الخميس ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
محاكاة العقل الجمعى للمجتمع
بقلم محمد متبولي

وفلسفات ما بعد نهاية العلم

إن القول بأنه لا يمكنك تفسير الأفعال اللامنطقية وفقا لقواعد العقل والمنطق،هو قول فاسد بالضرورة، لأنه لا يوجد شئ إلا ويخضع إلى منطق ما، فلو كان الأمر عائد للطبيعة، فالطبيعة تحكمها قوانينها ولو خفيت على البشر، ولو كان الأمر عائد إلى أفعال البشر،فهو إما نتاج عملية تفكير،أو نتاج غريزة، وكلاهما له قواعده التى تحكمه ولو لم نكن نعرفها، وحتى لو كان الفعل ناتج عن انحراف فى العقل أو الغريزة، فذلك له مسببات وقواعد يمكن التنبوء وفقا لها به ولو كان ذلك خافيا على البشر فذاك لا ينفى وجودها، فقد يكون الله عز وجل أخفى ذلك عنا إلى حين أو إلى الأبد ولكنه حتما موجود.

وتأسيسا على ما سبق فلو طبقنا ذلك على حياة المجتمعات، سنقول إن ما يطلق عليه البعض فوضى أمر ليس له وجود، ولكنه مجموعة من الظواهر التى عجز العقل عن إدراكها لمحدودية علمه عند حدوثها أو لأن التعامل معها يفوق قدراته فقلل من شأنها،فتجمعت على مدار زمن ما مع بعضها البعض لتنتج ما أصطلح على تسميته الفوضى، وتماشيا مع نفس النهج يمكن القول بأنه إذا ما نجحت العلوم الانسانية فى تطوير نفسها، فى إتجاه القياس والتكميم وأستمرت العلوم التطبيقية على نهج تطورها السريع، فربما أمكننا يوما ما، عمل محاكاة اليكترونية كاملة للعقل البشرى خاصة والانسان عامة.

ويمكن أن يترتب على تلك المرحلة عمل محاكاة شاملة لكل أفراد مجتمع ما، وسيكون أهم نتائجها تحويل ذلك المفهوم الذى نسميه العقل الجمعى للمجتمع إلى واقع إليكترونى ملموس، وبتغذية ذلك النموذج بما يتوفر لدينا من معلومات عن تطور العقل الجمعى للمجتمع فيما سبق يمكننا معرفة أطر تطور هذا المجتمع، وباستخدام ذلك النموذج يمكن معرفة ما يجب أن يفعله المجتمع بشكل كمى واضح حتى يزيل تلك العوائق التى تمنع تقدمه، وأغلب الظن أنه عند تلك المرحلة سيتوحد العلم وتندمج كل العلوم فى علم واحد، وعندها سينجح الانسان فى إنهاء صراعاته والتركيز الأكبر على تقدمه، وربما بعدها ينجح فى محاكاة الطبيعة بنفس الكيفية وعند تلك اللحظة سيكون العلم بشكله الحالى قد أنتهى وسيدخل الانسان عصر ما بعد العلم ليجنى ثمار أجتهاده آلاف السنين، ولو قدر الخالق عز وجل للإنسان أن يستمر فى تقدمه بعد تلك اللحظة، فسينتقل الإنسان من مرحلة استنباط وكشف قوانين العالم الأساسية إلى مرحلة ربما يكون بمقدوره حينها تغييرها، ولا نستبعد أن يؤدى ذلك كله الى ظهور مجموعة جديدة من مباحث الفلسفة تأصل لمرحلة نهاية الصراع الانسانى، ومرحلة نهاية العلم، ومرحلة ما بعد العلم.
إن ما سبق يقودنا إلى قضية أخرى هامة، هل ما سبق يتعارض مع وجود الخالق عز وجل أم لا، على أعتبار أنه فى مرحلة ما بعد العلم ربما يتمكن الانسان من تغيير قوانين العالم الاساسية وهو أمر أوقفه الكثيرون على الخالق عز وجل وحده، بداية دعونا نقول إن ما سبق هو مجرد طرح كان هدفه مد الخط على استقامته مستخدما لو وإذن، ثانيا لا أحد يستطيع أن يجزم عند أى مرحلة من المراحل السابقة ستتوقف المعرفة الانسانية وهل ستصل حقا لأبعد مما وصلت إليه الان أم لا، ثالثا إننا لا نعرف عند أى مرحلة سينتهى العالم فربما عندما يصل الانسان عند مرحلة نهاية العلم مثلا يتكاسل عن الحفاظ على ما وصل إليه فيرتد للخلف، أو ربما ينتهى العالم قبل أو بعد أى مرحلة مما سبق، رابعا وأخيرا إننا لا نعرف من العلم سوى ما وصل إلينا، فربما عندما يصل الانسان لمرحلة نهاية العلم تكون تلك هى نهاية الإصدار الحالى من العالم، وتكون مشيئة الله عز وجل أن ينشأ إصدارا جديدا من العالم بقوانين جديدة وتلك هى طريقة إصداره، فربما يكون الأمر أن العالم يبدأ وينتهى فى إصدارات متعددة حتى ينتهى دون رجعة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى