الجمعة ٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٥

الشّرير والحاكم

الفاضل الكثيري

عاش الشرير في المدينة متنقلا من تخريب إلى تخريب، ومن مشكلة إلى أخرى من أذى إلى آخر..... ضاق الناس به ذرعا فالتجأوا إلى الحاكم يشكون فساده وأذاه الذي ألقحه بأبناء المنطقة.... سمع الحاكم بأعمال الشرير فبعث أعوانه لاستقدامه إليه... ألقي القبض عليه، و اقتيد إلى الحاكم.... وضبطت معه كل الأمتعة التي أخذها غصبا من الناس
استمع الحاكم إلى الشرير وهو يسرد أعماله وبطولاته الهمجية وطرق سطوته على الناس، استمع الحاكم إلى كلام الشرير بدقة عالية، وأمر حاجبه أن يدوّن كلّ شيء يسمعه من الشّرير. وفي المساء أمر الحاكم بإطلاق سراح الشرير على أن يختفي عن أنظار النّاس، استغرب الوزير من ذلك الفعل، وسأل الحاكم عن سبب إطلاق سراح المجرم الشّرير
ظنّ النّاس أنّهم حقّقوا شيئا من مكاسبهم، وبعد أيَّام جاء رجال الجباية، و فرضوا عليهم ضرائب لا طاقة لهم عليها. وحددوا لذلك مهلة....

حاول أبناء البلاد تسديد الضرائب لكنّهم عجزوا. فالجفاف عمّ البلاد وشحُّ المياه أنقص المحصول وبعض الفلاحين غادروا حقولهم.... لم يقدر النّاس على دفع الضرائب، وأفحش الجباة في إجبار النّاس على الأتوات.

فكّر أبناء القرية في الأمر، وذهبوا إلى الحاكم لتقديم شكوى لعلها تخفف من ألامهم، وتعفيهم من الضرائب. استمع الحاكم إلى وجهائهم دون اكتراث... ثمّ انصرفوا... وفي المساء أوعز الحاكم إلى أعوانه بإخراج الشّرير، فظهر في المدينة وعاد إلى سيرته الأولى، يصارع هذا ويضرب ذاك ويسرق وينهب. تذمر الناس من هذا الوضع وكثر الهرج والمرج، فقصدوا الحاكم من جديد.

ارتأى الحاكم أن يختار النّاس بين شرير يَقتُل أو ضرائب تُثقل، نظر النّاس إلى بعضهم ثم قرّروا الخروج من تلك البلاد، ومنذ تلك اللّحظة بقي الشّرير والحاكم ورجال الضرائب يديرون لعبة القبض على الرعية الهاربة، وبقي سؤال الوزير يبحث عن الإجابة.

ميمة و القلعة الحصينة

كانت القلعة جميلة رهيبة مرتفعة عن ماء البحر و كانت تحيط بها المياه من كلّ جانب لايمكن لقاصدها إلاّ أن يمرّ بأبواب سبعة وعلى كلّ باب حراس وجنود. هذه القلعة التي حضر إليها الرومان و يونان و المسلمون و جاء صلاح الدين و أقام فيها أيّاما ثمّ حصّنها و جعلها برج مراقبة.

أخذت القلعة قيمتها من عمل عسكري بحت، فبنى فيها قواد العسكر غرفا كثيرة و وضعوا فوقها برج مراقبة، يستطيع الناظر من خلالها أن يرى كلّ قادم من البحر.

هكذا في البداية كان الهدف من إنشاء هذه القلعة الحصينة الّتي بناها الرّومان بالحجارة الضّخمة، فجاءت بناء عجيبا بحجارة صلبة مقاومة للماء أو الذوبان أو حتّى مقاومة لتلك الأمواج الّتي يقذف بها البحر يمنة و يسرة، و كانت كلّما جاءت موجة تتكسّر على عرش هذه القلعة العجيبة.

أخذت القلعة شهرة فريدة، فأسماها بعض النّاس بقلعة الدّهر، ونعتها علماء الأثار بالقلعة الصّخرية، لأنّها بُنيت على نتواءات ارتفعت فوق الماء. أمّا العسكر فنعتها بمنارة البحر، و قد احتوت هذه القلعة على أشياء نفيسة و ثمينة. وحيكت حولها الحكايات والروايات ضاع صيتها في مشارق الأرض ومغاربها، وسمع بها القاسي و الدّاني، و أعجب بها الصّغار قبل الكبار.

قرأ فضيل عن القلعة الّتي يرتادها آلاف الصّيادين والسّائحين، و قرأت ميمة عن الحكايات التي تجري في هذه القلعة حيث يسجن فيها النّاس أو يأسر فيها الأسراء أو ترسو فيها السّفن و غير ذلك. لكنّ أجمل من ذلك أنّ هذه القلعة أصبحت مأوى للأسماك جميلة رقيقة، فريدة الشّكل.

سمعت الفتاة الصّغيرة بالقلعة، و طلبت من فضيل أن يرافقها إلى ذلك. و في صباح مشرق تركا بيروت و اتّجها إلى محلّ تلك القلعة الّتي تقع في عرض البحر. قضى الفتى و الفتاة ساعة حتّى وصلا إلى تلك القلعة.
في البداية كان الدّخول صعبا، فالحرّاس الّذين وقفوا أمام القلعة لا يسمحون بدخول الفتيان، لأنّها وعرة الصّعود، فأدراجها المتعرجة التي تربط طبقاتها تحتاج إلى انتباه وشجاعة وغالبا ما يخاف على أي فتى من الوقوع في البحر، أو يتعرض للمخاطر.

تكلّمت الفتاة مع الحرّاس فاقتنعوا بما قالت، و دخلت مع فضيل في القلعة، و رأت أشياء عجيبة. غرف داخل غرف، و نوافذ داخل نوافذ، و أقبية داخل أقبية، و الكلّ في هندسة منتظمة. رأت ميمة صورة امرأة تضع في أصبعها خاتما صورة معلقة على جدران غرفة داخلية. فتذكرت حكاية الخاتم الّذي سمعتها من جدّتها. خاتم ثمين لايقدّر بثمن، خاتم عجيب تعاقبت عليه الأجيال... من أحرزه يحرز التفوّق، و من ناله ينال حظّا من الحياة وفيرا. في البداية لم تقل فتاة حكايتها، و لم تبح بسرّ الخاتم العجيب، و بقيت تدخل غرفة و تخرج من غرفة، و تصعد درجا و تنزل درجا حتّى وصلت إلى قمّة القلعة.
تراءى البحر أمامها بانسياب عميق. بحر أزرق عملاق لاتحدّه حدود، ولا تنقطع مياهه، و تخرج إلى السدود. هذا هو البحر الجميل الذي ينداح أمام ناظريها. وقفت الفتاة تتأمله كأنّه تريد شيئا منه، وتناجيه و تنشد أناشيد الطّبيعة السّاحرة وتغنّي للبحر كأنّها ترى ذاتها فيه: أحقا يا بحر أنت مثلي؟ أحق أنت يا جبّار مثلي؟ أتفكّر بما أفكّر؟ أتحسّ بما أحسّ؟ و تنظر إلى الأمواج، و هي تتدافع متشابكة بخيوط بيضاء كأنّها أحزمة ثلج فوق قمم الجبال الحادة. يا له من منظر عجيب!
استدعت فضيل، أجلسته بجانبها لينظر في هذا الجمال العجيب الّذي يمنحه البحر في تأمّل و تفكّر و إدراك و معرفة. نظر إليها فضيل، و قال: سبحان من سير البحر وأرسى البرّ؛ انظري كم هو جميل هذا الماء، كم هو عميق ؟ انظري إلى هذه الأسماك كيف تطفي وتختفي.

ضحكت الفتاة الصّغيرة ثمّ شردت في تفكّر عميق و رجعت تستذكر ما قالته جدّتهاعن الخاتم العجيب. إنّه خاتم ذهبي عجيب. خاتم فيه سرّ الوجود، سرّ الحياة، سرّ التفكير، خاتم من أدركه أدرك النّجاح. هل تستطيعي أن تجدي هذا الخاتم يا ميمة؟

تمتمت الفتاة: الخاتم الموجود بين حجارتين لا تتزحزحان إلاّ إذا عرفنا مفتاح الحقيقة. سأل فضيل عن مفتاح الحقيقة. لم يدرك الصّبي الصّغير مفتاح الحقيقة، و راح يضحك، و بينما هما كذلك، جاء تعال صراخ الصبية من حولهما، و راحوا يصعدون و ينزلون. نظرت الفتاة الصغيرة إلى الفتية بعدما ازعجها ضجيجهم، ثمّ قالت: لماذا لا تغادروا هذا المكان؟ لماذا لا تكفّوا على الثرثرة يا أولاد؟ استحى بعضهم و ذهب، و طأطأ الآخر رأسه ثمّ غادر البقية الناحية. بقيت ميمة و فضيل ينظران إلى تلك الحجرتين؛ وعبثا حاولا زحزحتهما ولم يئسا جلسا ينظران بشك.

في المساء رجعت الفتاة مع فتاها إلى تلك المدينة حيث البيت الصّغير الذي تسكنه، ورجع معها فضيل وهما مسرورين بتلك الرّحلة الجميلة.

في يوم الثّاني عادت الفتاة إلى القلعة؛ و كالعادة اعترضها الحراس، و لم يسمح لها بالدخول إلاّ بعد عناء. دخلت الفتاة و معها فضيل إلى القلعة. قضت ساعة و ساعتين تبحث في كلّ مكان عن المفتاح الذي يمثّل سرّ الحقيقة و سرّ تزحزح الحجرات، لكنّها لم تجده. في المساء رجعت إلى البيت، و رجع معها الفتى الّذي يرافقها دائما. يمشي بجانبها تمشي بجانبه، يأكل معا، يشرب معا، يذهب معا، يغنّي معا.

في يوم ثالث رجعت الفتاة إلى القلعة، و بقيت تفكّر في مفتاح الحقيقة. نظرت الفتاة إلى قمّة القلعة إلى ذلك البحر العملاق، فإذا بها تسمع صوتا يقول: أنا هو مفتاح الحقيقة! من أدركني أدرك الكنز، و من لم يدركني لا يعرف الخاتم الذّهبي! أنا البحر في أحشائه درّ كامن!

انتبهي يا فتاتي: إنّ الكنوز ليست مجرّد أشياء نجدها في القلاع. الكنوز في الفكر الإنسان في إبداعه وفي العلم الذي يفيد به الناس.

نظرت إلى فضيل و قالت: أتسمع ما أسمع؟

قال: بلى.

قالت: إذن يجب أن نفعل شيء.

رجعت الفتاة إلى البيت دون كنز لكنّها قررت أن تكتب قصّة الكنز الذي وهبه الله لنا. قصة تحثّ بها أطفال العالم على العمل و الإبداع والتّفكير.

ميمة و مغامرة رحلة النهرية

كان الصباح جميلا، و كان الجوّ منعشا قبل ازدياد حرارة. انتقل فضيل و ميمة إلى النهر. في الطريق كانت قطعان الجواميس والأغنام و الماعز تتجمّع عن اليمين و عن الشمال. تظهر تارة، و تختفي طورا، و الرعاة يسوقونها و يتوغّلون في تلك الوهاد والربى بعيدا.

مضت ساعتان و السّيّارة تنهب الأرض نهبا، و تجتاز مسافات اجتيازا سريعا. بعدها وصل الفتى و الفتاة إلى ضفاف النهر. نهر عريض كأنّه بحيرة فيه أسماك و تماسيح و أفراس البحر و حيوانات أخرى مختلفة الأحجام و الألوان، و كانت الاستراحة الّتي أنشئت خصيصا على ضفّة النهر قد أحيطت بأشجار عالية و خضرة و خمائل أعشاب، و هي تستقبل زوارها الذين يأتون و يجدون فيها ما يصبو إليه أنفسهم. هنا في هذا المكان اجتمع الرفاق. بعضهم افترش الأرض و البعض الآخر تحلّق حول تلك الطّاولات التي أعدّت خصيصا للقادمين من مختلف المحافظات. اجتمع الأصدقاء في جو لطيف بعضهم يضحك و الآخر يقول نكات، و الثالث يرسم على صفحة الأرض صورا و أشكالا مختلفة التعابير.
هنا في هذا وعلى الضفة النهر تنتشر الاستراحات، وترسو السّفن والمراكب والزّوارق تنتظر دورها لنقل الضيوف. وحدهم الزوار يحددون نوعية السّفينة.

اختارت ميمة ورفاقها سفينة بيضاء ذات أشرعة جديدة، وبعد بعد لحظات دار المحرّك، و بدأت السّفينة تتقدّم ببطء، ثمّ أسرعت شيئا فشيئا، ثمّ ازدادت سرعة، و الركّاب ينظرون في ابتهاج و سرور. بعضهم يصفّق و الآخر يغنّي. توغّلت السفينة في النّهر، و كان الماء يزداد عمقا و اتساعا، والجميع منهمك في التقاط الصور.

فجأة تعطّلت السَّفينة و كادت أن تتوقّف. تعالت صرخات الركّاب: ما بها؟ و دبّ الذعر عندما رأوا أحد التّماسيح يقترب منها. تمساح طويل الحجم، كبير الجثّة، مخيف، فاتح فمه كأنّه نار جهنّم، أسنانه توحي بالرّعب، و فمهه كأنّه غار يتّسع لآلاف النّاس. ازداد الذعر في النّفوس، و ارتبك الجميع، و حار الرفاق.

تقدّم فضيل إلى حافّة السّفينة و شاهد التّمساح يتحرّك ببطء باتّجاها. بعض الركّاب تجمّد في مكانه، و البعض الآخر استعدّ للهروب و فكّر في القفز من أعلى السّفينة. تعالت الصّراخات و ارتفع النداء. كان الجميع متأهبا و حذرا من غدر هذا الحيوان العجيب.

في تلك الأثناء كانت ميمة تبحث عن شيء تقاوم به التمساح، و انتهت إلى ركن من أركان السّفينة رأت سنّارة قوية، متينة، طويلة. نظرت إلى فضيل كأنّها تطلب شيئا أدرك الفتى الفكرة ثم أخذ السنارة ثمّ تقدّم و تمسّك الاثنان بحافّة الصارية و ألقيا بها قرب التمساح.

نظر التمساح إلى تلك السنّارة و هجم عليها بسرعة، علقت السنارة بين فكّيه، وعبثا حاول التخلص منها، فتحرّك يمنة ويسرى، فلم يفلح. وقفز فوق الماء لعلّه ينجو فخاب، وحاول الفرار لكن دون جدوى. عرفت ميمة أنّ التّمساح قد دبّ فيه الضّعف، فبدأت تجذب السنارة شيئا فشيئا، و في حال من التحكّم اقتيد بعيدا عن المركب إلى حافّة النّهر، وما هي إلاّ لحظات حتّى كان ضيفا داخل شبكة حديدية متينة أحضرها أحد الصيادين من الاستراحة المجاورة. صفق الجميع لهذا الفعل الذي انقذهم من الموت المحتّم.بعد ذلك انطلق الركّاب من جديد و هم ينشدون أغاني الحياة لأنّ فضيل و ميمة قد أعاد لهم السّرور من جديد.

الأسئلة:

أولا: في فهم النّص.

قدم الكاتب فضاء يساعد على القيام بالرحلة حدد هذا الفضاء (4)
حدد الشخصيات الموجودة في النص واذكر صفتين لكل شخصية (4)
حدد نوع النص ونمطه واذكر ثلاثة من مؤشراته (5)
حدد أوضاع الأحداث في النّصّ وبين مدى انسجامها (5)
ثانيا: في القواعد الوظيفية
1-أدرس أدوات الربط في المقطع الأول واستخرج اثنين منها وحدد وظيفتها( 4)
2- حول إلى الجمع الجملة الآتية " اختارت ميمة ورفيقها سفينة بيضاء ذات أشرعة جديدة، وبعد بعد لحظات دار المحرّك، و بدأت السّفينة تتقدّم ببطء، ثمّ أسرعت شيئا فشيئا، ثمّ ازدادت سرعة" (4)
3- اعرب ما تحته خط إعراب مفرادات (6)
حرك المقطع السادس من : "تقدم فضيل..... إلى الحيوان العجيب" (8)
ثالثا: في التعبير الكتابي: قمت برحلة اتشفت من خلالها أشياء لم تكن تعرفها تحدث عن ذلك بأسلوب قصصي. (22)

الفاضل الكثيري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى