الخميس ٨ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

الوطن عشقي

حب الوطن يجري بداخلي مجرى الدم ومنذ طفولتي وضعت أمامي كل النماذج المشرفة وواصلت طلب العلم.

بدأت رحلة بحثي عن قصص الأبطال والشهداء في محافظات مصر وجبت الكفور والنجوع والقرى والمدن وتوصلت إلى العديد من البطولات الحقيقية كما رصدت الكثير من المعجزات التي حدثت أثناء معارك أكتوبر 1973 / رمضان 1393 هـ ورصدها نخبة من أبطال مصر فقد أخبرني البطل محمد العباسي أول من رفع العلم المصري على أول نقطة تم تحريرها وهى القنطرة شرق أنه شاهد (الله أكبر ) بخطوط السحب في السماء بعد عودة الطيران المصري من تنفيذ الضربة الجوية الأولى.

أيضا في المواجهة مع إسرائيل فى اللحظات الأولى للحرب كانت القذائف تخطئ الهدف دائماً وتصيب تلاً يسمى هضبة أبو خشيب وحاول مراقبوا المدفعية تعديل التصويب لإصابة الهدف الأساسى دون جدوى ولاحظ المراقبون بعدساتهم المكبرة أن هضبة أبو خشيب تشتعل وبها نيران ودخان لا يصدر من الأحجار عادةً وبعد العبور اكتشف الجنود المصريون أن هذه الهضبة كانت تحمل بداخلها مركزاً إسرائيلياً متطوراً للإعاقة والتشويش والتصنت تم تدميره بالكامل دون قصد وعرف بذلك اللواء محمد سعيد الماحي مدير سلاح المدفعية المصرية فأقترح على الرئيس السادات أن يصبح شعار سلاح المدفعية الجديد (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) ووافق السادات وأصبح هذا الشعار هو الشعار الرسمى للمدفعية المصرية.

معارك أكتوبر 1973 أكدت عظمة الجندي المصري لمن لايعرفه وكشفت الجندي الإسرائيلي فالمصري حارب لأجل قضية وهى تحرير سيناء التي اغتصبتها إسرائيل في عام 1967 أما الجندي الإسرائيلي فلا قضية يحارب من أجلها ولأن الحق ماشهد به العدو أذكر ماجاء في رسالة أحد الأسرى الإسرائيليين خلال معارك أكتوبر 1973 م: (لقد كنت أعرف أنه ليس للمصريين طائرات جسورة وكنت أعرف بيقين أن أمامي مياه قناة السويس هادئة ساكنة لا حركة فيها إلا لبعض الأسماك الصغيرة التي كنا نصيدها أحيانا،الشجيرات على الضفة الغربية للقناة جافة أو ذابلة تعكس صفرتها لون الصحراء وتوحي بالتوقف والركود،لم أر في حياتي طائرة مصرية ولم أشاهد للمصريين دبابة واحدة وفجأة .. ومضت في السماء طائراتهم وأحالت ـ علي الأرض ـ مواقعنا جحيما، فجأة زأرت مدافعهم وبصقت في وجوهنا وازداد الجحيم اشتعالا،فجأة وقبل أن نفيق مما نحن فيه نظر الموت لنا بعيون جاحظة وتلفت حولي – بحركة لا إرادية – لعلني وقتها كنت أبحث عن مخرج لكنني لمحت الجحيم يمد ألسنته في كل مكان.

حتى مياه القناة الهادئة أظهرت ثورتها وعلا الموج فيها وغطى سطحها طوفان عظيم من الدبابات والمدافع وأخذت تموج بالحركة تكاد مياهها تشتعل.. الثواني بطيئة قاتلة.. لعجز أمام الخطرغير المتوقع فظيع ومدمر لاسيما إذا كان هذا الخطر هو الموت المحقق.. الحديد والنار وطلقات الرصاص والأصوات الملعونة تطوقني،العيون التي تشع ما هو أقوى من النار.. كان إصرارها على قتلي واضح،كل هذا الزحف قادم من الغرب لقتلي،قتلي أنا وحدي وأنا ضعيف أمام هذا الهول الكاسح.

نعم كيف أواجه هذا الرجل الأسمر المتوقد العيون،الصلب العود،رقبة كجذع شجرة مطمورة متحجرة منذ آلاف السنين،صرخته .. الله أكبر .. تفتت كل عزيمة وتذهب كل شجاعة،ليتني أستطيع أن أكتب إلى الذين يهاجرون إلى إسرائيل تخدعهم وسائل الأعلام وتمنيهم بعالم وردي وتؤكد لهم أن الجيران في سبات – وما هم كذلك – فالسلاح والوهم والشر أعمت الأبصار وخدعت العقول وصورت المستحيل،لن أنسى يا صديقتي منظر زميلي الذي كان يعمل علي جهاز لاسلكي والذي وجدته فجأة يردد كلمتين اثنتين ولم ينطق بكلمة سواهما،كان يبلغ خلال الجهاز بطريقة هستيرية: المصريون عبروا .المصريون عبروا.

حتى عندما ترك الجهاز وابتعد عنه ظل يردد الكلمتين بنفس الهستيريا وفقدت وعيي على صوته الذي مازال يرن في أذني حتى الآن .. آه.. لقد سمعت بأذني ورأيت بعيني).

في الختام نؤكد أن قبرا في وطننا مصر أفضل من قصر في الغربة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى