الثلاثاء ٧ تموز (يوليو) ٢٠١٥
بقلم مهند النابلسي

أمثلة عملية على اخفاقات «التغيير» غير المدروس!

لا يفضل أن يتم هذا التغيير بقرار فوقي، وانما بمشاركة المعنيين في العملية بابداء الرأي والمساهمة في مشروع التغيير، وعكس ذلك فقد يحدث استياء يؤدي لمقاومة التغيير ، كما يفضل اعطاء المهلة الزمنية الكافية لانضاج عملية التغيير وتقبل البدائل العملية، لأن الناس لا تحب المفاجآت في انظمة العمل و أساليبه، ولا تتقبل ببساطة الوجوه والأشياء الجديدة ... كما انه من الحكمة اختيار السنة المناسبة والفترة المناسبة المفصلية والظروف الملائمة لاجراء التغيير، ويفضل كذلك ان تكون اهداف التغيير واضحة وأساسية ولا تتفرع عنها جهود جانبية تؤدي لتشتت الجهود والقدرات!

خلال العامين 1999-2001 أشرفت على مشروع تغيير ودمج وخصصة كبير، واخترنا لفريق العمل الطموح حوالي 70 شخصا ومن مختلف الادارات والمواقع، وكان يتعلق بتأهيل الشركة المحلية "الكبيرة" للدخول بعملية دمج وخصخصة استراتيجية كبيرة مع مؤسسة عالمية كبرى، وعملنا ليلا ونهارا على احداث تغييرات عملياتية وادارية وتنظيمية كبرى في خمس قطاعات اساسية هي العمليات والموارد البشرية والتسويق والمالية والمعلوماتية، كما بذل كافة المشاركين أقصى جهدهم لتحقيق وتطبيق آفاق جديدة تسمح بانطلاقة المؤسسة الصناعية الكبرى لمواجهة تحديات المستقبل والتنافسية، ولاحداث الموائمة الاستراتيجية مع الشركة الفرنسية العالمية، كذلك فقد حقق المشروع خلال عامين نتائج ملموسة وغير مسبوقة، ممهدا لخصخصة الشركة المحلية ودمجها للانسجام مع كفاءة ومستوى وثقافة المؤسسة الجديدة ... ولكن لم يقدر لكافة توصيات مشروع التغييرالطموح أن تلقى الصدى العملي الموازي لقلة اهتمام بعض المدراء الكبار وتضارب الأجندات وضعف الجدية والتراخي بالتطبيقات الميدانية! كما أن غالبية العاملين شعروا بأن المشروع "مفروض عليهم" لأهداف وأجندات خفية، لذا عمل بعضهم لاجهاضه بسرية وخبث وباسلوب باطني لئيم!

كثيرا ما يلجأ المسؤولون لاحداث التغيير والتطوير دون اعارة الاهتمام لثقافة العاملين وعاداتهم بالعمل، وحتى أحيانا دون ان تؤخذ "كرامة وأقدمية وكفاءة" الموظفين بالاعتبار مما قد يؤدي لصدمات سيئة ذات رد فعل عكسي سلبي! ومن الحكمة هنا تبين اسلوب " لعب الأدوار"، بمعنى أن يتقمص القائد او المدير شخصية وظروف العاملين بغرض تفهم الصعوبات والمعيقات والاحباطات التي قد يتعرضون لها وتنال من عزيمتهم، وعليه كذلك تجنب المفاجأة واعتماد الصراحة والشفافية بالتعامل مع الكادر الوظيفي.

لقد ثبت عالميا وانسانيا فشل اسلوب " الشعارات" ، حتى أن عالم الجودة المرموق "ديمنغ" يقترح بصراحة "الغاء الشعارات الموجهة للقوى العاملة "، ويحبذ بدلا من ذلك جملة اجراءآت فعالة منها : تأسيس منهجية فعالة للتدريب، ايجاد قيادات جديدة ، ابعاد شبح الخوف من ثقافة المؤسسة، وخلق ثقة متبادلة مع الادارة بكافة مستوياتها، الغاء الحواجز وتشجيع الاتصال وتبادل المعلومات، ثم الاهتمام بتدريب الأفراد على اساليب العمل الجديدة والتحسين المستمر ... كما ركز على أهمية ازالة العقبات التي تحرم الموظف والعامل من ملكية عمله والافتخار بانجازاته، ثم تشجيع جميع العاملين على تلقي المعارف المهنية المتخصصة وتطوير قدراتهم الحرفية والمعرفية. وأستطيع أن اجزم بأن معظم سياسات التطوير والتغيير في العديد من مؤسساتنا العربية ما زالت ذات طابع شكلي استعراضي وربما فردي-ارتجالي وبيروقراطي ، وبعيدة عن الالتزام بخطط عملية لادارة المشاريع وخاصة في مجال الارتقاء بمستوى المهارات البشرية وتحقيق أهداف مشاريع التغيير!

يعتبر التغيير والتطوير الاداري تحديا كبيرا لقدراتنا ومثابرتنا، فهو يتطاب تعاملا مباشرا مع المتغيرات المختلفة، ويتعارض ذلك تلقائيا مع التهرب والتعالي والسعي المحموم لقطف ثمار النجاح قبل نضجها، كما يتطلب نفسا طويلا وصبرا ومتابعة حثيثة وكذلك وقدرة متميزة على الاقناع، ولا ينسجم ابدا مع فرض الرأي والتعنت والتشنج ... كذلك هنا تظهر الحاجة الماسة للمرونة بحث تتلائم الاقتراحات مع ظروف وقدرات العاملين واستعدادهم الوظيفي والنفسي لتقبل التغيير وتطبيقة بفعالية ، ويتطلب ذلك قدرة على احداث تغيير ايجابي بناء في المناخ الوظيفي-الاجتماعي تسوده المودة والتعاون والانفتاح والمشاركة، بدلا من التزمت والهيمنة والبيروقراطية والتظاهر والانغلاق على الذات ... واسوق هنا أخيرا قصة عملية تعبر تماما عن كافة نصوص هذه الفقرة الأخيرة وبلا تعليق : فقد عملت في العام 2008 بمشروع ادارة تغيير كبير يتعلق بتطبيقات استراتيجية جديدة لاحدى المؤسسات الحكومية الكبرى، ومن ملاحظاتي الأولية لأجواء العمل ونفسيات العاملين المعنيين واسلوب الانجاز "الورقي" الصارم من قبل المستشار الأجنبي، فقد لاحظت فتورا خفيا بالاقبال على برامج التدريب المتخصصة، وراهنت مدير المشروع اليوناني بأن هذا المشروع الاستراتيجي لن يرى النور حقيقة قبل ثلاثة او اربعة سنوات على الأقل، فيما سخر هو بحدة من ادعائي وتشاؤمي مؤكدا بان المشروع سيرى النور بعد عام ونصف على الأكثر! ونجح رهاني أخيرا عندما قرات بالصحف المحلية أن المشروع قد انجز جزئيا في العام 2013 أي بعد خمسة أعوام من اطلاقه، وما زال يعاني من ضعف التطبيق حتى الان!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى