الجمعة ٣ تموز (يوليو) ٢٠١٥
بقلم أحمد الحارون

قناديل الحب

مِن روعةِ معيةِ الله أنْ ترى في الإنسانِ آدابَ الأنسنة، وأن يغادر مَبَارِكَ الذاتِ إلى فضاءات الروح التي لا تُحد ونور البصيرة الذي لا يزيغ، ولا يأتي ذلك إلا عبر الباب الذي ولجه سيدنا وسيد الخلق عليه الصلاة والسلام، فكلُّ الطرقِ مسدودة، وكلُّ الأبوابِ موصدة، وكلُّ الدروبِ مفصولة غير موصولة إلاَّ الدرب الذي عليه سار؛ ومن اقتدى به اهتدى، ومن رغب عنه اختلَّ وذلَّ وضلَّ.

وللإسلام قناعته الفكرية التي مرجعها العقل، وللإيمان سعادته القلبية التي محلها الفؤاد، لذا فنفسُ المؤمن تُحلق في آفاق الرضا والأمن ولو كانت حبيسة جدران أربعة، ويتحلى بالإيجابية مهما قلَّتْ موارده أو جفَّ نبْعُه، والمؤمن لديه من الذكاء العاطفي ما يجعل ملكاته تتجدد، وعنده من الفراسة ما يسمح لطاقاته أن تتوالد وفق انسجامٍ أشبه بالآلي؛ أو تناغم أقرب للدفع الذاتي، فشعاره..." وجعلني مباركاً أينما كنت".

وهذه المعتقدات التي تكوِّن فكره وتسيطر على جوارحه لا تتحول إلى بذلٍ وتضحيات إلا بالإيمان، فهو الخميرة التي تُشحَنُ به طاقته، والفتيلة التي يُضاءُ بها مصباحه، وحين يتخلل الإيمان خلايا المرء وتتشربه خلجاته... يدرك ماهيته، ويتعرف على كهوف نفسه وسراديب ذاته، فيمتطي بعير الشكر أو ناقة الصبر؛ غير مبالٍ بدنياه أقبلت أم أدبرت؛ يتساوى ترابُ الأرض عنده وتبرها، وكأنه وُلد من جديد، فيسأل من هو؟ وما غايته من الوجود؟ فيصبح لوجوده غاية ولسعيه هدف، وفي كل حركة من حركاته قصدٌ، وفي كل سكنة من سكناته نية.

ويرحم الله هشام بن عبد الملك حين وصف عمر بن عبد العزيز قائلاً: (ما أحسبُ عمر خطا خطوةً قط إلا وله فيها نية)، وهنا تكمن عظمة هذا الخليفة الذي وفقه الله لأن يصلح دولة في عامين، وبعضنا قد يحتاج لأعوامٍ لإصلاح غرفته التي يقطنها، فحين يهب المسلم حياته لخالقه وينذر روحه وسعيه لذلك يشعر بلذة الحبِّ والقرب والمعية، فالحبُّ ليس شعوراً فقط، لكنه شعورٌ يغذيه فعل الحب، فمن غرس نبتةً وتعاهدها تنشأ بينه وبينها مودة ومراقبة، ومن تقتني بعض الطيور وتقوم بإطعامها وتربيتها تنشأ بينهما علاقة حب ورحمة، فالمسلم الحقيقي لا تطيب نفسه ولا يستعذب حبَّه لله إلا بقدر ما يبذل من المجاهدة والإعراض عن الهوى، وإقباله على الطاعات ونصرة دين الله وإعلاء كلمته. ومن أقبل على الله رأى من إقبال الله عليه عجباً؛ فأقبل وسترى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى