الخميس ١٤ تموز (يوليو) ٢٠١٦

حوار مع الأديب المصري وليد علاء ادين‎

عن دار نشر "الكتب خان" في القاهرة صدر للشاعر والمسرحي المصري وليد علاء الدين روايته «ابن القبطية» التي أثار اهتمام النقاد والقراء لطرحها الجديد في الشكل لقضية شديدة الحساسية لم تعالجها الرواية العربية من قبل، وهي قضية غزدواج الهوية النتاج عن زواج المسلم بغير المسلمة.

يرصد علاء الدين حكاية «يوسف حسين »، المولود لأبٍ مسلم، وأم قبطية، الذي أوصاه الطبيب النفساني بالكتابة كوسيلة للعلاج، محاولاً اقتفاء موجات هذه الزلزلة الداخلية التي يتعرض لها هذا الشاب الذي يرصد في كتابته كل الأصوات التي تتداخل في عقله والهلاوس السمعية والبصرية التي يتعرض لها، مواريًا الحقيقة داخل ركام من الأكاذيب والخيالات ليجعل منها حالة فنية شديدة الثراء والتكثيف كما وصفها نقاد ومبدعون عرب.

حول رواية «ابن القبطية» كان لـ«الممر» هذا الحوار مع مؤلفها وليد علاء الدين.

حظيت روايتك الأولى "ابن القبطية" باهتمام نقدي كبير منذ صدورها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، كلمنى عن بداية كتابة هذه الرواية والمدة التي استغرقتها الكتابة؟

تخيل أنني لا أذكر تحديدًا كيف ومتى بدأت رواية "ابن القبطية" في التشكل! ربما السبب أنني –بطبيعتي- شخص دائم الكتابة، عندي الكثير من المشاريع المفتوحة، أفكر فيها جميعًا وأبحث وراءها جميعًا، يمكنك أن تقول أنني أفكر وأبحث وأتعلم من خلال ارتباطي بمشاريع كتابة تستدعي مشاريع قراءة وملاحظة وتأمل، وهكذا لا أخرج من هذه الدائرة. لكن يمكنني أن أتذكر معك الآن أن فكرة "ابن القبطية" نبتت في ذهني كسؤال خلال قراءة ما، وظل هذا السؤال يحفر عميقًا في ذهني، وأغذيه بالقراءة فتتسع رقعته، متى كان السؤال؟ لا أعرف ولكن قبل حوالي سبع سنوات، تمت ولادة "يوسف" بطل الرواية في مشهد مكتمل– ورغم كثرة التغيرات والتعديلات التي شهدها العمل لم يتغير هذا المشهد، ظلت روحه والكثير من جمله كما هي من دون تغيير، ظللت أخشى الاقتراب منه إلى آخر لحظة كأنه تعويذة العمل كله.

يتحدث الروائيون كثيرًا عن حالة معايشة لعالم الرواية التي يكتبونها، ماذا عنك في رواية "ابن القبطية"؟

لا أعرف إن كان مقصودنا من مصطلح المعايشة واحدًا، ولكنني – كما أسلفت لك- في حالة مستمرة من الانشغال بما أكتب، إلى درجة أن كل ما يحدث في حياتي يصبح رافدًا أو مثيرًا أو محركًا للكتابة ومغذيًا للتساؤل ومطورًا للفكرة: حديث مع زملاء عمل، أو مع أصدقاء، فيلم، أغنية، حديث عابر بين بشر في الطريق، خناقة في الشارع، رجل يعبر بين رصيفين، طفلة تطل من سيارة، . . . إلخ، كل مخرجات الحياة تصبح مدخلات يستقبلها عقلي ويفرزها ليحصل منها على ما يناسب انشغالاته الكتابية. هل هذه هي المعايشة؟ لا أعرف ولكنها الطريقة التي يعمل بها عقلي . . . وأكتب بها.

فكرة الرواية جديدة، حدثنا عن نشأتها في ذهنك والعوالم التي دفعتك إلي دخولها؟

ربما يدهشك لو قلت لك أن فكرة الرواية لم تتشكل إلا في الشهور الأخيرة قبل دفعها للنشر، ولكني أستطيع بقليل من التركيز أن أفسر لك سبب ذلك، لأنه سبب يرجع إلى الطريقة التي يعمل بها عقلي: التساؤل؟ كل الأمور تبدأ معي بسؤال، السؤال يقودني إلى البحث والقراءة وملاحظة تفاصيل الحياة، وهي أمور تزيد السؤال عمقًا واتساعًا، تصعد به إلى مرحلة أخرى، لأنه -في ظني- لا سؤال يمتلك إجابة.

ربما كان السؤال في بدايات تشكله: ماذا وراء تصنيف البشر بعضهم البعض؟ لماذا يصعب إلى هذا الحد أن نتعامل مع الإنسان في صورته المطلقة من دون تصنيفه إلى جنس أو دين أو جنسية أو مذهب، هل لأن الإنسان لا شئ سوى مجموعة الأفكار التي تحكمه؟ لماذا يفقد الإنسان إنسايته من الأساس لصالح مجموعة من الأفكار؟ البشر صناديق عقائدية، أجساد تحكمها أفكار، والأزمة أن ينغلق الصندوق على أفكاره ويلغي كافة مسارات التبادل، والسؤال كيف نرمم هذه المسارات التبادلية ونصونها من الانغلاق بما يسمح لهذه الصناديق أن تعيش وتسعد وتنتج من دون أن يرفض بعضها البعض إلى حد نفي الآخر وقتله لمجرد اختلاف في مزيج الأفكار؟ هذا سؤال لا إجابة له، فقط ترقّي في مدارج البحث من الغريزة إلى الدين والفلسفة والانتماء والحب والكراهية، خلال ذلك وُلدت شخصية يوسف وتخلقت عوالمها بين الأم والأب والجد والجدة وأمل/ الحبيبة، ومنصور وراحيل، ونشأت ذكريات كل منهم وارتباطاته أو الأفكار التي تملأ صندوقه، وانكشفت طبيعة المسارات التبادلية بينها، . . . في رحلة البحث عن الإنسان داخل كل هذه الصناديق نشأت الرواية.

من من الشخصيات شكلت لك أزمة أو ما يشبه التعلق بينك وبينها، وهل ما زالت هذه العلاقة مستمرة بعد الانتهاء من الرواية؟

أما عن التعلق، فأنا متعلق بكل شخصيات الرواية، ومتعاطف معها –كلها- ولا أعرف كيف أتخلص من ذلك الشعور الذي يجعلني أساوي في التعاطف بين من يبدو ظالمًا ومن يبدو مظلومًا، سوى أنني أنا من فعل بهم ذلك، كما يُفعل بنا جميعًا الأمر نفسه.

أما عن سؤالك عن الأزمة، فإذا كنت تقصد الأزمة وفقا لتعريفها في الدراسات الإنسانية بأنها "نقطة التحول المصيرية" أو "نقطة المواجهة التي تستدعي تغييرًا في الوضع القائم لصالح طرف على حساب الآخر" فإنني أجد مصطلح الأزمة هو الوصف الحاكم لعالم رواية "ابن القبطية" كله، والمشكلة عندما تكون نقطة التحول المصيرية في حياة إنسان مسبقة الصنع، قبل وجوده أصلًا، مثلما كانت الحال مع يوسف؛ ابن المسلم والقبطية اللذين تحابا وقاوما الدنيا كلها وتزوجا وأنجباه، وهو يدفع عنهما الثمن لكل الدنيا التي حارباها.

الأزمة الثانية هي أن العلاقة التي جمعت بين يوسف وأمل –حبه الوحيد- لم تكن اختيارية (تعرف من الرواية أن قوة أكبر منهما جعلت منها حبه الوحيد ومنه حبها الوحيد)، فهل يستطيع يوسف أن يغير من مُدخلات صُنعه شيئًا لينجح في الحصول على الحب الذي لم يكن له يد في اختياره -حاله حال كونه "ابن القبطية"؟ هنا نقطة تحول مصيرية أخرى لابد فيها من رجحان أحد الاحتمالين على حساب الآخر. كما أن ظهور "راحيل" اليهودية بصندوقها العجيب في حياة يوسف يخلق أزمة أخرى، وتتوالى الأزمات ويتصاعد السؤال.

أخيرًا ماذا تمثل لك رواية "ابن القبطية" في مشوارك الإبداعي؟

تمثل مشروعًا آخر نجح في الإفلات من قبضتي، ليقل عدد المشاريع المفتوحة على التساؤل واحد، وهو لا يتميز عنها سوى أنه لم يعد صالحًا للتطوير، سوى في عقول القراء عبر ما يبثه فيهم من قلق السؤال ومتعة البحث.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى