الثلاثاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٧
بقلم جورج سلوم

ليالي الفيسبوك

بادئ ذي بدء يجب أن أشكرَ الله الذي مدّ بعمري لأعيشَ في عصر الانترنت...

(الفيسبوك) جاء نعمة ورحمة لأمثالي من حبيساتِ البيوت.. أيامي كانت رتيبة تتوالى فيها نفس الأحداث منذ تزوّجت...

بدأت حياتي الزوجية ليلة الدّخلة وامتدّت تسع سنوات كانت حافلة... أنجبت طفلين هما لبُّ حياتي وأفرزا واعتصرا هورمونات الأمومة مني بغزارة... والآن ذهبا إلى المدرسة تشيّعهما صلواتي....

أبوهما (سيّدي ومولاي).. أحبّه فهو زوجي وأبو أطفالي.... حياته كتلة من الشقاء... يستيقظ ُفجراً و يصيحُ كالدّيك... ثم يجرّ عربةَ الخضار المثقلة كالبغل...حتى يصلَ زاوية الشارع وهناك يبدأ بالنباح كالكلب.... وينتظر حتى يبيع أحماله صابراً كصبرِ الحمارْ...

أظنّ أنّ بعض أصدقائي استهجنوا هذا الوصف ويهمّون بالتعليق رافضينَ ماسبقْ... أرأيتم هذه هي سعادة الفيسبوك فأنت تفيضُ بأفكارك بحرّية.. ثم تستمتع بتعليقات الأصدقاء بين محبّذ ومستنكر...

الوصف السابق لحياته نقلتُه عنه.. فهو يصف شقاءه بتلك العبارات.. وهو بالرّغم من ندرة كلماته.. كان يقول بضع عبارات يجترّها في النهار... ويأتيني ليلاً غاضباً منهكاً من معترك الحياة.. يقول كلمتين فقط... ولا ينتظر الجواب..... الأولى مشيرا ألى الطفلين بصيغة الجمع:

ناموا ؟؟؟!

والثانية موجّهة إليّ:

طعام ْ....

يأكل بدون ملاحظات مهما كان نوع الطعام...ثم يقتادني إلى غرفة النوم كنعجة... وبعد أن يكتبَ وظيفته... يتمتم:

اذهبي ونامي بجانب الأطفال خشية البرد.. وامنحيهما الدفء كدجاجة...

وحتى هذه الجملة لم يعد يقولها لأنني أصبحتُ أنسحبُ لوحدي عندما يبدأ بالشخير...
وأتابع ليلتي مع الطفلين... ينامان بجانبي كملاكين أتأمّلهما.. أحرسهما....

وغالباً ما يجافيني النوم فأحملقُ في سقفِ غرفتي المظلمة... وأحلّق بأفكاري... لم أندمْ يوما على تركي للجامعة بسببِ عسرِ الحال و زواجي المبكر.. ولا يحاولنّ البعض ممّن يقرؤون صفحتي في الفيسبوك الاعتقاد أنني أكره زوجي وأبحثُ عن صديق ...فيكتبون عباراتِ الإعجاب بما أكتب ويبدؤون بعدها الصيد في المياه العكرة....

أنا أحبّ زوجي بطبعه الحيوانيّ البسيط.... تعوّدت على طريقته...وأميل إلى الانخراط في عالمه..... حياتُه تتلخّص في عربة الخضار.. ملأتْ أفقهُ ..وضيّقت مجالَه البصري فلا يرى أبعدَ منها... يتأمّل ألوان الخضار والفواكه المرتبة على سطحها كفنانٍ عشقَ ألوانه... و يمرّر أصابعه على أخاديد القرنبيط كنحّات غرقَ في تماثيله...و يمسحُ خدودَ تفاحاته مزهوّا بلمعانها...

ولا أزال أذكر ذلك الوصف الخارق لعربة الخضار في ليلة أنس...

عندما قال:

 سريري الزوجيّ هو عربة خضارْ...

حملني عارية كما خلقتني أمي... وأضجعني على السرير كطفلةٍ مدللة.. رجع الى الخلف.. تأمّلني وقال:

 أنا الآن في الجنّة... سريري عربةٌ ملآنة بما لذّ وطاب من الفاكهة... تستلقي فوقهم حورية من السماء... كنت أستمتع بوصفه لجسدي وأعضائي كثمار الجنة... وعندما أذوبُ بين يديه.. يستسيغُ طعمي... مشبّهاً إياه بطعم تلك الفاكهة....
لكنّه في ليلةٍ أخرى.. يأتيني دافعاً عربته بعصبية... وبنظرة واحدة إلى سطحها... أعلم أنه لم يستفتح هذا اليوم كما يجب..وأتنبأ كيف ستكون ليلتي...يتخيّل سريره أيضاً كعربة خضار لكنّها اليومَ مليئة بالفاكهة الذابلة وتفوح منها رائحة البصلْ... يراني سمينة كبقرة... يلقيني على السّرير..ويأتيني كثورٍ هائج ليغتصبني...

ساكتةٌ أنا.. كأي تفاحة أو بطيخة على عربته... قد يمسحُ بشرتي بلطفٍ.. أو يقضمني.. أو يقطع أوصالي بسكين ..وبالنتيجة أنتظرُ رأيه ..هل أنا حلوة كالعسل؟.. مرّة..؟حامضة.؟!.. وطبعا لن يقولنّ شيئاً...

بعدها أتركه يغطّ ّ في نومه ...ثم أنتقل إلى غرفة الطفلين.. لأغوصَ في أحلامي الجانحة وخيالاتي الجامحة...

الليل كانَ طويلاً قبل أن يشتري لي هاتفا ً ذكياً...اما الآن فلديّ أصدقاء لم ألتقِ بهم يوماً... فهناك الحائرة وهناك المعذبة وهناك المقنّع وغيرهم... نكتب ونتبادل التعليقات..

يا جماعة الفيسبوك..أنا لا أبحثُ عن صديق يكتبُ لي ويدغدغ عواطفي... ولا أبحثُ عمّن يرسل لي صورهُ بخلفياتٍ منتقاة... أنا فقط بحاجة لقارئ يسمعني..

زوجي قليلُ الكلام.. لكنه بحرٌ في انفعالاته... ساكنٌ صافٍ يوماً كبحيرة ٍراكدة..وثائرٌ وهائج إذا ما هبّت رياحُه... يعمل ليومه... وتعامله معي مرهونٌ بمقدار بيعه في هذا النهار..أصبحتُ أرى متعةً في تبدّلاته التي تنعكس على تصرّفاته معي مساءً.. وصرتُ أنتظر عودَته بفارغ الصبر ليكتبَ على جسدي ملخّص يومه الطويل..لم أعد أراقب سطح العربة العائدة مساءً لأخذِ فكرة مسبقةٍ عن ليلتي.. غدوتُ أعتبرها ضرباً من المفاجأة..

يحبني ولمْ ولا ولن يرى سوايَ أمامه في عربة الليل... ويحوّلني من بقرة إلى حورية بكلّ بساطة.. ويمنحني حبّه الرجوليّ المتبدّل من قمّة العنف والقسوة حتى أعضّ على أسناني من شدة الألم... إلى قمة الحنان والحب حتى تطنّ أذناي من فرط النشوة....

لا تنتقدوني . .ولا يتهمني أحدٌ بشذوذٍ ما... أنا أرى نفسي أكثر ميلاً لأيامه المنحوسة.. أرقبُ دخوله إلى جسدي وروحي بدون مقدّمات... يقلّبني بين يديه الخشنتين كحبّة فاكهة فوق عربته المحبّبة.. قد يقشّرني وقد يمتصّني.. وقد... وقد يأكلني...

سعادتي كبيرة وأنا أسطّر أحاسيسي على صفحتي..وكلّني شوقٌ لأقرأ تعليقاتكم.......


مشاركة منتدى

  • قصة في منتهى الروعة والجمال !
    كلاما و صورا بلاغية رائعة وشعورها الدائم بأنها فاكهته في السرير كما فاكهته في العربة !
    والأهم أنها حوريته بكافة أشكال الفاكهة !

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى