الأربعاء ٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦
بقلم حسين سرمك حسن

(141) (ب) اغتيال لومومبا

ملاحظة

هذه الحلقات مترجمة ومُعدّة عن مقالات ودراسات وكتب لمجموعة من الكتاب والمحللين الأمريكيين والبريطانيين.

"سيقول التاريخ في يوم من الايام كلمته، ولكنه لن يكون التاريخ الذي يُدرس في بروكسل، وباريس، وواشنطن أو في الأمم المتحدة، ولكنه التاريخ الذي سيتم تدريسه في البلدان التي تحررت من الاستعمار وأتباعه. سوف تكتب أفريقيا تاريخها الخاص، وبالنسبة إلى شمال وجنوب الصحراء الكبرى، سوف يكون تاريخا مجيدا وكريما.

لا تبكي عليّ، يا زوجتي العزيزة. فأنا أعلم أن وطني، الذي عاني الكثير، سوف يعرف كيف يدافع عن استقلاله وحريته".

من رسالة لومومبا إلى زوجته قبل غتياله
"أشار تحقيق لصحيفة الجارديان في آب 2011 إلى وجود أدلة على أن طائرة ألبرتينا قد اسقطت، وتلا التحقيق في وقت لاحق من العام نفسه كتاب، "من قتل داغ همرشولد؟"، من قبل الأكاديمية البريطانية، سوزان وليامز، التي قالت بأن هناك أدلة قوية على أن الاستعمار البلجيكي المتشدد، الذي غضب على دعم الامم المتحدة لحكومة الكونغو في كينشاسا، كان وراء وفاة همرشولد الدبلوماسي السويدي المخضرم، وأن العملية قد تم التستر عليها من قبل السلطات الاستعمارية البريطانية آنذاك".

"ولكن كان موبوتو، هو الذي نما من قوة إلى قوة، بدعم من أمريكا وحلفائها الأوروبيين. في يناير/كانون الثاني عام 1961، تمت ترقية موبوتو من عقيد إلى رتبة جنرال. وظل رئيسا للدولة للسنوات الـ 37 المقبلة، حيث خدم ثمانية رؤساء أميركيين (بدلا من خدمة الشعب الكونغولي)، وتم تكريمه في البيت الأبيض، وجعل كينشاسا مقر عمليات وكالة المخابرات المركزية في أفريقيا"؛

المحتوى

(لومومبا يخاطب زوجته قبل الموت: لا الوحشية، ولا القسوة ولا التعذيب ستجعلني أطلب الرحمة- بلجيكا لن تغفر للومومبا خطاب الإستقلال شديد اللهجة- الرئيس الأمريكي إيزنهاور أمر بقتل لومومبا واعتبره "كلبا مسعورا"- عملية "باراكودا" Operation ‘Barracuda’- الدور التآمري للأمم المتحدة- تشومبي يكذب على نكروما- جثث لومومبا ورفاقه تُذاب في حامض الكبريتيك- لومومبا قلب خطط الأمريكان والبلجيكيين للإحتفاظ بالكونغو- لعاب الأمريكان يسيل على اليورانيوم والماس- البلجيكيون لم يحصلوا عى "الرجل الصحيح" لإدارة البلاد بعد الإنتخابات فقرروا قتله وفرض سيطرة العسكر- الملك البلجيكي يلقي أغرب خطاب في العالم- لومومبا: خطاب الدموع والنار والدم، تخلصنا من 80 عاما من العبودية والمهانة- لهذا لم يسمح الغربيون للكونغو سوى بأسبوعين من السلام- القوات العسكرية البلجيكية تتدخل لصالح الانفصاليين- كيف قامت الأمم المتحدة بفعلتها؟- الولايات المتحدة تستخدم قوات الأمم المتحدة لدعم الانفصاليين- وكالة المخابرات المركزية تستخدم الرئيس كازافوبو- الدور العسكري التآمري لقوات الأمم المتحدة، نكروما يكتفي بالتهديد وضباطه المتوطؤون مع أمريكا ضد لومومبا يسقطونه لاحقا- أول إنقلاب عسكري في تاريخ أفريقيا يقوده موبوتو المقرب من لومومبا !- الأمم المتحدة في قفص الإتهام، موبوتو قائد الإنقلاب يحكم المونغو 37 عاما !- التحقيق البلجيكي يكشف مؤامرات اغتيال جديدة، وبنات المقتولين وزيرات في حكومة الكونغو !- اغتيال رئيس بوروندي وملك رواندا !!- هل تم اغتيال الأمين العام للأمم المتحدة عندما صار ضد الانفصاليين ؟- أمريكا وبلجيكا وبريطانيا متهمة باغتيال همرشولد وهذه هي الأدلة- لا يتردّدون حتى في قتل مواطنيهم !- مصادر هذه الحلقات)

لومومبا يخاطب زوجته قبل الموت: لا الوحشية، ولا القسوة ولا التعذيب ستجعلني أطلب الرحمة

لومومبا: "زوجتي العزيزة،

"أنا أكتب هذه الكلمات ولا أعرف ما إذا كانت سوف تصل إليكم، وما إذا كانت سوف تصل إليكم، وأنا ما أزال على قيد الحياة عند قراءتها.

"في كل نضالي من أجل استقلال بلدي، لم أشك لحظة واحدة في الانتصار النهائي للقضية المقدسة التي كرّس أصحابي وأنا ، كل حياتنا من أجلها. ولكن ما كنا نتمناه لبلدنا، من حقه في الحياة الكريمة والكرامة غير الملوثة، إلى الاستقلال دون قيود، لم يكن مرغوبا فيه من قبل الامبرياليين البلجيكيين وحلفائهم الغربيين الذين وجدوا الدعم المباشر وغير المباشر، سواء المتعمد وغير المتعمد، حتى بين مسؤولين في الأمم المتحدة، تلك المنظمة التي وضعنا فيها كل ثقتنا عندما طلبنا مساعدتها. لقد أفسدوا البعض من مواطنينا وقاموا برشوة البعض الآخر.
"لقد ساعدوا على تشويه الحقيقة وألحقوا باستقلالنا العار. كيف يمكن أن أتحدث خلاف ذلك؟ حيا أو ميتا، حرّاً أو في السجن بأمر من الإمبرياليين، فلست أنا الذي أعول عليه. إنها الكونغو، وأبناء شعبنا الفقراء الذين تحول الاستقلال بالنسبة إليهم إلى قفص ينظر العالم الخارجي من ورائه علينا، أحيانا مع التعاطف بلطف ولكن في أوقات أخرى مع الفرح والسرور. ولكن إيماني سيظل راسخا لا يتزعزع. وأنا أعلم وأشعر في قلبي إن عاجلا أو آجلا أن شعبي سوف يتخلص من جميع أعدائه، سواء الداخليين والخارجيين، وأنه سوف يقف كرجل واحد ليقول "لا" لعار ومهانة الاستعمار، ويستعيد كرامته في ضوء الشمس العارم...

"أما بالنسبة لأطفالي الذين أتركهم وانا لا أعرف هل سأراهم مرة أخرى، أود أن يقال لهم بأن عليهم، كما هو الحال بالنسبة لكل كونغولي، إنجاز المهمة المقدسة لإعادة بناء استقلالنا وسيادتنا: بلا كرامة لا توجد حرية، ومن دون عدالة لا توجد كرامة، وبدون استقلال لا يوجد رجال أحرار.

لا الوحشية، ولا القسوة ولا التعذيب ستجعلني أطلب الرحمة، لأنني أفضل أن أموت ورأسي مرفوع، إيماني لا يتزعزع وبثقة عميقة في مصير بلدي، بدلا من العيش في ظل الخضوع وتجاهل المبادئ المقدسة .

"سيقول التاريخ في يوم من الايام كلمته، ولكنه لن يكون التاريخ الذي يُدرس في بروكسل، وباريس، وواشنطن أو في الأمم المتحدة، ولكنه التاريخ الذي سيتم تدريسه في البلدان التي تحررت من الاستعمار وأتباعه. سوف تكتب أفريقيا تاريخها الخاص، وبالنسبة إلى شمال وجنوب الصحراء الكبرى، سوف يكون تاريخا مجيدا وكريما.

"لا تبكي عليّ، يا زوجتي العزيزة. فأنا أعلم أن وطني، الذي عاني الكثير، سوف يعرف كيف يدافع عن استقلاله وحريته.

"عاش الكونغو. عاشت افريقيا! "

كانت الزوجة التي وُجّهت إليها هذه الرسالة في منتصف يناير 1961 هي بولين لومومبا. وكان الكاتب هو باتريس لومومبا، أول رئيس وزراء للكونغو، والذي كان لا يبعد سوى بضعة اسابيع من الموت.

بلجيكا لن تغفر للومومبا خطاب الإستقلال شديد اللهجة

دي ويت، وهو عالم اجتماع، عكف على دراسة الوثائق البلجيكية السرية لمدة طويلة أكّد على أن "بلجيكا تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية في قتل لومومبا. كان البلجيكيون هم قادة العملية برمتها - من نقل لومومبا إلى كاتانغا، إلى إعدامه واخفاء جثته".

وفقا لدي ويت، الذي حصل على وصول غير مسبوق للمحفوظات الوطنية البلجيكية التي رفعت عنها السرية، فإن قرار اغتيال لومومبا قد اتخذ من المسؤولين البلجيكيين بعد أسابيع قليلة من استقلال الكونغو في 30 يونيو حزيران عام 1960. وبحلول 14 يوليو 1960، أبلغ سفير بلجيكا لدى حلف شمال الاطلسي المشاركين في اجتماع مجلس حلف شمال الأطلسي ما يلي:

"إن الوضع سيكون أفضل إذا الرئيس الكونغولي ورئيس الوزراء ووزير الإعلام اختفوا من المشهد".
من الواضح أن السلطات في بروكسل لا يمكن أن تغفر خطاب الاستقلال شديد اللهجة للومومبا بحضور ملك بلجيكا بودوان، الذي اتهم فيه البلجيك بأنهم "جلبوا العبودية والظلم إلى الكونغو"، ووصف نضال الشعب من أجل الاستقلال بأنه نضال "الدموع والنار والدم..

ولكي نكون منصفين، كان لومومبا قد تم استفزازه بشكل كبير من قبل الملك بودوان في خطابه. وكان كل من حضر من الشعب الكونغولي غاضبا، فانبرى لومومبا للتنفيس عن مشاعر شعبه.
وبروكسل مرة أخرى لا يمكن أن تنسى طرد لومومبا للضباط البلجيكيين من الجيش الكونغولي، ومطالبته بالانسحاب الفوري للقوات البلجيكية التي كانت قد قصفت ميناء ماتادي في 11 يوليو 1960 بعد مقتل بعض الأوروبيين في المدينة.

الرئيس الأمريكي إيزنهاور أمر بقتل لومومبا واعتبره "كلبا مسعور

وقد تم تبادل المشاعر البلجيكية كثيرا من قبل حكومة الولايات المتحدة، كانت حريصة على منع لومومبا من دعوة القوات السوفيتية لمساعدته على استعادة السيطرة على المحافظات الانفصالية لكاتانغا وجنوب كاساي، التي أعلنت استقلالها من جانب واحد في 11 يوليو و8 أغسطس 1960، على التوالي.

وكان الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، قد أعطى منذ فترة طويلة الضوء الأخضر لوكالة المخابرات المركزية للتخطيط والقضاء على لومومبا، وفقا لمادلين كالب في كتابها، برقيات الكونغو، الذي نشر في عام 1982، واستنادا إلى برقيات وزارة الخارجية الأمريكية المسربة.
كتبت كالب أن روبرت جونسون، وهو عضو في مجلس الأمن القومي الأمريكي، بشهادته أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في عام 1975، كشف أنه خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في 18 أغسطس 1960 ، أمر الرئيس أيزنهاور باغتيال لومومبا".

في 26 آب 1960، تقول كالب، طلب ريتشارد بيسيل، قائد العمليات الخاصة في وكالة المخابرات المركزية، من مساعده الخاص للشؤون العلمية الدكتور سيدني غوتليب، تحضير المواد البيولوجية لاستخدامها المحتمل في اغتيال "زعيم أفريقي غير محدد" ... وصل غوتليب إلى كينشاسا في 26 سبتمبر/ايلول ولكن الخطة فشلت في نهاية المطاف.

وقال غوتليب في وقت لاحق أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ انه ألقى السم في نهر الكونغو في 5 تشرين الأول، وذلك لأن رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في كينشاسا لم يتمكن من العثور على وكيل مؤتمن بما فيه الكفاية يستطيع الوصول إلى لومومبا، وأيضا لأنه كانت هناك مخاوف حول فاعلية السم الذي كان ينبغي وضعه في طعام لومومبا أو في معجون الأسنان الخاص به.

كشف الكاتب الأمريكي آدم هوشيلد في كتابه شبح الملك ليوبولد أن الرئيس ايزنهاور قد أعطى شخصيا موافقته على اغتيال لومومبا.

ووفقا لهوشيلد "فإن ريتشارد بيسيل قال في وقت لاحق:" إن الرئيس إيزنهاور كان يعتبر لومومبا "كلب مسعور" ... وكان يريد "التعامل مع" المشكلة". وبعد إلقاء القبض عليه وتعرضه لسلسلة من الضرب الوحشي، قُتل لومومبا سرا في اليزابيثفيل في يناير/كانون الثاني عام 1961. وظل وكيل وكالة المخابرات الأمريكية هناك يدور بسيارته في جميع أنحاء المدينة ولومومبا في صندوق سيارته ، في محاولة لإيجاد مكان مناسب للتخلص منه".

عملية "باراكودا" Operation ‘Barracuda’

ومن الواضح أنه كانت هناك خطتين بشكل متزامن للقضاء على لومومبا، ولكن إما أن البلجيكيين لم يكونوا يعرفوا شيئا عن الخطة الأمريكية (وهو أمر مستبعد)، أو أنهم كانوا يفضلون القيام بكل شيء وحدهم.

كانت الروح الوطنية لدى لومومبا شيئا لا يُحتمل من قبل البلجيكيين وحلفائهم الغربيين الذين يعتبرونه "اشتراكيا"، (أو) شيوعيا. في سنوات الحرب الباردة تلك، كان ينظر إلى لومومبا باعتباره يشكل تهديدا للشركات البلجيكية والأمريكية والفرنسية والبريطانية التي سيطرت على اقتصاد الكونغو الوطني، بما في ذلك المعادن الاستراتيجية: اليورانيوم والكوبالت في كاتانغا. والنحاس والماس ومزارع المطاط في جنوب كاساي.

وزير الخارجية البلجيكي في ذلك الوقت، بيير ويغني، كان موقفه لا لبس فيه على الاطلاق في الكشف عن نواياه. وفي رسالة بتاريخ 10 سبتمبر 1960، أمر بشكل واضح بأن "السلطات عليها واجب جعل لومومبا غير مضر".

بعد ثلاثة أيام، بعث المستشار العسكري البلجيكي للعقيد موبوتو برقية إلى وزير الشؤون الأفريقية البلجيكي هارولد دي أسبريمونت ليندن: "تجري دراسة "الخطة" في ليوبولدفيل وحظيت بموافقة حكومتها."

"الخطة" لم تُلغَ حتى بعد قيام موبوتو، وهو واجهة لوكالة المخابرات المركزية، بانقلابه يوم 14 سبتمبر – وهو أول انقلاب في تاريخ أفريقيا المستقلة - وقيامه بـ "تحييد" الساسة الكونغوليين. بطريقة أو بأخرى، كان البلجيكيون غير واثقين في قدرة موبوتو على إبقاء الوضع تحت السيطرة، على الرغم من أنها أعطت 20 مليون فرنك بلجيكي لموبوتو ليدفع للجنود الكونغوليين الذين كانوا في إضراب لعدم دفع رواتبهم من قبل الحكومة الاستعمارية البلجيكية الخارجة. كان الغرض من الدفع تعزيز سلطة موبوتو كرئيس للأركان.

ووفقا لدي ويت، فإن المستشار العسكري البلجيكي لموبوتو أعدّ خطة بديلة تسمى "عملية باراكودا Operation ‘Barracuda" مع ضابط بلجيكي آخر مقره في اليزابيثفيل، عاصمة كاتانغا، "من دون مشاركة حكومة موبوتو".

وتتوخى الخطة ضربة بلجيكية مباشرة للقضاء على لومومبا، باتباع الإرشادات الواردة في برقية أرسلت في 6 تشرين الأول 1960 إلى القنصليات البلجيكية في برازافيل واليزابيثفيل، حيث كان وزير الشؤون الأفريقية، كوت أسبريمونت ليندن، قد كتب: "إن الهدف الرئيسي الذي يجب اتباعه لمصلحة الكونغو، وكاتانغا وبلجيكا واضح وهو القضاء النهائي على لومومبا".

حتى نهاية شهر أكتوبر، كان الدبلوماسيون البلجيكيون لا يزالون يناقشون الحاجة إلى تنظيم عملية كوماندوز مباشرة على مقر إقامة لومومبا، الذي كان محميا من قبل القوات الغانية التابعة الأمم المتحدة ومحاطا بجنود موبوتو لإلقاء القبض عليه.

الدور التآمري للأمم المتحدة

كان لومومبا تحت الإقامة الجبرية في ذلك الوقت وكان يشعر بالعجز في كل ساعة. كان بحاجة ماسة لانهاء عزلته. ولكن مما فاقم بؤسه، هو أن الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار التوجيه الأمريكي رفضت الوفد الممثل له، وبدلا من ذلك منحت المقعد الكونغولي لوفد الرئيس كازافوبو. وقد أثر هذا كثيرا على رئيس الوزراء المحاصر.

لم تعارض القوات الغانية في قوات الامم المتحدة التي يوجد مقرها في ميناء فرانكي اعتقال لومومبا وغانا نكروما تعتبرت حليفة للومومبا !!. كانت تنفذ الأوامر الصادرة لها من قبل الجنرال السويدي، كارل فون هورن، الذي هو نفسه كان يطيع تعليمات القيادة العليا للأمم المتحدة في نيويورك بعدم التدخل "لعرقلة مطاردي لومومبا" أو أخذه إلى "الحبس الوقائي".

تعرض لومومبا للضرب من قبل قوات موبوتو، الذين نقلوه إلى ثكنة عسكرية في كامب هاردي في ثايسفيل (الآن مبانزا نغونغو)، حيث كتب إلى زوجته الرسالة المذكورة أعلاه.

بعد إلقاء القبض عليه، تحولت الخطة الآن من "العمل المباشر" ضد لومومبا إلى "نقله" إلى أيدي ألد أعدائه في جنوب كاساي أو كاتانغا، كما اقترح ذلك في 24 ديسمبر/كانون الأول، القنصل البلجيكي.

لكن فاندين بلوك، الدبلوماسي البلجيكي في اليزابيثفيل، اعترض على أساس أن بلجيكا يمكن أن تتهم بسهولة بالتواطؤ إذا تم إرسال لومومبا إلى اليزابيثفيل. خشى بلوك أيضا من أن "سجين حساس" مثل لومومبا من شأنه أن يضر بمصداقية كاتانغا داخل التحالف الأفرو-آسيوي في الأمم المتحدة. بدلا من ذلك، اقترح بلوك أن يُنقل لومومبا إلى باكوانغا ، عاصمة جنوب كاساي، التي يقود جيشها العقيد البلجيكي جيليت (الملقب بـ "الكنغر الكبير") ، وحيث الوجود البلجيكي أقل بشكل ملحوظ.

هذه الفكرة، أقرّت من قبل لاري ديفلين، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية في ليوبولدفيل، وحكومة موبوتو الذي، على الرغم من رغبته في التخلص من لومومبا، ترك هذه المهمة القذرة للقيام بها من قبل الآخرين.

ومع ذلك، كان هناك إزعاج. كان مطار باكوانغا في أيدي القوات الغانية التي يمكن أن تقرر حماية لومومبا، إذا تركت حرة في أن تقرر. لحل المشكلة، أرسل وزير الشؤون الأفريقية البلجيكي دي أسبريمونت ليندن، هذه البرقية إلى قنصله في اليزابيثفيل: "وزير الخارجية أسبريمونت يحث شخصيا الرئيس تشومبي على أن لومومبا ينبغي نقله في أقرب وقت ممكن إلى كاتانغا".
الجميع يعرف أن لومومبا لن يبقى على قيد الحياة عندما يُنقل إلى كاتانغا. ومع ذلك أرسل إلى كاتانغا !

تشومبي يكذب على نكروما

في 31 يناير عام 1964، بعد ثلاث سنوات من وفاة لومومبا، كتب تشومبي إلى صديق لومومبا، الرئيس نكروما في غانا، نافيا أي تورط له في عملية الاغتيال: "يشرفني أن أبلغكم أني أتخذت دائما احتياطات كبيرة لتجنب المسؤولية بأي شكل من الأشكال في مأساة موت باتريس لومومبا (تشومبي يكذب على نكروما). وتابع: "أعتقد أن الوقت قد حان لإلقاء الضوء الكامل على هذه المسألة، وأنا لم أعد قادرا على مواصلة السماح لنفسي أن ينظر إليّ من قبل الأفارقة، بل والعالم بأسره، كمدان في هذه الجريمة".

لكن نكروما لم يصدق تشومبي. لأن الرئيس الغاني كان بحوزته نسخة من رسالة كتبها تشومبي في 13 يناير عام 1961، موجهة إلى جوستين بومبوكو وزير خارجية لومومبا الذي كان قد انشق عن لومومبا والتحق بأعدائه، والتي قال فيها تشومبي بشكل قاطع: "السيد الرئيس [في ذلك الوقت كان بومبوكو رئيسا لعمداء الشرطة في ليوبولدفيل]، في أعقاب الرسالة التي تلقيتها للتو، فإننا نمنحك موافقتنا على نقل الشيوعي لومومبا على الفور إلى اليزابيثفيل. يجب أن يتم ذلك سرا. هل يمكنك أن تسمح لي بأن أعرف وقت وصوله بلا تأخير؟".

نشر نكروما نسخة من الرسالة في كتابه "تحدي الكونغو" (نشر الكتاب في عام 1967 من قبل المهرجان الإفريقي، لندن).

جثث لومومبا ورفاقه تُذاب في حامض الكبريتيك

تم نقل لومومبا إلى جب إعدائه اللدودين في كاتانغا في 17 كانون الثاني 1961. وأرسل إلى هناك مع اثنين من رفاقه، موريس مبولو (وزير في حكومة لومومبا، انتخب عن كاتانغا) وجوزيف أوكيتو (نائب رئيس مجلس الشيوخ).

وأيديهم مقيدة وراء ظهورهم ويضربون بلا رحمة، قتل الرجال الثلاثة في نفس الليلة. تقول مادلين كالب في كتابها "برقيات الكونغو" كانت واشنطن قد عرفت منذ 14 يناير عن خطة لقتل لومومبا ورفاقه، ولكن لم تفعل شيئا لمنع ذلك. وتأخرت حكومة تشومبي الانفصالية ما يقرب من شهر عن اعلان وفاة لومومبا (أعلنت ذلك في 13 شباط 1961).

الضباط البلجيكيون لم يشاركوا فقط في إعداد خطة القتل، بل شاركوا أيضا في التنفيذ النهائي. عندما هبط لومومبا في مطار اليزابيثفيل، تم نقله على الفور إلى السجن من قبل ضباط من كاتانغا من قوات تشومبي. وكان ستة جنود سويديين تابعين للأمم المتحدة في المطار وشاهدوا لومومبا يؤخذ بعيدا عن المطار ولم يفعلوا شيئا.

ولكن قبل ساعات من إطلاق النار عليهم، نُقل لومومبا ورفيقاه إلى معتقل بلجيكي، حول 10:00 ليلا. ثم نقلوا في سيارة جيب إلى مكان يبعد 50 كلم من اليزابيثفيل. وكان سائق سيارة الجيب مفوض شرطة بلجيكي. أحضر لومومبا، ومبولو وأوكيتو، واحدا تلو الآخر، إلى فرقة القتل بقيادة ضابط بلجيكي برتبة نقيب. ثم تم قتل الرجال الثلاثة! كان عمر لومومبا 36 عاما.

بعد أربعة أيام من عملية القتل جاءت مرحلة التخلص النهائي من الجثث. ألقيت المهمة القذرة على مفوض الشرطة البلجيكي جيرارد سويت وشقيقه الأصغر. أراد رؤساؤهم إخفاء الجثث الثلاث. قام سويت وشقيقه، بتقطيع جثث لومومبا، ومبولو وأوكيتو إلى قطع صغيرة وأذابوها في حامض الكبريتيك لطمس الأدلة. وقد جيء بالحامض بخزان مملوك من قبل شركة التعدين العملاقة "اتحاد المناجم دو أوت كاتانغا".

في مقابلة أجريت معه مؤخرا على شاشة التلفزيون البلجيكي، اعترف جيرارد سويت انهم قطعوا جثث لومومبا ورفاقه، وألقوا بها في حمام حامضي. وقال "أنا ما زالت أعاني من هذا الكابوس".
لكن شهادة سويت لم تكتمل. كان واحدا من التفاصيل الأكثر ترويعا هو كشفه عن حقيقة صدمت الجمهور حين قال إنه أبقى لسنوات عديدة "كتذكار" اثنين من أسنان لومومبا.

لومومبا قلب خطط الأمريكان والبلجيكيين للإحتفاظ بالكونغو

ولد باتريس لومومبا Patrice Lumurnba في عام 1925 في ستانليفايل (الآن كيسانغاني) في المقاطعة الشرقية في الكونغو. في عام 1957، كان يعمل في مكتب بريد ستانليفايل ، ثم أصبح لاحقا مدير مبيعات للبيرة في ليوبولدفيل.

في سنواته الأولى، كان لومومبا مثل أي عضو في النخبة الكونغولية الأفريقية الصغيرة التي تم اعدادها من قبل بلجيكا على أمل أنها سوف تحافظ على مصالحها بعد الاستقلال. لكن لومومبا كان مختلفا من ناحية واحدة هي أنه قرأ على نطاق واسع وبنهم، واستوعب الأفكار الجديدة، وكانت اهتمامته الرئيسية في الفلسفة والاقتصاد والقانون.

في البداية، كان البلجيكيون يترددون في ترك ما كان، ولا يزال، يعتبر أغنى بلد في أفريقيا. بحلول عام 1958، كان الكونغو ينتج 50٪ من اليورانيوم في العالم (تقريبا كل ذلك كانت تشتريه أمريكا) و 75٪ من الكوبالت في العالم و 70٪ من الماس في العالم، وهو أكبر منتج في العالم للمطاط.
أكثر من 80٪ من اليورانيوم في القنابل الذرية الأمريكية التي الأقيت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في عام 1945 جاء من منجم uranite الذي يخضع لحراسة مشددة في الكونغو في شينكولوبوي. من ناحية المصالح الجغرافية السياسية الغربية (في ذروة الحرب الباردة)، كان الكونغو بلدا مهما جدا.

أين يمكن أن يحصل الغربيون على مطاط رخيص جدا لتصنيع إطارات المركبات العسكرية ؟ كانت بلجيكا وحلفاؤها الغربيون تخطط للاحتفاظ بالكونغو حتى بعد الاستقلال. ولكن لومومبا قلب هذه الخطط رأسا على عقب عندما عاد من مؤتمر جميع شعوب أفريقيا في أكرا بغانا عام 1958، الذي دعا اليه الرئيس نكروما. وبسبب مواقفه الرافضة لهم، صار الحلفاء الغربيون يصفونه بأنه "شيوعي" (وكان لقبا خطيرا في تلك الأيام!) . ولكن لم يكن هناك مجال للعودة الى الوراء أمام لومومبا وللحركة الوطنية الكونغولية (MNC).

في غضون عام من مؤتمر أكرا، استطاع لومومبا تحويل حزب الحركة الوطنية الكونغولية إلى حركة وطنية ذات قاعدة جماهيرية عابرة للولاءات القبلية والإثنية في الكونغو، وفاقت جميع الحركات السياسية الأخرى في البلاد. بها أشرق للجميع الحركات السياسية الأخرى في البلاد التي تأسست على أساس قبلي.

نبّهت شعبيته الشخصية البلجيكيين، الذين ألقوا القبض عليه في يناير 1959 بتهمة "التحريض على الشغب" في ليوبولدفيل. قُتل خمسون شخصا وأصيب 200 بجروح في التمرد الذي بدأ إزاء رفض السلطات البلجيكية منح موافقة للحركة على عقد لقاء جماهيري. في اليوم الثاني من التمرد، أطلقت قوات الأمن الاستعمارية النار فقتلت 26 كونغوليا وجرحت أكثر من 100.

وبالرغم من عدم وجود أي دليل على أن لومومبا كان قد حرض الحشود، حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر. وتزامنت محاكمته مع مؤتمر مائدة مستديرة في بروكسل يوم 20 يناير 1960 لمناقشة المستقبل الدستوري الكونغو. وبضغط الجماهير والحركات المشاركة تم الإفراج عن لومومبا ليسافر ويشارك في المؤتمر.

نقل جوا الى بروكسل للانضمام الى زملائه في المؤتمر الذي طالب أن يكون 1 يونيو 1960 يوم استقلال الكونغو. وافقت بلجيكا مع تعديل قليل: أن يكون يوم الاستقلال في 30 يونيو. سوف يمثل يوم الاستقلال نهاية 80 عاما من الحكم البلجيكي/الملك ليوبولد في الكونغو.

لعاب الأمريكان يسيل على اليورانيوم والماس

بينما كانت بلجيكا تفقد قبضتها على الكونغو، كان رأس المال الأمريكي يزحف خلسة. وفي الواقع حصلت الأعمال التجارية الأمريكية الكبيرة على موطئ قدم في الكونغو منذ عام 1908. اثنان من الشركات التي شكلت تاريخ الكونغو: اتحاد المناجم دي أوت كاتانغا، التي تأسست في عام 1906 (لتعدين النحاس، واليورانيوم والكوبالت وغيرها)، وفورمينير Forminiere الدولية، التي بدأت باستخراج الماس في الكونغو في عام 1907. وبحلول عام 1929، صارت الكونغو ثاني أكبر منتج للالماس في العالم، بعد جنوب أفريقيا. كانت فورمينير Forminiere تسيطر على مناجم الذهب والفضة في الكونغو، بالإضافة إلى مزارع القطن الواسعة، وزيت النخيل والكاكاو ومزارع المطاط ، والماشية، وسلسلة من المحلات التجارية.

كانت تسيطر على اتحاد المناجم إلى حد كبير المصالح البلجيكية والفرنسية والبريطانية في حين كانت تسيطر على فورمينير المصالح الأمريكية. ولكن في عام 1950، أصبحت مجموعة روكفلر أحد كبار المساهمين في اتحاد المناجم عن طريق شراء واحدة من الشركات التابعة لاتحاد المناجم. فتح هذا الباب للمصالح الأمريكية في اتحاد المناجم. ولذلك كان من الأهمية بمكان أن الكونغو بقي في مجال سيطرة النفوذ الغربي.

البلجيكيون لم يحصلوا عى "الرجل الصحيح" لإدارة البلاد بعد الإنتخابات فقرروا قتله وفرض سيطرة العسكر

وكانت الخطة بسيطة: إما أن تحصل بلجيكا على "الرجال الصحيحين" لإدارة البلاد بعد الاستقلال، أو أن تقوم بإجهاض استقلال الكونغو! للأسف لم تحصل بلجيكا على "الرجال الصحيحين" في انتخابات الاستقلال، على الرغم من كل محاولات بروكسل وحلفائها الغربيين، بما في ذلك شركات التعدين العملاقة اتحاد المناجم وفورمينير، للتأثير على نتيجة.

تنافس أكثر من 100 حزب في الانتخابات البرلمانية في مايو 1960، ولكن فاز حزب لومومبا، بـ 33 من 137 مقعدا. فاز أقرب منافسيه، حزب سوليدير أفريقيا (PSA)، أنطوان جيزنغا وبير موليلي، 12 مقعدا فقط. كما فاز أبوكو كازافوبو بـ 12 مقعدا، أمّا الحزب الوطني التقدمي (حزب شكله البلجيكيون في عام 1959 وكانت تعلق آمالها على فوزه في الانتخابات) فحصل على 8 مقاعد فقط. كانت بروكسل تشعر بالحرج بحيث لا يمكن الإعلان عن النتائج واحتفظت بها سرا لمدة ثلاث سنوات.

في هذه الأثناء، حاول وزير الشؤون الكونغولية، الاستفادة من عدم إعلان النتائج بأن يعين، مرشحا منه لرئاسة الحكومة. ولكن الضغط الشعبي الكونغولي أجبره على أن يطلب من لومومبا تشكيل الحكومة.

يوم 23 يونيو عام 1960، تشكلت أول حكومة في الكونغو منتخبة وطنيا، وكان لومومبا أول رئيس للوزراء، ويوسف كازافوبو رئيسا شرفيا. طار الملك بودوان من بلجيكا إلى ليوبولدفيل لحضور التسليم الرسمي للسلطة. وهنا ألقى لومومبا خطاب "الدموع والنار والدم" الذي أغضب البلجيكيين.

قبل وصول الملك بودوان، قرر مجلس الوزراء برئاسة لومومبا أن تقف البلاد جبهة موحدة في احتفالات الاستقلال، وان على الرئيس الفخري، جوزيف كازافوبو، أن يرد على خطاب الملك.
الملك البلجيكي يلقي أغرب خطاب في العالم

في يوم الاستقلال، في 30 يونيو جاء الملك بودوان، البالغ من العمر 30 عاما آنذاك، وطرح واحدة من أغرب الخطب غير الدبلوماسية التي سُمعت من قبل العالم! وقف أمام الملايين من الكونغوليين ليقول بنشوة في ليوبودفيل العاصمة:

"استقلال الكونغو هو تتويج لعمل حبلت به عبقرية الملك ليوبولد الثاني، قام به بشجاعة وتابعته بلجيكا بمثابرة. ... ملاحظة: الملك ليوبولد قد قتل ما يقدر بـ 10 ملايين كونغولي بين 1885 و 1908، بما في ذلك قطع أيدي عشرات الآلاف من الكونغوليين الذين رفضوا العمل كعبيد في مزارع المطاط الأوروبية. بعده تم تنصيب الملك بودوان، في عام 1951 ... لمدة 80 عاما، أرسلت بلجيكا إلى أرضكم أفضل أبنائها - أولا لتخلص حوض الكونغو من تجارة الرقيق البغيضة التي كانت تهلك السكان، وفي وقت لاحق للجمع بين القبائل المختلفة التي، على الرغم من العداء السابق، تستعد الآن لتشكيل أكبر الدول المستقلة في أفريقيا ...

"الرواد البلجيكيون بنوا السكك الحديدية والمدن والصناعات والمدارس والخدمات الطبية والزراعة وتحديثها ... ومهمتكم، أيها السادة، الآن أن تظهروا أننا كنا على حق في الثقة بكم.
"إن المخاطر التي تواجهكم هي قلة خبرة الناس الذين يحكمون أنفسهم، والمعارك القبلية التي سبّبت الكثير من الضرر، والتي يجب إيقافها بأي ثمن، والجذب الذي تمثله بعض مناطقكم للقوى الأجنبية التي هي على استعداد للاستفادة من أقل علامة ضعف لديكم ..."

هل يمكنك أن تتصور كيف استقبل الأفارقة كلمة الملك! حتى كازافوبو الرئيس المعتدل، الذي أجاب نيابة عن الأمة الكونغولية الجديدة، قام بإسقاط النصف الثاني من خطابه المعد سلفا للإشادة بالملك الشاب.

لومومبا: خطاب الدموع والنار والدم، تخلصنا من 80 عاما من العبودية والمهانة

لومومبا، لم يكن من المقرر رسميا أن يتحدث في ذلك اليوم، لم يتمكن من أن يمسك نفسه لفترة أطول. ولم يكن قادرا على تحمل مثل هذا الهراء، فأخذ الميكرفون وتوجه مباشرة إلى المنص وقال:

"يا رجال ونساء الكونغو، الذين قاتلوا من أجل الحصول على الاستقلال الذي نحتفل به اليوم، أحييكم باسم الحكومة الكونغولية!

"أنا أطلب منكم جميعا، يا أصدقائي الذين قاتلوا بلا هوادة جنبا إلى جنب لجعل هذا اليوم 30 يونيو 1960 يوما خالدا أن يبقى محفورا بعمق على قلوبكم، وهو تاريخ سوف تجعلكم أهميته فخورين يأن تعلموه لأطفالكم، الذين سوف ينقلون إلى أبنائهم وأحفادهم قصة نضالنا المجيد من أجل الحرية.

"وإذ يُعلن استقلال الكونغو اليوم بالاتفاق مع بلجيكا، الدولة الصديقة التي نتعامل معها على قدم المساواة، فإن أي كونغولي لن يستحق اسمه إذا كان قادرا على الإطلاق أن ينسى أنه ظفر بهذا الاستقلال فقط بالنضال، والصراع الذي مضى يوما بعد يوم، نضال النار والمثالية، النضال الذي لم ندخر في سبيله جهدنا ولا حرماننا ولا معاناتنا ولا حتى دمائنا.

"الكفاح، الذي ينطوي على الدموع والنار والدم، هو شيء نفخر به في أعمق أعماق قلوبنا، لأنه كان نضالا نبيلا وعادلا، وكان مطلوبا لوضع حد للعبودية المذلة التي فرضت علينا بالقوة.

"هذا كان قدرنا لأكثر من 80 عاما في ظل النظام الاستعماري. جروحنا لا تزال حية جدا ومؤلمة لا نستطيع نسيانها متى نشاء، لأننا عانينا العمل المؤلم مقابل أجور لم تكن كافية لنأكل بشكل كافٍ أو نلبس بصورة لائقة أو نسكن في مكان يحمينا.. ولا أن نربي أطفالنا مثلما نتوق.
لقد شهدنا الازدراء والشتائم والضرب، صباحا وظهرا ومساء، لأننا كنا "سود".

"لقد رأينا أراضينا تُسلب باسم ما يسمى الوثائق القانونية التي كانت لا تزيد على اعتراف من قوة متفوقة. لقد عرفنا أن القانون لم يكن قط نفسه بالنسبة لرجل أبيض كما كان الحال بالنسبة لرجل أسود: لأن الأخير مرخّص له أن يكون قاسيا وغير إنساني!

"لقد رأينا المعاناة المروعة لأولئك الذين جعلتهم آراؤهم السياسية ومعتقداتهم الدينية منفيين في بلدهم! كان مصيرهم حقا أسوأ من الموت. لقد رأينا المنازل الرائعة في المدن للبيض، وأكواخ القش المهدّمة للسود! الرجل الأسود لا يمكن أن يذهب إلى السينما، أو المطعم، أو إلى المحل الذي كان من المفترض أن يكون لـ ’الأوروبيين’! ومن شأن الرجل الأسود أن يسافر دائما في أدنى جزء من السفينة أو القطار، تحت أقدام البيض في حجراتهم الفاخرة!

"وأخيرا، من الذي يستطيع أن ينسى اطلاق النار الذي قتل الكثيرين من إخواننا ... أو الزنزانات التي أُلقي فيها أولئك الذين رفضوا الرضوخ لـ "عدالة" القمع والاضطهاد والاستغلال؟

"كل هذا، أيها الإخوة، كان يعني معاناة رهيبة. ولكن كل هذا، يمكننا القول الآن، نحن الذين قمتم بالتصويت لنا كممثليكم المنتخبين لحكم بلدنا الحبيب، كل هذا انتهى الآن! لقد أُعلنت جمهورية الكونغو، وصارت أرضنا الآن في أيدي أبنائها! معا، أيها الإخوة والأخوات، سنبدأ صراعا جديدا، ونضالا نبيلا سيجلب لبلدنا السلام والازدهار والعظمة ...

"يجب أن نظهر للعالم ما يمكن أن يفعله الرجل الأسود عندما يُسمح له بالعمل بحرية، سوف نجعل الكونغو نقطة محورية في أفريقيا!"

لهذا لم يسمح الغربيون للكونغو سوى بأسبوعين من السلام

لا يمكن وصف التعبيرات على وجه الملك بودوان، بعد أن أطلق لومومبا تلك الكلمات،بأنها تعبيرات ودية. ولا عجب أن الكونغو قد سُمح لها بأسبوعين فقط من السلام بعد "الاستقلال" في ظل حكومة لومومبا ...

فبعد أسبوعين من استقلال الكونغو، دخلت البلاد في دوامة من الأزمات. بدأ كل شيء عندما قام جنود القوة البلجيكية، التي يدربها ويرؤسها ضباط الجيش الاستعماري البلجيكي ، بالتمرد على رفض البلجيكيين النظر في أي تحسينات في أجورهم وظروف خدمتهم. لم يدفع للجنود لعدة أشهر، وعندما رفض رئيس الاركان الجنرال يانسن، السماح بالمناشدات من أجل تحسين الخدمات، نفّس الجنود غضبهم على حكومة لومومبا التي لم يمض عليها سوى أسبوعين.
وسرعان ما انضم إلى الجنود موظفو الخدمة المدنية الذين كانوا مثلهم لم يحصلوا على رواتبهم لعدة أشهر.

ثم طالب حزب CONAKAT لمويز تشومبي، والذي كان قد فاز بثمانية مقاعد فقط من 137 مقعدا في الجمعية الوطنية، باثنين من الحقائب الأكثر أهمية في البلاد - الدفاع والداخلية - كشرط للانضمام إلى الحكومة الائتلافية برئاسة لومومبا الذي رفض ذلك فانهارت المفاوضات.
وحتى داخل مقاطعة كاتانغا لم تتح له المقاعد التي فاز بها تشكيل حكومة في المقاطعة وفق الدستور الكونغولي.

ولكن بلجيكا،و تحت ضغط من تشومبي، عملت على تعديل الدستور الكونغولي دون التشاور مع الأطراف الأخرى، وبالتالي مهدت الطريق لتشومبي لتشكيل الحكومة المحلية في كاتانغا. وكانت هذه الحكومة هي التي الاقليم أعلنت (الاستقلال من جانب واحد) في كاتانغا في 11 تموز عام 1960، بعد أقل من أسبوعين من استقلال الكونغو.

كاتانغا، التي سميت لاحقا شبعا في عهد موبوتو، كانت في ذلك الحين المنطقة الأغنى والأكثر تطورا في البلاد. كما كانت المركز الرئيسي لشركة التعدين العملاقة، اتحاد المناجم دي أوت كاتانغا. كانت المحافظة في غاية الأهمية لمستقبل البلاد التي لا يمكن أن يسمح أي زعيم وطني، فكيف بلومومبا، لها بالانفصال. كانت كاتانغا "دلتا النيجر" بالنسبة للكونغو (مقارنة بمخزن الثروة النفطية في نيجيريا).

القوات العسكرية البلجيكية تتدخل لصالح الانفصاليين

عشية الاستقلال، كانت حكومة لومومبا قد وقعت "معاهدة الصداقة" مع بلجيكا، التي تنص على أن القوات البلجيكية في الكونغو قد تتدخل عسكريا في الشؤون الداخلية بناء فقط على طلب من الحكومة الكونغولية. ولكن سرعان ما أعلن تشومبي انفصال كاتانغا، وأرسلت بلجيكا (بدون استشارة حكومة لومومبا) قواتها للعمل في العاصمة كاتانغا، اليزابيثفيل (الآن وبومباشي). ولم يكن إرسال هذه القوات لقمع تمرد تشومبي ولكن لمنحه الدعم.

وهكذا في غضون أسبوعين من الاستقلال، واجهت حكومة لومومبا أربع مشاكل خطيرة: تمرد الجيش وإضراب العمال، والانفصال في كاتانغا وإعادة احتلال البلاد من قبل بلجيكا. كان خطأ لومومبا الأعظم هو دعوة قوات الأمم المتحدة لمساعدته على حل مشكلة كاتانغا. لقد وضع مقدراته مباشرة في أيدي أولئك الذين لا يتمنون له الخير.

كيف قامت الأمم المتحدة بفعلتها؟

أصدر مجلس الأمن الدولي قرارين في 14 و 22 يوليو 1960 ينصّان على:

] دعوة بلجيكا لسحب قواتها فورا من كاتانغا. ] إعلان دخول قوات الامم المتحدة في كاتانغا عند الضرورة من أجل التنفيذ الكامل لقرارات الأمم المتحدة. و] وإذ تؤكد من جديد أن قوة الأمم المتحدة في الكونغو لن تكون طرفا في، أو بأي شكل من الأشكال تتدخل في، أو التأثير على نتائج أي صراع داخلي، دستوري أو غير ذلك.

ولكن هذا لم يكن ما حدث فعلا. قبل 25 يوليو، كان للأمم المتحدة قوّة من 8396 جندي في الكونغو، تتألف من 2340 غانيين، 2087 تونسيين، 1220 مغاربة، 1160 إثيوبيين، 741 غينيين، 623 سويديين و 225 ليبيريين. انضمت للقوة وحدات في وقت لاحق من أيرلندا، ومالي، وسيلان (سري لانكا الآن) وغيرها من البلدان. مع ان القوة افريقية في معظمها لم يكن هناك أفريقي واحد في قيادة عمليات الأمم المتحدة (UNOC) ومقرها في نيويورك.

كما كتب الرئيس نكروما رئيس غانا في وقت لاحق: "إن الأمين العام على الجانب المدني (من العملية) يساعده السير الكسندر ماكفاركوهار والعميد روخ. تحتهم ثلاثة جنرالات أمريكيين. الجنرال كارل فون هورن [السويدي] ترأس الجانب العسكري. وبعبارة أخرى، في جميع القضايا الرئيسية، كان هؤلاء الرجال من الدول الغربية هم الذين اتخذوا القرارات، وكان الأفارقة، الذين كانوا لا يُستشارون، هم الذين يتلقون تعليمات لتنفيذها. وهكذا، نرى في المشهد أفارقة يستخدمون في سحق افارقة. كان كل ذلك تحت العبارات الرنانة من ميثاق الامم المتحدة ".

فهل من المستغرب، إذن، أن قوات الأمم المتحدة أرسلت في البداية إلى جميع أنحاء الكونغو باستثناء كاتانغا التي كانت فيها المشكلة الحقيقية؟ وبعبارة أخرى، احتلت الأمم المتحدة المحافظات ذاتها التي تسيطر عليها حكومة لومومبا، وتركت كاتانغا مجانا للبلجيكيين ومتمردي تشومبي وهو عمل كان ضد روح ونص قرارات الأمم المتحدة بين 14 و 22 يوليو تموز. حتى 14 أغسطس لم يتم إرسال الدفعة الاولى من قوات للأمم المتحدة إلى كاتانغا. حتى ذلك الحين، طالب تشومبي من الأمم المتحدة أن لا ترسل أي قوات من غانا وغينيا إلى كاتانغا. وقد تحققت أمنيته.
الولايات المتحدة تستخدم قوات الأمم المتحدة لدعم الانفصاليين

هذا هو المكان الذي أخذت "المصالح الوطنية" لأميركا فيه دور اللاعب المحوري في إدارة عمليات الأمم المتحدة في الكونغو. متنكرة في زي صوت للأمم المتحدة، أدارت واشنطن العرض من وراء الكواليس، وذلك باستخدام قوات UNOC باعتبارها أداة لدعم الانفصاليين.

في أغسطس 1960، كانت الوظائف العليا في الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك تُدار من قبل أمريكا وحلفائها الغربيين. كان يحيط بالأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد (من السويد) مستشارون أميركيون - لاسيما رالف بانش (وكيل السكرتير العام للشؤون السياسية)، هاينز ونشوف (نائب بانش والممثل الشخصي في الكونغو) وأندرو كوردييه (مساعد تنفيذي). همرشولد نفسه كان ذا علاقات شخصية مع العائلة المالكة البلجيكية.

وتظهر السجلات أن ما كان من المفترض أن تكون عملية للأمم المتحدة في الكونغو كان في الواقع وإلى حد كبير يجري بتمويل من قبل أمريكا. بين يوليو 1960 ويونيو 1963، بلغ مجموع "المساعدات" الأمريكية للكونغو 299.7 مليون دولار ذهب أربعين في المائة من هذا المبلغ (118.5 مليون دولار) لقوة الامم المتحدة وحدها. وبالإضافة إلى ذلك، وضع الكونغرس 10 مليون دولار آخر تحت تصرّف الرئيس الأمريكي في حالة الطوارئ في الكونغو.

وهكذا، تم تصميم المشهد بحيث ان قادة قوات "أفريقية" من قوات الامم المتحدة لا يأخذون التعليمات من حكوماتهم الوطنية، إلا إذا جاءت عن طريق UNOC.

وكان الأكثر سوء سمعة من هؤلاء القادة "الأفارقة" هو الثلاثي المسؤول عن الكتيبة الغانية، أكبر وحدة في قوة الامم المتحدة. الميجر جنرال الكسندر (بريطاني معار إلى غانا في عام 1959 وعين رئيس أركان الدفاع فيها). في الواقع لم يكن للجنرال الكسندر أي عمل "رسمي" من هذا النوع في الكونغو: لم يكن (فنيا) قائدا للكتيبة الغانية ولم يحتل أي منصب رسمي في فريق الأمم المتحدة. أنيطت قيادة الكتيبة الغانية بالعميد ستيفن اتو، ويساعده الكولونيل ج. أ. أنكرا.
ومع ذلك، ذهب الجنرال الكسندر إلى الكونغو مستخدما غطاء كونه رئيس أركان الدفاع في غانا، وبحجة استعادة "القانون والنظام" في المناطق التي يسيطر عليها لومومبا، قام بتسريح قوة الجيش التي يسيطر عليها لومومبا و، في هذه العملية، حقق هدفي جعل كلا من لومومبا ونكروما غير فعالين. في الواقع، جعل ألكسندر من نكروما أضحوكة، نظرا لحقيقة أن نكروما كان أفضل صديق للومومبا. ولكن قوات نكروما استخدمت لمنع لومومبا من أي حركة.

نكروما، أخيرا، أقال الكسندر في عام 1961. ولكن بعد فوات الأوان. بحلول ذلك الوقت، كان لومومبا قد قتل وأطيح بحكومته.

وكالة المخابرات المركزية تستخدم الرئيس كازافوبو

قبل وفاته، تعرض لومومبا لضربة قاتلة أخرى. جوزيف كازافوبو، الرئيس الفخري الذي كان حليفا قويا للومومبا، حرّك ذيله فجأة، حيث يعتقد أنه سقط في حيل وكالة المخابرات المركزية. في برنامج إذاعي مفاجىء يوم 5 سبتمبر 1960، قال كازافوبو للكونغوليين:

"لدي أخبار مهمة أعلنها. لقد خان رئيس الوزراء (أي باتريس لومومبا)، الذي عين من قبل ملك بلجيكا، المهمة الموكلة إليه. لقد كان يحكم بشكل تعسفي وحتى الآن هو في خضم رمي هذا البلد إلى حرب أهلية، وهذا هو السبب في أنني قد قررت على الفور حل البرلمان".

ذهب كازافوبو إلى حدّ تعيين حكومة جديدة بقيادة جوزيف اليو، رئيس مجلس الشيوخ.
لقد لُدغ لومومبا! في ذلك المساء نفسه، أعلن: "إن الحكومة الشعبية ستبقى في السلطة. وأنا أعلن أنه اعتبارا من اليوم، كازافوبو، الذي خان الأمة من خلال التعاون مع البلجيكيين والغربيين، لم يعد رئيسا للدولة".

ولكن كان المزيد من الأخبار السيئة ينتظر لومومبا. كان هناك مزيد من التمرد في كاساي من قبل ألبرت كالونجي وكذلك تحركات انفصالية في با-كونغو.

ثم توجه وزير خارجية لومومبا جوستين بومبوكو الى جانب العدو. ولكن عندما أوشكت كل الآمال أن تضيع، ظهرت ثغرة الضوء في نهاية النفق للومومبا: كلا من مجلسي البرلمان صوّت بأغلبية ساحقة يوم 7 سبتمبر على دعم موقف لومومبا ضد كازافوبو. ولكن هذا القرار المهم لم يكن له قيمة كبيرة لكازافوبو الذي تلقى بالفعل الدعم الأمريكي.

الدور العسكري التآمري لقوات الأمم المتحدة، نكروما يكتفي بالتهديد وضباطه المتوطؤون مع أمريكا ضد لومومبا يسقطونه لاحقا

وخلال هذه الفترة استخدمت قوة UNOC في التأثير الضار ضد لومومبا. في 6 أيلول، بعد 24 ساعة من انحياز كازافوبو الى العدو، أمر الغانيين بالاستيلاء على مطار نجيلي ومحطة الإذاعة الوطنية في ليوبولدفيل ومنع لومومبا من استخدامها لتعبئة أنصاره. وفي الوقت نفسه كانت الامم المتحدة تسمح لتشومبي وكازافوبو باستخدام راديو اليزابيثفيل وإذاعة برازافيل، على التوالي، للدعاية ضد لومومبا.

يوم 11 سبتمبر، قاد لومومبا غاضبا مجموعة من الجنود لاستعادة محطته الإذاعية. هدد الجنود الغانيون باطلاق النار عليه وعلى جنوده إذا لم يذهب!. احتج لومومبا بشدة لدى نكروما في أكرا الذي كلف سفيره في ليوبولدفيل، كوفي دجين ،أن يتدخل. قال قائد القوة الغانية، العميد اتو للسفير في وجهه بأنه يستلم الأوامر فقط من قيادة UNOC وليس منه.

واضطر نكروما للاحتجاج لدى الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد، يوم 12 سبتمبر على النحو التالي:

"غانا ذهبت أصلا إلى الكونغو لمساعدة حكومة لومومبا المشروعة ... كل ما حصل شوّه وحرّف الهدف الحقيقي وقوّض بشكل خطير موقف غانا، وصارت قوات غانا الحالية تستخدم على وجه الحصر كمخلب قط ضد لومومبا، بمنعه من استخدام محطته الإذاعية الخاصة. وفي الوقت نفسه، راديو برازافيل الذي تسيطر عليه فرنسا، وهي عضو دائم في مجلس الأمن، سمح له بأن ينغمس في الدعاية الأكثر ضراوة ضد حكومة لومومبا المشروعة. راديو اليزابيثفيل، الذي هو في الواقع تحت السيطرة البلجيكية، سمح له بأن ينغمس في دعاية مماثلة. وهكذا تستخدم غانا تقريبا لربط يدي لومومبا وراءه بينما يُسمح لعضو دائم في مجلس الأمن بجلده بالسوط".
هدّد نكروما بأنه إذا لم تتخذ الأمم المتحدة الإجراءات اللازمة لتصحيح الأخطاء، فإنه سيسحب القوات الغانية من قيادة الامم المتحدة ويضعها تحت تصرف حكومة لومومبا.

لو نفّذ نكروما تهديده الوحيد! ربما كان له تأثير كرة الثلج على الوحدات الأفريقية الأخرى، ولعاش لومومبا فترة أطول.

لكن نكروما لم ينفذ تهديده!

كان سوء تقدير فادح من قبل نكروما. لأن قوة UNOC، التي تهيمن عليها المصالح الغربية ، لن تتحرك لإنقاذ لومومبا كما كان يعتقد. وطالما بقيت القوات الغانية تحت قيادة الأمم المتحدة، فإنها سوف تُستخدم في طعن لومومبا في الظهر ... وسوف تتعرض للتلاعب من قبل مختلف وكالات الاستخبارات الغربية. ولم يكن غريبا، إذن، أنه بعد ست سنوات، في فبراير 1966، كان من الأسماء البارزة بين الجنرالات الذين قادوا الانقلاب الذي حرضت عليه وكالة المخابرات المركزية ضد نكروما، كان قادة القوات الغانية في الكونغو التي طعنت لومومبا في الظهر.

أول إنقلاب عسكري في تاريخ أفريقيا يقوده موبوتو المقرب من لومومبا !

ولكن مرة أخرى: إن الدراما الحقيقية في هذه الأزمة لم تتكشف بعد. فمع استمرار ا\صراع لومومبا - كازافوبو، قام العقيد موبوتو، رئيس الأركان، بأول انقلاب عسكري في تاريخ أفريقيا المستقلة في يوم 14 سبتمبر 1960. لقد ذهب موبوتو إلى محطة الإذاعة وأعلن أن الجيش قد استولى على السلطة، وأن البرلمان و"الحكومتين المتنافستين" في البلاد قد تم "تحييدهم" حتى 31 ديسمبر 1960.

كان عمل موبوتو مثيرا جدا للاهتمام لأنه كان الرجل القريب من قلب لومومبا. وكان موبوتو عضوا في حزب لومومبا من 1958 ويتحرك بهدوء لكسب ثقة لومومبا. اعتبره لومومبا شخصا لامعا، وسياسيا صادقا ورجل المستقبل. لقد عيّنه في مجلس الوزراء وزيرا شابا، وفي وقت لاحق عينه رئيسا لأركان الجيش الكونغولي الجديد.

ولكن ما كان يجهله لومومبا، هو ان وكالة المخابرات المركزية قامت بتجنيد موبوتو بالتحديد للعمل الذي قام به في 14 سبتمبر/ايلول. اعتبرت وكالة المخابرات المركزية موبوتو واحدا من "اكتشافاتها اللامعة"، لأنه كان يعرف لومومبا وحركته من الداخل.

قبل أربعة أيام من الانقلاب، قامت وكالة المخابرات المركزية وبلجيكا بتقديم الملايين لموبوتو للذهاب في جولة على الحاميات في ليوبولدفيل لدفع الرواتب المتأخرة للجنود. كان المال الذي جاء من خلال منظومة الأمم المتحدة لمساعدة موبوتو قد عزّز صورته أمام الجنود وسيطرته عليهم، وجعل انقلاب 14 سبتمبر أكثر سهولة للتنفيذ.

إذن، لا عجب أن يكون أحد الإجراءات الهامة لموبوتو بعد انقلابه هو اغلاق السفارة السوفياتية في ليوبولدفيل يوم 17 سبتمبر. ثم ان يقوم في وقت لاحق من هذا الشهر بإغلاق السفارات الغانية والمصرية. ردّ الرئيس عبد الناصر بإغلاق السفارة البلجيكية في القاهرة.
الأمم المتحدة في قفص الإتهام، موبوتو قائد الإنقلاب يحكم المونغو 37 عاما!

في بداية أزمة الكونغو،، كانت العلاقات الشخصية بين لومومبا، والأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد ليست سيئة للغاية. بعد أول اجتماع لهما في 24 يوليو 1960 في نيويورك عندما حضر لومومبا اجتماعات الجمعية العامة، سمع همرشولد يصرّح: "الآن لا يمكن لأحد أن يقول لي أن هذا الرجل غير عقلاني".

ولكن بعد بضعة أسابيع، عندما بدأ UNOC باستخدام القوات الغانية ضد لومومبا، كتب الأخير عدة رسائل غاضبة لهمرشولد، خصوصا بعد زيارة همرشولد لعاصمة المتمردين، اليزابيثفيل، في 12 آب 1960. همرشولد، ذهب إلى أبعد من ذلك في تحقيق رغبة تشومبي في أن لا تدخل القوات الغانية والغينية في قوة الأمم المتحدة المرسلة إلى كاتانغا في 14 اغسطس/اب. احتج لومومبا قائلا: "إن حكومة وشعب الكونغو قد فقدوا الثقة في الأمين العام".

تدهورت العلاقات بشكل اكبر لدرجة أن همرشولد قال لدبلوماسيين غربيين في محادثة خاصة: "يجب تحطيم لومومبا".

وفي وقت لاحق، ظهر ممثل الامم المتحدة في الكونغو، السيد دايال (هندي)، لرأب الصدع بين الرجلين عندما نشر، يوم 2 نوفمبر 1960، تقريرا رسميا مواتيا جدا للومومبا، حيث انتقد دايال الدور البلجيكي، وانقلاب موبوتو ومؤيديه الأجانب، ودعا إلى عودة الحكم الدستوري للومومبا. عارضت واشنطن تقرير دايال، قائلة انها لن تقبل بعودة حكومة برلمانية في الكونغو إلا إذا تم ترشيح كازافوبو رئيسا للوزراء.

ولكن كان موبوتو، لا كازافوبو أو من يؤيده، هو الذي نما من قوة إلى قوة، بدعم من أمريكا وحلفائها الأوروبيين. في يناير/كانون الثاني عام 1961، تمت ترقية موبوتو من عقيد إلى رتبة جنرال. وظل رئيسا للدولة للسنوات الـ 37 المقبلة، حيث خدم ثمانية رؤساء أميركيين (بدلا من خدمة الشعب الكونغولي)، وتم تكريمه في البيت الأبيض، وجعل كينشاسا مقر عمليات وكالة المخابرات المركزية في أفريقيا؛ وفي النهاية، وبعد الإطاحة به من قبل متمردي لوران كابيلا في عام 1997، وُصف بأنه "مخلوق من التاريخ" من قبل أصدقائه الأميركيين.

التحقيق البلجيكي يكشف مؤامرات اغتيال جديدة، وبنات المقتولين وزيرات في حكومة الكونغو !

اذا كانت اللجنة البلجيكية للتحقيق سوف تخلص إلى أن الدولة البلجيكية تتحمل مسؤولية كبرى في عملية اغتيال لومومبا، فقد يكون لهذا القرار تأثير كرة الثلج على بلجيكا والكونغو نفسها وأمريكا وحلفائها فرنسا وبريطانيا. وأخيرا على الأمم المتحدة والقارة الأفريقية.

كل هذا، بالطبع، سيكون من المثير للمؤرخين، لكن من غير المرجح أن يؤدي إلى توجيه اتهامات جنائية. ليس فقط لأن الجهات البلجيكية الرئيسية المتهمة بالتورط في قتل لومومبا قد رحلوا عن الدنيا وماتوا جميعا، ولكن أيضا لأنه، بموجب القانون البلجيكي، فإن الجرائم الجنائية التي يمر عليها أكثر من 20 عاما لا يمكن أن تقدم إلى المحاكمة. على هذا النحو، فإن الناجين من فرقة قتل لومومبا يستطيعون النوم جيدا بسلام في أسرّتهم، مع العلم أنه بعد 40 عاما على الحدث من غير المحتمل أن يذهب اي منهم إلى السجن لجريمته، أو يطلب منه دفع تعويضات كبيرة.
وعلى العموم، فإن التحقيق البلجيكي قد يعيد فتح الجروح القديمة أكثر من إغلاقها. بل إنه قد يهدد تماسك حكومة كابيلا. فمجلس الوزراء الحالي في كينشاسا يشمل ابنة لومومبا جوليان وابنة تشومبي إيزابيل. كيف سيكون رد فعل الوزيرتين تجاه الحقائق التي سوف تتكشّف؟ لا أحد يستطيع التخمين.

كانت ابنة تشومبي، ماري، قد قالت يجب على بلجيكا أيضا التحقيق في "مسؤوليتها" في عملية خطف وقتل والدها في الجزائر في عام 1969. وقد اتهم ابن شقيق تشومبي جوزيف الجواسيس البلجيكيين والفرنسيين بالتورط في اختطاف عمه وقتله.

ابن لومومبا، فرانسوا، وهو ليس صديقا لكابيلا مثل أخته جوليان، دعا جميع الكونغوليين ممن لديهم شيئا يقولونه حول اغتيال والده إلى المضي قدما والإدلاء بشهاداتهم أمام لجنة التحقيق البلجيكية.

اغتيال رئيس بوروندي وملك رواندا !!

وبعيدا عن الكونغو، قد تجد بوروندي (المستعمرة البلجيكية السابقة) أيضا نفسها مطالبة بأن تطرح على بروكسل التحقيق أيضا في وفاة بطلها الوطني، هو الأمير لويس رواغاسوري، الذي قتل رميا بالرصاص في 13 أكتوبر 1961 في بوجمبورا من جانب جبورجي كاجيورجيس، الموطن اليوناني الذي كان يعتقد أنه يعمل في ذلك الوقت لصالح المخابرات البلجيكية.

رواندا (مستعمرة بلجيكية أخرى) أيضا تشتبه في أن موت الملك "تشارلز روداهيغوا موتارا الثالث الذي توفي في المنفى، في بوروندي، في عام 1959، قد اغتيل على يد عملاء بلجيكيين. مات الملك فجأة بعد تلقي حقنة من طبيب بلجيكي. ويقول شعبه أنه مات مسموما.
في أفريقيا نفسها، فإن التحقيق في مقتل لومومبا قد يشجع أسر العديد من القوميين الآخرين الذين لقوا حتفهم على أيدي المستعمرين للمطالبة بتحقيقات مماثلة، والتعويض في نهاية المطاف.

أمريكا وفرنسا وبريطانيا خارج أفريقيا، سوف يُطلب من بريطانيا وفرنسا أن يتحدثوا حول أدوارهم في قتل لومومبا. يقول المؤرخون أن الجنرال الكسندر، البريطاني المعار إلى غانا لمنصب رئيس أركان الدفاع، لا يمكن أن يكون قد لعب الدور الذي لعبه ضد لومومبا دون بعض الدعم من بلاده. فرنسا، من ناحية أخرى، قامت بدعم كازافوبو إلى أقصى درجة، بما في ذلك السماح له باستخدام الإذاعة الوطنية في الكونغو برازافيل المجاورة لبث الدعاية اللاذعة ضد لومومبا في الوقت الذي استولت فيه قوات الأمم المتحدة على إذاعة لومومبا في ليوبولدفيل.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، يقول المؤرخون أن مسؤوليتها في اغتيال لومومبا هي بالدرجة الثانية بعد بلجيكا، إن لم تكن الأولى... دور أميركا الشيطانية في الكونغو موثقة جيدا في عشرات الكتب والوثائق، والتحقيق البلجيكي من المرجح أن يضع الولايات المتحدة مرة أخرى في قفص الاتهام.

الأمم المتحدة متهمة أيضا من خلال السماح لنفسها أن تُستخدم من قبل القوى الكبرى التي أرادت للومومبا الموت.

حتى النهاية، كانت تعليمات الأمم المتحدة لقواتها بأن لا تفعل أي شيء لإنقاذ لومومبا.

مادلين كالب، في كتابها برقيات الكونغو، نقلت عن الجنرال السويدي، كارل فون هورن، قوله أنه عندما طلب القائد الغاني في كاساي الإذن لانقاذ لومومبا، "كنا قد استلمنا تعليمات [أي من قبل القيادة العليا للأمم المتحدة] برفض الطلب، و[بدلا من ذلك] وجهت الأوامر إلى الغانيين بعدم التدخل".

عندما نقل لومومبا من ميناء فرانكوي إلى اليزابيثفيل، كان هناك ستة جنود سويديين تابعين للأمم المتحدة في المطار ولكنهم لم يفعلوا شيئا لمنع قتله.

هل تم اغتيال الأمين العام للأمم المتحدة عندما صار ضد الانفصاليين ؟

ثم، أيضا، هناك حادث تحطم الطائرة الذي لا يزال غير مبرر على الجانب الزامبي من الحدود، بالقرب من "ندولا" والذي قُتل فيه الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد، ومستشاره "ونشوف "، في سبتمبر 1961. كان همرشولد قد وصل في يوبولدفيل يوم 13 سبتمبر وأعلن بعد ذلك بثلاثة أيام أنه سيذهب إلى ندولا، في روديسيا الشمالية (زامبيا الآن) حيث كان تشومبي الذي يعيش في منفى اختياري، لترتيب وقف لإطلاق النار في الكونغو.
همرشولد غادر يوبولدفيل يوم 17 سبتمبر إلى ندولا ولكنه لم يصلها. في اليوم التالي تم العثور على حطام طائرته بالقرب من ندولا. الناجي الوحيد من الحادث توفي في وقت لاحق، ولم يكن قادرا على تقديم أي أدلة على ما حدث بالفعل.

تكشّفت الآن مجموعة من الأسرار حيث شهد العديد من المواطنين الكونغوليين بأنهم شاهدوا طائرة أخرى تطلق قذيفة على طائرة همرشولد وتسقطها وتنطلق بعيدا.. وأنهم لم يدلوا بشهاداتهم آنذاك خوفا من أن يُقتلوا !! كما شهد الطبيب الذي كان في المستشفى الذي نُقل إليه الناجي الوحيد بأن لا أحد من الأمم المتحدة أو المسؤولين الأمريكيين زار هذا الناجي ولم تُرسل طائرة لنقله وأنه توفي بعد عدة ايام بسبب اصاباته التي لم يتوفر لها العلاج الصحيح.

أمريكا وبلجيكا وبريطانيا متهمة باغتيال همرشولد وهذه هي الأدلة

في لقاءات مع الشهود الرئيسيين ومقابلات على مدى السنوات الثلاث الماضية من قبل "غوران جوركدا"، عامل الاغاثة السويدي الذي مقره في أفريقيا، الذي جعل التحقيق مركز حياته منذ أن اكتشف ان والده كان جزءاً من فريق طائرة DC6 التي تحطمت، خلص جوركدا إلى ما يلي:

• إسقاط طائرة همرشولد يكاد يكون مؤكدا من قبل طائرة ثانية مجهولة الهوية.
• إن تصرفات المسؤولين البريطانيين والروديسيين الشماليين في المشهد أخّر عملية البحث عن الطائرة المفقودة.
• تم العثور على حطام الطائرة من قبل قوات الجيش والشرطة في روديسيا الشمالية قبل فترة طويلة من الإعلان عن اكتشافه رسميا.
• الناجي الوحيد من الحادث كان يمكن إنقاذه ولكن تُرك ليموت في مستشفى سيّء التجهيز.
• في وقت وفاته كان همرشولد يشك في أن دبلوماسيين بريطانيين يدعمون سرا التمرد في كاتانغا ويعرقلون محاولة لترتيب هدنة.
• قبل أيام من وفاته، أذن همرشولد بشن هجوم لقوات الأمم المتحدة على كاتانغا في عملية اطلق عليها اسم عملية مورذر Operation Morthorعلى الرغم من تحفظات المستشار القانوني للأمم المتحدة، مما أدى إلى غضب الولايات المتحدة وبريطانيا.

الأدلة الجديدة الأكثر إلحاحا أتت من الشهود الذين لم يسبق مقابلتهم حتى الآن، ومعظمهم من صانعي الفحم في الغابات المحيطة بموقع سقوط الطائرة في "ندولا" وهم الآن في السبعينات والثمانينات من أعمارهم.

اقوال الشهود عن طائرة أخرى تتفق مع حسابات داخلية أخرى عن وفاة هامرشولد. اثنان من كبار مساعديه، كونور كروز أوبريان وجورج ايفان سميث، كلاهما أصبح على قناعة بأن طائرة الأمين العام قد اسقطت من قبل مرتزقة يعملون لصالح الصناعيين الأوروبيين في كاتانغا. انهم يعتقدون أيضا أن البريطانيين ساعدوا على التستر على عملية إسقاط الطائرة. في عام 1992، نشر الاثنان رسالة إلى الجارديان تؤكد نظريتهما في الاشتباه في النوايا البريطانية الذي هو موضوع متكرر في المراسلات التي درسها السويدي "جوركدا" من الأيام التي سبقت وفاة همرشولد.
رسميا، دعمت المملكة المتحدة بعثة الامم المتحدة، ولكن، سريا، يعتقد الأمين العام ومساعدوه إن مسؤولين بريطانيين عرقلوا جهود السلام، نتيجة لمصالح شركات التعدين والتعاطف مع المستعمرين البيض في مقاطعة كاتانغا.

في صباح يوم 13 سبتمبر أعلن الزعيم الانفصالي مويز تشومبي أنه مستعد لعقد هدنة، ولكنه غيّر رأيه بعد اجتماع دام ساعة واحدة مع القنصل البريطاني في كاتانغا، دينزل دونيا .
ليس هناك شك في أنه في وقت وفاته، كان همرشولد قد استفز بالفعل السوفيات والفرنسيين والبلجيكيين، وأغضب أيضا الأمريكيين والبريطانيين بقراره بشن عمليةمورذر Operation Morthorضد قادة المتمردين والمرتزقة في كاتانغا.

وقال وزير الخارجية الأمريكية، دين راسك لواحد من مساعدي الامين العام ان الرئيس كينيدي كان "مستاءً للغاية" وكان يهدد بسحب الدعم من الأمم المتحدة. والمملكة المتحدة، كما قال راسك، كانت "مستاءة على قدم المساواة".

لا يتردّدون حتى في قتل مواطنيهم !

كان الناجي الوحيد من بين 15 شخصا كانوا على متن الطائرة DC6 هو هارولد جوليان، وهو رقيب أمريكي في الحماية الأمنية لهمرشولد. قال تقرير رسمي انه توفي متأثرا بجراحه، ولكن، مارك لوينثال، وهو الطبيب الذي ساعد على علاج جوليان في ندولا قال لجوركداأنه كان يمكن أن يتم إنقاذه.

"أنا أنظر إلى الحادثة كواحدة من حالات الفشل المهنية الأكثر فظاعة في مسيرتي الطويلة"، وكتب لوينثال في رسالة بالبريد الالكتروني "يجب أن نسأل أولا لماذا لم ترسل سلطات الولايات المتحدة أي مساعدة لإنقاذ هذا الشخص الذي هو من مواطنيها؟ لماذا لم أكن أفكر في هذا في ذلك الوقت؟ لماذا لم أقم بالاتصال بالسلطات الأمريكية وأقول، ’أرسلوا على وجه السرعة طائرة لإخلاء مواطن أمريكي في بعثة الأمم المتحدة سيموت من الفشل الكلوي؟ "

وقد ظل جوليان في ندولا لمدة خمسة أيام قبل وفاته. وقال للشرطة انه رأى الشرر في السماء وسمع دوي انفجار قبل تحطم الطائرة.

كما يثير جوركدا أسئلة حول سبب اتخاذ الطائرة DC6 هذه الدائرة من التحليق خارج ندولا. يزعم التقرير الرسمي أنه لم يكن هناك جهاز تسجيل في برج مراقبة الحركة الجوية، على الرغم من أن معداته كانت جديدة. لم يودع تقرير مراقبة الحركة الجوية عن تحطم الطائرة إلا بعد 33 ساعة بعد الحادثة.

ووفقا لسجلات أحداث تلك اللليلة ، قال المفوض السامي البريطاني للاتحاد الروديسي، كوثبرت آلبورت، الذي كان في المطار في ذلك المساء، فجأة أنه سمع أن همرشولد قد غير رأيه وسوف يطير إلى مكان ما آخر، ولهذا لم يقم المطار بالتالي بأي حالة تأهب لحالات الطوارئ وذهب الجميع إلى الفراش للنوم".

أشار تحقيق لصحيفة الجارديان في آب 2011 إلى وجود أدلة على أن طائرة ألبرتينا قد اسقطت، وتلا التحقيق في وقت لاحق من العام نفسه كتاب، "من قتل داغ همرشولد؟"، من قبل الأكاديمية البريطانية، سوزان وليامز، التي قالت بأن هناك أدلة قوية على أن الاستعمار البلجيكي المتشدد، الذي غضب على دعم الامم المتحدة لحكومة الكونغو في كينشاسا، كان وراء وفاة همرشولد الدبلوماسي السويدي المخضرم، وأن العملية قد تم التستر عليها من قبل السلطات الاستعمارية البريطانية آنذاك.

مصادر هذه الحلقات

مصادر هذه السلسلة من الحلقات عن عمليات الإغتيال وأساليبها القذرة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية سوف تُذكر في ختام الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى