الأربعاء ٣ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم أحمد بلخيري

المسرح و إعادة القراءة

إن المتتبع للمشهد المسرحي المغربي، سيلاحظ أن هناك أسماء مسرحية– مؤلفين دراميين ومخرجين مسرحيين- حظيت بعناية واهتمام النقد المسرحي؛ بينما بقيت أخرى، رغم ممارستها المسرحية التي تعود بدايتها إلى السبعينيات من القرن العشرين، في الظل والهامش. علما بأن إبداعها المسرحي يؤهلها لأن تكون مشمولة بتلك العناية وذلك الاهتمام.

أجل، إن هناك مبدعين مسرحيين يسعون جاهدين إلى من يكتب عنهم على الأقل في الصحافة؛ وهم يستعملون وسائل شتى لبلوغ هذا الهدف. ليس هذا فحسب، ذلك أنه ثبت أن هناك من يكتب عن نفسه باسم مستعار!. وبدون شك، فإن المبدع المسرحي شوقي الحمداني ليس من هؤلاء و لا من أولئك بكل تأكيد.

لقد عرفته خشبات مسرح الهواة، زمن تألقه، مبدعا مسرحيا، عرف كيف يجعل من اللغة المسرحية أداة للتنوير وإعادة قراءة الواقع، دون تفريط في جماليات المسرح. هذا الاختيار الفني والفكري المدعوم بحس تجريبي، نعثر على خصائصه وأسسه في كل الأعمال الدرامية التي أبدعها، انطلاقا من النص الدرامي الأول "الدوار في الدلالة" إلى هذا النص الدرامي المنشور "خط اللقاء". لقد ذكر النص الدرامي "الدوار في الدلالة"، الذي قام فيه بتشريح موضوعته الرئيسية- وهي تتعلق بفضاء القرية- بأسلوب فني بديع، في العمل التوثيقي المهم الذي أنجزه المبدع المسرحي المسكيني الصغير تحت عنوان "المسرح الهاوي بالمغرب والخطاب الفكري دراسة في نصوص الهواة" المنشور في مجلة "المدينة" (العدد 6. يونيو 1981). هذا العمل التوثيقي المهم، يتعلق بالعروض المسرحية التي احتضنها المهرجان السنوي آنذاك الخاص بمسرح الهواة، خلال موسم 1980/1981، المنعقد بالرباط. أثمر شغف وعشق شوقي الحمداني للمسرح لحد الآن عروضا مسرحية عديدة ونصوصا درامية كذلك. هذا عدا الأعمال الدرامية الأخرى غير المسرحية. وهنا لابد من الإشارة إلى أنه صاحب ثاني مبادرة تتعلق بطبع ونشر سيناريو بالمغرب. إن الأمر يتعلق بسيناريو "هشو" الذي نشر سنة 2002. كما أن النص الدرامي "الدوار في الدلالة" تحول إلى شريط تلفزيوني تحت عنوان "منديل صفية". وهو من إخراج محمد العليوي. هذا الشريط التلفزيوني أنتجته التلفزة المغربية (القناة الأولى) سنة 2001. وقد حظي بمكانة معتبرة.

هناك إذن مزاوجة بين الحس الدرامي والحس البصري لدى شوقي الحمداني. ولولا هذه المزاوجة لما تحول النص الدرامي السابق الذكر إلى شريط تلفزيوني. وقد جعلته هذه المزاوجة يحرص في نصوصه الدرامية على الإرشادات المسرحية Didascalies بوصفها عنصرا أساسيا في اللغة الدرامية.

إن المسرح هو فن المفارقات والتناقضات. ولذلك كان الصراع مقوما أساسيا فيه. والصراع والتناقض يتجسدان في هذا النص الدرامي "خط اللقاء" من خلال شخصيتين هما: ربيعة والبشير. إن لكل منهما مسارا، يختلف أحدهما عن الآخر اختلافا جذريا. فإذا كانت ربيعة الآن صاحبة حانة تدر عليها أرباحا طائلة، فإنها كانت في الماضي أي قبل نحو أربعين سنة، حسب المعطى الزمني الدرامي، تقوم بدور يمكن وصفه بالمشبوه. هذا الدور أهلها لأن تعرف وقائع وحقائق اختزنتها ذاكرتها. وهي تعتبرها أسرارا لا يجوز الكشف عنها. أما البشير- ولابد من الإشارة إلى دلالة اسم هذه الشخصية- فهو يريد بالضبط الكشف عن تلك الأسرار وقراءة صفحة الماضي، الماضي القريب، لمعرفة الحقيقة. ذلك أنه بدون الحقيقة لا يمكن بالنسبة له بناء المستقبل بناء حقيقيا. إن كل شخصية من شخصيتي هذا النص الدرامي تجسد في الحقيقة رؤية فكرية. ذلك أن الرؤية الفكرية التي تجسدها شخصية ربيعة رؤية فكرية قائمة على حجب الحقيقة، والممنوعات، والخطوط الحمراء وفرض الوصاية على الكاتب والقارئ معا. أما الرؤية الفكرية التي تجسدها شخصية البشير فعلى النقيض من تلك تماما، إنها رؤية فكرية قائمة على "استجلاء الحقيقة" و"جبر الضرر" واستفادة الجميع من المال العام عن طريق المشاريع التنموية التي تكون في خدمة المجتمع ولصالحه حسب اللغة المستعملة في النص نفسه. وعلى هذا الأساس، فإن رؤية ربيعة رؤية مصلحية فردية. أما رؤية البشير فرؤية اجتماعية جماعية. ولذلك تضمن هذا النص الدرامي صراعا بين هاتين الرؤيتين المتناقضتين. ومن خلالهما معا يتضح أن المسرح عموما لدى شوقي الحمداني يبني عوالمه الفنية المتخيلة انطلاقا من قراءة فاحصة وتتبع لمجريات الواقع الراهن. وهذا ما تفصح عنه مثلا عبارات من قبيل: "استجلاء الحقيقة" و"جبر الضرر" ومنع الكتب. وبالطبع ليس كل الكتب.

لقد كان الفضاء الدرامي في "الدوار في الدلالة" فضاء قرويا باعتبار القرية مجتمعا مصغرا. أما الفضاء الدرامي في "خط اللقاء"، فيمكن القول بأنه فضاء يتعلق بوطن بكامله. وعليه، يتضح أن إطار الرؤية قد اتسع وتعمق لدى شوقي الحمداني خلال السنوات الفاصلة بين كتابة النص الدرامي الأول وهذا النص الدرامي: "خط اللقاء". فما هو هذا الخط؟ وما هو شرط اللقاء؟ أترك فرصة الجواب عن هذين السؤالين إلى القارئ.

التقديم الذي كتبه الكاتب تقديما لنص درامي صدر حديثا لشوقي الحمداني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى