السبت ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠١٦

نقد النقد وكتاب «ملامح من السرد المعاصر»

رائد الحواري

الناقد "فراس حج محمد" يفتح لنا أبواباً من المعرفة للدخول إلى النصوص القصيرة والمختزلة، فهو في بعض المواضع يعقب على جملة لا تتجاوز بضع كلمات بصفحة أو يزيد، وهذه إشارة إلى التكثيف الموجود في الجملة/القصة. ما يلفت الانتباه أن الكاتب يتفاعل مع النص حتى أننا نجده يتقمص مضامينه، وهذا أهم ما يميز الكتاب، فيقول عن النص:

"مكافأة
لم يفجّرها، فهجرته"
"أي أفكار يمكن أن تنبجس وتتدفق من رحم أربع كلمات؟ يا ألله كم أنا في مأزق الآن وضعتني فيه المكافأة" ص41، ثم يبدأ الحديث عنه بما يتجاوز الصفحتين من الحجم الكبير، هذا الشكل من النقد، أعتقد بأنه يتماثل ـ إن لم يتجاوز ـ النص الأصلي/ المشرَّح، الكاتب يعلمنا أن لا نستهين بحجم النص، مهما بلغ حجمه، بل نهتم بمضمونه، بتكثيفه.

عمليا كانت غالبية النصوص قصيرة جدا إذا ما استثنينا تعقيبه على كتاب "نقوش في الذاكرة" لشريف سمحان، وكتاب "فخاخ الكلام" لعمر حمّش، تبقى بقية الكتاب رؤية الناقد لنصوص مختزلة ومكثفة، علما أنني لا أوافق على اعتبارها قصصاً، حيث إن للقصص مواصفات لا يمكن لأيّ كان أن يتجاوزها، وهنا لا بد من التذكير بأن أول من كتب وأسس لهذا الشكل من النصوص في المنطقة العربية هو محمود شقير من خلال مجموعته "طقوس للمرأة الشقية" ثم أخذت هذه النصوص في الاختزال والتقلص حتى وجدناها تصل إلى أربع كلمات، كما جاء في الكتاب.

ورغم أن الناقد يعترف بأن السبب وراء هذا الكتاب هو عصر الإنترنت والانفتاح والسرعة التي لم تبقِ للمتلقي فسحة للتأمل أو للاطلاع على النصوص الطويلة، فكان لا بد من إيجاد هذا الشكل من الكتابة ليواكب العصر ومتطلبات الجمهور.

وما يلفت النظر في طريقة النقد التي يستخدمها "فراس حج محمد" تناوله للدين في العديد من النصوص التي قدمها لنا، فاستحضار الثقافة الدينية حتى في النقد يشير إلى رسوخ تلك الثقافة في الناقد، رغم أنه يتحدث عن نقد أدبي وليس موعظة دينية، فيقول: عن نص "حصاد":

"... اللغة فيه مبنية على التراث الديني من الحديث الشريف والقرآن الكريم" ص62، حتى أننا نجد الكاتب يتحدث بهذا الكلام عندما يعجب بكاتب/ة النص فيقول لفاطمة نزال: "لله درك يا فاطمة نزال" ص72، كما نجد تأثير الثقافة الدينية على الكاتب قد انعكست في اختياره للنصوص فنجد ثلاثة نصوص تتحدث عن الموضوع الديني كما هو الحال في نص "ظلاميون" لخضر الماغوط، ونص "هبوط" لشريف الجهني ونص "قصة يوسف" لكامل الدلفي وقصة "مريم" التي كانت قصة كاملة وتمتلك مقومات الفن القصصي، كل هذا يشير إلى أن الكاتب يتأثر بالثقافة الدينية التي يمتلكها، ومن ثَمّ يستطيع أن يقربنا منها ويجعلنا نتعرف على الأسس الأخلاقية التي تلازم الثقافة الدينية.

الكاتب اختار كتاباً وكاتبات من كافة المنطقة العربية، ولم يفضل قطراً على آخر، كما نجد أن النصوص تتباين بين طرحها للهم العام أو الخاص، لكننا نجد أكثرها يتحدث عن العلاقة بين الرجل والمرأة وحاجة كلٍّ منهما للآخر، ولم يميز أو يفضل نص كاتبة على نص كاتب، حتى أننا وجدناه حياديا في تعقيبه على ما كتب، وهذا يؤكد حرص الناقد على التجرد عندما يتعلق الأمر بالنص الأدبي.

الكتاب من منشورات موزاييك للترجمة والنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2015

رائد الحواري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى