الثلاثاء ٣٠ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم مروة كريديه

المشروع "الثقافي الخيري" الاميركي في الشرق الأوسط

لا أحد ينكر ما تواجهه الشعوب والمجتمعات والأفراد من سيل من الثقافات التي تُطرح عليها عبر وسائل شتى وبشكل دائم و مستمر , الأمر الذي يقف الحليم أمامه حيرانا .

فالإدارة الأمريكية تطالب الشعوب وبشكل ملح , بتجديد مناهج التعليم وهو طلب خطير فعلا , فهي تُدرك أن مناهج التعليم لا سيما مواد "التاريخ " و العلوم الدينية " , هي التي تؤسس الفكر عند الطلبة , لذلك فهي تربط وبشكل دائم بين , الكليات " الدينية " و"الإرهاب " , لأنها تعتقد أن هذه الكليات هي التي تؤسس للفكر المضاد لمشروعها...

ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في جهل هذه "الإدارة " للبنية الثقافية للمجتمعات الشرقية خصوصًا الإسلامية منها ...

وبالرغم من أنها تنفق الأموال الطائلة لإجراء دراسات اجتماعية واقتصادية لفهم البنية المجتمعية في المجتمعات الشرق أوسطية ،إلا أنها تجهل حقيقة هذه الشعوب فعلا , وهذا يظهر من تصريحات "زعمائها " بوضوح
فبنية هذه المجتمعات لا تُفهم إلا ممن عاشها بتفاصيلها , ومن يعيش ضمن هذه الشعوب ويفهم بنيتها الاجتماعية , سينخرط في تركيبتها وينقلب على "المشروع الأمريكي " حتما ...

لان الدراسات الحقيقية الجادة تتطلب وقتا طويلا في العيش وسط تلك الشعوب وبالتالي هذا الوقت كافي بأن يرى الباحث المنصف الجاد فشل مشروع "إدارته " في الشرق الأوسط

ولعل عملية " التجديد الثقافي" من الامور المطلوبة لنا كشعوب ولكن ليس على الطريقة "الامريكية " , فالتجديد من الأمور التي طالما حلمنا بها و لطالما دعت النخب الفكرية إليها , مع التنبه الى أمر هو أننا الآن غير مخييرين في التغيير أو عدمه لأننا أمام إعصار جارف يحمل في طياته الغث والثمين .

ولكن لو أمعنا النظر بما يُفرض على المجتمعات من ضغوط تُمارس لتغيير ثقافاتها و مفردات حضاراتها يجد أنها ستؤدي لا محالة إلى مزيد من الانغلاق على الذات عند تلك الشعوب والمجتمعات , وسيؤدي إلى إعادة إنتاج الاستبداد المجتمعي من جديد...

ذلك أن عملية التغيير الثقافي لا تكون إلا عبر رموز معرفية من الثقافة نفسها, ففي كل ثقافة هناك المنظومة القيمية الخاصّة بها,و لا يُكتب النجاح لأي تغيير إلا بالمرور عبرها.

فصحّة أي طرح فكري لا يكفي لأن يكون مقبولا في وسط اجتماعي معين, بل لا بد من الاعتماد على نقاط ارتكاز أساسية من ثقافة هذا المجتمع.

فكون الفكرة صحيحة لا يضمن لها النجاح في البيئة المجتمعية, إذ لا بد أن تطرح وُفق مفاهيم منظومة القيم التي يؤمن بها هذا المجتمع.

هذه المرتكزات هي من أهم العناصر الأساسية التي تُشكل عُنصر النجاح للطرح, فالشعوب حاليّا تعاني من عدم اطمئنان إلى أي من الطروحات الفكرية الغربية, فهي تُشكك في الطرح نفسه ولو كان صحيحا من جهة كما تُشكك في نوايا مصدره من جهة أخرى.

وبناء عليه أقول لاصحاب المشاريع "الثقافية الغربية ": إن الطروحات الفكرية التي تطرح اليوم على الشعوب - بغض النظر عن مضامينها- لا ولن تلقى قبولا فعليا, ولن تحدث تغييرا حقيقيا لسببين رئيسيين هما :

أولا : عدم مصداقية الجهة التي تطرح الأفكار عند هذه الشعوب و فالمجتمعات غير مطمئنة لهذه الجهات ولا لرسائلها الفكرية وغير الفكرية... فهذه الشعوب تشكك في أي طرح غربي

ثانيا : عدم ارتكاز الطروحات نفسها على الرموز المعرفية الخاصة بتلك المجتمعات, فالادارة "الامريكية " تفرض رموز ثقافتها على مجتمعات لا تجد في هذه الرموز ما تحب ... فكيف لي مثلا أن اطلب من مجتمع قبائلي فجأة ان يُجري انتخابات يشارك فيها الجميع...هذه المجتمعات لها بنيتها الفريدة والتدخل فيها من بعيد لا يجدي نفعا....

فالمرتكزات الثقافية والتراثية تشكل عنصر " اطمئنان " نحو المفهوم الجديد المطروح كون هذا المفهوم لم ينبع من سيرورة الصراعات والمخاض الداخلي للثقافة فهو بالتالي "غريب " عنها .

ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار وجود المخزون التراثي و الذي يحمل في طياته وجود تراث مضاد للتراث, فالثقافات غنية بالمعطيات التي تأخذ بعين الاعتبار تعايش ثقافة سائدة مسيطرة مع الثقافات المضادة
وتُعد الأيديولوجيّات والعقائد و ال"دوغما " هي أحد أهم المرتكزات التي تتشكل منها الرموز المعرفية سواءً كانت تلك المعرفة دينية أم حِكَميّة

ولو أمعنا النظر لوجدنا أن عملية التبادل الثقافي بين الشعوب والجماعات لا تتم إلا إذا وجدت ما يوافقها بشكل أو بآخر في حياة هذه الجماعة أو تلك. فالمثاقفة لا تكون إلا عبر مرتكزات تستند عليها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى