السبت ٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٧
بقلم جميل السلحوت

ديوان المقدسيات «ثريّا» في اليوم السابع

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مساء الخميس القادم 23 تشرين ثاني- نوفمبر الحالي ديوانالمقدسيات "ثريّا" للشاعر المقدسي فهمي سعيد الكالوتي. يقع الديوان الصادر عام 2015 عن دار فضاءات في عمّان في 214 صفحة من الحجم المتوسّط.

بدأ النّقاش جميل السلحوت فقال:

من يقرأ هذا الدّيوان بعناية سيجد نفسه أمام شاعر ذي موهبة شعريّة، لكنّه مقلّ، ويبدو أنّه لا يعطي الشّعر ما يستحقه من عناية، كما أنّه كما يبدو مقلّ في الاطلاع على الشّعر الحديث. ومع ذلك فقد قدّم لنا ديوانا يستحق القراءة.

والشّاعر ابن مدينة القدس، لا تغيب هذه المدينة المقدّسة عن ذاكرته، شأنه كشأن بقيّة أبناء هذه المدينة التي تسكنهم كما يسكنونها، لذا فإنّ الباب الأوّل من ديوانه "ثريّا" جاءت قصائده عن القدس. يقول في قصيدة ديوانه الأولى "صباح القدس"

صباح القدس يا خير....صباحا بالنّدى زَهّر

وفي قصيدة "باشا" ص 55 يقول:

القدس أعلى من بنيها مهجة....بعيونها سكنوا نوى ورِماشا

من معاني نوى الإقامة والدّار، وكأنّي بالشّاعر هنا يقول "القدس في العيون"

ونقول: رَمِشَتْ عينه ـَ رَمَشًا: احمرّت أجفانها وتفتّلت أهدابها مع ماء يسيل. ويُقال: رمش فلان. فهو أرمش، وهي رمشاء." لكنني لم أجد أصلا لغويّا لرِماش".

وفي الباب الثاني من الديوان الذي سمّاه الشّاعر "المجموعة الثّانية، عروبة" يستذكر شاعرنا شيئا من تاريخ وثقافة العرب، فيستذكر "حرب البسوس" وكيف اقتتلت قبيلتا تغلب وبكر أربعين عاما بسبب ناقة! وكأنّي به يقول بأن تاريخ العربان في الاقتتال يعيد نفسه، وهذا ما جرى ويجري في أكثر من بلد عربي مثل: سوريا، العراق، ليبيا، اليمن وغيرها، يقول في قصيدة "حرب البسوس" ص 65 ساخرا:

جرّد سيوفك يا مهلهل شاهره....واغدر بأهلك في السّنين الغادرة

واركب جهالتك القديمة لم تزل...حرب البسوس على حمانا دائره

ويبدي الشّاعر امتعاضه من الاقتتال بين العربان فيقول:

وجع بحسّ القلب يدمي عاشقا....لنقيّة تُرمى بحرب عاهرة

وفي قصيدته "رسالة إلى بغداد" ص109، يبدي الشّاعر لوعته على احتلال بغداد عام 2003 وتدمير العراق العظيم وقتل وتشريد شعبه فيقول:

من استرضى خيول الروم تمخر في دماء الأهل للرّكب

وفي الباب الثّالث من الدّيوان "المجموعة الثّالثة، رحلة" وقد خصّصه الشّاعر للغزل، ويبدو أنّ غزله بالمرأة من جانب واحد، يقول في قصيدة "فريده" ص 133:

منذ التقينا لم أزل أنا عاشق...وهي التي في دلّها تتمتّع

وأنا المحدّث ملء عيني حسنها...وهي التي شزرا إليّ تسمع

يكاد الدّيوان يخلو من الصّور الشعريّة التي تدهش القارئ، كما أنّه لم يخل من الأخطاء النّحويّة والاملائيّة.

وكتبت هدى خوجة:

يحتوى الدّيوان على أربع مجموعات شعرية منها:

المجموعة الأولى حبيبتي ثريا

المجموعة الثّانيّة: عروبة

المجموعة الثّالثة: رحلة

المجموعة الرابعة : ملّت الرّوح

احتلت عروبة حصّة الأسد من الدّيوان الشّعريّ.

صفحة الغلاف تتناسب مع المحتوى.

العنوان الثّريا جميل وملائم مع حبيبة الشّاعر القدس؛ حيث كانت ترمز إلى القدس معشوقته، بدأ الدّيوان بشكر كل من أعانه وألهمه هذه الأبيات وعلّمه الخط والحرف والكلمة. اتّسم الدّيوان بعمق المعنى وأصالة الحرف؛ والكلمة الصّادقة النّابعة من القلب إلى القلب.

وصف الشّاعر صباح القدس خير صباح بنكهة الزّعتر الأخضر ؛وزهر النّدى وطعم الكعك المقدسيّ، وهدوء الزّقاق ودفء الحمص والفلافل وشاي بالنّعنع الأخضر ، وترانيم متناثرة .

جمال ورونق المدن والقرى الفلسطينية ظهر جليا؛ منها حيفا، بيت جالا، عيلبون، جنين، غزّة وسخنين؛ مع التّركيزعلى عدة أحياء وقرى في القدس الشّريف منها البلدة القديمة، شعفاط، ووادي الجوز حيّ طفولته.

من قصيدة زيتونة اخترت لكم هذه الأبيات

"أنا من هنا جدّي يبوس وتربتي
هذه الأصيلة... هل أسائل من أكون"
"قالت بنيّ إذا الجذور تأصّلت
صعبٌ على الأغصان شيئا أن تخون"

ووصف النّاس في القدس بعدّة صفات منها:

الثّابتون والصّابرون والصّامدون والسّاجدون والآملون ص20.

استخدم الأسئلة السّابرة في بعض قصائده وأداة الاستفهام والسؤال المكرّر لماذا للتأكيد مثال:من قصيدة ثريّا حيّرتني ص25

لماذا أنت دون الأرض قاطبة
حملت الصّخرة الكبرى
لماذا أنت دون الأرض قاطبة.
لك المعراج والمسرى
لماذا أنت وعد الله بادئة
وأنت الحشر في الأخرى
لماذا فيك غاليتي جراحي منك
لو داويت لا تبرا

اتسّمت قصائده ثريا بلهفته على القدس وحبّه الجم لمدينته.حيث وجدت عاطفة عشق القدس في عدّة قصائد منها على سبيل المثال لاالحصر

من قصيدة الشّيخ الجليل ص28-29

والقدس تبدو في المدى أسطورة
غمضت حكاياها فزادت مفتنا
هذي هي القدس التي جمعت لها
كل التّناقض واحتوت كل الدّنا
يا لهف قلبي كيف هام بحبّها
حتى غدا هذي المحبّة مدمنا

وفي قصيدة حيفا ص33

حيفا كأنّك جفن طفل ناعس
يغفو هنيئا فوق جيد الكرمل

أمّا أرض السلام ص35

الأرض دون القدس دار مجاهل
والنّاس دون القدس كم مهمل

وصف القدس في قصيدة محبة ص37

عدّة صفات منها المهجة والقبلة والطّهر والنّقاء؛ والعلاء والرّزينة والأنيسة .

أما في سلمت عيناك ص41

فقد تمّ ذكر عدة مدن فلسطينية منها حيفا، سخنين، غزّة وقلب فلسطين القدس.

أما في ربع قرن ص53

هنا وطني هنا ألمي ...هنا جذري ...به لغتي به ديني
ومهما رحت مغتربا ...فلا زالت برغم الموت تحييني
وبعض الأبيات جاءت على وتيرة بلاد العرب أوطاني

وفي قصيدتي أحزاب ..وحركات ص57وإرمنيها ص59

فقد دعا الشاعر لنبذ الخلاف والخصام بين أخوة الوطن والتماسك والتلاحم في نبذ العدو .

أمّا المجموعة الثانية عروبة من ص 63-130

فقد بلغ تحيّات الشّاعر للشّام وبغداد والمغرب ومسقط والنّيل في شطّ العرب.

وكان هنالك تناص مع حرب البسوس ص65-66

واحتوت من أيّام العرب على الشّعر والحكايا القديمة لتوثيق العروبة.

وفي تحيات الدعوة إلى الاتحاد وعدم الفرقة، مع تناص سورة المسد ص77

"تبت من شاء فرقتنا وتب"

وبرزت العاطفة جلية في الغربة لدى الشاعر الذي تفوق شعره في رحاب الوطن،

مع بروز جرح العراق والشام ومصر متداخلا مع القدس بشريان نابض.

نوه الشاعر بعدة قصائد الى صعوبة نار الفرقة والضياع ،والدعوة الى التآخي والتصالح وعدم الفرقة تكرارا ودوما.

وأيضا في خطيئة ص 103 الدعوة للوحدة

"فتوحدي إن العصي عصية
إن وحدت والمؤمنون بمذهب"

استخدم الشاعر الكلمات ذات القوة والعمق والدلالة والايقاع المتناسق، مع رصانة اللغة وعمقها.

ورد خطأ مطبعي بتكرار ص117 في ص118

أمّا في مجموعة رحلة كان لهيب العاطفة للقدس ونار الشوق والبعد.

وتكرار محببب سواك ص141 في قولي بربك.

ووردت قصيدة بيان باسم ابنته مع بيان مكانتها المرموقة بين ثلة من الأولاد.

ومقارنة دبي والإمارات بين ما كانت عليه وما صارت إليه ص 150

ويستمر التأمل في القدس وأسواقها وحاراتها ونكهتها؛ وأحيائها وسورها وسوقها والوادي؛ مع العودة لموئل الطّفولة في حيّ واد الجوز والطّفولة وذكرياتها.

وفي النّهاية ملّت الرّوح وأضناها اغتراب، مع وجود الحكايات الشّعبيّة من خلال القصائد، والعبرة والحكم والأمثلة والرّمز المتداخل في المحتوى الهادف لقيمة معينة مثال حكاية ديك ص 177 التي تشير الى التواضع وعدم الكبر، ورغيف العيش ص183الذي يبين قسوة حياة الفرد العادي ضمن الشّعوب العربية؛ وصعوبة الكسب وغلاء المعيشة بالمستلزمات الرئيسة للفرد.

وفي النهاية العاطفة متأججة ومفعمة بالشّوق وبرائحة الوطن؛ كلما ابتعد الشاعر عن وطنه ماذا يشغله؟

وكيف يكون شعر المغترب؟ هل هناك فرق بين كتابة الشاعر في وطنه ومدينته القدس وبين كتابته خارج الوطن والغربة؟

وكتبت هدى عثمان أبو غوش:

أطلق الشّاعر على ديوانه الشّعري من الشّعر العموديّ اسم ثُريّا، وذكر أنّه يعني بها حبيبته القدس، وإن بحثنا في المعجم فإنّ الثريّا تعني المنارة التي فيها مجموعة مصابيح تعلّق في السّقف، وهي مجموعة من الكواكب متراكبة في عُنق الثّور. ومن هنا أستشف من المعانيّ أنّ القدس في مقام عِلِّيّ .

قسّم الشّاعر ديوانه إلى أربعة فصول، في الفصل الأول قصائد شوق وحنين للقدس ومواجع وحسرة على المدينة. يقول في قصيدة حنين :

أسفتُ وقد هجرتكِ بعضَ عُمْرِ - وآثرتُ السّلامةَ دونَ حربِ.

يستذكر حريق الأقصى، ويخاطب أخاه حمزة الأسير في السُّجون الإسرائيليّة في قصيدة "اُنبيكَ حمزةُ" وهي قصيدة طويلة مؤثرة، عبّر الشّاعر عن لوعته لغيابه لا يُصدِّق كيف أصبح حمزة عبارة عن زيارة كعابر ضيف أو رسالة تحتوي على الرموز، كما عبّر الشّاعر عن فخره بأخيه واعتزازه به.

أمّا المجموعة الثّانيّة، فقد أطلق عليها عروبة فيصف حال العرب المتمزّق المشبع بالدِّماء كحرب البسوس ويُخاطب العرب بحُرقة وغضب ويعرّي شهامتهم وكرامتهم تجاه غزّة، ويحتار الشّاعر ويستغرب كيف أصبح دم الإخوة في بلداننا المتخاصمة هيّنا، يقول في قصيدة" الثُّور الأبيض":

عجبتُ لأمري ما قتلتُ بعوضةً -عُمري وإنّي عن قتالٍ أُعرضُ.

ويمضي في قوله ليقول:

أمّا أخي فصرعته في ساعةٍ-هانت عليّ عُرى الأُخّوّة تُنقضُ.

أمّا المجموعة الثّالثة فأطلق عليها رحلة وفيها يعبّر عن مشاعره ووحدته ما بين عمّان دُبي والقدس.

أمّا المجموعة الرّابعة فهي عبارة عن قصائد لمشاهد لفتت انتباهه، فاستوقفته في محطات عامة للحافلات أو في الطريق كحكايّة البقرة، الديك والعصفور.

استخدم الشّاعر في هذا الدّيوان أساليبا متعددة كي يرسم صورا واقعيّة يعيشها شعبه وأُمته.

استخدم أُسلوب الإستفهام والمناداة وتداخل الحوار في القول، تنوع الشّاعر في قواف مختلفة في عدة قصائد وجاءت قصائده مغنّاة، حضرت العاطفة الجيّاشة جلية في قصائده وخاصة في استخدامه الضمير المتكلم "أحسستكِ دمعا من كبدي وشعرتك في نبضَ شراييني"صفحة 41 .

"أراكِ بقلبي شُموخا وعزا- وجذرا أصيلا وأغدق َ غصنِ"صفحة 40 . جاء تكرار للألفاظ والمقاطع خاصة في قصيدة "اُنبيكَ حمزةُ"، استحضر الأماكن والوصف في القدس(مدرسةالأيتام ،التّكيّة، أزقة الواد، السّوق، ساحات القيامة، مطعم الحمص). "استحضر التّاريخ من العصر الجاهلي وكان التناص من القرآن في قصيدة "تحيّات" " تبَّت يدا من شاء فُرقتنا وتب" .

قصائد جميلة تفوح برائحة القدس، وجوع نحو التماسك الوطني والعربي.

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، سامي قرّة، عزّ الدين السعد، د. عز الدين أبو ميزر، أنور زيتون، نسب أديب حسين وآخرون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى