الجمعة ٥ شباط (فبراير) ٢٠١٦

صلاح السروى.. ذلك القديس المجهول

صبحي موسى

صلاح السروى منذ عودته إلى مصر فى منتصف التسعينات وهو منخرط بشكل جاد وواضح ومعلن للجميع فى مختلف القضايا الثقافية،بدءا من كونه عضوا فى الهيئة الاستشارية لمجلة "أدب ونقد" التى يصدرها حزب التجمع المصرى، والتى تعانى طيلة الوقت من أزمات مالية، حتى أن كتابها ومستشاريها ومسئولى تحريرها لا يتقاضون مكافأة على عملهم بها.

ورغم ذلك فالرجل منذ نهاية التسعينات ملتزما بدوره فيها واجتماعاته مع مجلس تحريرها، وإساهاماته الفكرية والنقدية بها دون توقف أو شعور بأنه ينبغى أن يكون له دخل ثابت من مكان يبذل فيه جهد كبير. هكذا ظل صلاح السروى الذى تعرفت عليه منذ نهاية التسعينات وحتى الآن، وكنت مازلت فى بداية الطريق، وبداية الطريق دائما عصيبة، ولا يقف بجانبك الكثيرون، بل البعض يطالبك أن تفعل شيئاً أكبر حتى يمكنه أن ينضم إليك، لم يكن هناك من يفكر بالوقوف إلى جانبنا نقدياً، لكن السروى القادم من الخارج، والذى كان يمكنه أن ينضم إلى قافلة النقاد الإليت، النقاد النخبويين أو الهاوين التعامل مع السلطة بتحالفاتها ومصالحها وأسمائها البراقة ومواقعها الجبارة وعطاياها التى لا تنفد، كان بإمكانه أن يكون من بين هؤلاء، لكنه قرر أن يكون حسبما وصفه أحدهم (ناقد شعبي)، أى منتم إلى الشعب وفئاته ومثقفيه وجمهوره وكتابه ومفكريه، وليس ناقد السلطة ونخبها المختارة، هكذا رأيته فى مختلف المشاهد، بدءا من ندواته فى أحزاب التجمع والشيوعى المصرى وأتيليه القاهرة ومعرض الكتاب وجمعية النقد الأدبى وقصور الثقافة وغيرها.

وصولاً إلى مشاركته معنا فى الملتقى العربى لقصيدة النثر، وكنت وأصدقائى المشاركين فى الملتقى على خلاف مع مجموعة الملتقى المصرى لقصيدة النثر، وكنا بحاجة إلى أن ينضم إلينا اسم كبير، ومثقف مهم، كى نكتسب نوعاً من شرعية الوجود فى موجهة الآخرين، فاتصلنا به ووافق على الانضمام إلينا، لكنه طلب أن يقوم بمساعيه لحل الأزمة بين الفريقين ودمج المؤتمرين فى عمل واحد، غير أنه بمجرد التقائه بالمجموعة الأخرى تأكد له أن لابد إكمال طريقنا وحدنا، فأقمنا دورة رائعة كرمنا فيها الشاعر اللبنانى الكبير وديع سعادة والشاعر المصرى الكبير محمد فريد أبو سعدة، والشاعرة السعودية فوزية أبو خالد، وكانت قصيدة النثر النسوية السعودية هى ضيف شرف الملتقى بشاعراتها وعدد من شعرائها فضلاً عن عشرين شاعراً عربياً آخرين، كان دور صلاح السروى مهماً وجهده كبيراً خاصة فى اللجنة العلمية للدراسات المشاركة، والتى كان يرأسها، فضلاً عن نزع فتيل الأزمات قبل حدوثها، وتقريب وجهات النظر بيننا وبين رعاة الملتقي، ذهبنا إلى بيته وأكرمنا الرجل بنفسه، ولم ير أن ذلك تقليلاً من شأنه. كان المشهد الأبرز والأهم والأجمل الذى رأيت السروى فيه هو اعتصام المثقفين فى مقر وزارة الثقافة فى نهايات عام الاخوان، فقد مثل بالنسبة للجميع نموذج المثقف الكبير الذى لا يبحث عن الشهرة، لكنه يبذل كل ما بوسعه من أجل رفعة هذا البلد، ومن أجل تغييره إلى الأجمل، نموذج المناضل الحقيقى الذى لا يسعى للتربح من وراء نضاله، فقد كان مسئولاً عن إحدى لجان الاعتصام، وكان معنا فى حراسة المكان، خاصة وأن ثمة تهديدات كبرى كانت تجيئنا من الاخوان بأنهم سينقضون على المقر لينهوا الأمر بأى شكل، لم يكن يذهب إلى بيته إلا فى السابعة صباحاً كى يغير ملابسه ويذهب إلى الجامعة ثم يعود إلينا فى نهاية اليوم، لم يشغله الظهور أمام شاشات التليفزيون كغيره من المعتصمين المشاهير، لم يشغله الحصول على منصب كما فعل الكثيرون، فهناك من دخل لجنة الدستور وهناك من اصبح عضواً فى البرلمان وهناك من عاد إلى منصبه وهناك من اختلق له منصب أو فاز بجائزة، وحده السروى ظل يعمل مع الجنود كجندى مجهول مثلهم، وحين انتهى العرس حمل رحله وعاد إلى بيته وجامعته، رحل فى صمت نبيل ومدهش دون طنطنة أو حب للظهور، فلم ينشر صوره كغيره ممن نشروا صورهم مؤكدين على أنهم كانوا فى الاعتصام، ولم يقف أمام الشاشات ليعلن أنه كان سيموت من الإعياء وقلة النوم والتوتر والخوف فى انتظار مجيء المغير ومن معه من رجالات خيرت الشاطر. هكذا كان ومازال صلاح السروى المثقف النبيل الذى ينبغى الاحتفاء به، لأنه نموذج نادر الوجود فى أيامنا الراهنة، ولأننا بحاجة إلى تحية الكبار كى يظلوا كباراً فى عيون أصحاب المناصب والمتجرئين على الناس برعونة الجهل وقوة الجشع فى الحياة، فتحية له وتمنيات بتقدير يستحقه كمثقف كبير وإنسان أكثر من رائع وناقد لا أعتقد أننا سنوفيه حقه فى تقديم غالبية الوجوه الأدبية الفاعلة فى الحياة الثقافية الآن.

صبحي موسى

عن اليوم السابع


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى