الثلاثاء ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥
بقلم عبد الله بن أحمد الفيفي

كَوْنِـيَّةُ امرأة!

غَــنَّـتْ بِـغُـرَّتِهــا ذُرَى الأَقـْـلامِ
وتَراقَـصَتْ طَـرَبًـا بِكَـأْسِ أُوَامِــي
هِـيَ لَـوْ تَـرُوْمُ: (كَأَنْ تُـدِيْـرُ بِـعِطْرِها
شُـهُـبَ النُّـجُـوْمِ)، لَـدُرْنَ عِطْرَ مَرَامِ
رَقَّـتْ، وجَـلَّـتْ، واسْتَطَـارَ أُوَارُهـا؛
فَـهِـيَ النَّمِـيْـرُ وثَــوْرَةُ الأَنـْـغَـامِ!
* * *
قالَتْ: عَـرِقْتُ بِمِسْكِ أَمْسِكَ في دَمِيْ
وشَرِبْـتُ مِـنْـكَ قَصَائِـدِيْ بِـقَوامِي
إِنِّـيْ الوُقُوْفُ الحُـرُّ في بـابِ الشَّذَى
أُلْـقِـيْ مَفـاتِـيْـحَ الـرُّؤَى لِـغَـمَامِـي
أَرْنُـوْ بِنَـاهِـدَةِ الهَـوَى فَـتَـضُمُّـنِـي
أَضْـوَاءُ مُـقْـمِـرِهـا بِـفَجْـرِ هُـيَـامِ
وأَنـَامُ فـي بَـالِ الحـَرِيْـرِ فـيَـشْتَهِـي
صَحْوِيْ الحـَرِيْـرُ، فأَيْنَ مِنْـهُ مَنَامِـي؟
كَعْـبِيْ كَمِثْلِ النَّـايِ في شَفَـةِ الـثَّرَى
أَنَّـى مَشَـيْتُ يَضِـجُّ فِـيْـهِ مَـقَـامِـي
مُـتَـوَثِّـبٌ مَـائِـيْ على الـماءِ انْطَـوَى
كُـلُّ الوُجُـوْدِ بِخُطْوَتِـيْ ومُـقَـامِـي
مِنْ عَـيْـنِـيَ الأَشْجَـارُ تَنْـبُتُ واللُّغَى
كَمْ بَرْعَمَتْ بالكُحْـلِ مِنْ إِلهـَامِـي!
* * *
يا نَـادِلَ الأَشْوَاقِ، مَـخْدَعُـنا ارْتَـوَى
مِنْ كَـرْمَـةِ الشَّـفَـتَـيْنِ .. نَهْـرَ ضِـرَامِ
هَـبَّ الضَّـبابُ بِكُلِّ غُصْنٍ مُشْـرِعًـا
رِئَــةَ الـرَّبِـيْـعِ بِغُـلْـمَـةِ الأَكْـمَـامِ
وحَـلِيْبُ غَانِـيَـةِ الخُلُـوْدِ يَرُوْضُ في
شَـــفَــةِ الـرَّضِـيْـعِ بَـرَاءَةَ الآرَامِ
مُـهْـرِيْ يُـثِـيْرُ الأرضَ مِنْ أَقطَارِهـا
لِـيَـبُـوْءَ فِـيَّ بِـثَـغْـرِيَ الـمُـتـَرامِـيْ
شَـعْـرِيْ كَـصَدْرِيْ آيـَـةٌ كَـوْنِـيَّــةٌ
جِـبْرِيْـلُ نَـاءَ بِـوَحْـيِـها المـُـتَـهَامِـي
ذَهَـبِـيَّـةُ التِّـيْـجَـانِ في رَأْدِ الضُّحَى
ومَـسـاؤُهـا (دَجْـنُ ابْـنُ أُمِّ ظَــلامِ)
وإذا- على كَفِّ النَّهارِ- هَـمَتْ يَدِي،
شَرِقَـتْ بِـطِـيْبِ أَنامِـلِـيْ وسَلامِـي!
* * *
لا تَـلْـبَـسَـنَّ قِـنَـاعَ حُـبِّـيْ ؛ إِنَّـنِـي
فـي الحُـبِّ أَهْـتِـكُ عِـفَّـةَ الأَصْنَـامِ
الحُـبُّ فِـقْـهٌ ، ليـسَ يَـفْـقَـهَـهُ الذي
عَبَدَ القَـبِـيْـلَـةَ، وازْدَرَى (ابْنَ حِـزَامِ)
مَنْ لا يَـرَى بِذُرَى الأُنـُـوْثَـةِ غَـيْرَ ما
رَأَتِ الـذُّكُـوْرَةُ فـي ثَـرَى الأَنـْـعَـامِ
مُـتَـزَنِّــرًا بِـفُـحُــوْلَــةٍ حَـيَـوانَــةٍ
عَـقُـمَـتْ بِهـا بَشَـرِيَّــةُ الأَرْحـَـامِ
يَـطَـأُ النِّـسـاءَ جَـوارِيـًـا وضَوارِيـًا
ويَـطَــأْنـَــهُ بِـزَرائِـــبِ الآطَـــامِ
بِـئْـسَ الرُّجُـوْلَـةُ لا تَـرَى فيها خَـلَا
بَـيْـضَ «الرُّؤُوْلَـةِ» تَحْتَ فَحْلِ نَـعَـامِ!
* * *
فـي شَاطِـئِ الرَّمْـلِ المُـلَـبَّدِ، يا فَـتَى،
فـي مُقْـلَـتَـيْـكَ ، مَراكِـبِـيْ وخِـيامِي
أَنا بِنْتُ عَيْنِ الشَّمْسِ، أُبْحِرُ- إِنْ تَشَأْ،
وإذا أَبـَـيْـتَ - مَـوَانِـئِـيْ أَحـلامِـي
أَدْرِيْ بِـأَنـَّـكَ مِـنْ ضَحَـايـَا أُمـَّـةٍ
مَـضْـرُوْبَــةٍ بِـصَحَـائِـحِ الأَسـقَــامِ
وبِـأَنَّ أُمَّـكَ أَنـْتَ عَـاشَـتْ نَخْـلَـةً
مَــوْءُوْدَةً مِـنْ سَــــيِّـدِ الأَقـْــزَامِ
وبِـأَنَّ أُخْـتَـكَ فـي الصَّغَارِ تَسَامَأَتْ
فجُـعِـلْـتَ دُوْنَ سَمائِـهـا كالحَـامِـي
و«الأُمُّ مَـدْرَسَـةٌ» ، إذا أَفْـسَـدَتْهــا،
أَفْـسَـدَتْ أُمَّ الشَّـعْـبِ والحـُـكَّـامِ
فـتَـرَى الفَـسَادَ مُـبَرْقَـعًـا بِعُـرُوْبَـةٍ
ومُـبَـهْـرَجًـا فـي «مِشْلَحِ» الإِسـلامِ
أُلْـعُـوْبَـةٌ، مَنْ شَـاءَ عَـرَّبَ أَعْجَـمًا،
وإذا يَـشَـاءُ، يُـؤَسْـلِـمُ (ابْنَ خُـذَامِ)!
* *
لَنْ يُفْـلِحَ العَـرَبُ، المـَدارِسُ فِـيْـهِـمُ
دَرَسَـتْ مَعَارِفَـهـا عُـصُـوْرُ رَغَــامِ
لَنْ يُفْـلِحَ العَـرَبُ، المـَدارِسُ فِـيْـهِـمُ
خِـرِّيجُـهـا ذِئْــبٌ وضَـبْـعُ رِجَـــامِ
لا يُـنْـتِـجُوْنَ سِوَى الفَـنَاءِ صِنَاعَـةً
مَلَـؤُوا العَواصِـمَ بِالفَـرَاغِ الدَّامِـي
مُتَـصَعْلِكِـيْنَ تَـأَبَّـطُـوا بِـشُـرُوْرِهِمْ
مُـذْ كـانَ أَوَّلُـهُمْ فَـتَـى الإِجْــرَامِ
لَنْ يُفْلِحُوا، أَبـَدًا، وقد خَتَـنُوا النُّـهَى
وخَـصَـوا لِـسَـانَ كَـرَائِـمٍ بِـكِـرَامِ!
* * *
لا، لم أَعُـدْ تِلْـكَ التي جَـمْرُ الغَضَى
فـي أَخْـمَـصَـيْها الـثَّـلْـجُ لِلأَقْــدَامِ
تَـسْرِيْ لِـمَـرْضاةِ المُحِبِّ، وإِنْ طَغَى،
وتـَخُـوْضُ في لُجـَجِ الدُّمَـى بِلِـجَـامِ
أَنـَا حُـرَّةٌ ، رَأْسِـيْ بِـرَأْسِـكَ ، عِـزَّةً،
وطَـمَاحَــةً ، وجَـسَارَةً ، وتَـسَـامِـي
أُعْطِـيْ كما تُـعْـطِـيْ السَّماءُ نَـعِيْـمَها
وهَـزِيْمَـهـا ، بِصَواعِـقِـيْ ورِهَـامِـي
ولِـيَ الإِرادةُ فـي المـَـواسِمِ كُـلِّـهـا
كَـسِـجَـارَتِـي بَـيْنَ البَـنَـانِ غَـرَامِـي
فـأُعَـنْـقِـدُ الإِغْـوَاءَ، إِمَّـا أَشْـتَـهِـي،
وأَكُـفُّ كَـفَّ مَـسَـرَّتِـيْ لِـغُـلامِـي
لا تَـنْـتَـظِـرْ سُـرِّيَّـةً ، فـي جِـلْـدِهـا
تَضْحَـى وتَخْصَـرُ، واستَـفِقْ لِكَلامِي!
زَمَـنِـيْ تَـغَـيَّـرَ واقِـعًـا ومَـواقِعًـا،
أَ تُـرَى ستَـبْـقَى كالجِـدَارِ أَمَامِـي؟!
* * *
صَبَّحْـتُ وَجْهَـكَ بِالأُنـُـوْثَةِ، تَجْتَلـِي
صَـرْحَ الجـَـمالِ مَـعَ الجـَـلالِ يَـمَامِـي
مـاذا تَـقُـوْلُ ، وقَدْ أَتـَـتْـكَ بِـغَضِّها
وغَضِيْضِهـا، كالشَّمْـسِ غِبَّ قَـتَـامِ؟
سَـمَكُ اللُّـدُوْنَـةِ في حُـرُوْفِ سَمائِـها
وبِـشُـرْفَـتَـيْـها هَـمْـزَةُ اِسْـتِـفْـهَـامِ
تَـدْعُـوْكَ لِلإِبْـحَـارِ في شَفَـقِ الهَوَى
كَـيْ تُـبْـحِـرَ الأَحْــلامُ بِالأَحْــلامِ!
* * *
سأَقُـوْلُ : طِـيْرِيْ يـا سَـفِـيْنُ إلى التي
تَـهَبُ القَـوافِـيَ نَـبْـضَهـا بِعِـظَامِـي
وأَقُـوْلُ : دُوْنَـكِ ضَـارِيَـاتٍ ، طـالَـما
افْـتَـرَسَـتْ بِـيَ الأَخْـوَالَ بِـالأَعـمامِ
قُـزَحٌ يُـغَـنِّي فـي هُطُـوْلِكِ قَـوْسَـهُ؛
لِـيَـعُـلَّ هَــتَّـانَ الحـَـيَـا بِـحِـمامِــي:
... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هـاتـِيْ لِسَانَكِ، كَـيْ أَنـَامَ بِـجَفْنـِهِ،
وأَدُوْخَ فِـيْـكِ بِـيَـقْظَـتِـيْ ومَـنَامِـي!

واقرأ للشاعر:
الصورة البَصَريَّة في شِعر العميان (دراسة نقديَّة في الخيال والإبداع)، (الرياض: النادي ‏الأدبي، 1996).‏ [أصله: رسالة دكتوراه، 1993].


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى