الثلاثاء ٣١ أيار (مايو) ٢٠١٦
بقلم مهند النابلسي

مونولوج مرير لامرأة بائسة!

تم اختزال زوجها المغيب المشلول ليصبح بحالة "الخضراوات" بسبب رصاصة اخترقت عنقه وبقيت هناك، وقد تم تركه واهماله من قبل رفاقه "الجهاديين"، وحتى أشقاؤه لم يسألوا عنه، وتحت تأثير البؤس والاحباط، تقرر المرأة يوما ما أن تكاشف زوجها بحقيقة مشاعرها تجاهه مستغلة صمته وعجزه ...فتباشر بالتحدث اليه عن ذكريات طفولتها ومعاناتها واحباطاتها ووحدتها وأحلامها ورغباتها، ثم تكاشفه بقصص جريئة لم تقدرعلى الافصاح عنها طوال فترة زواجها لعشر سنوات...هكذا سيتحول الرجل المشلول الصامت الى "الحجر الكريم" السحري الاسطوري "سينغ آسابور" حسب الرواية الفارسية، ويمكن استخدامه تبعا للاسطورة للحماية من تأثيرات "التعاسة والمعاناة والألم والبؤس"، وهكذا بانتظار أن يعود "زوجها" ثانية للحياة، تكافح هذه المرأة المسكينة للعيش والبقاء، وتجد مساعدة من عمتها التي تعمل كعاهرة في بيت بغاء (الممثلة المغربية صباح بنصديق)، ولكنها تتفهم معاناتها وظروف حياتها...

تجد المرأة وسيلتها لتنفيس معاناتها وللحماية من الجنون والانهيار العصبي، بتوجبه الحديث المفعم بالشكوى لزوجها الصامت (الحي-الميت) (قام بالدور الممثل حامد جفدان)، ولكنها بعد أسابيع من المكاشفة تجد نفسها وقد تورطت بعلاقة عاطفية مع جندي "طالباني" شاب يعاني بدوره من اضطهاد الطالبان له، ولكن تمادي المرأة بعلاقتها مع الجندي "المسكين" قد أضر بالتوازن السلوكي "القيمي" لثيمة الرواية السينمائية وأخل بتعاطف المشاهد "الحيادي".

الفيلم رسالة درامية جريئة لكل النساء المكبوتات وهو تأليف واخراج الايراني"عتيق رحيمي"، ويبدو كمنولوج سردي وصراخ مكتوم من امراة وحيدة "مخنوقة" تزوجت بسن مبكرة في السابعة عشر من عمرها، وتبدو مكاشفتها كسجل اعتراف صوتي لحياة امرأة بائسة، بأداء تمثيلي مذهل للممثلة الايرانية الجميلة (جولشيفتي فاراهاني)...تحاول المرأة استرجاع زوجها بالصلاة والأدوية وعندما تفشل أخيرا تبادر بمكاشفته بكل أسرار علاقتهما الزوجية البائسة، وتستعين بعمتها حيث تترك عندها ولديها الصغيرين والتي تزودها بالدواء، ويبدوأنها تريد أن تقتنع باسطورة "الحجر السحري" الذي حدثتها عنه عمتها، والذي يمتص المشاكل اذا ماتحدث المرء اليه!

تسود القصة أساطير دينية مرعبة، ويلقي الضؤ على تخلف وقسوة الأفغان الطالبان وممارساتهم البغيضة، الذين "سرقوا الدين الاسلامي الحنيف" وحولوه لأساطير وخرافات ظلامية قاهرة، وكمثال يحاول احد الجنود اغتصابها، ثم ينفك عنها "مشمئزا" عندما تخبره أنها عاهرة، بحجة أن "الرجل المسلم لا يقترب من عاهرة"، وكأن الشرع يحلل اغتصاب "زوجات المجاهدين"!

.يطرح الفيلم التساؤل حول معاناة النساء المسلمات بأفغانستان تحديدا، حيث يتم منع تعليم واضطهاد الفتيات وتدمر مدارسهن، وتعتبرالنساء كمواطنين من "الدرجة الثانية"، كما لا يبدوالأمرمختلفا كثيرا عن بعض الدول العربية التي تتظاهر بغير ذلك، ويقال ان مخرجة فيلم مشابه قد أخرجت فيلمها اللافت وهي تختبىء داخل باص!

لا أعرف حقيقة ان كان المخرج الايراني "عتيق رحيمي" وكاتب السيناريو "جون- كلود كاريير"قد "اقتبسا" فكرة الفيلم من مسرحية ماركيز الطريفة القديمة "خطبة لاذعة ضد رجل جالس" مع اختلاف كبير بالتفاصيل، حيث تستعرض هنا امرأة علاقتها المريرة مع زوجها الصامت الذي يقرأ جالسا ومنزويا جريدة قديمة، وتكيل له الشتائم وتكاشفه بالخيبات طوال فترة زواجهما التي استمرت لأكثر من 25 عاما "ليس هناك جحيما كالزواج:" تكرر المرأة هذه المقولة على مسمع الرجل "الصامت والبائس" !

ايقاع الفيلم بطىء أكثرمن اللازم، ولكنه سرد شيق وفريد وغير نمطي ويستحق التقدير والجوائز التي نالها، ولكن المشهد الأخير بالفيلم بدا مفبركا وغير مقنع، ويتضمن استفاقة الرجل من غيبوبته الطويلة فجأة ومحاولته الجامحة لخنق زوجته بعد سماعه لاعترافاتها "الجريئة"، كما أن ذلك المشهد تحديدا قد ضيع "الغموض والمجاز" التي بنيت القصة على محوره!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى