الاثنين ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦

دماؤهم تزهر..!!

ملكة الشريف

رياح صاخبة خارج السيارة التي تقلني، ودقات قلبي صاخبة ا تزمجر قهرا وغضبا لم يهدأ منذ سنوات، أحاول أن أهدئ من روعي أن أكبر على ألمي .. فأنا قوية بما يكفي لأكابد كل تلك المشاعر التي تتزاحم في أعماقي، وأتجاوز كل شيء يؤلمني.

ولكني لست قادرة على ذلك حقا.. وها هو الموت يطل على من جديد ..

" شهيد ورا شهيد والموكب عم بيزيد ..
والموكب عم بيزيد راحوا، ماودعناهم ..
تركوا، الأحبة وراهم"..

تغالبني دمعة ثقيلة . صوت المذياع يكمل النشيد. صمت ثقيل يطبق على أنفاسنا في السيارة .
وصوت المحرك يئن ليشاركنا صمتنا الثقيل، والسيارة لا زالت تشق عباب الطريق..
بجواري سيدة تجاوزت خطوط عمرها الخمسين ، تكفكف دمعها ..وتتمتم "لا حول ولا قوة إلا بالله".."وحسبي الله ونعم الوكيل".

لست وحدي موجوعة.. فخطوط العمر والحزن تقاطعت على تقاسيم وجهها
و الرياح تزداد خارج النافذة ويزداد قلبي عاصفا بدقاته ..ولازال المذياع اللعين يقلب آلامنا ..
يامو ، ظلم الأعادي .. يامو .."
في كل بلادي يامو ، محلى الشهادى"
خانني صوتي .. تمنيت أن تمتد يدي لأطفئ المذياع، وأن أكفكف دموعا تحجرت في قلوبنا ومدامعنا.
تقف السيارة عند حاجز آخر ،وحرارة الشمس تلهبنا وتعبنا يزداد .. رجل مسن يجلس في المقعد الأمامي..لمحت يده قابضة على عكازه بقوة.. مدججون بالسلاح يتملقوننا ويتركونا ننتظر عند الحواجز ويقلبون بطاقاتنا للمرة الثالثة في هذا اليوم ..
وعند كل حاجز يقومون بنفس العمل القاتل والمشين .. و علينا أن نحتمل تنغيصهم بقايا أحلامنا، والكل يترقب الإذن بالرحيل ..

تواصل السيارة المسير بعد إيقافنا لمدة تزيد عن النصف ساعة عند كل حاجز
ويعود المذياع اللعين للصخب..
لااا لااا هذه المرة تعلو فيه صوت الزغاريد والتهليل ،وينقل المذيع خبرا ظننه لوهلة مفرحا ..
صمتنا قهرا ..

المذيع يعلو صوته بشجون: ذوي الشهيد رائد جرادات يخطبون الشهيدة دانيا ارشيد ..
كانت الزغاريد والعويل والبكاء هو كل ما أسمعه.. أه يا ويح قلبي ستجتمعون في السماء..ولا أدري متى سأجتمع أنا أيضا بتوأم الروح الذي رحل منذ عشر سنوات..لا زالت الطريق أمامنا طويلة والحواجز أكثر، والجنود المدججين بالسلاح أكثر ..ولا زال العجوز أمامي يقبض على عصاه بحزم.. وعروق يده تظهر بوضوح أكبر ، والسيدة بجواري تواصل الدعاء للشهداء وذويهم .. ولا زال المذياع يصدح بأسماء جديدة لشهداء جدد..
والمذيع يتابع: الشهداء لا يموتون .. دماؤهم تُزهر ثورة ..!!

ملاحظة: الشهيد رائد جرادات استشهد في انتفاضة القدس نشر على صفحته الشخصية على "فيس بوك" صورة قبيل استشهاده بساعات، للشهيدة دانيا ارشيد التي أعدمها الاحتلال قرب الحرم الإبراهيمي، معلقا عليها "تخيلها أختك" وخرج للثأر من إعدامها..

ملكة الشريف

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى