الجمعة ٢٠ أيار (مايو) ٢٠١٦
تزوجا خلف القضبان
بقلم عادل سالم

أروع وأقدس قصة حب في فلسطين، وليد دقة وسناء سلامة

سنسمي ابننا ميلاد لأنه سيشهد ميلاد الدولة الفلسطينية

هذا الحوار كنا قد أجريناه مع الزميلة سناء سلامة، زوجة الأسير البطل وليد دقة عام ٢٠٠٤، كنا حينها نأمل أن يتحرر من الأسر خلال سنوات، واليوم وبعد أن أمضى وليد الثلاثين عاما خلف القضبان، أعيد نشر ذلك الحوار للتذكير بأسرانا البواسل، ولأن قصة سناء واختيارها الارتباط بالأسير البطل وهو خلف القضبان تذكرني ببطلة (عناق الأصابع) خولة التي تزوجت الأسير علي، وانتظرته أكثر من ثلاثين عاما بعزيمة لا تلين.

الحرية للأسير وليد دقة وكل أسرانا البواسل

أسرى الحرية، القابعون في زنازين وسجون العدو الصهيوني يواجهون غطرسة الاحتلال الصهيوني البغيض يوميا بعزيمة قوية يستمدونها من عدالة قضيتنا الفلسطينية، عدالة الشعب الذي شرد معظمه الصهاينة، ودمروا منازله وجرفوا أراضيه الزراعية، وأسروا خيرة أبنائه، وقتلوا عشرات الآلاف منهم دون وازع من ضمير أو أي اعتبار لأدنى حقوق الإنسان حتى تلك التي نادى بها موسى يوما ما في وصاياه العشر .

الأسرى الفلسطينيون والعرب في سجون العدو الصهيوني يسطرون أروع آيات الصمود كل يوم، يقاومون، صامدون، صابرون، يحدوهم الأمل أن يطلق سراحهم يوما ما لأن شعبهم وبعض قادتهم وأمتهم ما زالت تذكرهم. لكنهم كبشر يعيشون مشاعرهم الخاصة التي أهمها أنهم يحلمون بالحرية، يحلمون بالزواج فمعظمهم عزابا، يحلمون بأطفال المستقبل، يحلمون بصدر حنون يسندون إليه رؤوسهم. يحلم كل واحد منهم أن يكون له بيت وأولاد وزوجة جميلة وطيبة، يحلم كل منهم ان يقضي بقية عمره بين أهله وذويه.

هم يحلمون كما يشاؤون فالحلم هو الشيء الوحيد الذي بقي لهم دون أن يستطيع أحد منعهم من ممارسته، بعدما طال انتظارهم .

في سجن نفحة الصحراوي الذي يقع وسط صحراء النقب بعيدا عن أي مدينة أو قرية عربية أو إسرائيلية، يقبع أسرى أبطال يواجهون حر الصيف وبشاعة السجان وقسوة القيد، هذا السجن الذي بنته إسرائيل في العام 1979 لتنقل إليه بعد الانتهاء منه الأسرى الذين وصفهم قادة أجهزتها الأمنية بقادة الأسرى، لتعاقبهم حيث كانت ظروف الأسر فيه الأسوا في تاريخ اسرائيل حتى تلك الفترة، مما أجبر الأسرى على خوص إضراب عن الطعام استمر شهرا كاملا استشهد خلاله البطل علي الجعفري والبطل راسم حلاوة، وفيما بعد البطل إسحاق مراغة.

سحن نفحة الصحراوي رمز المقاومة الفلسطينية الأسيرة ضد الاحتلال يضم الآن في صفوفه أسير أبى إلا أن يتحدى قيود السجن ويمارس حياته أو بعضا منها كما يحلم بها كي يبرهن للاحتلال ويقول لإدارة السجون العنصرية: إن كنتم تسلبون حريتنا فلن تسلبوا أحلامنا.

الأسير وليد دقة من فلسطين التي احتلت عام 1948 والتي نسيها المفاوضون ووضعوها سلفا خارج طاولة المفاوضات.

وليد دقة وفي غرفة تضم الأسير اللبناني البطل سمير قنطار يمضي فترة أسره هذه الأيام ، يتعلم ويكتب ويمارس حياته العادية رغم ظروف الأسر.

سلاحه اليومي المطالعة والرياضة وكتابة الرسائل لزوجته سناء.

وإذا كان الواحد منا يعود آخر النهار ليلتقي بأولاده وبزوجته فان وليد لا يلتقي بزوجته التي تزوجها وهو في الأسر إلا مرة واحدة كل أسبوعين ولمدة نصف ساعة فقط من وراء القضبان الحديدية، نصف ساعة غير كافية لكنها بالنسبة لأسير تساوي العالم كله.

في هذه الزيارة يبث وليد أشواقه ويعبر عن مشاعره لزوجته سناء التي يحبها ويعشقها كعشق قيس لليلى أو جميل لبثينة.

وإذا كان العرب قديما قد قالوا أعشق من قيس فعليهم الآن أن يضيفوا مثلا جديداً "أعشق من وليد وسناء" الذين بوفائهما يستحقان ان يضرب فيهما المثل.

زارته في السجن وهو خلف القضبان لتقول له نحن لم ننسك أبدا فرق لها قلبه وكتم حبه لها لأنه يدرك أنه خلف القضبان لا يستطيع أن يفعل شيئا، وتفجر حبه عشقاً لها وبادلته نفس الحب والمشاعر، حتى عرض عليها الزواج فوافقت وكلها أمل وإصرار على قرب تحرره من الأسر فالثورة لا تنسى أسراها!!!

تعاهدا ان يكملا مسيرة الحياة معا يعاني هو من قيد الأسر وتعاني هي من بطش السجانين عندما تزوره كل أسبوعين.
هو كل حياتها وهو في سجنه، يطل عليها كل ليلة قبل نومه ليقول لها أحبك يا سناء ويطبع على شفتيها قبلة تحمل في طياتها عنفوان الصمود وإرادة التحدي.

تحرص هي قبل نومها أن تطمئنه أن قيد السجان وقيد الاحتلال لن يغيرا من حبها له، بل يزيده اشتعالا، وإصرارا على التحدي، وكأنها تقول للعدو الصهيوني: إن كنتم تنتصرون علينا بأسلحتكم الأمريكية الفتاكة، فنحن ننتصر عليكم بحبنا وايماننا بعدالة قضيتنا وإنسانيتنا العظيمة.

من خلال البريد الألكتروني، التقينا بالأخت سناء غير آبهين بكل أجهزة التنصت والتجسس والمراقبة ودار بيننا هذا الحوار الذي ننقله لكم كي تقرأوا قصة أكثر زوجين حبا ووفاء وعشقا وتحديا للظلم.

- كيف تعرفت على وليد، متى كانت البداية؟؟

 تعرّفت عليه عام 1996 كنت أكتب لصحيفة اسمها الصبّار كانت وما زالت تصدر في يافا، وكانت كتاباتي دائماً تتناول أوضاع الأسرى وشؤونهم، ربما لأن خلفية الأسر ومعناه كانوا متوفرين لديّ لأن والدي كان أسيراً ثلاث مرات لمدة أطولها كانت 4 أعوام مع شقيقه أي عمي وآخرها كان عام 87 حتى عام 88. أيضاً شقيقي اعتقل فترتين قصيرتين جداً عندما كان طفلاً (14 عام - وأذكر أن تهمته الأولى كانت محاولة قتل عملاء، والثانية تمزيق العلم الإسرائيلي).

المهم أنني كنت أستقي أخبار الأسرى من الأستاذ عبد الرحيم عراقي الذي كان وقتها رئيساً لجمعية أنصار السجين، وهو بنفسه كان أسيراً حكم عليه بالسجن المؤبد وقضى منه 17 عاماً وحرّر في عملية تبادل الأسرى عام 1985، وأذكر أن عبد الرحيم اقترح عليّ بأن أستقي أخبار الأسرى من الأسرى أنفسهم وأعطاني اسم وليد واسم أسير آخر كي أزورهما.

وفعلاً ذهبت واخترت وليدا وزرته. ما شدني إليه ثقافته الواسعة والطريقة العملية التي يفكر بها ويدير بها شؤونه وشؤون السجن بالتعاون طبعاً مع رفاقه الأسرى. كانت أول زيارة له عبارة عن تعارف وسألته يومها إذا كان بحاجة لأي أمر يمكنني أن أوفره له وعلى الفور قال: "نعم طبعاً أنا بحاجة لكتاب "الحرب والإستراتيجيه" للكاتب الإسرائيلي العسكري "يوشفاط أركابي" أحتاجه في دراستي" وطبعاً وفرت له الكتاب وعدت لزيارته بعدها بشهرين وأنا أحمل الكتاب وخلال الشهرين كان قد أرسل لي مع أهله مقالة طلب أن أنشرها له في صحيفة كل العرب وفعلاً نشرتها وكان موضوعها "رأي حول ترشيح عربي لرئاسة الحكومة". (بعد زيارتي الأولى لوليد بأعوام قال لي بأنه في تلك الزيارة كان قد عرف وقرّر بأنني الإنسانة التي يريدها أن تشاركه حياته).

هكذا أسّس وليد لعلاقة مستقبلية بدأت بأمور عمل، كما ذكرت، واستمرّت وتطوّرت بعدها بنصف عام تقريباً لتأخذ شكلاً وطابعاً آخر مع استمرار الشكل الأول، العملي الوظيفي، الذي كنت أقوم به بالتعاون معه ومع أسرى آخرين.

آخر إحساس يمكن أن يثيره وليد في الجالس أمامه هو إحساس التعاطف لذا أنا لم أتعاطف معه وإنما كنت وما زلت معجبة جداً به وبكل جوانب شخصيته.

- ما الذي أعجبك في وليد في السجن كي تتخذي قرارا بالزواج منه خلف القضبان؟؟

 وليد من الأسرى المنتجين جداً في السجن وهذا ما شدني إليه أصلاً من بين الأسرى. عندما تعرّفت عليه وكنت أتحدث معه لم أكن أشعر أنني أتحدث مع أسير وكان يدهشني دائماً مدى مواكبته لما يحدث في الخارج ومدى إطلاعه الدقيق على مجريات مجتمعه وشعبه وظروفهم وحالتهم. يحافظ على وتيرة معينة في الكتابة، وتجمعت لدي عشرات المقالات التي كتبها والتي قمت بجمعها ووضعها في دوسية، منها مقالات قديمة ومنها مقالات جديدة، ومقالاته تتسم دائماً بنظرة تحليلة حول الفكرة التي يتناولها المقال لذا فإنني أجد متعة حقيقية في العوده دائماً لمقالاته وأجدها تصلح للنشر حتى بعد أن يكون مضى على كتابتها أعوام طويله.

هو لا يقرأ الكتب وإنما يتناولها كالطعام وأنا أحافظ دائماً على توفير الكتب له. وليد أيضاً غارق دائماً في أمور السجن المختلفة وأبداً لا تراه منشغلا بنفسه وبهمومه الداخلية، لذا فهو يتمتع بشعبية عالية لدى كل الفصائل تمكنه من حلحلة مشاكل كثيرة داخل السجن وخارجه، وتأخذ من وقته الشيء الكثير. وقد تجمعت لديّ أيضاً مادة كثيفة، تحوي ما أصطلحنا على تسميته أنا ووليد «أمور عمل» (كي نفرّقها عن أمور أخرى، أو بشكل أدق رسائل «عمل» و.. رسائل «خاصة»)، هذا الملف يحوي بيانات، رسائل إلى مؤسسات حقوقية وأعضاء كنيست، مناشدات، برامج نضالية تخص حياة السجون، وضعت في فترات مختلفة، كلمات كانت تقرأ في مناسبات مختلفة .. إلخ)

- هل تزورينه باستمرار؟؟

 في السابق كنت أزور وليد كل أسبوعين مرة واحده لمدة 45 دقيقة. يفصل بيننا خلالها شبك حديدي. ولكني كنت أتمكن من الإمساك بأصابعه خلال الزيارة. يوم الأحد الماضي 16 أيار 2004 زرته لأول مرّة بعد انقطاع عام تقريباً، لأن السجون كانت بدأت بإضراب عن الزيارات سببه قيام مديرية السجون بوضع زجاج عازل كلياً بين الأسير وأهله بحيث لا تستطيع أن تسلم عليه أو تقبله. زيارتي يوم الأحد تمت بوجود الزجاج العازل لأن السجون أعلنت فك الإضراب مؤقتاً.

أغرب وأجمل عقد زواج في التاريخ الفلسطيني

- السؤال الذي يتبادر للذهن الآن كيف تم زواجكما وهو خلف القضبان؟

 عقد قراننا تم في يوم العاشر من أغسطس ـ آب 1999 وقد قمنا بتقديم طلب لعقد القرآن في السجن مع الطلب في أن يسمحوا لعائلتي المقرّبة وعائلته إضافة لاثنين وعشرين أسيرا من المقربين منه في المشاركة وأيضاً السماح بالتصوير، فيديو وصور عادية، والسماح بسماع موسيقى كأي عقد قرآن عادي. في البداية رفضوا كل طلباتنا لكن نحن خضنا معركة ضدهم، وكسبناها. وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آنذاك والمسؤول عن السجون "شلومو بن عامي" في بداية عمله، بروفيسور قادم من الجامعه ويدّعي آراءاً متنورة وتقدمية.

وقد حصلنا على كل ما طلبناه باستثناء السماح لـ 9 أسرى فقط بالمشاركة وليس 22 كما طلب وليد. وفعلاً تم عقد القرآن داخل السجن بحضور الشيخ الذي استغرب الموقف وقال إن هذا أغرب عقد قرآن يجريه في حياته الطويلة. المهم أن عقد القرآن شكل سابقة في تاريخ الحركة الأسيرة كلها وكان الأسرى أنفسهم (كان ذلك في سجن عسقلان) يجرون حفلة مقابلة لحفلتنا في داخل غرفهم. كانت لحظات فرح أبكت الكثير من الأسرى (حسب تهانيهم وكتاباتهم التي أرسلوها لي ولوليد فيما بعد).

- كيف كان موقف الأهل وهم يعرفون أن وليد أسير محكوم بالسجن المؤبد؟

 موقف الأهل كان صعباً وكانت أمي تقول لي دائماً: هل تريدين أن تعيدينني للركض إلى السجون؟ كان الأمر صعباً لكني تلقيت دعم شقيقتي الكبرى سهير والتي كان لها وزنها الكبير في البيت. والدي كان قد توفي قبل أن أتعرّف على وليد ولو كان موجوداً لكان الأمر أسهل عليّ لأن والدي كان إنساناً منفتحاً جداً وكنت وهو صديقين ربطتنا ببعض علاقة خاصة ومميزة. أيضاً المدة التي مرّت منذ أن تعرّفت على وليد حتى عقد القرآن كانت مدة ليست قصيرة استطعنا خلالها إقناع من لم يكن مقتنعاً بعد، وكان أجمل عقد قران في التاريخ. والأمر الذي سهل موافقتهم أيضاً هو أنهم أحبوا وليداً حبا جماًً.

- هل أنت سعيدة بوجود وليد في حياتك ، ومستعدة لانتظاره؟

- أنا كنت ومازلت سعيدة جداً بوجود وليد في حياتي ولست مستعدة لأن أتنازل أو أفرّط بهذه العلاقة حتى لو اضطررت إلى انتظاره العمر كله.

وليد محور حياتي كلها ومعه أشعر ليس فقط بأنني أعيش مشاعر إنسانية من أرقى ما يكون ولكن أشعر أيضاً أنني إنسانة منتجة تعمل لصالح شعبها ولا تقف متفرّجة عليه. بمعنى أن إرتباطي بوليد جعلني مرتبطة برفاقه الأسرى في كل السجون (طبعاً بشكل مختلف)، حيث هم لا يتردّدون في أن يتوجهوا إليّ بأي شيء يحتاجونه ويعتقدون أنني أستطيع تقديمه لهم وأنا بدوري سعيدة لما أقدمه لهم وأقدّر عالياً معاناتهم ومعاناة أهلهم التي، كما قال عنها وليد مرّة: «هي معاناة تكفي وحدها لبناء وطن».

- أخت سناء أين وليد الان؟

 منذ أعتقل وليد عام 1986 ميلادية وهو يتنقل بين السجون المختلفة، وهي سياسة متبعة في السجون في ألا يقضي الأسير حكمه كله في مكان واحد. لذا فوليد زار كل سجون البلاد، من شطه شمالاً حتى عسقلان ونفحه وبئر السبع جنوباً. الآن هو موجود في سجن نفحه الصحراوي يقتسم الغرفة مع سمير القنطار ومع أسرى آخرين وأنا كي أزوره أسافر ساعتين ونصف ذهاباً ومثلهما إياباً.

- هل ورد اسم وليد في عمليات تبادل للأسرى؟

 لم يرد إسم وليد في أية عملية تبادل طوال فترة اعتقاله والسبب هو عدم حصول أية عملية تبادل كهذه طوال هذه المدة. فعملية التبادل الكبيره التي نفذها أحمد جبريل كانت عام 85 أي قبل دخول وليد السجن بعام واحد. والعمليات التي تمت مع حزب الله كانت عمليات صغيره جداً تحرّر فيها أسرى لبنانيون فقط.

- هل تحاول إدارة السجن ان تمنعك من زيارته؟

 لأنني زوجته فإن إدارة السجن لا تستطيع قانونياً أن تمنعني من زيارته.

- هل سمحت لك إدارة السجن بزيارته زيارة خاصة؟؟ (الزيارة الخاصة في سجون العدو الصهيوني يعني زيارة بدون شبك أو قضبان حيث يجلس الأسير مع زواره في غرفة معا.

 زرته زيارات خاصة عدة مرات وكان ذلك قبل عقد القرآن. فقد كانت الأوضاع في السجون حينذاك مقبولة نوعاً ما. أما اليوم وبتأثير الوضع السياسي القائم، فإن الحديث عن زيارة خاصة لوليد مجرّد حلم.

إدارة السجون تراقب الرسائل

- هل تراسلينه في السجن؟

 رسائلنا لبعض تستغرق شهوراً طويلة حتى تصل. لدرجة أن وليداً توقف عن إرسال الرسائل كلياً. لكن مع ذلك لديّ أمل كبير بوصول رسائله التي كان يتحايل فيها على البريد ويخرجها بطرق مختلفة. ورسائله عبارة عن صورة دقيقة لجلساتنا وأحاديثنا مع بعض. يتناول فيها وليد كل المواضيع التي يريدها ولكن بطريقة محسوبة لأن الإداره تفتح الرسائل وتقرأها.

- ماذا عن الإتصال الهاتفي ، هل يسمحون له ان يتصل بك؟

 لا يسمح لوليد ولرفاقه الأسرى بالإتصال الهاتفي أبداً (كل ما يخص الاتصال مع الخارج بالنسبة للأسرى السياسيين ممنوع من قبل مديرية السجون). حتى عندما كان والده يعاني سكرات الموت لم يسمحوا له بالحديث معه إلا عندما فقد القدرة على النطق ولم يستطع وليد أن يتحدث معه كما يجب وتوفي والده وما زالوا يرفضون إخراجه لساعتين لزيارة القبر، وقد قدّم استئنافات والتماسات عديدة للمحكمة الإسرائيلية رفضت كلها.

- ماذا يكتب لك وليد؟

 رسائل وليد دائما مليئة بالمشاعر الرقيقة والشيء الأوضح فيها هو صدقها وحرارتها وكذلك رسائلي إليه. فوليد بالنسبة لي ليس هو الرجل الذي أحبه فقط وإنما هو أقرب صديق إليّ لذا فحديثنا على الورق وحديثنا مع بعض لا ينتهي أبداً.

- ما الذي تسمح ادارة السجن إدخاله للأسرى داخل السجون؟

 إدخال الملابس إلى السجن يتم بشكل دوري. والإدارة تحدّد لنا بالضبط ما تسمح إدخالها، ابتداءاً من الألوان حتى شكل القميص أو البلوزة. في آخر زيارة أعادوا معي نصف الأغراض. لكني كنت سعيدة لأني أدخلت له كتباً جديدة. لا أحب أبداً أن ينقطع وليد عن العالم.

- هل تتعرضين لمضايقات من احد بسبب علاقتك بوليد؟

 أنا أعمل سكرتيرة عند محام عربي في الطيره وأيضاً عضو في هيئة إدارة جمعية أنصار السجين، وهي مؤسسة تطوّعية تعمل لرعاية شؤون الأسرى وتهتم بهم، بقدر إمكانياتها (وهي إمكانيات متواضعة جداً) وهي أيضاً مؤسسة عربية مائة في المائة. أنا أيضاً أدرس حالياً موضوع الترجمة. من بداية الفصل الدراسي عندما سألوني سردت الحكاية كلها لأنني لا أحب أن يعرفوا من أحد ما ويظنون أنني أخشى أمر ارتباطي بوليد ولذا لا أفشيه.

أنا جداً واضحة في شرح علاقتي بوليد سواء مع العرب الذين يسألون أو مع اليهود. وأختصر الكلام بعبارة "إن هذه أمور من الصعب شرحها" ومن يهمني أن يفهم فإنني أفهمه، وليس كلهم كذلك. لا شك بأن اليهود عندما يعرفون ينظرون إليّ بشك وباستغراب ويصنفونني في خانة معينة على الخارطة السياسية إلا أن هذا لا يؤثر على دراستي أو علاقاتي.

- هل منعت من السفر بسبب علاقتك بوليد؟

 وليد كان يريدني أن أذهب في رحلة إلى كندا قبل عامين وقرّرنا أن أسافر إلى أمريكا أيضاً لأزور أخوالي وشقيقي هناك. رفضوا منحي تأشيرة دخول للولايات المتحدة وعندما قدّمت الطلب كانت أسئلتهم كلها تتمحور حول وليد، بدون أن يذكروا لي بأنه أسير، وفي النهاية طلبوا بأن أحضره معي للسفارة ليمنحوني تأشيرة دخول! وكانت النتيجة أنني ألغيت الرحلة كلها.

غير هذه الحادثة لم أمنع من السفر أبداً علماً أنني لا أسافر كثيراً وإنما زرت تركيا ومصر والاردن فقط.

- كم عدد الزوار المسموح زيارتهم لأي أسير؟

 للزيارة مسموح 3 زوار فقط. أنا ووالدة وليد لا نتخلف أبداً عن زيارته والذي يتغير هو العنصر الثالث. أي أشقاؤه وأصدقاؤه .. إلخ. اليوم منعوا أيضاً زيارة الأصدقاء والأقارب الذين هم قرابة درجة ثانية وما فوق. ومسموح فقط لمن هم قرابة درجة أولى: أي الأبناء الزوجة، الوالد والوالدة فقط.

- هل عندك أمل بتحرير وليد من الأسر؟

 الأمل بتحرّر وليد دائماً قائم ودائماً قوي (وين بدو يروح يعني؟!).

- هل تشعرين بسبب قصور السلطة والعرب بتحرير الأسرى أن وليد ندم على ما قام به؟

 وليد غير نادم لما فعله، هو ينظر لنفسه كجزء مرتبط بكل وهذا الكل هو قضية الشعب الفلسطيني العادلة التي ما زال يموت لأجلها الشباب والأطفال والشيوخ والنساء. ربما كان سينظر وقتها للأمر من زاوية مختلفة تتعلق بخصوصية وضعنا كأقلية قومية تعيش ظروف المواطنة (هنا يمكنك عادل أن تستفيد مما كتبه وليد)

- هل لك ان تزودينا برسالة خاصة من وليد لك لنشرها؟

 سوف أزوّدك برسالتين واحدة قديمة أرسلها لي وليد في بداية تعارفنا وثانية جديدة جداً من قبل شهر فقط (سوف أرسل الرسائل بخطه كما هي عن طريق الإنترنت عندما أرسل صوراً من عقد القران).

- كم رسالة يسمح لوليد شهريا؟

- لا أعرف كم رسالة يسمح له شهرياً أعتقد رسالتين فقط. وبحسب إيقاع وصول الرسائل فيمكنك أن تعتبر بأنه مسموح لوليد إخراج رسالتين كل عام!

- هل يسمح لوليد مشاهدة قنوات الأخبار في السجن؟

 وليد يشاهد كل القنوات الإخبارية الفضائية تقريباً بعد أن خاض الأسرى نضالاً بهذا الشأن. ومع ذلك في سجون مثل هداريم، في مركز البلاد، لا توجد قنوات إخبارية سوى القنوات الإسرائيلية.

- كيف يعيش وليد في السجن الآن؟

 وليد يعيش فقط مع أسرى ىسياسيين. الأسرى السياسيون بشكل عام مفصولون كلياً عن السجناء المدنيين.

- ماذا يطالب فلسطينيو 1948 من السلطة ومن العرب؟

- نحن كأهالي أسرى 48 ما زلنا نعتبر السلطة الفلسطينية تملك الأهلية الكاملة لإطلاق سراح أسرانا ونحن لم نعفهم من مسؤوليتهم هذه.

بالنسبة للأمة العربية فكما تعلم نحن كأقلية عربية في 48 هويتنا عربية فلسطينية ونعتبر أنفسنا جزءاً من أمتنا العربية ولذا فنحن نطالب بأن نعامل بالمثل. وقد قلنا هذا الكلام للسيد حسن نصرالله، في رسالة أرسلناها له عبر الإعلام، ودعوناه فيها إلى إدراج قضية أسرانا كواحدة من الأولويات في مفاوضات التبادل لأن إدراجهم في إتفاق التبادل والالتزام بإطلاق سراحهم معنى سياسياً مهماً جداً للمليون ومائتي ألف عربي في الداخل، إنه: نعم أنتم تعتبرون أنفسكم جزءاً من أمتكم العربية ونحن أيضاً نعتبركم كذلك.

وهذا المعنى يكتسب أهمية مضاعفة خاصة في ظل تخلي السلطة الفلسطينية عن أسرى 48. نحن كأهالي أسرى 48 ما زلنا نطالب بتطبيق هذا الأمر فعلياً وعلى أرض الواقع.

سنسمي ابننا ميلاد لأنه سيشهد ميلاد الدولة الفلسطينية

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى