الخميس ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
(123) وثيقتان سرّيتان عن
بقلم حسين سرمك حسن

الدور التخريبي لمنظمة التجارة العالمية

ملاحظة (1)

هذه الحلقات مترجمة ومُعدّة عن مقالات ودراسات وكتب لمجموعة من الكتاب والمحللين الأمريكيين والبريطانيين.

ملاحظة (2)

لمزيد من المعلومات واكتمال الرؤية راجع حلقات البنك الدولي وحلقات صندوق النقد الدولي من؟؟؟ إلى؟؟؟؟

"في العام الماضي، جاءت وثيقة غير عادية، مؤرخة في 19 مارس 2001، وعليها ملاحظة ’سرية’، من خلال جهاز الفاكس الخاص بي من الأمانة العامة لمنظمة التجارة العالمية. ويمكن اعتبار هذه المذكرة ذات الست صفحات والتي أخفتها منظمة التجارة بعيدا في سرية، أخطر وثيقة في مرحلة ما بعد الديمقراطية، لأنها تحتوي على خطة لإنشاء وكالة دولية لها حق الفيتو على القرارات البرلمانية والتنظيمية في العالم".

الباحث الاقتصادي

غريغ بالاست

"الفكرة بسيطة: بدلا من أن يفرض على دول العالم الثالث فقط تدني الأجور ودرجة عالية من التلوث بسبب حكوماتها الضعيفة أو الفاسدة، لماذا لا يتم إضعاف جميع الحكومات والوكالات التي قد تدافع عن العمال والمستهلكين، أو البيئة، ليس فقط في العالم الثالث، ولكن في كل مكان؟ إذا كانت القوانين الوطنية أو المحلية تعوق التجارة كما يقولون – مثلا القانون البيئي أو الصحي، أو قانون العمل، فإن منظمة التجارة العالمية تفصل، وتحكم لصالح الشركات وبصورة ملزمة. منظمة التجارة العالمية تتلاعب بالحكومات والشعوب لصالح أرباح الشركات".

الباحث الاقتصادي

"مايكل ألبرت"

المحتوى

(وثيقة سرّية: منظمة التجارة لها حق الفيتو على حكومات وبرلمانات العالم!- الخطوة السيئة الأولى أتت: "اختبار الضرورة يسحق القوانين الوطنية لصالح الشركات- وثيقة سرّية ثانية: منظمة التجارة العالمية تلغي سيادة الدول- ما هي منظمة التجارة العالمية؟ وما هي ستراتيجيتها في السباق نحو القاع؟- لماذا يعارض الناس منظمة التجارة العالمية؟- ولكن ألا نحبذ تنظيم التجارة؟- أهم عشرة أسباب رئيسية لإلغاء منظمة التجارة العالمية؟- المعركة ضد منظمة التجارة العالمية هي معركة حاسمة - لا يوجد أي ربح من التجارة للبلدان النامية؛ خسائر فقط- مؤسسة معيبة- منظمة التجارة العالمية تضع العالم الثالث على المسار الكارثي- هل هناك أضرار زراعية واضحة على الدول النامية؟- مسخرة علاقة حقوق الملكية الفكرية بالتجارة!- لعبة مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة- مصادر هذه الحلقات)

وثيقة سرّية: منظمة التجارة لها حق الفيتو على حكومات وبرلمانات العالم!

يقول محرّر مجلة نيوإنترناشيونالست في تقديمه للوثائق الخطيرة التي حصل عليها الخبير الاقتصادي المعروف "غريغ بالاست": "عندما وقعت وثائق سرية في أيدي الباحث الاقتصادي "غريغ بالاست"، قال انه استطاع اكتشاف القرش القاتل الكامن في حوض منظمة التجارة العالمية.

عندما قال تشرشل: "الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم باستثناء جميع الأشكال الأخرى"، فإنه كان يفتقر إلى رؤية أن منظمة التجارة العالمية تصمم نظاما ليحل محل الديمقراطية بشيء أفضل بكثير لصالح الشركات العابرة للقومية الجشعة.

يقول الباحث غريغ بالاست:

"في العام الماضي، جاءت وثيقة غير عادية، مؤرخة في 19 مارس 2001، وعليها ملاحظة ’سرية’، من خلال جهاز الفاكس الخاص بي من الأمانة العامة لمنظمة التجارة العالمية. ويمكن اعتبار هذه المذكرة ذات الست صفحات والتي أخفتها منظمة التجارة بعيدا في سرية، أخطر وثيقة في مرحلة ما بعد الديمقراطية، لأنها تحتوي على خطة لإنشاء وكالة دولية لها حق الفيتو على القرارات البرلمانية والتنظيمية في العالم.

تبدأ المذكرة بالنظر في هذه المسألة الصعبة المتمثلة في كيفية معاقبة الدول التي تنتهك "التوازن بين اثنتين من الأولويات المتعارضة: تعزيز التوسع التجاري مقابل حماية الحقوق التنظيمية للحكومات".

فكّر في الامر. لبضعة قرون كانت بريطانيا وأمريكا، والآن جميع الدول تقريبا، تعتمد على البرلمانات المنتخبة ومجالس الوزراء ورؤساء الوزراء والرؤساء لضبط قواعد العمل في الدول وفرض القوانين. وهذه الهيئات التداولية هي التي "توازن" بين مصالح المواطنين والشركات.
الآن علينا أن نقبّل هذه المؤسسات قبلة الوداع فهي أنظمة عفا عليها الزمن. فبمجرد أن توقع الدول على اتفاقية الجاتس، المادة السادسة، 4 - والمعروفة باسم "اختبار الضرورة" - سيبدأ برنامج الأمانة السري الوارد في مذكرة 19 مارس، وسيتم خفض رتبة البرلمانات الوطنية والهيئات التنظيمية، في الواقع، إلى مرتبة الهيئات الاستشارية. وسوف تقع السلطة النهائية على عاتق هيئة حل المنازعات في منظمة التجارة العالمية لتحديد ما إذا كان القانون أو التنظيم مُحدِّدا أكثر من اللازم ويعيق التجارة. وهيئة الجاتس، وليس البرلمان أو الكونغرس، سيقول لنا ما هو "الضروري".

من الناحية العملية، هذا يعني أن على الدول أن تقوم بصياغة القوانين التي تحمي الهواء الذي نتنفسه، والقطارات التي نركبها والطعام الذي نمضغه، ليس على اساس أفضل أو أسلم وسيلة للأمة ولنا كمواطنين، ولكن على أساس أرخص الطرق للمستثمرين الأجانب والتجار.

الخطوة السيئة الأولى أتت: "اختبار الضرورة يسحق القوانين الوطنية لصالح الشركات

دعونا ننكب على أمثلة ملموسة. كان اختبار الضرورة قد جرى في محاكمة في أمريكا الشمالية عن طريق إدراجه في النافتا، اتفاقية التجارة الحرة في المنطقة. كانت ولاية كاليفورنيا قد حظرت إضافة مادة MBTE إلى البنزين، وهو كوكتيل كيميائي ظهر أنه يلوث إمدادات المياه. قدم بائع كندي يصنع المادة الكيميائية ’M’ في المركب الكيميائي MBTE شكوى قائلا إن حظر كاليفورنيا للملوثات فشل في اختبار الضرورة.

أكد الكنديون، وبشكل منطقي تماما، أن ولاية كاليفورنيا، بدلا من حظر مادة MBTE، يمكن أن تطلب من جميع محطات البنزين حفر خزانات جديدة وختمها، وتوظيف سرب من المفتشين للتأكد من انها فعلت ذلك بصورة صحيحة. قد يكلف الاقتراح الكندي كاليفورنيا تكاليف هائلة، وربما يكون من المستحيل تنفيذه.

ولكن هذه مجرد بداية سيئة للغاية. الكنديون يؤكدون على أن برنامجهم البديل هو الأسلوب ’الأقل تقييدا للتجارة" لحماية إمدادات المياه في كاليفورنيا. التجارة مقيدة بأقل القيود هو اختبار الضرورة في النافتا. إذا لم تذعن ولاية كاليفورنيا، قد يكون على وزارة الخزانة الأميركية دفع 976 مليون دولار للمصنع الكندي للملوثات.

نسخة الجاتس من اختبار الضرورة هو موقف نافتا على المحفزات. تحت الجاتس، كما هو مقترح في المذكرة، سيتم ضرب القوانين واللوائح الوطنية إذا كانت "أكثر عبئا مما هو ضروري" على رجال الأعمال. لاحظ التغيير الخفي من حظر القواعد المقيدة للتجارة إلى قواعد "مُرهِقة".
فجأة، فإن معاهدة الجاتس ليست حول التجارة في كل شيء، ولكنها سعي خبيث لمحو القيود المفروضة على قطاع الأعمال والصناعة، الأجنبي والمحلي.

ما هي القيود المرهقة للشركات؟ الممثل التجاري الأمريكي طرح بالفعل مقترحات بشأن تجارة التجزئة. هل تريد الحفاظ على الأحزمة الخضراء في بريطانيا؟ حسنا، إنس ذلك - ليس إذا كانت حفنة من الأشجار في الطريق إلى متجر وول مارت لتجارة التجزئة. حتى في ظل الوضع الحالي، اضطرت اليابان إلى تمزيق قواعد التخطيط الخاصة بها للسماح بدخول صناديق وحش التجزئة.
تؤكد الحكومات على أن لا شيء يهدد الحق في إنفاذ القانون لصالح المصلحة العامة للبلاد. ولكن ليس وفقا لمذكرة 19 مارس. تقارير منظمة التجارة العالمية، في سياق المفاوضات السرية المتعددة الأطراف، تشير إلى أن وزراء التجارة وافقوا أمام محكمة الجاتس، على "رفض تأثير مبدأ الحفاظ على المصلحة العامة على التجارة".

بدلا من معيار المصلحة العامة، تقترح الأمانة مكيافيلية لذيذة هي "مبدأ الكفاءة". "وقد يكون من الجائز وأكثر قبولا من الناحية السياسية أن تقر الدول القبول بالالتزامات الدولية التي تعطي الأولوية للكفاءة الاقتصادية. هذه هي دعوة غير حاذقة لتحميل الجاتس بمتطلبات يعرف الحكّام أن البرلمانات الديمقراطية لا يمكن أن تقبل بها. وهذا من شأنه أن يكون خطرا رهيبا اذا - على سبيل المثال - في يوم من الأيام، انتخبت الولايات المتحدة رئيسا اسمه ’بوش’ أراد إلغاء قوانين تلوث الهواء أو، انتخبت بريطانيا رئيس وزراء اسمه ’بلير’ يحمل رغبة مجنونة لبيع نظام مراقبة الحركة الجوية في بلاده.

وثيقة سرّية ثانية: منظمة التجارة العالمية تلغي سيادة الدول

هناك وثيقة سرية أخرى من منظمة التجارة العالمية عنوانها: "اللوائح المحلية: الضرورة والشفافية"، بتاريخ 24 فبراير 2001.

في رسالة الى النواب، أقسم وزير التجارة البريطاني "ديك كابورن" أنه من خلال فريق عمل المفوضية الأوروبية، فإنه سوف يضمن أن الجاتس تعترف "بالحق السيادي للحكومة لتنظيم الخدمات" لتلبية "أهداف السياسة الوطنية". بعد مذكرة 24 فبراير، ترفض منظمة التجارة حق الأمة هذا وتجعله من اختصاص الجاتس بمجرد أن تنضم صناعة خدمات معينة إلى المعاهدة. في الواقع، تحتوي هذه الوثيقة الرسمية على ازدراء للدول وتبريراتها حول "الأهداف المشروعة" التي تعتبرها حواجز أمام "تحرير التجارة. تؤكد المذكرة على إلغاء أي قانون أو تشريع يعقل تحرير التجارة.

ورغم كل التبريرات والتطمينات التي هي أكاذيب وقحة فإن منظمة التجارة سائرة بقوة في طريق إلغاء سيادة الدول. وهؤلاء وزراء الاقتصاد الأوربيون يخسرون – وفق حكم هيئة المنظمة - 194 مليون دولار لصالح الولايات المتحدة في قضية بيع الموز.

لقد جادلت أوروبا بأن الموز هو منتج، ولكن الولايات المتحدة أثبتت بنجاح أن الموز خدمة، وبالتالي تندرج تحت الجاتس...

ولاحظ المفارقة: أمريكا لا تزرع الموز - فكيف دخلت في هذا النزاع؟ هل توجد لديها أي علاقة مع حقيقة أن "كارل ليندنر"، رئيس شركة تشيكيتا للموز، هو واحد من أكبر الجهات المانحة للديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء؟

ولنوضح القضية الرئيسية. لا أحد في بريطانيا يجب أن يهتم بما يفكر فيه وزير التجارة الداخلية. الشيء الوحيد الذي يهم هو ما يفكر فيه جورج دبليو بوش. أو على الأقل، ما يفكر فيه الناس الذين يفكرون لجورج بوش.

الشيء الغريب هو، أنه على الرغم من الحصول على الخدمات في حالة قضية الموز، فإن حكومة بلير والمفوضية الأوروبية لم يطالبوا بلغة صريحة تحظر قرارات التجارة الأولى من قبل هيئة الجاتس. بدلا من ذلك، تشجّع مذكرة الـ 24 فبراير السرّية أمانة منظمة التجارة العالمية على استخدام النموذج العقابي لتعزيز "اختبار الضرورة" من قبل الولايات المتحدة.

بدلا من مهاجمة القواعد التي تستخدمها الشركات الأمريكية لجلد سكان الكوكب، فإن بلير والمفوضية الأوروبية حريصون على أن يضعوا في يد جورج بوش سوطا أكبر".

ما هي منظمة التجارة العالمية؟ وما هي ستراتيجيتها في السباق نحو القاع؟

يقول الباحث "مايكل ألبرت" في مقالة هي سلسلة اسئلة وأجوبة عن منظمة التجارة العالمية في موقع مجلة "زاد":

"منظمة التجارة العالمية هي منظمة دولية تضم 134 بلدا عضوا في منتدى للتفاوض بشأن اتفاقات التجارة الدولية ومراقبة وتنظيم تطبيق تلك الاتفاقات. تم إنشاء منظمة التجارة العالمية في عام 1995، من خلال إقرار أحكام "جولة أوروغواي" من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات). قبل جولة أوروغواي، ركزت اتفاقية الجات على تعزيز التجارة العالمية من خلال الضغط على الدول لخفض التعريفات الجمركية. ولكن مع إنشاء منظمة التجارة العالمية، ازدادت حدة هذه الأجندة المستوحاة من الشركات، بشكل ملحوظ من خلال استهداف ما يسمى بـ "الحواجز غير الجمركية على التجارة" والتي تعني أي تشريع وطني أو محلي للحماية يمكن أن يفسر على أنه يؤثر على التجارة.

الفكرة بسيطة: بدلا من أن يفرض على دول العالم الثالث فقط تدني الأجور ودرجة عالية من التلوث بسبب حكوماتها الضعيفة أو الفاسدة، لماذا لا يتم إضعاف جميع الحكومات والوكالات التي قد تدافع عن العمال والمستهلكين، أو البيئة، ليس فقط في العالم الثالث، ولكن في كل مكان؟ لماذا لا تلغى أي جهود للحد من التجارة سواء من ناحية تأثيرات العمل، وتاثيرات البيئة، والتأثيرات الاجتماعية أو الثقافية، أو تأثيرات التنمية، ويبقى المعيار الوحيد هو ما إذا كانت هناك أرباح فورية على المدى القصير أم لا؟ إذا كانت القوانين الوطنية أو المحلية تعوق التجارة كما يقولون – مثلا القانون البيئي أو الصحي، أو قانون العمل، فإن منظمة التجارة العالمية تفصل، وتحكم لصالح الشركات وبصورة ملزمة. منظمة التجارة العالمية تتلاعب بالحكومات والشعوب لصالح أرباح الشركات.

التجارة الحرة هي ببساطة التجارة دون ضرائب، وبلا تعريفات جمركية، أو حواجز أو أي قيود أخرى. المنطق هو أنه مادامت التجارة جيدة من ناحية أن كلا الطرفين يستفيدان نسبيا من التجارة فإن القيود التي تحد من التجارة تكون سيئة.

واحدة من علل التجارة الدولية هو أن الاقتصادات الكبرى يمكن أن تفرض الأسعار، بينما تعاني الاقتصادات الصغيرة عموما من العواقب. هذا لا يعني أن الولايات المتحدة وألمانيا يمكن أن تطغى على تايلند وغواتيمالا. من بين أكبر 100 اقتصاد في العالم، 52 ليست دولا، بل شركات.
وعلاوة على ذلك، مع عدم وجود قيود على الاستثمارات الدولية، فإن الشركات سوف تجبر الدول على التنافس ضد بعضها البعض. وسوف يُضغط على كل بلد ومجتمع لخفض الأجور، وتخفيض الضرائب على الأعمال التجارية، وتقليل الأنظمة البيئية إذا كان يريد جذب الشركات ورؤوس الأموال. وهذا هو ما كان يطلق عليه سباق نحو القاع race to the bottom.

بالإضافة إلى ذلك، في هذا النظام يمكن أن تتحطم المجتمعات إذا لم تعد قادرة على بيع ما كانت متخصصة في إنتاجه بصورة مربحة في السوق العالمية. لذلك، على سبيل المثال، إذا كانت التجارة الحرة تعني أن الذرة المنتجة في الولايات المتحدة تباع بسعر أقل من سعر الذرة المكسيكية، سيتم استيراد الذرة الأمريكية الصنع من قبل المكسيك، وأولئك الذين ينتجون الذرة في المكسيك لن يفقدوا أراضيهم وسبل عيشهم فحسب، بل سوف يجبرون على مغادرة مجتمعاتهم بحثا عن العمل في مكان آخر (لمزيد من المعلومات عن تدمير الاقتصاد المكسيكي راجع الحلقة (20) البنك الدولي: الذراع الاقتصادية الشيطانية للولايات المتحدة في تدمير الشعوب وإبادتها والحلقة (88) كيف يقوّض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الديمقراطية ويدمّران حقوق الإنسان: تدمير الديمقراطية والاقتصاد في المكسيك كحالة أولى).

أو لنفترض أن تجارة واسعار بلدين مصممة بطريقة تجلب لهما المكاسب المادية المباشرة. ومع ذلك، افترض أن تقسيم العمل يسمح للبلد الأول بتطوير وتنويع اقتصاده، ولكنه يجبر البلد الآخر على التركيز بشكل كبير على منتج واحد، وربما حتى منتج لا مستقبل له. بلد متخصص مثلا في إنتاج القهوة أو السكّر والآخر متخصص في برامج الكمبيوتر. نتيجة لذلك، فإن الضغط الهبوطي المستمر على أسعار السكر أو القهوة، فضلا عن عدم ارتباطه بغيره من الصناعات يسبب استمرار واتساع عدم المساواة.

وبالمثل، يمكن لبلدين يتاجران أن يتحرك أحدهما في اتجاهات إيجابية من الناحية البيئية، ولكن الطرف الآخر قد يركز على مجالات تأتي بعواقب رهيبة؛ بيئية وعمالية، أو اجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، ما إذا كانت سياسة اقتصادية تستفيد فقط من الأرباح وليس من نوعية الحياة الاجتماعية والآثار البيئية لها الكثير من الصلات مع الأجندات المحلية في كل بلد. اذا كان بلد معين لديه فرق موت لإسكات المعارضة (بتمويل من حكومة البلد الآخر)، فإن أجور العمل فيه يمكن أن تهبط إلى الحضيض، ويمكن استرقاق الأطفال، والنفايات السامة يمكن أن تلقى في أي مكان.

وفيما يتعلق بمنظمة التجارة العالمية فإن جدول أعمالها يعطي الأولوية لخصخصة التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، والإسكان الاجتماعي، والنقل. وفقا لوفد تجاري أمريكي، "إن الولايات المتحدة ترى أن الفرص التجارية توجد في طائفة كاملة من مرافق الرعاية الصحية والاجتماعية، بما في ذلك المستشفيات ومرافق العيادات الخارجية والعيادات الطببية ودور العجزة، وترتيبات المساعدة على العيش، والخدمات المقدمة في المنازل". اللعاب الذي يسيل في أجنحة محادثات منظمة التجارة العالمية هو لشركات الولايات المتحدة متعددة الجنسيات، بما في ذلك صناعة المستحضرات الدوائية، وقطاع الرعاية الطويلة الأجل، وصناديق المرضى. تسعى منظمة التجارة العالمية لخلق ثروة من الخصخصة الجديد في القطاع الصحي، وهي حالة واحدة في جدول أعمالها المكتظ بشكل عام. الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للحدود تصطف للاستيلاء على الناتج المحلي الإجمالي الذي تنفقه الحكومات حاليا على الخدمات العامة مثل التعليم والصحة.

لماذا يعارض الناس منظمة التجارة العالمية؟

ليس هناك من ينكر أن أي شخص يمكن أن يعارض منظمة التجارة العالمية انطلاقا من نظرة خاصة قائلا، يجب أن يكون بلدي قادرا على القيام بما يفضله محليا، ولكن ينبغي على البلدان الأخرى أن تكون مدينا بالفضل تماما لهذه الرقابة العالمية نيابة عن الشركات (نوع من الطريقة التي تتعامل بها الحكومة الأمريكية مع القانون الدولي ومحكمة العدل الدولية: انهما لأي جهة أخرى غير الولايات المتحدة). ولكن وجهة نظر الحركات المناهضة لمنظمة التجارة العالمية هي أنها تقوم على الآثار السلبية المخربة لهذه المنظمة على الجانب الاجتماعي، والعمل، والبيئة، والثقافة، وغيرها من الاهتمامات من خلال وضع الأسبقية للربح في كل مكان، وفي كل المجالات.

النقاش الحقيقي بين أنصار منظمة التجارة العالمية ومنتقديهم ليست حول الحمائية، بل عن الذين سوف تتم حمايتهم من ويلات المنافسة غير المقيدة. لا تضم منظمة التجارة العالمية قواعد لحماية أولئك الذين يعملون أو لحماية التنمية الطويلة الأجل أو لتعزيز الاستدامة والتنوع الثقافي. بدون هذه المعايير، فإن الغالبية من الناس يمكن أن تخسر فعلا من توسيع التجارة.
فهم المنتقدين النظري لمنظمة التجارة العالمية باعتبارها وسيلة تسعى لتعزيز أرباح الشركات أثبته تاريخ منظمة التجارة العالمية منذ نشوئها حتى الآن. في كل حالة من الحالات التي تم تقديمها إلى المنظمة وكانت تتعلق بتشريعات السلامة البيئية أو العامة، كانت الشركات هي التي تفوز. عندما تحدّت مصالح صيد الروبيان التجارية حماية السلاحف البحرية العملاقة في قانون الأنواع المهددة بالانقراض، فإن مصالح الشركات فازت وفقدت السلاحف فرصة البقاء. وعندما كانت المصالح النفطية مُهدّدة بقانون معايير جودة الهواء لوكالة حماية البيئة، فازت المصالح النفطية وخسرت البيئة. عندما كانت مصالح منتجي الماشية في الولايات المتحدة مُهدّدة بحظر الاتحاد الأوروبي على لحوم الأبقار المعالجة بالهرمونات، فاز منتجو الماشية وخسر المستهلكون الأوروبيون. والقائمة تطول.

ولكن ألا نحبذ تنظيم التجارة؟

نعم، ولكن ليس نوع التنظيم المقترح من قبل منظمة التجارة العالمية. منظمة التجارة العالمية تريد حماية الملكية التجارية واحتكار براءات الاختراع للنباتات، والعمليات، وأصناف البذور، والأدوية، والبرمجيات، وكل رأس المال، وتعزيز تبادلات البضائع على الرغم من كل الآثار السيئة، وإلغاء أي حماية للعمل، والبيئة، والصحة والسلامة، والتي قد تحد من أرباح الشركات.

أهم عشرة أسباب رئيسية لإلغاء منظمة التجارة العالمية؟

وقد استعرضت دراسة في موقع Global Exchange أهم عشرة أسباب للدعوة المتنامية لإلغاء منظمة التجارة العالمية، وهي:

1. أولويات منظمة التجارة العالمية هي التجارة والاعتبارات التجارية التي تضعها فوق كل القيم الأخرى. تتطلب قواعد منظمة التجارة العالمية بصفة عامة أن القوانين المحلية والقواعد واللوائح التي تهدف إلى دعم العمال والمستهلكين والبيئة والصحة والضمان الاجتماعي، وحقوق الإنسان، وحماية الحيوان، أو غيرها من المصالح أن لا تمارس اي تقييد للتجارة، وأن لا تخضع التجارة لهذه المخاوف غير التجارية.

2. تقوض منظمة التجارة العالمية الديمقراطية من خلال تقليص الخيارات المتاحة للحكومات التي تُنتخب ديمقراطيا، مع مواجهة المخالفات المحتملة بعقوبات قاسية.

3. تشجع منظمة التجارة العالمية بنشاط التجارة العالمية حتى على حساب الجهود الرامية إلى تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية وتحبط السياسات التي تحرك المجتمعات والبلدان والمناطق في اتجاه مزيد من الاعتماد على الذات.

4. تفرض منظمة التجارة العالمية على دول العالم الثالث فتح أسواقها أمام الشركات متعددة الجنسيات الغنية والتخلي عن الجهود المبذولة لحماية الصناعات المحلية الناشئة. في الزراعة، يحفّز الانفتاح على الواردات الأجنبية التفكك الاجتماعي الهائل ويدفع عدة ملايين من سكان الريف بالنزوح على نطاق يقارب ما يحصل في الحرب فقط.

5.منظمة التجارة العالمية تمنع حكومات الدول المنتمية لها من التحرك لمواجهة المخاطر على صحة الإنسان أو البيئة التي تسببها مشاريع الشركات.

6. تنشئ منظمة التجارة العالمية معايير دولية صحية، وبيئية، وغيرها من المعايير على مستوى منخفض من خلال عملية تسمى "تنسيق". يمكن للبلدان أو حتى الدول والمدن تجاوز هذه المعايير المنخفضة فقط من خلال الحصول على إذن خاص، نادرا ما يمنح لها. منظمة التجارة العالمية تعزز السباق نحو القاع، وتفرض قيودا قوية لإبقاء الناس هناك.

7. محاكم منظمة التجارة العالمية تحكم على "شرعية" قوانين الدول، ولكنها تقوم بعملها وراء الأبواب المغلقة. وبالتالي فإنها تؤثر على مواقف الحياة الكثيرة، دون حتى التظاهر بالمشاركة والتعاون، والديمقراطية.

8. منظمة التجارة العالمية تحد من قدرة الحكومات على استخدام دولاراتها للصرف على حقوق الإنسان، وحقوق البيئة، والعمال، وغيرها من الأغراض غير التجارية. تطلب منظمة التجارة العالمية أن تجعل الحكومات مشترياتها تستند فقط إلى اعتبارات الجودة والتكلفة. وليست الشركات فقط هي التي تعمل مع عين مفتوحة على الأرباح وتغض الطرف عن كل شيء آخر، بل يجب على الحكومات والشعوب أن تقوم بذلك ايضا.

9.قواعد منظمة التجارة العالمية لا تسمح للدول بمعاملة المنتجات بشكل مختلف على أساس كيف تم إنتاجها؛ أي بغض النظر عما إذا كانت مصنوعة مع عمالة الأطفال الوحشية، أو مع تعرّض العمال للسموم أو مع أي اعتبار للحماية من أي نوع.

10. قواعد منظمة التجارة العالمية تطلب، وفي بعض الحالات، تفرض براءات اختراع أو حماية حصرية مشابهة على كل أشكال الحياة. وبعبارة أخرى، منظمة التجارة العالمية تعمل كل ما في وسعها لتعزيز مصالح الشركات متعددة الجنسيات، ولا توجد مبادئ في عملها، إلا القوة والجشع.
المعركة ضد منظمة التجارة العالمية هي معركة حاسمة، أمثلة عن تدمير (م ت ع) للبيئة
وسلامة الأغذية والأدوية وحقوق الإنسان والعمال والقوانين الوطنية وإلغاء السيادة الوطنية

"المعركة ضد منظمة التجارة العالمية هي معركة حاسمة. هذه الوكالة لديها سلطة هائلة، وهي تستخدم هذه السلطة لمعاقبة الدول التي تفعل أي شيء يمكن أن يفسر حتى عن بعد بأنه يقف في طريق التجارة الحرة.

"منذ إنشائها في عام 1995، قضت منظمة التجارة العالمية بأن كل السياسات الصحية، أو البيئية والاجتماعية هي حواجز تجارية غير قانونية"، كما لاحظ موقع المواطن العام في تقرير صدر مؤخرا بعنوان "لمن منظمة التجارة؟ عولمة الشركات وتآكل الديمقراطية".

السياسة الأساسية لمنظمة التجارة العالمية هي التي تفرض أن قوانين وأنظمة الدول الأعضاء يجب أن تكون أقل تقييدا للتجارة. القوانين أو اللوائح التي تحمي البيئة، وحقوق العمال، ومعايير الأغذية، أو حقوق الإنسان يمكن اعتبارها قيود غير لائقة على التجارة.

لجنة غير منتخبة، مكوّنة من ثلاثة أشخاص في منظمة التجارة العالمية هي التي تحكم على هذه الخلافات وتحديد هل هذه القواعد قيود غير لائقة أم لا، وهي التي تضع البلد "المخالف" أمام خيارين: إما تغيير قانونه، أو مواجهة العقوبات المُكلِفة على صادراته الخاصة.

وأدناه ما يعنيه هذا من الناحية العملية.

(1). على سلامة البيئة:

تعمل منظمة التجارة العالمية بعيدا من الحماية البيئية، بل هي أداة لتدمير البيئة. على سبيل المثال، الولايات المتحدة تحاول استخدام منظمة التجارة العالمية كأداة لإلغاء التعريفات الجمركية على الخشب المقطوع وغيره من المنتجات الخشبية" وفقا لتقرير في صحيفة وول ستريت جورنال. يخشى أنصار البيئة أن التخلص من هذه التعريفات الجمركية سيحفز الكثير من الطلب على الخشب المقطوع ويهدّد الغابات القديمة المتبقية في العالم، والتي تعتبر بمثابة موطن للنظم الإيكولوجية المعقدة. وسوف تسجل تجارة الخشب المقطوع قفزة كبيرة في بلدان مثل اندونيسيا وماليزيا، حيث الغابات العذراء هي الآن تحت الحصار فعليا".

ومن بين القضايا البيئية الأكثر إلحاحا والتي يجب حلها من قبل منظمة التجارة العالمية هو الوضع القانوني لثلاث اتفاقات بيئية متعددة الأطراف قائمة من قبل: بروتوكول مونتريال بشأن استنفاد الأوزون، واتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض (CITES) واتفاقية بازل بشأن النفايات الخطرة. هذه الاتفاقات المتعددة الأطراف تتعارض مع السياسة الرسمية لمنظمة التجارة العالمية لأنها تسمح باستخدام العقوبات الدولية لتحقيق الأهداف البيئية. ولكن بدلا من إصدار حكم ثابت بشأن هذه المسألة، فإن منظمة التجارة العالمية تتعامل مع كل المنازعات البيئية في كل حالة على حدة. وهذه الأحكام سوف تكون قواعد للتعامل مع الحالات المستقبلية.

وتصارع منظمة التجارة العالمية أيضا ضد الوضع القانوني لـ "وضع العلامات البيئية"، التي هي ممارسة توفير المعلومات على المنتج حول الأثر البيئي لدورة الحياة الإجمالية لهذا المنتج. الاستخدام الأكثر إثارة للجدل سياسيا هو وضع العلامات الايكولوجية على الخشب والمنتجات الورقية في أوروبا. يشهد الاتحاد الاوروبي حاليا وضع علامات على المنتجات الورقية التي تأتي من الأشجار التي تم حصادها بيئيا وتم تصنيعها بعمليات سليمة بيئيا. الولايات المتحدة وكندا والبرازيل تعارض هذه الممارسة لأن صناعات الأخشاب والورق لديها سوف يصبح عليها أن تتعرض لقيود أكثر صرامة في مجال التلوث في أوروبا خصوصا في مجال السموم مثل الديوكسين التي تستحق التسمية ووضع العلامات.

صناعة الولايات المتحدة لا تريد أن تضطر إلى تحسين أدائها البيئي لتلبية المعايير الأوروبية التي تحافظ على علامات التبويب في منظمة التجارة العالمية. الشركات الأمريكية تفضل سلب حق المستهلكين في معرفة الأثر البيئي للمنتجات. الشركات العابرة للقوميات تحاول أن تحقق من خلال القانون التجاري الدولي ما لم تكن قادرة على تحقيق محليا.

وطريقة المنظمة في إصدار أحكامها يجعلها منظمة خطيرة جدا. في هذه الحالة، فإنه يسمح لثلاثة محامين تجاريين بالجلوس في غرفة وتخمين أفضل حكم حول "حماية" البيئة بأكملها.
بعد رفض الاستئناف على حكم منظمة التجارة العالمية (بموجب لوائح منظمة التجارة العالمية، تذهب جميع الطعون أمام نفس القضاة الثلاثة الذين أصدروا الحكم الأصلي).

تأثير هائل، وممول بصورة جيدة من قبل الشركات في جميع أنحاء العالم، يقابله الصمت الذي يصبح تواطؤا من جانب الصحافة سمح بخراب غير مألوف في البيئة. إذا مضت منظمة التجارة العالمية في تنفيذ أجندتها البيئية بشكل كامل ووفقا لشروطها، فإن آثارها على البيئة وصحة الإنسان، ناهيك عن تأثيرها على مستوى معيشتنا، من شأنه أن يكون مدمرا للغاية.

(2). على الأغذية وسلامتها

حكمت منظمة التجارة العالمية في عام 1997 لصالح صناعات التكنولوجيا الحيوية ومنتجي لحوم البقر الأمريكان ضد الدول الاوروبية التي تريد فرض حظر على لحوم البقر المعاملة بالهرمونات الاصطناعية. ونتيجة لذلك، تم تغريم الاتحاد الأوروبي بـ 116 مليون دولار في الرسوم الجمركية على بضائعه.

قالت منظمة التجارة العالمية لليابان أن عليها أن تواجه عقوبات اذا لم ترفع حظر الاستيراد على بعض الفواكه التي يمكن أن تحمل الحشرات الخطرة، على الرغم من أن التخلص من تلك الحشرات سيفرض على اليابان استخدام جرعات كبيرة من المبيدات الحشرية الضارة.
وهددت الولايات المتحدة بتقديم الدنمارك إلى منظمة التجارة العالمية لاقتراحها فرض حظر محلي على مركبات الرصاص في الأصباغ والعمليات الكيميائية للحد من الخطر على صحة الأطفال.

في بعض الأحيان، التهديد فقط يكفي لإرغام دولة أخرى على خفض معاييرها. هددت الولايات المتحدة بتقديم كوريا الجنوبية إلى منظمة التجارة العالمية في عام 1995، قائلة ان لديها قواعد صارمة جدا على عمليات تفتيش الفواكه وفترة صلاحية قصيرة جدا لمنتجات اللحوم. وبدلا من انفاق الاموال لمواجهة هذا التحدي، استسلمت كوريا الجنوبية، وقللت وقت التفتيش من خمسة وعشرين يوما إلى خمسة أيام وزادت العمر الافتراضي لمنتجات اللحوم من 30 إلى 90 يوما.
أخذت كندا فرنسا إلى منظمة التجارة العالمية في العام الماضي للاحتجاج على حظر فرنسا على المنتجات التي تحتوي على الأسبستوس. كندا هي ثاني أكبر منتج لمادة الأسبستوس في العالم. مازال على منظمة التجارة العالمية أن تحكم في هذه القضية، ولكن ما هي قيمة الأسبستوس بين الأصدقاء؟

الآن تضغط الولايات المتحدة على منظمة التجارة العالمية للحكم ضد الدول التي تفرض قيودا على أطعمة الهندسة البيولوجية أو حتى ترغب في وضع العلامات على مثل هذه الأطعمة بحيث يمكن للمستهلكين معرفة ما الذي يأكلونه. اعتبرت الإدارة الأمريكية (هيلاري كلنتون خصوصا) مثل هذه الأمور تقييدا للتجارة الحرة..

يتساءل الباحث الاقتصادي "جويل بليفس":

"هل للبلدان الحق في تحديد معايير الصحة والسلامة للطعام الذي يأكله مواطنوها؟ هل يُسمح باستبعاد الأغذية المنتجة الأجنبية التي لا تستوفي المعايير الصحية الوطنية؟ أو ينبغي أن تتقرر هذه الأمور من قبل منظمة التجارة العالمية (WTO)؟

شئنا أم أبينا، لن تعد الدول هي التي تقرر هذه القضايا في الوقت الحالي. في أحدث نزاع تجاري بين أكبر شريكين تجاريين في العالم، وضعت الولايات المتحدة عقوبات تصل قيمتها إلى حوالي 117 مليون دولار على السلع الأوروبية. والهدف هو إجبار الأوروبيين على استيراد لحوم البقر التي تُعامل بهرمونات النمو في الولايات المتحدة.

عادة، فإن قرار وضع تعريفة 100 في المئة على الكمأة الفرنسية، وكبد الاوز، وغيرها من الأطباق التي لم يذقها معظمنا من شأنه أن ينتهك الاتفاقات التجارية الدولية. ولكن، في هذه القضية، فإن الولايات المتحدة لديها دعم من منظمة التجارة العالمية، وهي هيئة الـ 134 دولة التي تم إنشاؤها للتفاوض والحكم على التجارة العالمية. حكمت المنظمة بأن حظر أوروبا على لحوم الأبقار المعالجة بالهرمونات غير قانوني، وأذنت للولايات المتحدة بفرض عقوبات تجارية انتقامية ضد الاتحاد الأوروبي.

النظر في الحجج: إن الأوروبيين لا يسمحون ببيع لحوم البقر التي تُعامل بهرمونات النمو في أسواقهم، بغض النظر عن المكان الذي أنتجت فيه. انهم فقط يعتقدون انه لحم غير صالح للأكل. ولكن معظم لحوم الابقار الامريكية هي، في الواقع، تُعامل مع هذه الهرمونات. حتى الحكومة، بناء على طلب من صناعة لحوم البقر الأمريكية، قدمت شكوى في منظمة التجارة العالمية، بحجة أن الحظر يمثل قيودا غير عادلة على التجارة.

تقول قواعد منظمة التجارة العالمية أن أي معايير صحية أو بيئية تؤثر على التجارة يجب أن تكون مدعمة بأدلة علمية. وهكذا، فإنها عيّنت لجنة من ثلاثة قضاة، قرّروا أنه لا يوجد دليل علمي كاف لتبرير حظر أوروبا على لحوم الأبقار المعالجة بالهرمونات.

لجنة مستقلة من العلماء، بتكليف من المفوضية الأوروبية للنظر في هذه المسائل، وصلت إلى استنتاج مختلف. وجد الباحثون أن واحدا من الهرمونات الستة التي توجد عادة في لحم البقر هو "عامل مسرطن كامل". بالنسبة للخمسة الأخرى، خلصوا إلى أنه ستكون هناك حاجة، لإجراء مزيد من الدراسة، على الرغم من أن أي شخص يقرأ التقرير المكون من 142 صفحة سوف يتساءل بلا شك لماذا تسمح الولايات المتحدة بإضافة مثل هذه الأدوية ليتم ضخها في ماشيتها.
حسنا، إذا كان معظم الناس يعرفون فعلا ما الذي يأكلونه، فربما لن يتناولوا هذه اللحوم وخاصة تلك الفئات الأكثر عرضة لتأثيرات الهرمونات، مثل الأطفال والنساء الحوامل. ولكن لا توجد اشتراطات لوسم هذه المكونات الإضافية في اللحوم في الولايات المتحدة.

بغض النظر عن الكيفية التي يحكم بها الواحد منا على الأدلة العلمية، ألا ينبغي أن يُسمح للأوروبيين أن يسيروا على جانب الحذر إذا اختاروا ذلك؟ أن معظم الناس يقولون نعم. هذه الحالة أمر شائن ولا سيما أن الجميع متفقون على أن القانون الذي يحظر لحوم البقر المعالجة بالهرمونات صُمّم لحماية المستهلكين في أوروبا، وليس صناعة الماشية المحلية. ويُطبق القانون دون تمييز على كل من المنتجين المحليين والأجانب. ومع ذلك، تصر منظمة التجارة العالمية أن القضية غير خاضعة للمساءلة؛ ثلاثة قضاة يجتمعون بصورة سرية، يمكن أن يلغوا قرار الاتحاد الأوروبي ببساطة لأنه له تأثيرا سلبيا على التجارة. وهذا هو بالضبط ما حذرت جماعات البيئية وجماعات المستهلكين، والعمل من أنه سيحدث عندما تم إنشاء منظمة التجارة العالمية.
ومراجعة سجلها الضخم يثبت هذه التحذيرات".

(3). على الأدوية والمستحضرات الصيدلانية

هددت الولايات المتحدة بتقديم جنوب أفريقيا إلى منظمة التجارة العالمية لسماح نيلسون مانديلا بتمرير قانون مكّن الشركات في جنوب أفريقيا من إنتاج أدوية رخيصة لعلاج الإيدز إلا إذا دفعوا حقوق ملكية لصانعي الأدوية. إدارة كلينتون، ممثلة في شخص آل غور آنذاك، انبرت للدفاع عن شركات الأدوية الأمريكية، والتي لم يعجبها قانون مانديلا.

(4). على حقوق الإنسان وحقوق العمال

في عام 1996، أصدرت ولاية ماساتشوستس قانونا يحظر على الدولة إجراء عقود مع الشركات التي تستثمر في أو تقيم علاقات تجارية مع بورما بسبب سجلها السيء في مجال حقوق الإنسان في هذا البلد. تحدت اليابان والاتحاد الأوروبي هذا القانون أمام منظمة التجارة العالمية، مدعين أنه يمثل تقييدا غير مسموح به على التجارة. (محكمة أمريكية ألغت القانون، قائلة انه تدخل في السياسة الخارجية للحكومة الامريكية).

وفي عام 1998، نظرت ولاية ماريلاند في مشروع قانون مماثل لمنع عقود الدولة مع الشركات التي تعمل في نيجيريا. إدارة كلينتون المسيطرة على المجلس التشريعي للولاية أسقطت القانون لأن الولايات المتحدة قلقة من أن يكون تحديا للقواعد في منظمة التجارة العالمية.

الصين أصبحت عضوا في منظمة التجارة العالمية، على الرغم من سجلها الرهيب في مجال حقوق الإنسان وقمع العمال. هذه هي أمور "خارجية" لا تهم منظمة التجارة العالمية.
وهكذا، أيضا، الحال مع عمالة الأطفال. أي بلد يمكنه استغلال عمالة الأطفال، ويكون لا يزال عضوا في منظمة التجارة العالمية ومنافسة الدول الأخرى التي تطالب منذ فترة طويلة بإلغاء عمالة الأطفال. في الواقع، في ظل القواعد الحالية، إذا كانت أي دولة تعمل على سن مشروع قانون يحظر استيراد السلع التي تنتج عن عمالة الأطفال، فإنها ستكون عرضة للطعن أمام منظمة التجارة العالمية.

تصور، حتى مراسيم الأجور التي تقرها البلديات أو الدول يمكن أن تفسّر بأنها قيود على التجارة ويطعن بها أمام منظمة التجارة العالمية.

(5). على اللوائح المحلية وقوانين الدولة

الأنظمة المحلية التي تقتضي أن تكون المنتجات المستوردة مطابقة للمعايير المحلية على مسائل مثل إعادة التدوير، والمواد السامة، ووضع العلامات وتفتيش اللحوم يمكن أن تخضع كلها للطعن من قبل منظمة التجارة العالمية. يمكن استبعاد تدابير الحفظ التي تحد من تصدير الموارد الخاصة للبلد، مثل منتجات الغابات والمعادن والمنتجات السمكية، باعتبارها ممارسات تجارية غير عادلة، كما يمكن استبعاد التنظيمات التي تجعل قطع الأخشاب أو غيرها من الموارد مسألة محلية لتوفير العمالة المحلية.

المصالح المحلية لم تعد أساسا صالحا للقوانين المحلية في ظل نظام منظمة التجارة العالمية. مصالح التجارة الدولية، والتي هي في المقام الأول مصالح الشركات العابرة للقوميات، هي التي لها الأسبقية.

(6). على الاستقلال والسيادة الوطنية

يحق لمنظمة التجارة العالمية تطبيق قواعد التجارة العالمية من خلال فرض العقوبات الاقتصادية. وتغطي قواعد منظمة التجارة العالمية المواد الغذائية والمعايير البيئية، وتنظيم الخدمات مثل التأمين والنقل، وكيف يمكن للحكومة استخدام أموال دافعي الضرائب وحقوق المؤلف وقانون براءة الاختراع، والسياسة الزراعية، وغيرها الكثير الكثير.

توسّع منظمة التجارة العالمية الجوانب الرئيسية من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، لتشمل العالم كله. ومثل النافتا، أصدرت منظمة التجارة العالمية لوائح يعمل بها بيروقراطيو التجارة مع السلطة اللازمة لفرض قواعدها الملزمة. ومثل النافتا، فإن من حق قواعد منظمة التجارة العالمية أن تطعن بقوانين دولة ما إذا كانت تشكل حواجز أمام التجارة والاستثمار.
محاكم منظمة التجارة العالمية تبت في القضايا المرفوعة إلى منظمة التجارة العالمية في السر. لا تقبل أي شكوى من الراي العام إلا إذا قُدّمت إليها من قبل حكومة. وعلاوة على ذلك، يسمح للحكومات الوطنية فقط بالمشاركة، ولذلك فإن المدعي العام للدولة يمكن أن يساعد فقط إذا تمت دعوته إلى ذلك من قبل المنظمة. إن الحكومة التي تخسر قضية أمام منظمة التجارة العالمية ليس لديها بديل للطعن خارج منظمة التجارة العالمية على الإطلاق. بمجرد صدور حكم نهائي في منظمة التجارة العالمية، فإن البلد الخاسر تبقى أمامه ثلاثة خيارات فقط: تغيير قوانينه لتتوافق مع متطلبات منظمة التجارة العالمية، أو دفع تعويض دائم للبلد الفائز، أو مواجهة فرض عقوبات تجارية عليه.

أنصار التجارة الحرة، يقولون انه من "التفكير الساذج" للضغط على منظمة التجارة العالمية لفرض عقوبات على العمل، والبيئة، أو القضايا غير الاقتصادية الأخرى. حجتهم هي أن هذه المعايير ستعرقل التجارة الدولية، وتحد من مستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم، وربما تؤدي إلى حروب تجارية.

لا يوجد أي ربح من التجارة الحرّة للبلدان النامية، خسائر فقط

ولكنهم مخطئون في العديد من هذه المجالات.

أولا، إن فوائد التجارة الحرة مبالغ فيها، وخاصة في العالم النامي. في جميع البلدان النامية التي أخذت على عاتقها تحرير التجارة بشكل سريع، زاد عدم المساواة في الأجور، في معظم الأحيان في سياق انخفاض العمالة الصناعية من العمال غير المهرة وتسبب في هبوط كبير في الأجور الحقيقية، من 20 إلى 30٪ في دول أمريكا اللاتينية، وفقا لتقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. الانهيار في الاقتصادات الآسيوية، ناجم جزئيا عن الاستثمارات الهائلة في العقارات والتحرر من القيود في قطاع الخدمات المالية التي سرّعتها قواعد منظمة التجارة العالمية وتسببت في خسائر فادحة. في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، تضاعفت أزمة البطالة أربع مرات وارتفعت نسبة القر المدقع 200 في المئة.

ثانيا، العديد من الدول يمكنها أن تخدم شعوبها بشكل أفضل من خلال حماية بعض الصناعات الأساسية، ودعم المواد الأساسية التي يحتاجها مواطنوها: الغذاء والمأوى والوقود. لكن دول العالم الثالث فقدت حقها في السيادة الاقتصادية منذ أخذ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعلى نحو فعال السيطرة على اقتصاداتها، وحولوها إلى منصات موجهة نحو التصدير، وفرضوا النظرية العتيقة عن "الميزة النسبية" التي تقول أنه إذا كانت قوة العمل الخاصة بك أرخص من جيرانك، يجب أن تبقي الأجور منخفضة كي تجذب الشركات لاستغلال العاملين لديك.

وثالثا، فإن مخاطر الحرب التجارية مبالغ فيها. والمسألة ليست العولمة مقابل الانعزالية. فما لدينا اليوم ليس العولمة، ولكنها عولمة الشركات. قواعد الاقتصاد العالمي تخدم مصالح الشركات المتعددة الجنسيات؛ أنها لا تخدم مصالح الغالبية العظمى من الناس على هذا الكوكب.

الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية تشتغل في كثير من الأحيان كمحامين غير مدفوعي الأتعاب لأكبر الشركات في أراضيها. على سبيل المثال، فإن شركة تشيكيتا Chiquita لا توافق على شراء الاتحاد الأوروبي الموز من المستعمرات الأوروبية السابقة، لذلك قدمت إدارة كلينتون شكوى في منظمة التجارة العالمية ضد الاتحاد الاوروبي. عمل أميركا ليس أعمال شركة تشيكيتا، ولكن في منظمة التجارة العالمية، يصبح الأمر كذلك بصورة مؤكدة. وبالمناسبة، تقدمت إدارة الرئيس كلينتون بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية عن الموز- وهو محصول لا تنتجه الولايات المتحدة للتصدير- بعد يوم واحد من تبرع شركة تشيكيتا متعددة الجنسيات بـ 500000 دولار للحزب الديمقراطي.

لدينا، وباختصار، نظام عالمي من الشركات متعددة الجنسيات، وبواسطة الشركات متعددة الجنسيات، ولصالح الشركات متعددة الجنسيات.

مؤسسة معيبة

كل حكم تصدره منظمة التجارة العالمية يثبت أن هذه المؤسسة معيبة بشكل أساسي، وتهدف كما هو واضح إلى وضع أرباح الشركات فوق الحاجة إلى حماية بيئتنا، وصحتنا وديمقراطيتنا.
يجب على السياسيين أن يقبلوا هذه الحقيقة من أجل أن يحكموا للصالح العام للحد من الأنشطة المدمرة للشركات الكبرى وحقها في تحقيق الأرباح بأي ثمن. وإلى أن يفعلوا ذلك، فإن قائمة القوانين الأساسية التي تصك باسم التجارة الحرة سوف تطول وتطول.

منظمة التجارة العالمية تضع العالم الثالث على المسار الكارثي

يقول المحلّل الاقتصادي "مارتن خور" وهو يستعرض المشكلات الكارثية التي خلقتها منظمة التجارة العالمية لبلدان العالم الثالث:

"المجموعة الأولى من المشاكل هو أن البلدان النامية - على الأقل حكوماتها كانت تتوقع بعض الفوائد. أكبر خيبة لأملهم هي أن الفوائد لم تحصل.

على سبيل المثال، في مجال المنسوجات. كان هناك اتفاق على التخلص التدريجي من نظام الحصص على المنسوجات والملابس والأحذية، ولكن تم القيام بذلك بطريقة لم تنفع المصدرين.
ثانيا، على الرغم من أن الدول الغنية قد قالت انها قد خفضت التعريفات الجمركية، فهي تستخدم الآن الحواجز غير الجمركية ضد البلدان النامية، وعلى رأسها سوء استخدام تدابير مكافحة الإغراق المنتجات المدعومة) ضد المنتجات القادمة من البلدان النامية، بما في ذلك المنسوجات.

ثالثا، لقد كانت هناك عودة لـ "قيود التصدير الطوعية". عقدت الولايات المتحدة اتفاقا مع البرازيل، على سبيل المثال، تقوم وفقه البرازيل – طوعيا - بكبح جماح تصدير الصلب إلى الولايات المتحدة. هذه هي العودة إلى الحواجز أمام صادرات البلدان النامية.

أما الفئة الثانية من المشاكل فتشمل الصعوبات التي واجهتها البلدان النامية في سياق تنفيذ الاتفاقات. العديد من الاتفاقيات لديها فترة انتقالية مدتها خمس سنوات قبل التنفيذ. حتى أسوأ الجوانب لم تأت بعد. ولكن الدول النامية بدأت تشعر بوطأة هذه الاتفاقات. إنهم يقومون الآن بصياغة قوانين وطنية جديدة تأخذ في الاعتبار اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، هذه الاتفاقات تحتوي على العديد من الاختلالات التي تضر البلدان النامية.

الفئة الثالثة من المشاكل هي زيادة الضغوط التي تواجهها الدول النامية لمواصلة تحرير التجارة. ويأتي هذا الضغط من خلال جدول الأعمال المدمج في منظمة التجارة العالمية التي هي بالفعل جزء من الاتفاقات، من خلال تدابير حمائية جديدة مثل تدابير مكافحة الإغراق، ومن خلال ضغوط جديدة. وفي المؤتمر الوزاري في سياتل، الدول الغنية تريد اتفاقات جديدة أو توسيع الاستثمارات والمشتريات الحكومية وغيرها من المجالات. وتخشى البلدان النامية أيضا أن معايير التجارة والبيئة والعمل يمكن استخدامها من قبل الدول الغنية لتحقيق نكسة أخرى في البلدان النامية.
وقد أدى ذلك إلى قيامها بطرح قائمة طويلة من الطلبات لإصلاح اتفاقات منظمة التجارة العالمية. لقد وضعت قائمة طويلة من الاقتراحات والمقترحات لمؤتمر سياتل، ولكنها رفضت جميعها من قبل الولايات المتحدة".

هل هناك أضرار زراعية واضحة على الدول النامية؟

مارتن خور: "سيكون على البلدان النامية الحد من رسوم الاستيراد الخاصة بهم بعد أن انتهت فترة السماح. ستكون الحكومات مطالبة أكثر وأكثر بحظر إعطاء الدعم المحلي للتصدير وللمزارعين.

في كثير من البلدان، أعربت المنظمات غير الحكومية والمزارعون عن القلق الشديد من أنه في حالة رفع رسوم الاستيراد تدريجيا، وفي الوقت نفسه تواصل أوروبا والولايات المتحدة دعم صادراتها بشدة، فإن المزارعين في البلدان النامية سيواجهون منافسة كبيرة من الواردات وسيتم تهديد مصادر رزقهم. تظهر الدراسات في الفلبين بالفعل كيف أن الواردات الأرخص بسبب تحرير التجارة تسبب مشاكل خطيرة للمزارعين الفلبينيين. والوضع سوف يزداد سوءا في الخمسة أو العشرة أعوام المقبلة لمزيد من المعلومات عن تدمير اقتصاد الفلبين من قبل منظمة التجارة وصندول النقد والبنك الدولي راجع الحلقتين. (100) صندوق النقد والبنك الدولي وتدمير اقتصاد الفلبين؛ كيف حول البنك الفلبين من بلد مصدر للأرز إلى مستورد له؟ و(101) كيف أطاحت الولايات المتحدة بدكتاتور الفلبين ماركوس وهو حليفها؟!)

من أجل توقع هذه المشاكل ومواجهتها قبل أن تحصل كارثة اجتماعية، فقد اقترحت المنظمات غير الحكومية إيلاء معاملة خاصة وتفضيلية للدول النامية لأسباب تتعلق بالأمن الغذائي وحماية سبل العيش لجزء كبير من السكان، أي المزارعين. في هذه المعاملة الخاصة والتفضيلية، جميع المواد الغذائية المنتجة في البلدان النامية من أجل الاستهلاك المحلي يجب أن تُعفى من أحكام الاتفاق الزراعي فيما يتعلق بتحرير الواردات وفيما يتعلق باستمرار الدعم المحلي.

مسخرة علاقة حقوق الملكية الفكرية بالتجارة!

عن الربط العجيب لحقوق الملكية الفكرية بالتجارة يقول الباحث مارتن خور: "هناك اعتراض آخر هو الجوانب المتصلة بحقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة. الآن حتى الاقتصاديين التقليديين يقولون بأن هذا الاتفاق لا ينتمي إلى منظمة التجارة العالمية، وأن أفضل إصلاح أن يتم إخراج هذا الاتفاق بصورة كاملة من منظمة التجارة العالمية. هذا هو اتفاق على حقوق الملكية الفكرية. لا علاقة مباشرة له بالتجارة، كما أنه ليس جزءا من عملية تحرير التجارة. وهو جهاز حمائي لمنع نقل التكنولوجيا من الشركات العابرة للقومية إلى الشركات المحلية في البلدان النامية. إنه يمنع الشركات المحلية في البلدان النامية من أن تكون قادرة على استيعاب التكنولوجيا الجديدة والحديثة. وهو يديم التفوق التكنولوجي للشركات الكبرى حتى تتمكن من السيطرة على السوق والحفاظ على أسعار التجزئة الاستهلاكية بدرجة أعلى بكثير مما يمكن أن يكون الأمر إذا كانت هناك منافسة حقيقية.

إذا لم نتمكن من إخراج هذا الاتفاق من منظمة التجارة العالمية، فهناك العديد من الأشياء الخطيرة التي لن يمكن تغييرها. تنظر، على سبيل المثال، المادة 27 (3) (ب) وتتعلق بالتعامل مع براءات الاختراع المتعلقة بأشكال الحياة. انها مربكة للغاية.

المادة 27 (3) (ب) يجب أن تتغير لمنع الشركات في أي بلد من تسجيل براءات الاختراع للموارد البيولوجية أو المعرفة التي هي قيد الاستخدام في أجزاء أخرى من العالم لأجيال عديدة مثل أدوية الأعشاب والبذور وغيرها. كما ينبغي تغييره لمنع أي بلد من تسجيل براءات الاختراع حول أي نوع من أشكال الحياة أو العمليات الطبيعية، بما في ذلك الكائنات الحية الدقيقة والممارسات الميكروبيولوجية. وهذا من شأنه استباق أشكال حماية الملكية الفكرية التي من شأنها أن تحد من حقوق المزارعين من أجل إنقاذ بذورهم. كان هناك اقتراح تقدمت به الدول الأفريقية في منظمة التجارة العالمية في هذا الشأن.

(ببساطة المواطن البرازيلي مثلا الذي كان يستعمل عشبة معينة معروفة لعلاج صداع رأسه منذ آلاف السنين سوف يُحرّم عليه ذلك إذا استخلصت منها شركة أدوية أمريكية المادة المفيدة وبدأت ببيعها كدواء، وببساطة ايضا نذكّر بقرار المجرم بول بريمر بمنع الفلاحين العراقيين من استخدام البذور التي تعوّدوا ولمئات السنين حفظها من كل موسم واستخدامها في زراعة الموسم التالي لأن شركة مونسانتو امتلكت حق امتياز البذور كما سنطرح ذلك في حلقات مقبلة).

لعبة مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة

وأخيرا، لإصلاح اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، هناك مبدأ المعاملة الخاصة والتفضيلية للدول النامية. ولكن حيثما وردت هذه المعاملة في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، فهي ليست ملزمة للدول الغنية لمنح المعاملة الخاصة والتفضيلية. كانت مطلوبة في معظم الحالات على أساس بذل قصارى جهدهم، ما يسمى أفضل المسعى. وقد وضعت البلدان النامية مقترحات واضحة جدا في أن المعاملة الخاصة والتفضيلية لا ينبغي أن تكون على أساس أفضل المسعى، ولكن ينبغي أن تكون ملزمة من الناحية القانونية. وينبغي تطبيق هذا المبدأ على العديد من الاتفاقات القائمة في مجال تريبس، وتدابير الاستثمار المتصلة بالتجارة والزراعة وهلم جرا.

وتفسير الدول الغنية في منظمة التجارة العالمية لمساعدة البلدان النامية هو في الحقيقة شيء ليس أبعد من تقديم المساعدة التقنية للبلدان النامية، التي من خلالها يتم توفير التدريب للبلدان النامية حتى تتمكن من تنفيذ كامل التزاماتها في إطار اتفاقيات منظمة التجارة العالمية. هذا النوع من المساعدة التقنية لن يساعد البلدان في تطوير الواقع، بل من شأنه أن يجعل الأمور أسوأ بالنسبة للبلدان النامية".

مصادر هذه الحلقات

مصادر هذه الحلقات عن الدور التدميري لمنظمة التجارة الدولية سوف تُذكر في نهاية الحلقة؟؟؟؟.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى