الاثنين ٣٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
بقلم مكرم رشيد الطالباني

الشاعر

قال الشاعر: إني الآن لا أملك شيئاً
لا منزلاً
ولا شقة
ولا مزرعة
ولا عربة حديثة الطراز
ولا قطعة أرض
ولا موضع قبرٍ
ولا رصيد في البنوك
لا أملك
سوى يراعي
وأوراق بيضاء
وكون من الكلمات
أطرز بها همومي
وأزين بها دموعي
وأحزاني
غير مبالٍ
بما تؤول إليها الأقوال
قال الشاعر
الرجاء لا تزعجوني بعد مماتي
ولا تزوروا عائلتي
ولا تقدموا لها العزاء
ولا تبنوا لها قصراً فخماً
ولا تخصصوا لها راتباً تقاعدياً
ولا تعينوا أبنائي وبناتي
في وظائف هامة
ولا ترسلوهم إلى بلاد بعيدة
سعياً للدراسة
أو الإستجمام
أو مهام رسمية
قال الشاعر
الرجاء لا تزعجوني بعد مماتي
لا تتعبوا أنفسكم
في إقامة أربعينية كاذبة
وتقديم كلمات الإشادة المجانية
وسيل من الوعود الفارغة
ولا تقيموا لي تمثالاً من البرونز
أو تقيموا حفل تأبيني سنوي
ولا تطبعوا دواويني
وقصائدي
ونتاجاتي
ولا تجعموا ما نشر منها
في الصحف والمجلات
ولا تقيموا ندوات
أو أماسي عني وعن أشعاري
وخفايا أسراري
ولا تطلقوا إسمي على شوارع
أو مدارس
أو مراكز للثقافة
أو العلوم
أو الفنون
أو التراث
فقد مللت في حياتي
ولم يسأل أحد عني
ولم يساعدني أحد
فيما كنتُ أعانيه
فتحملت شدة الحرّ
وبرودة القرّ
وضيم العيش
ومتُّ من القهر
مكسور الظهر!!
قال الشاعر
رجاء أثبتوا بعد الآن
إنكم لستم قوماً
تقدرون الموتى
وتهملون الأحياء
حتى يموتوا
لتقيموا لهم حفلات التأبين
وذكرى الرحيل
فالأحياء أولى بذلك
وليس من ماتوا
عقب نهار دامسٍ
وليل أسودٍ طويل!!!

2 ـ خونة

بيننا خونة
يتجاذبون الحديث معنا
يتناولون الفطور والغذاء معنا
يبتسمون في وجوهنا
يشاركوننا الضحك
يحضرون مسراتنا
ويحزنون حين يداهمنا الأحزان
يبحرون معنا
حتى آخر الموانيء
ويشربون من مياه ينابيعنا
حد الإرتواء
ويستظلون أفياء أشجار البلوط
ويتسامرون في أماسي الربيع
ويتسلقون جبال وعينا
ويمتطون صهوة أحصنة أفكارنا
يتقاسمون عيشنا صيفاً وشتاءً
وينهلون من خيراتنا
يتظاهرون أنهم أخوةٌ لنا
وأنهم سندٌ لنا
وأنهم حامي الحمى
وأنهم حماة الدار
وأنهم لا يقر لهم قرار
حين تداهمنا الشدائد
والنكد والأحزان
غير أنهم يتجسسون علينا
وعلى أفكارنا
وتعابيرنا
وأفراحنا
ويعدون تنهداتنا
وأنفاسنا
وكافة حركاتنا
ويراقبون ضحكاتنا ومرح أطفالنا
وغناء شبابنا
وبشاشة شيوخنا
ونشاط نسائنا
إنهم خونة
لديهم أسيادهم
يرفعون لهم تقارير مزركشة
عن نعاجنا
وخيولنا
وأغنامنا
وخططنا المستقبلية
والطرق التي سنعبدها
والجسور التي سنشيدها
والقلاع التي سنبنيها
والرايات التي سنرفعها
والمدن التي سنعمّرها
والآبار التي سنحفرها
والأنفاق التي سنقيمها
والحدود التي سنرسمها
والخطط التي سنصيغها
والعقول التي سنسورها
ويتقاضون عن تقاريرهم
أثماناً بخسة
ينعتون بها أبداً
إنهم خونة
يعيشون بيننا
ويقتاتون على أرزاقنا
ويرتوون من مياهنا
وأنهارنا
ويسلكون دروبنا وطرقنا
ويتسكعون في شوارع مدننا
ويتدفأون من شمسنا
ويسترشدون من أنوار قمرنا
وهم يديرون ظهورهم لنا
ووجوههم نحو اسيادهم
يتسلمون ثمن خيانتهم
للأرض والتراب
إنهم خونة
يعيثون فساداً في الأرض
ولن يفيدهم شرع ولا عِرض!!
إنهم خونة
يخونون تاريخنا
يخونون أرضنا
يخونون ترابنا
يخونون جبالنا
يخونون أنهارنا
وأمجادنا
لن تثنيهم الخيانة
أن يندموا
أن يعودوا
أن يعقلوا
فهي متجذرة في أعماقهم
وكريات دمائهم
لن تفيدهم الندم
مصيرهم الخزي والعار
ومزبلة التاريخ!!!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى