الجمعة ٢٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم مروة كريديه

التحولات الثقافية في الألفية الثالثة

صراعا ت مصلحية ونزاع ايديولوجي

إن العالم اليوم يشهد مع بداية القرن الحادي والعشرين مرحلة جديدة وحقبة متميزة في تاريخ التطور البشري تفرض علينا نوعا من الاستقراء والاستشراف للمستقبل لفهم هذه المتغيرات والتحولات التي يحملها ولم تواجه الإنسانية مثلها من قبل .

ولعل التحولات الثقافية من أكثرها أهمية إن لم نقل أخطرها على الإطلاق ، لذلك نجد أن الصراعات الثقافية بلغت ذروتها في هذا العصر – خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر – وان كانت المظلة التي تستظل بها غير ثقافية، إلا أننا إذا أمعنا النظر بها وفي سياقاتها وتفاصيل مضامينها فإننا نجد النواحي الثقافية الموجودة فيه.

فالولايات المتحدة الآن تشن حربا على " الإرهاب "هذا هو العنوان العريض،وتسعى لفرض "الديموقراطية " ..... ولكن إذا دققنا في ذلك نجد انها حربا على ثقافة معينة ، وأنا هنا لست في معرض تحليل هذه الثقافة ما هي ومن أين تنبع، ولا في معرض مناقشة المدلولات لمصطلح الإرهاب فهذا خارج إطار بحثي, ولكن أريد الإشارة إلي أن الصراعات السياسية هي في الحقيقة صراعات ثقافية.

لأن الصراعات و النزاعات الثقافية تعود إلى أمرين : اختلاف المصالح ، واختلاف المفاهيم . وقد يكون من المناسب في بعض النزاعات الثقافية أو التي تبرز فيها الثقافة إلى الواجهة ، تقديم الاختلاف المفهومي على الآخر المصلحي . ذلك أن الاختلاف المفهومي هو الذي يمكن من الاستعمال والاستغلال حتى في الحالات التي يغلب فيها الأسباب السياسية أو الاثنية أو المصلحية , ثم إن السياقات المفهومية المختلفة هي التي تمكن من " تقنيع " النزاع واعطائه طابعا عقائديا أو مبدئيا."

ولقد أوردت هذه المقدمة للإشارة أن هناك موجات تغيير في العالم أحد أهم منعكساتها التحولات الثقافية وما يرافقها من تنوع كبير , حيث يدخل موضوع الحضارات صراعا أو حوارا ..... في صميم هذه العملية .
ومن بين الأشياء الأخرى التي تحدث عند تصادم موجات التغيير فيما بينها موجات التصادم الثقافي , ولعل من بعض المشكلات المطروحة هي القضية المتعلقة بما إذا كانت الثقافة الغربية وبالذات الأمريكية ، ولنسمها التحول إلى " ديزنة " ( من ديزني ) العالم أو "هولدته " (من هوليوود ) ستؤدي إلى إفراز ثقافة عالمية متجانسة تؤدي بالضرورة إلى تدمير تنوع الثقافات القائمة حاليا على كوكب الأرض ؟؟؟؟

و للإجابة على ذلك لا بد من عرض موجات التغيير التي تعرضت لها الثقافات ، فقد أنتجت الموجة الأولى الثورة الزراعية التي بدأت منذ عشرة آلاف سنة ، حيث تحول فيها المجتمع من الحياة البدائية غير المستقرة المعتمدة على الصيد و جمع الغذاء إلى حياة الاستقرار والزراعة ، وأنتجت الموجة الثانية والتي بدأت مع الثورة الصناعية قبل 300عام تقريبا حضارة جديدة متمحورة حول الصناعة حيث شهدت هذه المرحلة تحولا كميا قائم على الإنتاج والتوزيع الكمي والاستهلاك الكمي والثقافة الكمية ... أما الموجة الثالثة فتقوم في جانب منها على إحلال القوة الذهنية محل القوة العضلية في الاقتصاد، وهو ما يتبدى في الثورة التقنية الحديثة الحالية ،وهي تحولات في الكيفية وما يصاحب ذلك من عدم استقرار سياسي و اجتماعي وثقافي ومؤسسي ملموس .وبتجاوز الاقتصاديات نطاق الزراعة والصناعة فان مفهوم المطابقة والمماثلة الذي اتسم به نمو هذا الجانب من الحياة سيتغير، مما يعني أن مستقبل الحضارة سيتعرض إلى تنوع ثقافي هائل بعيدا عما ألفه الناس في الموجتين الأوليين والتغيير يحدث بطبيعة الحال صراعا وأنا لا اقصد العنف ودور المثقف هو تحويل الصراع إلى حوار .

و بما أن موضوع العولمة يتصل اتصالا مباشرا ووثيقا بالمتغيرات الحديثة التي تمر بها المجتمعات يشير المراقبون الأكاديميون إلي أن المجتمعات الرأسمالية الصناعية تمر منذ ثلاثة عقود بتحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية كبيرة ومعقدة للغاية وقد تنوعت تسميات المنظرين باختلاف توجهاتهم واهتماماتهم منها :
الرأسمالية المتأخرة (،و مجتمع ما بعد الصناعي ( دانيال بيل ), و مجتمع التراكم الرأسمالي المرن أو ما بعد الفوردية ،ومجتمع المعلوماتية ،ومجتمع الشركات المتعددة الجنسيات ،ومجتمع الثقافة العالمية ، ومجتمع ما بعد الحداثة ،ومجتمع القرية العالمية أو الكونية......

وبالرغم من تعدد التسميات التي يحاول المنظرون استخلاص أبرز ملامح المجتمع العصري و ثقافته فانهم جميعا يؤكدون على حقيقة جوهرية مفادها أن المجتمع يشهد تغيرات سريعة وكبيرة في آثارها وامتدادها بحيث أنها شكلت ولا تزال تشكل ظاهرة الثقافة العالمية وعملية "العولمة" أو الكوكبة أو الكوننة .
فالطروحات والإشكاليات التي تتعرض لها الحضارات كافة دون استثناء كبيرة ومهمة ونحن علينا كباحثين معرفة ما يجري حولنا من تحولات ثقافية والأجدر بنا قبل أن نخوض في موضوع "حوار إسلامي – مسيحي" على سبيل المثال , أن نسأل أنفسنا هل ستبقى في المستقبل هناك حضارات حتى تتحاور ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ولعل الفترة السابقة كان لدينا أجزاء من العالم تعاني من سبب التهميش الثقافي ولكن المشكلة التي ستواجهنا في المستقبل لن تكون في التهميش بل ستتمثل في التوجه نحو اللاتجانس والتباين .

فالثقافة المتوقعة في الغد ،تضم عناصر من ثقافات مختلفة تجلبها إليها وتحولها لتشكل ثقافة مميزة وخاصة بها، وهي في نهاية الأمر ثقافة تختلف عن ثقافة التي عرفها الأجداد، ومختلفة تماما عن ثقافة الآخرين .
ولكن هل هذا يعني أن لن تكون هناك ثقافة عربية ؟ أو لن يكون هناك ثقافة يابانية ؟ وهل تكون مصر مثلا في المستقبل هي مصر ؟ يمكن القول أن كل مجتمع وكل ثقافة يمكن أن تكون ذات سمات خاصة ولكنها لن تكون بالصورة التي عهدناها من قبل .

وعلينا أن ندرك ما يجري وما سيجري في العالم ونكون فاعلين فيه, لا أن ننتظر الحدث ونبحث عن ردة الفعل المناسبة . فالمرحلة القادمة كما يراها علماء المستقبليات تحتوي على تغييرات هائلة في التوزيع الثقافي للأفكار والمعلومات , كما يوجد أيضا حجب للمعلومات وتضليل لها , ولعل إلقاء نظرة سريعة على الفضائيات وشبكة الإنترنت، كفيلة بتوضيح نسبة الضخ الإعلامي الذي نتعرض له بشكل يومي ، وهذا الأمر سيؤدي إلى تجزئة مجتمعات الكم إلى وحدات اصغر لان الفرد لديه خيارات لا تعد ولا تحصى .

وهذا الأمر سيؤثر بدون شك على المؤسسات القائمة على مبدأ الكم مثل النقابات و الأحزاب ... بشتى توجهاتها وبلا شك سيكون هناك المزيد من القيم الثقافية المختلفة , ومزيج من الحضارات و أنماط من الحياة مختلفة وصيغا من الزيجات مختلفة , واديان مختلفة, وظهور نحل جديدة وتيارات حديثة , واختلافات بين الأجيال . وهذا سينعكس على بنية الجماعات لان هذا التغيير يجلب نوعا من التوحد والانعزال على الصعيد الفردي ويفقد الإنسان الإحساس بالانتماء إلى الجماعة والمجتمع.
ولعلي تقصدت استعراض هذه المشاهد الثقافية والتحولات التي بدأت بالفعل على المستوى العالمي وبغض النظر عن كون هذه التحولات جيدة أم لا , اعترفنا بها أم لم نعترف , اتفقنا على تسميتها أم لم نتفق, ولكن يجب علينا أن نعتمد على أسلوب أكثر عمقا ودينامية في النظر إلى العالم , فما نحن أمامه ليس مجرد صراع أديان أو حضارات , أو انتشار " عولمة " أو تحرر دائم , أو انتشار ثقافة تجانس بل موجة من التغيير تشمل كل نواحي التاريخ الإنساني تغيير اقتصادي اجتماعي ثقافي سياسي تقني طبي ... وهي موجة كثيفة و متسارعة وعالمية وبقدر ما يعتبر هذا الأمر مزعجا وحتى مخيفا , بقدر ما تعتبر فرص الحوار اكبر والتواصل مع الآخر اكبر, و فرصة جيدة لفهم الثقافات الأخرى والفرصة الأهم هي المشاركة في صياغة هذه العولمة التوافقية والتي تساهم كل الحضارات في صياغة ملامحها , والأخذ بالتوافق كوسيلة لتحقيق الانسجام بين الدول الشمال والجنوب ، عولمة قائمة على فهم الآخر وان يفهمنا هذا الآخر، ويعتبر الحوار بشتى ألوانه الأداة الفاعلة والفعالة في تحقيق ذلك .

صراعا ت مصلحية ونزاع ايديولوجي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى