الاثنين ٨ أيار (مايو) ٢٠١٧

رواية «قلبي هناك» في ندوة اليوم السابع

رنا القنبر

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني رواية "قلبي هناك" للكاتب المقدسي مهند الصباح، صدرت الرواية عن دار الجندي للنشر والتّوزيع في القدس، وتقع في 218 صفحة من الحجم المتوسّط.

بدأ النقاش ديمة جمعة السمان فقالت:

قلب الروائي مهند الصباح لا زال هناك

رواية فتحت جروح الماضي وأحيت فينا مشاعر "النكبة" من جديد "قلبي هناك" رواية مهند الصباح أهداها الكاتب إلى قلبه النابض بها، إلى من كانت سببا ليكون قلبه هناك، إلى قريته التي هجر منها جده، إلى قرية قالونيا.

يستطيع القارىء أن يقرأ ما أخفاه الكاتب بين السطور، فالاهداء لم يقتصر على قالونيا، بل شمل كل قرية أو بلدة لا زالت تسكن في قلوب مهجريها، حيث انتهت مصائرهم في إحدى مخيمات اللاجئين، تاركين ذكرياتهم وراءهم تشهد أنهم كانوا هناك. حياة خشنة عاشوها في مخيمات اللجوء التي تكرمت وجادت عليهم بها وكالة الغوث. لوحة رسمها الكاتب بإتقان، تصور لنا قسوة الحياة في المخيمات، وبيئتها غير الصحية، والحياة الاجتماعية التي تحرمه من خصوصيته، حيث عاشها اللاجىء مكرها.

هي مخيمات وما أدراك ما المخيمات! تمضي الأيام، وتتحول الخيام المعهودة إلى اسمنتية، يتغير شكلها الهندسي الهرمي المألوف أيضا، ولكن وضع اللاجىء ونفسيته وظروفه تأبى أن تتغير. يكبر الأولاد في "تغريبتهم" ويدركون الأمور من حولهم على حقيقتها. يكبر الطفل ابراهيم، يلتحق بالجامعة ويتخرج منها وصديق الطفولة محمود، وكأي شاب مفعم بالحياة، كان يظن أن الدنيا ستفتح أبوابها له فور تخرجه، وإذا به يصطدم بواقع البطالة التي تلاحق الشباب، وتقتل أحلامهم. وبعد سنتين من عذابات البطالة يتعثر محمود في إحدى برامج المؤسسات النرويجية غير الحكومية التطبيعية (إن. جي. اوز). وما شجعه أن المنحة مدفوعة كاملة لمدة سنتين، بشرط العودة الى البلاد، مع ضمان العمل بعد العودة. وبما أن هناك فرصة لاثنين، يقوم محمود بإقناع إبراهيم التقديم للمنحة؛ ليكون رفيقه في السفر، خاصة وأن ابراهيم كان قد تعرض لصدمة عاطفية أوصلته مرحلة الياس، فقد تزوجت حبيبته من آخر بعد فشله في إيجاد عمل، مما منعه من التقدم لطلب يدها، فضاعت منه فرصة الزواج من سلمى. ولم يكن قبول ابراهيم للمنحة سوى نوع من الهروب من واقع مرير. لقد أجاد الكاتب التطرق لهذه القضية التي تواجه شبابنا، وتدفعهم الى الهجرة خارج البلاد بحثا عن فرصة عمل.

أصابع اليد ليست واحدة، وهكذا هم الشباب المهاجرون أيضا، فمنهم من يلتزم بدينه وخلقه وعاداته وتقاليده في بلاد الغربة، ومنهم من يخلعها على باب الطائرة إلى حين عودته إلى البلاد؛ ليلتم الشمل من جديد، تماما كمحمود الذي سمح لنفسه أن ينجرف خلف الشّهوات والملذّات في النرويج. أمّا ابراهيم فقد كان ملتزما، وتقيّد بنصائح الجد الصديق الصدوق الحكيم، على الرغم من المغريات التي أوقعت العديد من ضعاف النفوس من الشباب في براثنها، الا أن تمسك ابراهيم بالثوابت التي نشأ عليها جعله يرد شتى المغريات خائبة، مع ضرورة الاشارة أن الفضل الأكبر كان لجده وعلاقته المتميزة معه، فقد كان صديقا قريبا مخلصا لحفيده مثّل عنده الضمير. كم أعجبتني علاقة الحفيد بالجد، أتقن الكاتب وصفها، وأظهر أهميتها، فللجد والجدة دور كبير في حياة الحفيد، قد يؤثر به أكثر من أبويه، وهذا ما كان.
ويعود الصديقان إلى البلاد ليكتشفا أن العمل الذي حصلا عليه بعد حصولهما على المنحة ما هو سوى محاولة لترويضهما؛ ليقبلا الذل والهوان، وليغضا البصر عن الانتهاكات الاسرائيلية بحق أبناء جلدتهم باسم الحضارة والديمقراطية. فتغلب الضمير الوطني الانساني، وتركا العمل غير نادمين. فعاد محمود وزوجته النرويجية إنغريد إلى النرويج× ليبحثا عن عمل يناسبهما. وبقي ابراهيم وزوجته صوفيا (وهي من أصول عربية ومن أم نرويجية) في القدس يديران مؤسسة تعنى بحقوق الانسان، ليعملا على إحياء الذاكرة الوطنية الفلسطينية، ينظمان رحلات إلى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948. كل يروي قصة تهجيره من بلدته تاركا بيتا يحتضن ذكرياته وذكريات أسرته، ويعود العلم الفلسطيني يرفرف هناك عاليا حرا طليقا. وإذا بعين المحتل ترقب من بعيد، فوقفوا له بالمرصاد، اعتقلوا وهددوا وحاولوا إيقاف برنامج ابراهيم الوطني بشتى الوسائل، فلم ينجحوا، بل زاده ذلك إصرارا على المضي في طريقه.

وتتدخل عاطفة الأبوة محاولة منع ابراهيم من الاستمرار بالرحلات، التي قد ترمي به في غياهب سجون الاحتلال، فهدد الأب وتوعد محاولا استخدام سطوته وسيطرته كأب شرقي، إلا أن إصرار ابراهيم انتصر.

رواية عدلت البوصلة، وكشفت عن أصالة الفلسطيني، وكشفت عن مؤامرات يخطط لها الغرب تحمل عنوان الديمقراطية وحقوق الانسان، برامج تقود الفلسطيني بنعومة إلى التقيد بنص كتبه الأوروبي بذكاء؛ ليخدم مصالحه ومصالح الاحتلال يحمل شعار الديمقراطية، وهو براء منها ومن مفهوم الانسانية التي يتغنى بها الغرب، ويتصف فيها زورا وبهتانا.

وقال جميل السلحوت:

الكاتب الصباح في أواخر الثّلاثينات من عمره، ولد ويعيش في جبل الزيتون، وتعود جذوره إلى قرية قالونيا إحدى قرى القدس المهجّرة، عرفناه عندما تردّد منذ حوالي عام على أمسيات ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، وهو شابّ هادئ، قليل الكلام.

مضمون الرّواية: تتحدّث الرّواية عن شابّين "ابراهيم ومحمود" فلسطينيّين لاجئين، درسا علم الاجتماع في جامعة بير زيت، وأكملا دراستهما لحقوق الانسان في أحد المعاهد النّرويجيّة، ثمّ عادا إلى القدس.

وقد أسهبت الرّواية في الحديث عن حياة الشّابّين في النّرويج، فمحمود كان شابّا منفتحا، انخرط في الحياة النّرويجيّة، فاحتسى الخمور وعاشر النّساء، في حين بقي ابراهيم محافظا، مع أنّه عشق فتاة "صوفيا" والدها عربيّ وأمّها نرويجيّة، وأحبّها حبّا عذريّا القصد منه كان الزّواج، فلحقت به بعد عودته، وتزوّجا هنا في القدس، بعد أن رفضت الزّواج منه في النّرويج، بينما يتزوّج صديقه محمود الفتاة النّرويجيّة "أنغريد". والقارئ للرّواية سيلاحظ اختلاف الثّقافات وما يصاحبه من اختلافات في الحياة اليوميّة في المقارنة بين الحياة في النرويج والحياة في فلسطين المحتلّة.

بعد عودة الشّابّين إلى القدس يعملان في مركز لحقوق الانسان يتبع النّرويج، فينتبهان إلى أهداف المنظّمات غير الحكوميّة العاملة في مجال حقوق الانسان، وبين فهم الفلسطينيّ الذي يعاني من ويلات الاحتلال لحقوقه كإنسان، ممّا دفعهما لترك العمل فيها.

والجزء الأخير من الرّواية مخصّص لزيارة مجموعات من اللاجئين الفلسطينيّين لقراهم المهجّرة المحيطة بالقدس من الجهة الغربيّة مثل:"الجورة، عين كارم، دير ياسن، المالحة، لفتا: قالونيا، اصطاف وغيرها."

البناء الرّوائي: استطاع الكاتب بناء روايته بطريقة منطقيّة، فربط عشرات القصص والحكايات بخيط شفيف، وبقي مسيطرا عليها حتّى النّهاية، وبسرده الانسيابيّ ظهر عنصر التّشويق جليّا، بحيث يجذب القارئ لمتابعة الرّواية من بدايتها حتّى نهايتها دون كلل أو ملل. وحبّذا لو أنّ الكاتب استغنى عن المقدّمة التي كتبها للرّواية، فلا مبرّر لوجود هذه المقدّمة.

اللغة: لغة الكاتب انسيابيّة فصيحة جميلة، وشابتها بعض الأخطاء اللغويّة والمطبعيّة.

ويلاحظ أنّ الموضوع الذي طرقه الكاتب، يكاد يكون غير مسبوق في الحديث عن حياة اللاجئين الفلسطينيّين الذين شُرّدوا من ديارهم في نكبة الشّعب الفلسطيني في العام 1948، ومدى حنينهم إلى ديارهم، ويصف مشاعرهم الدّافقة وهم يرون ديارهم، التي هجّروا منها.

وهذه الرّواية تنبئ بأنّ كاتبها سيكون له شأن في عالم الرّواية، كما أنّها تشكّل إضافة نوعيّة شكلا ومضمونا للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة.

وقالت نزهة أبو غوش:

الصّراع في رواية "قلبي هناك"

في رواية "قلبي هناك" نلمح مدى الصّراع الّذي يعيشه الشّابّ الفلسطيني الّذي هجّر عن أرضه ووطنه، علمًا بأنّ مهنّد الصبّاح من بلدة قالونيا المتاخمة لمدينة القدس والمهجّرة عام 1948.

عاش ابراهيم الرّاوي بطل الرّواية حياة صراع مع الحياة والأحداث منذ نعومة أظفاره.
صراع الأسئلة مع الاجابات عليها. هو يسأل عن حياته في مخيّم، عن الأرض، عن ترك الأرض الكنز الّتي يتحدّث عنها الجدّ في كلّ مناسبة؛ لكنّ الاجابات لم تكن لتقنع طفلا يعيش حياة البؤس في مخيّم انعدمت فيه كلّ وسائل الحياة المحترمة.

الصّراع القائم داخل المجتمع الفلسطينيّ، صراع الطّبقيّة الّذي خلق فجوة عميقة داخل نفسيّة ابراهيم وصديقه محمود في نفس المخيّم.

نتيجة لمفهوم الطّبقيّة، فقد محمود محبوبته سلمى، الّتي فضّلت آخر عليه من طبقة تؤهّلها لحياة مادّيّة أفضل.

انفصال سلمى، محبوبة ابراهيم عنه، خلقت في داخله صراعا مريرا وتساؤلات تشير لوقوع السّبب على شخصيّته الضّعيفة، ربّما؛ لأنّها كانت تلومه دائما لعدم انخراطه في أيّ من الأُطر النّضاليّة. كان صراعه مع نفسه في هذه المرحلة من أصعب الصّراعات، رغم أنّه ينحاز فكريّا إِلى سياسة القوّة والارادة؛ من أجل أن ينال الفلسطيني حقّه.

عمل محمود، صّديق ابراهيم على ملء الفجوة الطّبقيّة من خلال سفره إِلى النّرويج، وحاول اقناع صديقه ابراهيم بالرّحيل معه؛ من أجل تكملة دراستة لحقوق الانسان.

عاش ابراهيم فترة من الصّراع، ما بين تركه الوطن، أو البقاء فيه دون عمل أو أمل للتّقدّم؛ حتّى قرّر أخيرا الرّحيل بعد الضّغط الّذي تعرّض له من قبل صديقه.

بيّن لنا الكاتب مهنّد صّباح صورة الصّراع الّتي يحياها الشّاب هنا في فلسطين. مرحلة بناء الذّات كانت هي الأصعب. كسب لقمة العيش بكرامة، وعدم إتاحة الوسائل والفرص لها، خلقت في نفسيّة الشّاب صراعا رهيبا توجّب عليه أن يقرّر الخروج للبحث عنها خارج الوطن بعيدا عن الأهل والأرض.

الصراع مع الغربة عاشه الصّديقان ابراهيم ومحمود.

بحث محمود عن فتاة نرويجيّة وعاش معها؛ من أجل ارضاء غرائزه، كانت صديقته بمثابة المسكّن، كما يقول." انغريد هي مسكّن آلامي الّذي لا ينسى" ص 91. هنا نرى في تعبير الكاتب مهنّد، كم هو صعب ذلك الضّياع الّذي يعيشه الشّابّ الفلسطيني في الغربة! هو يتأرجح ما بين قيم ومعايير اجتماعيّة موروثة؛ وبين حياة حرّة طليقة من هذه القيود المرهقة لأفكاره وغرائزه.

ربّما استطاع ابراهيم الثّبات والسّيطرة وعدم التّأرجح ما بين الحضارتين، حيث أحبّ بصدق صوفيا، فتاة من أصل عربيّ لأمّ نرويجيّة، أخلص لها وتزوّجها وعاش معها بين أهله؛ لكنّه ظلّ يعيش صراعًا اجتماعيا وثقافيّا ما بين " نحن، وهم" حيث المقارنات الّتي كان يعقدها في خياله ما بين الحضارتين خلال احتكاكه المعيشي في النرويج.

صراع المغترب الفلسطيني في توصيل رسالته، بينما يقف بالمقابل آخر من الدّولة اليهوديّة. هل يقف له بالمرصاد، أم يتعامل بحنكة ودبلوماسيّة – كما فعل محمود- من أجل كسب مواقف الآخرين وفضحهم أمام مواقف المؤيدين لهم؟

ظلّ ابراهيم يعيش هذا الصّراع ولم يتوصّل لقرار.

الصّراع الّذي ما زال قائما بين أن يعيش الانسان الفلسطيني في مخيّم على أثر نكبة، ويعاني ضيق العيش والحرمان في وطنه؛ وبين أن يعيش طليقا بظروف توفّر له العيش بكرامة، غريبا عن الوطن الأُمّ؟

أثناء التّجوال في البلدات المهجّرة المتاخمة لمدينة القدس، منها بلدة قالونيا، وعين كارم والقسطل؛ يتحدّث الرّاوي وكأنّ الزّائرين، أصحاب هذه القرى، وكأنّما "يحملون أشلاء ماضيهم" ص 164. " هم الآن في اغتراب زماني: زمن معاش وزمن آخر مفترض"ص164. وهل هناك أصعب من هذا الصّراع والاغتراب للإنسان الفلسطيني؟

تحدث المفارقة عندما يحاول منظمو الرّحلات للقرى المهجّرة، وهم من أعضاء جمعيّة حقوق الانسان: ابراهيم ومحمود وزوجاتهم؛ حين يقابلون بمعاملة مخالفة لحقوق الانسان على أرضه، حيث يمنع من الصّلاة في مسجد القرية القديم في بلدة عين كارم، ويؤخذ ابراهيم للتّحقيق؛ بتهمة إثارة الفوضى والازعاج في البلدة.

يمكننا القول بأنّ الكاتب صبّاح تمكّن من عرض الأحداث بأسلوب مشوّق وبلغة سلسة متينة، تحمل في ثناياها الواقعيّة التّاريخيّة المطعّمة بأُسلوب روائي؛ كما تمكّن من إيصال رسالته الّتي تعبّر عن صراع الشّاب الفلسطيني على أرضه.

وقال عبدالله دعيس:

ينتصر مهنّد صبّاح في روايته (قلبي هناك) للحبّ، فتنتهي كل حكاية عشق بخاتمة جميلة، ببيت زوجية يجمع الحبيبين، وينتصر للآجئيين فيعيدهم إلى قراهم، ولو لزيارة قصيرة يتفّيؤون أشجارها التي تتوق لدفء أنفاسهم، ويستنشقون عبق ترابها الذي لطالما حنّوا إليه وحملوا حبّه بين أضلعهم.

"قلبي هناك" تقصّ حكايات عشق: أولها، حبّ الفلسطينيّ لوطنه، وارتباطه به مهما تقاذفته دروب الهجرة والإبعاد، ثمّ عشق الفلسطينيّ، الإنسان، للمرأة وإخلاصه لها، حتّى لو كانت من غير أرضه وعلى غير دينه. فما يجمع أطراف الرواية هو الحبّ، وليس الحقد والكره، مع أنّها تتناول موضوع اقتلاع الفلسطينيّين من أرضهم وتشتيتهم في مخيمات اللجوء. لكنّ الكاتب يتناول هذا الموضوع من جانب آخر مختلف، فيجعل هؤلاء اللاجئين محبّين، يخرجون دائما من حالة اليأس والإحباط، وانسداد أفق العيش الكريم، إلى بحبوحة من الحبّ والحياة الكريمة، وإن كانت منقوصة بعيدا عن الوطن، فيبقى القلب هناك، مدفونا في قالونيا، ودير ياسين والقسطل ولفتا منتظرا عودة ميمونة بإذن الله.

رواية (قلبي هناك) هي إضافة جديدة إلى أدب النكبة، وقضيّة اللاجئين الفلسطينيّين، وهي جهد يضاف إلى ما كُتب في هذا الموضوع. ومهما كُتب عن النّكبة الفلسطينيّة وعن حياة الفلسطينيّين في الشتات، فلن توفى حقّها؛ فلكل فلسطينيّ هُجّر من أرضه حكايات وذكريات، أهمها حكاية العشق لتراب قريته، الذي تكدّس في قلبه، وانتقل مع تراث القرية وعاداتها وتميّزها وتفرّدها، إليه عبر آلاف من السنين قضاها الفلسطينيّون متّحدين مع هذه الأرض، فلو اقتلع الفلسطينيّ من أرضه، ولو سوّيت مباني القرية بالأرض، ستبقى كلّ ذرة تراب فيها تحكي قصّة، وسيبقى كلّ فرد منها يحملها في قلبه، فتراث آلاف السنين لا يمكن أن يتبدّد في لحظات اللجوء.

وتتميز هذا الرواية، أنّها تناولت موضوع لاجئي قرى القدس الذين يعيشون في مدينة القدس نفسها، فوضعهم فريد، فهم لم يبتعدوا كثيرا عن أرضهم ولكنّهم لا يستطيعون العودة إليها إلا زائرين مراقَبين من شرطة الاحتلال. وهم أيضا يعيشون في مدينتهم التي يحبونها، كما كلّ عربي ومسلم، ومع ذلك يتوقون إلى قراهم وتتعلق قلوبهم بها؛ فليس هناك ما يغني عن الوطن، والتوطين خيار غير مطروح حتّى ولو كان في مدينة القدس. وتتميز الرواية أيضا أنها تدخل في النسيج الاجتماعي لأبناء المخيّم، الذين أصبحت تجمعهم حياة اللجوء، مع أنهم من قرى مختلفة، وكذلك لحياة الأسرة اللاجئة داخل المدينة، وتكيّفها للحياة فيها مع ارتباطها الوثيق بقريتها الأمّ.

وتعرض الرواية أيضا مشكلة الشباب الذين يتخرّجون من الجامعات ولا يجدون فرص العمل، إلا كأجراء عند العدو، أو يضطرّون للهجرة بحثا عن فرصة عيش بعيدا عن الوطن، فتصبح غربتهم غربتين وألمهم ألمين. وتتناول الرواية أيضا خداع المؤسّسات الأجنبيّة، التي تسوّق نفسها كمدافعة عن حقوق الإنسان ونصرة الشعب الفلسطينيّ، وانحيازها التام للاحتلال، وتبرير أفعاله المنافية لحق الإنسان بالعيش الكريم.

وتنتهي الرواية بعودة اللاجئين الذين يعيشون في القدس لزيارة قراهم ليوم واحد. وتبدو صورتهم هناك وكأنهم هم الأصل والعدو الذي استوطن الأرض وزرع فيها عماراته وشوارعه غريب طارئ، يعلم في قرارة قلبه أنّه مغتصب، ويخشى حتّى من زيارة عابرة لصاحب الأرض لأرضه؛ فهو يرى سمرة الأرض في بدن صاحبها، وهواءها في أنفاسه، وينظر إلى نفسه فيراها غريبة لا تنتمي إلى هذه البلاد، فيثور ليبعد هذا اللاجئ الضعيف عن أرضه، وليمنح نفسه برهة أخرى من الاستيطان عليها، موقنا أنّه زائل، وأنّ هؤلاء الذين يستقلّون الحافلات ويغسلون وجوهم من عيون الماء في لفتا وصطاف، لا بدّ أنهم عائدون إليها ولو بعد حين.

وكتبت رفيقة عثمان:

تصنّف رواية قلبي هناك، ضمن الروايات الواقعيّة، ويمكن تقسيمها على نصفين، النصف الأوّل من الرواية، اهتم في عرض على ما يبدو سيرة ذاتيّة للكاتب، ومن ثمَّ تدرّج نحو كتابة إحياء الذاكرة الفلسطينيَّة للمكان، والإنسان، والزمان،

اختار الكاتب الكتابة النبش عن الذاكرة الفلسطينيّة، من خلال إجراء الجولات المنظَّمة إلى القرى المُدمّرة والمُهجّرة، منذ عام 1948، وعام 1967. في غربي القدس؛ وكان البطل إبراهيم هو المرشد لهذه الجولات.

لم يكن اختيار الكاتب عفويّا لهذه المناطق، خاصّةً قرية قالونيا، ولفتا، والقسطل، وغيرها من القرى المحيطة. نجح الكاتب في تسجيل بعض الأحداث والوقائع، والوصف لأحوال القرى التي قام بزيارتها، مع زائرين آخرين، بأعمار مختلفة، ومنهم من كان من المُهجّرين،
حاز المكان على حيِّز كبير في نصوص الرواية، حيث كان للمكان حضور واضح، وهام في الرواية، بذكر كل أسماء القرى، والآثار القديمة، وكذلك حضور الزمان، "الزمنكيَّة."

استخدم الكاتب أسلوب السرد السلس لدور البطل بالتحدّث بضمير (الأنا)، مما أضفى مصداقيّة، وتماهيا مع شخصيّة البطل، وأتاح الفرصة؛ لإجراء أسلوب الحوار الذاتي (المونولوج)، بطريقة متكرّرة في نصوص الرواية. كما ورد صفحة 166، 168-170. هذا يُحسب لصالح الكاتب، افتقرت الرواية لعنصر الخيال الخصب، ولم تظهر قمّة الحبكة في الرواية.

لغة فصيحة، سهلة وبسيطة، ولم تخلُ اللغة من اللهجة العاميّة، وفق الشخصيّات التي تعكس لهجة القرية التي قدم منها البطل المتحدِّث؛ مما أضفى تشويقا على السرد، ولم يكن هذا الاستعمال مملّا بل على العكس.

صفحة 184، لم يكن تمهيد لولادة طفل لإبراهيم وصوفيا، حبّذا لو تخلَّل السرد تمهيدا بسيطا حول ولادة طفلهما.

ورد صفحة 200، معلومات مغلوطة حول أصل أهالي قرية أبوغوش، " يقال أنَّ أصل أهل القرية يعود إلى الشيشان ، وأنغوشيا، وقد بني فيها مؤخّرا مسجد ضخم بأربعة مآذن على الطراز الشيشاني بتمويل من الحكومة الشيشانيّة"، حبّذا لو استند الكاتب على مصادر علميّة؛ لعرض هذه الحقيقة، وعدم الاعتماد على الأقاويل فحسب؛ كي لا يُعزّز الكاتب تشويه الهويّة لأهالي القرية، كما أراد لها البعض وعزلهم عن قوميّتهم، والتشكيك يهويّتهم. إن وجدت عائلة شيشانية واحدة قاطنة في القرية، فهذا لا يعني بأنَّّ أصلهم شيشان، كذلك بناء المسجد، لا يؤكّد بأنَّ أصل أهل القرية شيشانيون.

وردت أخطاء لغويّة، ونحويّة متعدِّدة في كافَّة النصوص كما ورد في الصفحات التالية على سبيل المثال:

تذويد الفكرة – تذوُّت الفكرة- صفحة 16، يا لها من مفاجئة – مفاجأة - ص 35، ليسوا بأفضل حال - أفضل حالا ص46، ينفضّ المصليِّين – المصلُّون،

كان جدّك وجدّتك (يقولون – يقولان)، (يتناولون- يتناولان)، (يضيرهم- يضيرهما)، (يملُّون- يملَّان)، (يكلُّون- يكلَّان). ص 92، اطلقننا – انطلقنا ص 92

كما فعل زاك وبربارة معك. هم من يريدونها حرب – هما كما يريدانها حربًا ....ص95، نتحدَّث فيما بعد حتّى لا تملِّين - حتّى لا تملِّي ص 123، كيف احوالكم؟ - احوالكما؟ (إبراهيم ومحمود ص 137، ترق لي بنتًا في هذه المدينة- بنتُ ص144، تسأل – لا تسلْ ص144
تعتبر رواية "قلبي هناك"، رواية توثِّق أسماء الأماكن مع تعاليمها، وأحداث جرت فيها في زمن قبل التهجير. من الجدير ذكره بأنها رواية تنعش الذاكرة، وتستحق قراءتها خاصَّة من قِبل طلاب المدارس؛ كي لا ينسوا.

وكتبت هدى خوجة:

جاءالعنوان مناسبا وملائما لمحتوى الرّواية، ومن حيث الغلاف؛ صورة القدس مع استخدام الوان ترابية تبين عشق الكاتب لأرض وتراب القدس الشّريف.

لغة الرواية عميقة، جميلة واستخدمت أحيانا اللغة المحكية؛ لتقريب المعنى والهدف، والأسلوب سهل ومتناسق؛ ومشّوق ومؤثّر. تتطرق الرّواية لقضية اللاجئين والنكبة والمخيّم وحقوق الإنسان، تشمل على أربع وثلاثين فصلا تبدأ بالنّشأة وتنتهي بفصل نقطة انتهى.
ولا يزال الكاتب يذكرنا بحلم العودة وحق العودة؛ ص13" فهل ستضمن لنا العودة إلى قرانا المهجّرة؟"

أم مجرّد مشروع يهدف إلى تصفية اللاجئين؟

"اهتم بسؤال واحد فقط: هل سنعود إلى قرانا المهجرة منذ 1948؟!"ص14

" لا شيء ينسي اللاجئ أصله" ص16

رنا القنبر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى