السبت ٢٧ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم يحيى السماوي

يا هند

أَسَأَلْتِ كيف الحالُ يا هندُ؟
يَسُرَ السؤالُ وأَعْسَرَ الرَدُّ!
حالي بدارِ الغربتينِ خُطىً
مشلولةٌ فاسْتَفْحَلَ البُعْدُ (1)
قلبي إذا أمسى على فَرَحٍ
فعلى رمـادِ فجيعةٍ يَغدو
لا الريحُ تلثمُ خَدَّ أشرعة
حيرى ولا الحرمانُ يَرْتَدُّ
ٍكيفَ السبيلُ الى ضُحاكِ وفي
مُقَلِ الغريبِ تأبَّدَ السُّهْدُ؟ (2)
يا هندُ منذ طفولتي وأنا
راعٍ خِرافي الشوقُ والوَجْدُ
أدريكِ لا تدرينَ ما شَغَفي
وإن ادَّعَيْتِ بأنـكِ النــدُّ
 
لا تفطمي قلبي ... اسقِهِ حَبَباً
إنْ عَزَّ من كاساتِكِ الرَّفْدُ (3)
الأسْرُ؟ أُمنيتي ... إليكَ يدي
أطْبِقْ ... فديتُكَ أَيُّها القَيْدُ
يا هندُ منذ طَرَقْتِني وأنا
طفلٌ ملاعبُ روحِهِ «نجدُ»
يا هندُ كيف عرفتِ أنَّ دمي
ظامٍ لنبضِ هواكِ يا هندُ؟
تُصغي الى شفتيكِ قافيةٌ
ما عاد ينسجُ بوحَها سَرْدُ (4)
هاتَفْتِني فَغَفَوتُ من خَدَرٍ
وأَفَقْتُ ظمآناً ولا وِرْدُ
صوتٌ يَزخُّ من الشذا مطراً
زانَ العَفافُ صداهُ ... والحمدُ
أوراقيَ الخرساءُ مُذ سمعتْ
منكِ اللحونَ وسطرُها يحدو
تَوَّجْتِني عرشَ المنى فأنا
مَلِكٌ ولكنْ في الهوى «عبدُ» (5)
**
عمري كرمل «سماوتي» عَصَفَتْ
ريحٌ به فَتَفَرَّقَ الحــَشْــدُ
ضُمّي إليكِ شتاتَ قافلتي...
طال الطريقُ وأشْبَكَ القَصْدُ (6)
يا هندُ واحتالتْ على مَطَري
بيدٌ إذا زُرِعَتْ فلا حَصْدُ
يا هندُ أعيادي مَحَنَّطَةٌ
فَصِلي لتغدو ظبيةً تعدو
أنا أمَّةٌ في الحزنِ لا نَفَرٌ
أمّا الهوى فأنا به الفَرْدُ
بحري بلا جَزْرِ ... وأَخْيلتي
كالبحرِ لكنْ كلُّها مـــَدُّ
إنْ تَصْدِقي وعداً فقد ضَحِكتْ
شمسي وَمَدَّ بساطَه الودُّ
**
يا هندُ إنَ غَرَّبْتُ فالوَجدُ
دامٍ ... وإنْ شَرَّقْتُ فالصَدُّ
أنا جُثَّةٌ تمشي على قدمٍ
أمّا الثيابُ فانها اللحدُ
بيني وبينك ألفُ مانعةٍ...
إنْ دُكَّ سدٌّ قامَ لي سَدُّ
فأنا الخريفُ وأنتِ حقلُ منىً
يلهو به اللبلابُ والرَّنْدُ
وأنا الجفافُ وأنتِ نهرُ نَدىً
وأنا الكفافُ وعيشُكِ الرَغْدُ
وأنا البكاءُ وأنتِ أُغنيةٌ
وأنا الكسيحُ وَمَشْيُكِ الوَخْدُ (7)
الدمعُ في كأسي يُخالطُهُ
طينٌ .. وأنتِ بكأسِكِ الشهدُ
أفكلـَّما أدنـو لداليــةٍ
تنأى القطوفُ ويقصرُ الزَّنْدُ؟
عَطَشُ المنافي شَلَّ أوردتي
فامطِرْ... كفاك البرق يا رَعْدُ
بعضُ الهوى يا هندُ عافيةٌ
للعاشقينَ ... وبعضُهُ وَأدُ
بردانُ ... ما للنارِ تُثْلِجني؟
أرأيتِ ناراً نَشْرُها البَرْدُ؟
 
وَيحي! أفي «الخمسين» تَصْرَعُني
رأْدٌ ويوهِنُ صخرتي رِئْدُ؟ُ؟(8)
أَوَلَسْتُ قد أَغْلَقْتُ نافذتي؟
أمْ قد تناسى عهدَهُ العهدُ؟
نَثَرَتْ عليَّ بخورَ ضحكتها
فاذا بحنجرةِ الهوى تشدو
فَرَشَ الفؤادُ لها منازله
فهيَ المليكُ وأضلعي الجندُ
نَسَجَتْ دمي ثوباً يُطَرِّزُهُ
كَفَني .. وَظَنَّتْ أنه وَرْدُ !
رَقَصَتْ حروفي وانتشى طربا
قلمي وساطَ مداديَ السّعْدُ
يا هندُ هل مَسٌّ تَلَبَّسَني
لمّا طَرَقتِ الجفنَ يا هندُ؟
ما للقِلادةِ تَسْتَفِزُّ فمي
فيشبُّ بين أضالعي الوَقدُ؟
أَيَغارُ من عِقدٍ تَوَهَّمَهُ
شَفَةً فَجُنَّ فمي فلا رُشْدُ؟
 
عندي لجيدِكِ إنْ أردْتِ له
حِلَلاً حلالاً دونَها الهِنْدُ: (9)
قُبَلٌ بلا إثمٍ تَنَظَّمَها
ثغرٌ به من خشيةٍ ردُّ (10)
زُهدي بِجاهِ التِبْرِ حَبَّبَ ليْ
طينَ الفراتِ أنا امرؤٌ زَهْدُ (11)
 
انتهى
 
الهوامش
 
(1) دارالغربتين: المقصود بهما غربة الوطن واللسان
(2) تأبّد: اصبح أبدياً
(3) الرفد: العطاء الكثير
(4) السرد: التتابع والانتظام
(5) عبد: من الاستعباد وليس التعبد
(6) أشبك: اختلط والتبس
(7) الوخد: المشي السريع (دلالة على الشباب)
(8) رأد : الشابة الحسناء. رِئد : الغصن الطري.
(9) الهند: القافلة من مائة ناقة فأكثر..
(10) ردّ : الحبسة في اللسان
(11) زُهد: بضم الزاي: العزوف عن الشيء
وزَهد بفتح الزاي: الأخذ بقدر الكفاية

مشاركة منتدى

  • الأستاذ الفاضل،
    القصيدة رائعة وكان لي تعقيب حول
    يسُر السؤال وأعسَر .. كون اولاهما دانت مبني للمجهول اما كان اولى لأخراهما ان تكون بذات الوزن؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى