الاثنين ٢٧ شباط (فبراير) ٢٠١٧
بقلم مهند النابلسي

يوتوبيا مستقبلية «متشائمة» لرومانس جارف!

في المستقبل «القريب- البعيد» حينما يتم التخلص من معظم الأمراض السارية والمستعصية، حيث يبدو وكأن الجميع يعيش بأمن وسلام وروتين حياتي ممل وبالحد الأدنى من العواطف البشرية ظاهريا، وبالعمق فهو مجتمع بوليسي صارم "محكم الرقابة" تنقل فيه أية تصرفات مشبوهة للسلطات العليا المستبدة(كرواية ويلز: عالم جديد شجاع)...ولكن عندما يظهر مرض جديد غامض يدعى "التناظر التفاعلي"(سويتش اون سيندروم)، يتغير كل شيء بالنسبة لسيلاس (هولت)، وخاصة عندما يكتشف بالصدفة أن العدوى قد انتقلت اليه، وأنه في المراحل الاولى للمرض، فنراه يميل اكثر للوحدة والعزلة، ثم ينجذب تلقائيا لزميلته الكاتبة نيا (ستيوارت)، التي تحاول اخفاء اصابتها أيضا...وتتطور علاقتهما السرية/الرومانسية بشكل تدريجي بطىء، وتتهدد علاقتهما الحميمة بعد اكتشاف علاج ومصل جديد لمعالجة المرض"الخطير" الجديد... وتجنبا لكشف امرهما، وبمساعدة مواطنين مصابين (يسمون المبعدين) يتم وضع خطة محكمة لهربهما، ويصبح الأمر خطيرا عندما يكتشف حمل "نيا" واعتقالها لاحقا، ولكن اصرارهما يحقق لهما هروبا ناجحا لأرض بعيدة قاحلة، وبالرغم من تناول سيلاس للمصل الا ان مشاعره الجامحة تجاه زميلته لا تتغير...علما بأن تناول المصل الفعال يؤدي تلقائيا للقضاء على العواطف!

انتج فيلم الخيال العلمي الرومانسي هذا بالعام 2015، وكتب قصته واخرجه "دريك دورموس"، كما ساهم المخرج الشهير ريدلي سكوت بانتاجه...قام بالأدوار الرئيسة "نيكولاس هولت وكريستين ستيوارت"، ولعب "جاي بيرس وجاكي ويفر" ادوارا مساندة هامة (بأدوار جوناس وبيس من فئة المصابين المبعدين المتعاطفين)، وتم افتتاح الفيلم بمهرجاني "تورنتو وفينيس" العالميين، وتم اطلاقه تجاريا في العام 2016، وابتدأ التصوير بالعام 2014 في كل من اليابان وسنغافورة.

تكشف بداية الفيلم الغامضة بايحاء ذكي غير مباشر، بأن عالم "نيا وسيلاس" القائم حاليا قد انحصر بوجود محدود لبشر قليلين متخصصين، حيث بدا وكأن معظم السكان الآخرين قد فقدوا حياتهم بحرب جحيمية مدمرة، وبأن المتبقين يعيشون في مركز ابحاث متقدم بالقرب من انقاض مدينة، حيث تعمل نيا ككاتبة في شركة خاصة لتقييم الرحلات الفضائية البعيدة، فيما يعمل سيلاس كمقدم محترف للبرامج الفضائية، كل العاملين بمركز الأبحاث هذا يتماثلون ظاهريا بلبس بدل بيضاء ويتناولون نفس الوجبات ويتحركون بايقاع هادىء رتيب، مع وجود ديكورات فارهة ونوافذ عريضة ومساحات مفتوحة، كما تتحرك الأرضيات والغرف تجاوبا مع الأوامر الايمائية التخاطرية مع كم كبير من البيانات المضيئة والمتدفقة على شاشات حواسيب ضخمة.

أبدعت "كريستين ستيوارت" وكذلك "نيكولاس هولت" باظهار انجذابهما الجارف لبعضهما البعض، وظهر الحب هنا مجسما كاعصار جامح تصعب مقاومته، واندمجت علاقتهما الرومانسية لتتحول الى اندماج "عاطفي-جنسي" فريد بلا اثارة مشهدية واباحية مخلة بالسياق الرومانسي للحب المتدفق بينهما، وبالرغم من وجودهما في مستقبل "خال من العواطف"، فاننا نرى كفاحهما المثابر والعنيد لفهم سبب انجذابهما الهائل لبعضهما البعض بهذا الشكل "الرومانسي الاخاذ"..("لماذا نذهب بعيدا لفهم سبب وجودنا والأمر يكمن بداخلنا" تقول البطلة لرفيقها بدهشة بعد انتهاء الاعصار)! "البطء والغموض والانجذاب والرومانس الهادىء والملاحقة البوليسية" هي العناصر التي تحرك السيناريو التصاعدي بهذا الشريط الحافل بالأفكار واللمسات المدهشة ، وربما قصد المخرج بناء أجواء صامتة تحفل بالروتين والترقب والرغبات المكبوتة والغموض، ورصدت كاميرا ذكية التفاصيل والحركات والسكنات والعيون والشفاه والأيدي بواسطة لقطات "كلوزآب" متتالية طويلة وقصيرة وباسلوب تصوير فريد وجميل، يضع المشاهد في الأجواء الساحرة لتطور الأحداث، وهناك مشهد دال يتمثل بمرور البطلين بمحاذاة بعضهما أثناء تنقلهما بالعمل، حيث كادت أيديهما أن تتلامس دون أن يحدث ذلك، كمؤشر على طاقة الحب الجامحة التي تتفاعل بينهما بصمت!

الفيلم يكشف الطبيعة القاهرة لمجتمع استبدادي يبدو "مسالما ومنضبطا" ظاهريا ولكنه "مرعب وكابوسي" في حقيقة الأمر...حيث يشحن الأشخاص المعارضين والمناوئين لمنطقة معزولة تدعى "دن"، ويشجعون هناك على هدر حياتهم والانتحار كما لاحظنا بمنتصف الشريط!
الفيلم متشائم ويتحدث عن عالم انساني مستقبلي لا مكان فيه للعواطف البشرية، ويمارس فيه القمع بصمت وصرامة ومثابرة، وحيث الكل يراقب الكل بكل السبل المتاحة، كما أنه يفتقد لرؤيا جديدة متفائلة للمستقبل الانساني، وقد لعبت فيه الموسيقى التصويرية دورا استثنائيا آخاذا جاذبا وبدت وكأنها قادمة من عالم "فضائي- مستقبلي" بعيد، بحيث أني لم ارغب بمغادرة العرض بعد الانتهاء وانجذبت مسحورا لنغماتها الفريدة المتدفقة!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى