الثلاثاء ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
بقلم توفيق بن حنيش

حظّك اليوم

تناولت الورق الموضوع أمامها وخلطته بحركة تنم عن الحذق والبراعة ثم جعلت تقسمه على الطاولة ثم شرعت تقلب الأوراق الأخيرة..."هذه ورقة المال...الأمور مستقرة.وهذه ورقة الصحة...متاعب من جرّاء الحمية القاسية.وهذه ورقة الحبّ...علاقة حميمة في الطريق إليك."
أحست بوحع في معدتها فاتجهت مباشرة إلى خزانة الدّواء فتناولت منها حبة من المسكنات وعادت للجلوس إلى الطاولة وأمامها صحن فيه ملعقة من أدم وكسرة خبز لا يتجاوز حجمها الكفّ.أطالت النّظر إلى الوجبة الدّسمة ثمّ تناولت الحبة السحرية بيدها ووضعتها في فمها وابتلعتها بالماء فذهب الألم لوقته.وعادت إلى الورق تستنطقه.

"الوضع المالي مستقرّ ومطمئن. مزيدا من الحذر فصحتك في خطر ويفترض أن تنتبهي إلى مخاطر الحمية القاسية وأما الحياة العاطفية فأخبار سارة تصلك قريبا قريبا.وعلاقاتك في العمل تعرف فتورا وجفاء وهذا يؤثر على استعداداتك."

أحست برغبة ملحة في إجازة طويلة تنام فيها الليل والنهار وتغلق كلّ النوافذ وتسدل الستائر لتنقطع عن العالم والعمل والزملاء والناس والحياة ولتبحر في دهاليز الغيب.وتبكي وتنتحب.تمنت لو الدّهر كله ليل ونوم ولكنها تذكّرت أن شيئا جميلا يمكن أن يشرق في حياتها فطردت تلك الخواطر وتيقظت حواسها وتنبهت وجعلت نتتظر هذا الشيء الجميل الرائع الذي أخبر به الورق منذ قليل.

عادت إلى الورق فخلطته بعصبية ثم جعلت توزعه بالتوالي ثم لما أنهت التوزيع شرعت في قراءة الطالع."صحتك في خطر ولن تجدي معها المسكنات عليك بزيارة الطبيب. ولا مشكلة مالية تشغلك.وأما شؤون العاطفة فأخبارها السارة في طريقها إليك."ورفعت الورقة قبل الأخيرة وقرأت:"لا جديد في العلاقات الاجتماعية فالمكائد حولك تزداد وقد تؤزّمك." ثم رفعت الورقة الأخيرة ودققت النظر في الصورة ثم أعادتها ثم رفعتها وجعلت تتمتم بكلام غير مفهوم.ألمّ بها وجع شديد في مستوى البطن. وأحست بشيء يمزّق أحشاءها.حاولت أن تتجاهل الأمر بالعودة إلى الورق لتسائله لكن الألم كان قاسيا وحادا. وجعلت حركاتها تتشنّج وجعلت تتأوّه وتئنّ وتتوجع ولم تعد ترغب في المسكّنات التي كانت تتناولها. ومررت يدها بحركة عنيفة على الورق فتساقط على الزربية وشاءت الصدفة أو العناية أن تكون كل الأوراق مقلوبة عدا ورقة واحدة وقعت عليها عينها وهي في غمرة الألم وقرأتها رغما عنها ورغما عن الألم.قرأتها وأحسّت أن باب الغيب يفتح لها على مصراعيه.كانت العناوين تتوالى أما نظراتها الغائمة:"أخبار سارة في طريقها إليك.انتظري في الحبّ أياما سعيدة.نهاية المتاعب العاطفية "

لم يعد يشدها إلى هذا العالم شيء سوى هذه البشارة التي ساقها إليها الورق اليوم.تريد أن ترى هذه الألوان الوردية قبل أن تذهب في دهاليز الغيب. تحنّ إلى لمسة وكلمة ووردة وابتسامة وخفقة قلب ووو لكنّ الأشكال والأوراق تمحي من أمامها بسرعة لم تكن تتوقعها.
فتح أمامها الباب الكبير وقيل لها ادخلي فتذكرت أنها تريد مجرّد ذكرى ترافقها لجزء من الثانية وهي تعبر المسارب والدوائر التي لا تنتهي.كانت تفتح عينيها بصعوبة وهي تغالب الألم المقيم وحاولت النظر إلى الساعة فرأتها بلا عقارب.ورأت ميناءها بلا أرقام وبلا علامات ورأت الجدار يقبل نحوها ورأت الأرائك تضمها وشعرت بالزرابي تقهقه ورأته يدفع الباب الباكي وهو يحمل باقة زهور ورأته يلقي بالورود على ظلال لا تثبت وناس من المهنئين. ففكرت في ترك دمعها ليبكي على ذكرى إنسان لا "ينصرف".

نهضت مترنّحة وتناولت قلما وكتبت على ورقة من الورق:"مالي وما أملك لجمعية الرفق بالحيوان..."ثم تحاملت على وجعها وقامت لتفتح الباب فإذا الريح تدفعه في وجهها. لم يكن ثَمَّ من أحد في الخارج. لذلك فضّلت أن تخلد إلى النوم لعلّ النوم يخفف من غذاباتها. نامت على أبواب الدّهاليز.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى