الاثنين ١٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٥
بقلم عبد الجبار الحمدي

من رسائلها..

اخرجت صندوق أيامها الذي اعتمرته انتظار عودته، طالما حجت نحو محراب كلماته التي عبدت، صارعت الليل الطويل عذاب شوق وقاست اشواك رمتها اعين من لامها مضي قطار عمر في انتظار عقيم، لبست احرام الصمت، صامت عن الحديث حيث انزوت عن عالم اللهو الذي اخاط كل ثقوب تخافها هي، تكره لغو الحديث بالسن من حسبتهم عضد او اصحاب مواقف فاكتفت تسمع مهاتراتهم من خلف ثقوب رتقتها بعدم المبالاة...

طال انتظاري لك يا حبيبي حتى اني زهدت الحياة دونك، اقيس جيئة وذهابا حروف مفردات بنظرات طالما رمت الى رشفها رافد أمل...

جلست قريبة تحت الشجرة التي أحب ان يكون بجوارها، اخرجت حزمة من الرسائل، اعادت ترتيبها كما في كل مرة من أول رسالة الى أخر واحدة وصلتها لقد كانت قبل زمن... وفي كل مرة تقول لنفسها إنها فترة ليست طويلة أبدا ، ربما انشغل او هو مريض او إنه لاشك في محنة لكن من المستحيل ان يكون قد نسي ان يكتب لي.

همس من كان نديم صمتها طوال تلك الفترة.... أتراك جننت؟؟ ام تضحكين على نفسك؟! لقد برح بعيدا وما مخطوطاته هاته إلا عذابات غربة شعر بها بعد ان تطارح معك الايام وكنت له عندليب من التبر الذهبي يغرد له نثرا حنان حب وجنون شغف، لم يدري حينها ان يقاوم فراقك فكانت رسائلة كأبر التخدير تعاطاها حتى أدمنها ، وما أن شعر أن ادمانه سيورده الجنون عزف عنها بعد دخل عام الغربة الجميل الذي احتاط لنفسه إدمان حب جديد يسكن فورة بركان رجولته ووحدته... ركلت بقدمها الوسادة التي كانت يتوسدها صارخة ... اخرس عليك اللعنة أعلم جيدا انك قد دُسست لكي تقض مخاوفي التي اخمدها فزعا مما تقول ويقول الآخرين ، أراكم قد فقدتم الشعور بمعنى الحب فملئت نفوسكم الغيرة كونكم لا تعيشون بأحاسيسنا إننا في لحظة ما اغدق إله الحب كيوبيد رمي سهامه الى قلبينا حتى ادمانا جوا وهيام، بعدها ما عدنا نفارق بعضنا البعض سنون لا نعلم عدها، ولولا تدخل القدر بنزق نازعا كل اوتاد خيمة العشق كاشفا الظل الذي نحياه بوارف العشاق حتى سخر شمسه الحارقة مقتلعا من احب في مهمة اجبرته ان يفارقني، قال عام او اكثر ... لكن ... أعلم انه قد مضى زمن على رحيله لكن هذا لا يعني انه قد نسيني والدليل رسائله هاته إنها دليل وفائه بل دليل جنونه بي، هل تريدني أن أقرأ لك البعض من سطورها، لا سأقرأ لك عناوينها اولا كي تعلم أنه لا زال يحياني، يحبني... انصت لي:
مدن يدها الى رسائله بعشوائية.... حبيبتي الى الابد .. مرآة عمري، أنين العشق، همسة وحدتي، ساعات جنوني
أرأيت كلها ... كلها يخبرني عن جنونه ولهفته ورغبته في العودة ... ولعل أخر رسالة بينت أنه سيعود عن قريب وهاهو يقول فضت الرسالة وقرأت...

كم يؤلمني أن اكون بعيدا عنك حبيبتي، لكن عالم الجنون الذي يحيط بي أسدل ستائره السوداء ليقتل الضياء في نفسي أني أعيش العتمة تلك التي أخاف ان اتعود عليها فأدمن الليل بمجونه ورواده، آه كم أشتاق ان انام على صدرك راميا بآهات الى نهديك لتصحو ترنو لاهفة لأضمها بين شفاهي لقد عشقت الآهات حتى في منامي، كثيرا ما اغمض جفوني فقط لكي احلم كيف كنت اتوضأ بعرقها الذي يثيرني لأكف ثم أعيد الوضوء مرة بعد مرة وأنت تفيضين كنبع من الحياة اتجدد في كل مرة حين ارمي نفسي بين يديك...

لا أدري كيف خرجت من جنتنا أتراني قد خدعت بشيطان النفس حين وسوس لي بالخروج، لا أخفيك زاغ قلبي بعد وسوسته فرمت أشيع اللوم عليه فكشفت عورتي وكذلك أنت فغضب الله علينا ورمى بنا الى عالم المجهول حيث الثعابين تغمر بفحيحها كل هواء نقي... ومن شدة خوفي احياك في كل لحظة ... لقد صارحتك بذلك وقلت لي لقد غفرت لك زلتك.
وأخبرتك أيضا أن علي ان ادفع ثمن خطأي لذا كان علي الرحيل لفترة جزاء فعلتي تلك، وها أنا اكتب إليك سطوري وقد وقف قدري يحمل ساعته الرملية يَعُد علي لحظات باقية هو يقول: لحظات في حساباتي أنا، لكن لا أعلم كم هي في حساباته، احبك الآن وفي كل لحظة وفي كل ساعة وفي كل نهار او مساء او يوم او اسبوع او شهر أو اي عام يا جنوني الذي احب حتى الممات سأعود بالتأكيد الى عالمك متى ما سمح لي القدر ... وسأكتب لك
إلتفت بشكل جنوني نحو نديمها وهي تبكي!! أرأيت كم هو يعيشني في عالمه؟ أرأيت كم هو مغتاض لفراقي سيعود أنا متأكدة من ذلك ولا يهمني رأيك أو رأي من يدور في فلك الغيض والنميمة، لقد شاع بعد تلك الفترة أن الحياة ستكون صعبة وتكثر النميمة تماما كالذنوب التي اقترفها ابناء الشيطان لا لشيء إلا لكسر مرآة الحب التي ما أن تهشمت حتى تشوهت كل معاني الحب العذري والإنسان ما عاد إنسان بل مجرد بيدق في يد شيطان أرعن ساقه فحيح زمن ليتخبط بمقدرات إنسان...
شعر نديمها بحزنها ... بل شعر أنها رغم حزنها لا زالت لا تكن البغض على أحد، كانت شفافة مرهفة تماشي الملائكة في روحها... سيدتي اقبلي اعتذاري ما قلت الذي قلت إلا لأني أراك تذبلين بعيدا عن نداك ونبعك الذي اعتدت، وَكَوني ملازما لقلقك، هوسك، أملك، فرحك وحزنك، أتألم إليك واجدني لا أملك الوسيلة لمساعدتك ، لكني سألزم نفسي بإراحتك من قلقلك فقط امهليني وقتا....

كانت قد خلدت وهي تحتضن نفس الرسائل التي ما ان تنثرها امامها حتى تكون منفحة الأمل الذي تقاوم به اليأس الذي تسرب إليها عنوة...

أيام كانت تختلي بنفسها دون ان ينادمها من كان إليها قريب... بحثت بين خبايا نفس وحجرات موصدة بداخلها بحثا عمن كان يقطنها نديما لكنها تعود خائبة ... فقالت لنفسها يا إلهي لعلي جننت!!؟ كيف ابحث عن نديم نفسي وأنا الذي وبخته ونهرته لعلي احس ولأول مرة أني لا أملك تلك اللهفة الى أن أمسك صندوق الرسائل أو الحاجة الى قرائتها لقد حجب فراق نديمي التفكير بمن احب ، جلست تلك الليلة تفكر دون ان تفض اي رسالة لتقرأ ما فيها بعد ان راودا همس أنها قد حفظتها ظهرا على قلب...

خلدت دون ان تدري بعد ان نفخ سلطان النوم في وجهها وادخلها قصر الاحلام لترى من كان نديمها يجلس الى من احبت يساومه على العودة الى أحضانها لكنه لا يريد فقد عانق صدرا آخر محرم، لقد ألف المجون ورافق اصحاب الذنوب تلك هي كانت عقوبته الخروج من الجنة بأن يجمع الذنوب عن كل ضحاياه الذي اخرجهم معه في لحظة ضعف راوته نفسه عنها ليعيش محروما والى الابد من الحياة في جنة الله التي اختار لتكون عالم من اللاذنوب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى