضت علي الفساد. أن نشر مثل هذه القضايا ينفر الاستثمارات الأجنبية، كما أنه يأتي بالوقت الذي راجع فيه ترتيب مصر بمنظمة الشفافية، وذلك بسبب انتشار الفساد داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة، أن دستور 2014 ألغى ما أقره الدستور السابق من إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، وعمل جنبًا إلى جنب مع الجهاز المركزي للمحاسبات، ولكنها تختص بكشف قضايا الفساد، مؤكدًا أن الفساد مرض خبيث منذ الثمانينات حتى اللحظة لم تتطرق له أي حكومة، وأن آلاف القوانين المخصصة له غير مفعلة. أن الإجراءات الروتينية في المؤسسات الحكومية، تعرقل المشروعات، خصوصًا المستشفيات الجاهزة.أن هناك مشروعات يريد تنفيذها ولا يستطيع، لافتًا إلى أنه يريد انتهاء المشاريع طويلة الأجل في وقت قصير قائلاً: "نفسي المشروع اللي يخلص في 3 سنين أعمله في 8 أشهر بس مش قادر".

"إن مصر الآن تشبه السيارة القديمة المتهالكة، وما تم إصلاحه هو تغيير السائق فقط، أي رئيس الجمهورية". لان هناكر الاقتصادي في مارس الماضي حقق نجاحًا كبيرًا، لكن أجهزة الدولة لم تستغل هذا النجاح مع المستثمرين، أن "الموظف في مصر شغال بقانون، لو خالف الكلام هيتحاسب"، لان هناك عدة حلول أولها الاعتراف بنوعية المشكلات الموجودة وعدم إشعار الموظف العام أنه عبء على الدولة"، لان العبء في النظام واللوائح والقوانين والتعليمات والقرارات، وليس في الموظف".

و أنه لابد من تعديل البنية الروتينية الموجودة بالدولة كاملة، وتفكيك المنظمات التي تقوم بتشغيل الموظف العام وتطبيق اللوائح والقوانين ونظم العمل الروتينية.لان هنالتحقيقات أظهرتل الأخرى، مثل أمريكا اللاتينية وآسيا، قامت بتحويل التعقيد إلى بساطة من خلال تفكيك أجهزة الدولة البيروقراطية المُمثَّلة في اللوائح والقوانين والتشريعات التي يصدر منها الروتين. أن هذه الدول حوَّلت الرشوة من مظاهر فساد إلى مُحفِّزات إنتاج، وذلك من خلال تقديم طلبات لمَن يريد إنهاء إجراءاته بطريقة سريعة، من خلال التقدم بطلب رسمي للإنجاز في إجراءاته ويقوم بدفع مبلغ أقل من مبلغ الرشوة ولكن في خزينة الدولة.

و أنه في أمريكا اللاتينية، يتم تحديد نوعية الوظائف المطلوبة في كل هيئة وقطاع ووزارة للتدريب التحويلي، ويتم إعادة تأهيل العاملين ودعمهم بالخبرات الجديدة، المطلوبة لتحويلهم إلى الوظائف الجديدة التي يحتاجها النظام الجديد. أن الدولة غير جادة في إصلاح هذا النظام البيروقراطي، مشيرًا إلى أن الدولة تضم وزارة التنمية الإدارية والإصلاح الإداري في وزارة واحدة

"إن الجهاز الإداري في الدولة يعمل 180 يوم في العام من 365 يوم"، لان متوسط عدد ساعات العمل الفعلية للموظف في اليوم لا تتجاوز 18 دقيقة يوميًا، لو أنه يعمل 7 ساعات بالأسبوع بما يقدر بـ1980 ساعة سنويًا، قائلاً: "متوسط دخل الموظف 3500 جنيه شهريًا"، أي ما يُقدَّر بنحو مليار جنيه خسائر سنوية للدولة. أن الدولة تدفع هذه الأموال بدون مقابل، وأن الأزمة متراكمة منذ عام 1962 بعد أن تم تحويل الموظف من الأداة المُنتِجة للأداة المُستَهلِكة. أن الموظف دائمًا مرتبط بمواعيد الحضور والانصراف، بدون أن يُحاسَب على الإنتاج والجودة،

و أنه لم تحصل أي مصلحة حكومية على شهادة الجودة في الأداء حتى الآن؛ نظرًا لعدم توافر الشروط في الجهات الحكومية. أن الفساد الإداري بالدولة لم يتغير، أن تعيين الموظفين كان يتم عن طريق الوساطة والمحسوبيات"الموظف عالة على الدولة"، لان الجهاز الإداري بالدولة لن يتغير، وخصوصًا بعد انتشار الرشوة والفساد، وعدم وجود آلية تحاسب الموظفين "الكل مستفيد من كدا"، أن الرشوة والفساد أصبحت عُرفًا أساسيًا في أجهزة الدولة؛ لعدم وجود آلية يُحاسَب بها الموظفون بالدولة على الفساد.

أن هناك تقارير منشورة مؤخرًا أكدت أن التعقيدات داخل الموانئ المصرية والبيروقراطية تسببت في خسائر تصل إلى 4 مليار دولار، وهو ما يدخل ضمن نطاق الفساد المالي، أن 10-15%من الناتج القومي تخسره مصر بسب بالفساد المالي. إن الفساد في إدارة الحكومة المصرية بكل مؤسساتها نتيجة طبيعية لشل يد الأجهزة الرقابية، أنها أجهزة غير مستقلة وتتبع الجهاز الإداري للدولة وبالتالي كيف يراقب المرؤوس رئيسه؟.و أنه من جهة أخرى فإن الطريقة التي يعين بها موظفي الدولة تساهم في تكريس الفساد بشكل كبير، حيث يتم التعيين من خلال الوساطة والمحسوبية والرشوة، و إذا كان الموظف بالحكومة عين من خلال هذه الوسائل غير القانونية فهل سيرعى القانون؟"..

أن هذه القضية لن تحل إلا باستقلالية الأجهزة الرقابية وإتاحة الشفافية في التعيينات الحكومية، بعيدًا عن الرشوة والوساطة والمحسوبية، و أنه دون إتاحة فرصة لتطبيق العدالة الاجتماعية والقانون بشكل حقيقي، في أمور الدولة والحكومة، فلن نقتلع دولة الفساد في مصر. وكان ابرز ما كشفته التحقيقات أنه تم إهدار مليار جنيه مكافآت دون استقطاع الضرائب، بالإضافة إلي 153 مليون جنيه مكافآت تشجيعية. وكانت التحقيقات أظهرت أن 455.5 مليار جنيه مديونية وزارة المالية لمصلحة صندوقي التأمين الاجتماعي عن المبالغ التي حصلت عليها وزارة المالية من أموال التأمينات والمعاشات، حسبما ورد بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بنسبة 93.6% من أموال التأمينات، وكان يتعين عدم التعدي على هذه الأموال أو الأرباح المترتبة عليها خلال استثمارها بالطريقة التي كانت تدار بها هذه الأموال قبل استدانتها من وزارة المالية، إبان دمج وزارة المالية والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي لصندوقيها، تحت قيادة يوسف بطرس غالى. كما كشفت التحقيقات، أنه عرض على وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي بصرف مبلغ جملته 86 مليون جنيهًا مكافأة بدلات حضور جلسات مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي. فلابد أن نضع في الاعتبار أنه قبل 2011 كان ترتيب مصر في منظمة الشفافية العالمية 96، بينما تراجع الترتيب بعد الثورة إلي 137، وهي مؤشرات كارثية تؤكد استمرار الفساد داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها. أنه بعد 2011 كان التركيز علي الأضلاع السياسية، ولم تنتبه الحكومات للاقتصاد المصري ومعاناته، ما فاقم معدلات الفساد،

أن مواجهة الفساد الإداري بالدولة يستوجب إعادة مناقشة القوانين التي تختص بهذا الجزء وصياغة التشريعات وحسن اختيار القيادات. يعتبر الفساد أحد أكبر المعوقات التي تواجه المؤسسات الحكومية في مصر، بل تواجه الدولة المصرية عموماً ومؤسساتها والمجتمع، ومن أكبر أمراض ومعوقات التنمية التي تعوق تحقيق ثمار التنمية ، الفساد في مصر منتشر ومتجذر ويرجع لعقود طويلة، حيث ينتشر في مصر كل أنواع الفساد سواء سياسياً، إدارياً، ماليا، اقتصاديا وأخلاقياً ومن المستويات الدنيا للعليا والعكس سواء في مؤسسات الدولة أو سلوكيات المجتمع .

ويمكن القول أن الفساد في مصر متجذر في مفاصل الدولة ويعود لعقود طويلة، حيث مر الفساد في مصر بعدة مراحل بداية من فساد القصر والأحزاب قبل ثورة 1952 وفساد ما بعد 1952، الفساد في حقبة عبد الناصر اتخذ طابعاً مختلفاً عن الفترات اللاحقة له ، فالفساد في عهد عبد الناصر اقتصر على فساد بعض رجال الحكم، خاصة من العسكريين الذين تولوا مناصب مدنية وقضايا مثل سرقة مجوهرات أسرة محمد على ولجان تصفية الإقطاع، وفساد إدارات بعض شركات القطاع العام وجاءت فترة السادات والانفتاح ، وتحول الفساد فيها إلى الرشوة والعمولات واستغلال الوظيفة في الإثراء غير المشروع إلى استغلال النفوذ والمحسوبية وانتشار الوساطة في كافة المجالات، الفساد في تلك الفترة كان له عدة أسباب أهمها- التحول السياسي والإقتصادى دون تهيئة القواعد الاقتصادية لهذا التحول .

الانفتاح بلا ضوابط مما فتح الباب لمزيد من التجاوزات . فساد الإدارة الحكومية وهو مرض تاريخي في تطور البيروقراطية المصرية. تعدد التشريعات والقرارات الوزارية والبحث عن مسارات التحايل على هذه التشريعات.

جاءت فترة حكم مبارك الذي حاول أن يعلن في بدايتها مبدأ "طهارة اليد"، وقدم بعض قضايا الفساد لامتصاص السخط الذي تراكم تجاه حكم السادات ، لكن بعد مرور عقدين من حكم مبارك نستطيع أن نتأمل أن الفساد تطورت آلياته ومجالات عمله حتى تحول من مجرد ظاهرة عابرة إلى جزء أصيل من النظامين السياسي والإقتصادى في مصر . على الرغم من تعدد الأجهزة الرقابية وكثرتها في مصر بدءا من مجلس الشعب والرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات ، مرورا بمباحث الأموال العامة التابعة للشرطة وجهاز المخابرات العامة ، لكن تعددت قضايا الفساد حتى تحول من مجرد ظاهرة محدودة إلى جزء أصيل من آليات الأداء السياسي والإقتصادى ، بعد أن كانت قضية الرشوة واستغلال النفوذ تقدم ضد صغار موظفي الدولة صار المتهمون وزراء وكبار موظفي الدولة ورجال السياسة ورئيس الجمهورية نفسه وعائلته .
أسباب التحول في منظومة الفساد من مجرد أحد مظاهر الأداء إلى آلية رئيسية من آليات العمل السياسي والإقتصادى بالإضافة لأسباب الفساد خلال الحقبة الساداتية :-

غياب الديمقراطية بمعناها الحقيقي المتضمن للتغيير وتداول السلطة .

التوسع في الحصول على القروض والمعونات الأجنبية وما سببته من إفساد موظفي الدولة على جميع المستويات. سياسة الخصخصة وتحويل شركات القطاع العام إلى قطاع خاص وما يشوب هذه السياسة من فساد في تقييم الشركات بشكل فاضح لصالح بعض المستثمرين التوسع في الإقراض المصرفي بلا ضوابط حتى تضخمت مديونيات القطاع الخاص وهرب كثير من رجال الأعمال للخارج وعجز آخرون عن سداد ديونهم . انتشار الواسطة والمحسوبية وسيادة الشعور بأن القانون لا يطبق إلا على الفقراء بينما الاستثناءات من نصيب العائلات الحاكمة .

سيادة الشعور بالاغتراب لدى المواطن العادي، وبأن القانون لا يُطبق سوى على الفقراء وظهور قضايا فساد بين القضاء مما يؤدى للشعور بغياب العدالة وضعفها . لكل هذه الأسباب تحول الفساد من مجرد ظاهرة عارضة في مصر إلى جزء أصيل من آليات النظام السياسي والإقتصادى الحاكم ، ويظل الفساد ثمة من سمات الرأسمالية المصرية ما لم تُقدم على إحداث تغييرات جذرية في سياسات الحكم تبدأ بوجود ديمقراطية حقيقية يشعر من خلالها المواطن بالقدرة على التغيير ويشعر الجميع أنهم متساوون أمام القانون .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى