السبت ٢ تموز (يوليو) ٢٠١٦
حديث في اللغة (32)
بقلم فاروق مواسي

الترادف

الترادف هو أن يكون للمعنى أو المسمى عدد من الألفاظ، بحيث تؤدي جميعها نفس المعنى، مثل العسل والشهد، عطشان وظمآن... إلخ

سمى سيبويهِ الترادف "اختلاف اللفظين والمعنى واحد" (سيبويه – الكتاب - باب اللفظ للمعاني، ج1، ص 15.)
ومن درس حياة المعرّي يعرف قصته في مجلس الشريف المُرتضَى:
دخل يوماً أبو العلاء المعريّ على الشريف، فعثر برَجل.
فقال الرجل: مَن هذا الكلب؟
أجابه المعري: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسمًا.

هناك من اللغويين من أنكر الترادف بدعوى أن لكل لفظة معنى يختلف ولو يسيرًا، فيقول ابن الأنباري في كتابه (الأضداد) ص 7:

"في كل واحد منها ليس في صاحبه، ربما عرفناه فأخبرنا به، وربما غمض علينا، فلم نلزم العرب جهله".
وإلى ذلك ذهب ابن فارس إلى أن الاسم واحد، وما سواه صفات، وكل صفة معناها غير معنى الأخرى- (الصاحبي، ص 96).

ذكر السُّيوطي في (المُزهِر ج1، ص 405) قصة أبي علي الفارسي وابن خالويه في مجلس سيف الدولة.
قال ابن خالويه: أحفظ للسيف خمسين اسمًا، فتبسم أبو علي وقال: ما أحفظ إلا اسمًا واحدًا هو السيف.
قاال ابن خالويه: فأين المهنّد والصارم والعَضْب و..
قال أبو علي: هذه صفات.

من جهة أخرى فإن ابن جِنّي يقول:
"كلما كثرت الألفاظ على المعنى الواحد كان ذلك أولى بأن تكون لغات الجماعات"- الخصائص ج1، 374.

بعد قراءة مستفيضة في المصادر اللغوية أرى أن اللفظة من "المترادفات" كانت لهجة لقبيلة ما، فعندما جمع الرواة اللغة في بداية الإسلام كانوا يدوّنون، فهذه القبيلة تقول (عطش)، والأخرى (ظمأ)، وثالثة (صدى)، ورابعة (غُلّة)، وهكذا كان الحال في (سحاب)، (غمام)، (غيم) (بعاق)...إلخ

إذا كان هناك تخريج لإيجاد فرق بين كلمة وأخرى فليس بوسعنا- ولم تقم بذلك المعاجم من خلال شواهد- أن نحدد الفروق كلها، فهل ثمة فرق ملموس بين (الظلم) و (الجور) و (االإجحاف) و (الحيف) إلخ
وهذا ما ورد عند حديثي عن (الصوم) و(الصيام)، فكلتاهما تعنيان المعنى نفسه= الانقطاع عن الطعام والشراب. (مع أن "الصوم" تعني أيضًا = الانقطاع عن الكلام).

ما جرى للألفاظ في المعنى الواحد جرى مع الجموع، فهل يتخيل أحد أن قبيلة ما كانت تستخدم في كلامها عددًا من الجموع، فمثلاً : جمع (ناقة)= نوق، ناق، أنُوق، أنْوُق، أينُق، ناقات، أنواق وأونُق...فلماذا التكلّّف في إيجاد فروق بينها؟

ثم إن الصفات تكتسب معنى الاسمية، فالمهنّد صفة تدل على أنه من بلاد الهند، ولكن اللفظة تلفظ، ويُسمّى بها كل سيف، وليس شرطًا أن يكون منتسبًا للهند، ولا ضرورة للخوض في الفروق بين معاني- أسامة والضيغم والضرغام والحيدرة والليث والسبع والأسد ...إلخ
إنها إثراء لغوي، ليس إلا، ولا مشاحّة أن هناك فروقًا دقيقة، لكنها لا تؤدي بنا إلى إنكار الترادف، ومع ذلك، فمن الطبيعي أن نتنازل اليوم في لغتنا المعاصرة عن جملة منها، فما ضرورة كلمات على نحو: الفّدَوْكس للأسد؟

من معالم الترادف ما يرد على سبيل المغالاة أو التأكيد، قال الشاعر:
ألا حبذا هندٌ وأرض بها هند *** وهند أتى من دونها النأي والبُعد
فالبعد مرادفة للنأي وهي تأكيد لها.

إن المترادفات كما ذكر سيبويه- اختلاف الألفاظ والمعنى واحد، وفي تقديري أن التباين في المترادفات ليس بالضرورة أن ينطبق على كل ترادف، ومن لا يوافقني فليأتني بفرق بين (لا ريب )، و (لا شك)، وبين (هيمن) و (سيطر)، وبين (جاء) و (أتى)، ...إلخ

ثم إن هناك صفات اكتسبت الاسمية، وقد لاحظنا المعري بقوله: " ...من يحفظ للكلب ستين اسمًا"، أفلم يعرف المعري وهو عالم اللغة أنها كانت صفات في أصلها؟

هناك فروق بين بعض الألفاظ وبعضها الآخر، وفي (فقه اللغة) للثعالبي نماذج من هذه التخصيصات والتباينات، ولكن ذلك لا يعني أن نجهد أنفسنا في البحث عن سببية لنفي المترادفات، بدعوى أن هناك ألفاظًا مختلفة تتقارب في معناها.

من الكتب المهمة في دراسة الترادف كتاب السيوطي (المزهر) ج1، ص 396 وما بعدها، وقد خصص صفحات كثيرة لمناقشة الموضوع، وذكر المترادفات للأسد وللعسل وللسيف ولغيرها، بل إنه ذكر أرجوزة فيها أسماء الكلب (أو الصفات التي غدت أسماء)، وكأنها انتصار للمعرّي في القصة التي ذكرتُها.
كذلك ألف الفيروز أبادي (صاحب القاموس) كتاب:
"الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى