الجمعة ١٣ أيار (مايو) ٢٠١٦
بقلم أحمد الخميسي

تيران وصنافير .. وحرية التعبير

يتصور البعض أن أزمة نقابة الصحفيين المصريين التي نشبت في مايو الحالي بسبب اقتحام الشرطة النقابة قد شغلت الناس عن موضوع التنازل عن الجزيرتين المصريتين" تيران" و" صنافير" للسعودية، وأن أزمة الصراع بين النقابة ووزارة الداخلية أزمة مفتعلة مقصود بها إلهاء الناس عن موضوع التفريط في وحدة التراب الوطني مصري، وهو تصور غير صحيح. فقد تفجرت الأزمة بعوامل داخلية بصفتها إحدى ذروات انتهاك الحريات العامة تحت شعار تطبيق القانون. أين كان القانون حينما جاء إلي مصر إبن الصحفي المعروف هيكل لحضور جنازة والده، ثم سافر بعدها من دون المساس به، علما بأن اسمه على قوائم ترقب وصول في المطار، ومطلوب في قضية التلاعب بالبورصة مع نجلي مبارك وتحقيق كسب غير مشروع في حدود ثلاثة مليارات؟ وأين كان " تطبيق القانون" عندما سافر أحمد موسى على طائرة الرئيس وعليه حكم من القضاء؟! وأين كان " تطبيق القانون" عندما كان مرتضى منصور مطلوبا واحتمى بشقة لم تجرؤ الداخلية على اقتحامها؟!. هناك مسار طويل من انتهاك الحريات والكيل بمكيالين عند الحديث عن القانون، إذ يتضح فجأة أن لدينا أكثر من قانون، أحدها يتم تطبيقه على عامل قطارات اختلس ثلاثة جنيهات فيتم سجنه، والآخر يتم تطبيقه على أحمد نظيف رئيس وزراء مبارك وبقية لصوص عهده فإذا بهم جميعا مطلقي السراح أحرارا. تفجرت قضية نقابة الصحفيين على هذه الخلفية، وليس بصفتها لعبة من النظام لالهاء الناس عن موضوع الجزيرتين اللتين تم بيعهما في غمضة عين للملكة السعودية. تفجرت بحكم عوامل داخلية في مقدمتها الغضب الشديد من ملاحقة الصحفيين وحرية التعبير والتظاهر، وهي الملاحقة التي بدأت بقتل شيماء الصباغ من دون أن يلقى القاتل عقابا حتى الآن. وفي كل الأحوال فإن معركة النقابة ليست إلهاء وشغلا للناس عن موضوع الجزيرتين، وعلى العكس، فإن كل معركة صغيرة من أجل الحريات العامة تشق دربا صغيرا إلي استعادة الجزيرتين، كما تشق الجداول طريقها إلي البحر الكبير. بهذا الصدد كانت للروائي الانجليزي ديكنز عبارة جميلة يقول فيها : " للأبواب الكبيرة مفاتيح صغيرة"، وكل معركة من أجل الحريات العامة تخوضها نقابة الصحفيين، أو الأطباء، أو موظفو الضرائب، أو العمال، هي مفتاح من مفاتيح الباب الكبير. وموقف النقابة الحازم ردا على انتهاك حرمتها وحرمة حرية التعبير، هو أيضا مفتاح من مفاتيح باب الجزيرتين. إن قدرتنا على استعادة الجزيرتين، وطرح القضية الوطنية، تتأكد وتلوح أقرب بتوسيع دوائر الحرية وفي مقدمتها حرية التعبير. وما يجري ليس إلهاء عن قضية الجزيرتين، بل طريقا نحو الجزيرتين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى