الاثنين ٣ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم حاتم قاسم

الطفولة والحلم موسيقا الإبداع وسيمفونية العطاء المتجدد ة

شيء جميل أن تحاور عازفاً يتقن فن جمع الحروف وتركيبها لينقلك إلى عالم يختزل الكلمات ببوح جميل يضفي على الرمزية الواقعية بعض الجمال نستشف منه عبق الإبداع فيأتلق الضوء ليفرد مساحته في عالم الرواية ليسطع في غابة بديعة نعيش في أحضانها الحدث و نستقي من حروفها العقدة و الحــل و تبـقى الـحروف المتوهجة بحبكتها تشعل المصابيح لقلم أبدع في القصة القصيرة فأجاد و ســــجل حضوراً في عالم الرواية على جدران الذاكرة.

على طاولة المودة كان لنا لقاء مع سها جلال جودت.

الأديبة القاصة و الشاعرة / سها جلال جودت في سطور :
  من مواليد حلب 1954
  عضو اتحاد الكتاب العرب وفي العديد من الجمعيات والأندية الثقافية
  حازت على عدد من الجوائز آخرها جائزة الإمام الخميني للإبداع الثقافي عام 2004 في يوم القدس العالمي المرتبة الثالثة0
  تنشر في الدوريات العربية و المحلية.

أعمالها :
  مجموعة قصصية ، رجلُ في المزاد / الصادرة عن دار الثريا بحلب عام 2001
  مجموعة قصصية ، دماء الفرس / الصادرة عن دار الأصيل للطباعة بحلب عام 2005
  رواية السفر إلى حيث يبكي القمر / منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق 2004

المخطوطات :
  بائعة العصافير / مجموعة قصصية
  ذاكرة القلب 000 ذاكرة الروح / رواية
  الأدباء يكتبون طفولتهم / كتاب
  تراتيل سمفونية الوطن / مقالات
  أنا 0000 / قصص قصيرة جداً

شاركت في العديد من المهرجانات الأدبية

 بدأت سها جلال جودت الكتابة في سن متأخرة، أين كانت في السنين السابقة؟ وماذا حققت في سنواتها القليلة ؟ وما هي الصعوبات التي واجهتها وكيف استقبلتها المنابر الأدبية؟
 سؤالك يحتاج مني إلى صفحات كي أكتب عن هذه السيرة لأنها مليئة بالسعي والاجتهاد، وإذا كنت من الناحية العملية بعيدة عن الساحة الأدبية في ذلك الزمن فإنني من الناحية الفكرية والتأملية والتحليلية كنت موجودة لا أفوت حدثاً يؤثر بي دونما الخوض في تفاصيله ودراسته مفككاً ومركباً داخل صراعات نفسية فكرية أرقت أكثر ليلي وأتعبت نهاري، أما ماذا حققت فانا ما زلت في درب الاجتهاد أسعى والحمد لله أثمر هذا السعي بثمرة حصولي على عضوية اتحاد الكتاب العرب إضافة إلى عضويتي في العديد من الأندية الثقافية وما زال الطريق في أوله فأنا الآن بدأت وعليّ أن أزيد من اجتهادي في دراسة دقيقة لكل ما أكتب كي أحافظ على خطوط تقدمي، وللمعرفة عندما فكرت في عرض أول قصة كتبتها عام 1996 كانت كل ما حملته بيمين يدي بعد أن سألت : أين يمكنني أن أقدم قصتي؟ ونويت يومها أن أعتمد على ما أسمع من نقد وتعليق فإما أن أتابع المشوار وإما أن أنسحب ، نادي التمثيل العربي للفنون والآداب كان أول منبر أجلس خلفه لأواجه فيه وجهاً لوجه نخبة من أدباء حلب الذي يرأس إدارته العلامة المرجعي لفقه اللغة العربية الأستاذ محمود فاخوري. كانت فرحتي أكبر من فرحة الشمس حين تتغنى على أناشيد الحصادين وجرافاتهم وهم يحملون الحصاد بفرحة المتعب المنتشي، وكان عليّ أن أثابر ، خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة وكانت قصتي الأولى هي الخطوة التي حددت نقطة بداية التحول في حياتي نحو المطالعة والدراسة وحب الإصغاء للتعلم والاستزادة ممن لهم في هذا المجال علم البيان.

 في كل ما تكتبين رأينا المزية الشاعرية تصهل بنا بحروفها لتعتلي صهوة البوح، فماذا تقول الكاتبة في ذلك ؟؟؟
 لا يمكنني أن أخرج عن ذاتي وأنا أكتب لأنني أتحد مع مشاعري وأحاسيسي وحين يكون الأمر كذلك فلا بد للغة الشعر من الظهور، والشعر هو موسيقا الحياة وكل ماهو موسيقي يكون قريباً من روح المبدع إن لم يكن داخلاً في أوردته الحية التي تشكل من الكلمات نغمات يترنم بها الكاتب أو القارئ الذواق لمعاني وأنغام هذه الكلمات كترنمه بصوت أوبرا خالدة ، هكذا أنا حين أكتب لا أعرف ماذا سأكتب لأنني أعيش حالة وجدانية سارحة في محيط من التأملات والزفرات والنزف والفرح والتحليق، وحين تخرج كلماتي لا أستطيع منعها أو تحويرها لأنها فاضت من داخل هذا الينبوع الحيوي بعد أن اختمرت.

 عالم الرواية يأخذنا بخيال الصورة وأبعادها ورموزها وشـــخصياتها وأحداثها إلى فضاءات تأخذنا من خلال ضمائر الوعي للمسرود الحكائي إلى عالم قد يكون قريباً من واقعنا أو بعيداً، ماذا تقول الكاتبة في هذا ؟
 عالم الرواية هو هذا العالم المفتوح على الأبعاد الكونية كلها، يمكنك أن تعيش من خلاله كل لحظات الجمال والمتعة تتحرك في مجاله الدينامي أو الميتافيزيقي كيفما أردت ومتى شئت حاملاً شعلة من الضياء والنور وأنت تقدم شخوصك الذين اخترتهم بمنتهى الحرية تجعلهم يغضبون حين تريدهم أن يغضبوا ويرقصون حين تريدهم أن يرقصوا، افعل بهم ما بدا لك ضمن مساحة رؤيتك للجمال والقبح، للفضيلة والانكسار شريطة أن لا تخرجه عن إنسانيته، هذا ما يهمني في كل أعمالي سواء أكانت قصة أو نصاً نثرياً أو عملاً روائياً.

 روايتك السفر إلى حيث يبكي القمر قد كانت محطة الاهتـــمام من قبل طلاب الدراسات العليا في جامعة حلب كلية الآداب، ما الذي وجدته سها جلال جودت عن هذه الدراسة وما كان أثرهــــا في نفس الدارسين ؟؟؟
 لعلها المرة الأولى التي واجهت بها وجهاً لوجه مجموعة من الطلبة في كلية الآداب جامعة حلب قسم الدراسات العليا وهذا مرجعه إلى تكريمي من قبل الأديب والناقد الدكتور أحمد زياد محبك الذي كتب عن هذه الرواية دراسة نشرت في العديد من الصحف والمجلات وذلك لسبب كتب عنه قائلاً:

هل يمكن أن نقترح مصطلحاً جديداً في النقد الاجتماعي للرواية: وهو رواية الفساد؟ هذا المصطلح توحي به رواية " السفر إلى حيث يبكي القمر "، فهي تصور الفساد، وهنا يمكن السؤال أيضاً: هل الفساد حالة فردية؟ أم هل الفساد ظاهرة عامة؟ هل الفساد هو حالة داخلية نفسية أم حالة خارجية اجتماعية؟ هل الفساد نتاج وسط وبيئة وتربية أم هل هو نتاج سلالة ووراثة يُرْضَع مع الحليب ويُتَوارث عبر الجينات؟ وأخيراً ما الفرق بين الفساد والجريمة؟
هذه أسئلة يمكن أن تثيرها قراءة الرواية، ولذلك هل يمكن فعلاً تسميتها رواية الفساد؟

ولدى مواجهتي بأسئلة الطلبة أيقنت أن عمل الكاتب حين يخرج من بين يديه ويصبح كتاباً يتداوله الجميع عليك أن تصغي بحكمة واتزان إلى كل ما يقال لأن الكلام نتيجة دراسة وتمحيص وتحقيق، وهذا أمر جدُّ هام، فالقارئ الدارس غير القارئ العادي لأنه يبحث وينقب عن الأسباب التي دفعتك لحراك البطل من زاوية قد يراها هو مغايرة لما اخترته أنت وعليك أن تقنعه بوجهة نظرك من خلال منظورك الاجتماعي للناحية التي اخترتها، والأمر الذي لفت انتباهي في أسئلة الطلبة لماذا لم أضع الحل لحياة البطل، وهل كنت من وراء هذا العمل أفكر بالعالمية، ولماذا كانت لغة البطل فوق مستواه الثقافي وإلى ماذا كنت أرمز من عنوان الرواية وأسئلة كثيرة تعرضت لها ، وكانت غبطتي كبيرة وسعادتي أكبر لأنني شعرت في هذا الحوار أنني ازداد علماً ومعرفة بفن الرواية مما يدفعني إلى تأكيد جملتي التي زيلت بها مقدمة كتابي المخطوط - الأدباء يكتبون طفولتهم- / يبقى الإنسان تلميذاً فإن قال كفى فقد جاءه الأجل/.

 تبقى الطفولة العالم الذي نتوق إليه بأفئدتنا و تبقى الذكريات تسطر قوس قزح على جدران الذاكرة، و كتابك الأدباء يكتبون طفولتهم يسجل حضوراً رائعاً في هذا المجال ، فما هي الخطوط التي رسمتها سها جلال جودت لهذا الإبداع ؟؟؟
 كتابي الأدباء يكتبون طفولتهم هو نتيجة هذا العزف الداخلي للطفولة فانا عاشقة للطفل، وقد أردت من خلال هذا الحب أن أرصد حياة طفولة الأدباء. كيف نمت وعلى ماذا شبت حتى تفجر الإبداع بكل هذه العطاءات الفكرية والأدبية، ورسم الاستبيان لم يأت هكذا من أجل صناعة كتاب فقط، بل كان نتيجة وعي بكوامن الطفولة وبأصول نشأتها، وسيرى القارئ حين يظهر الكتاب إلى النور أهمية ما سعيت له ووثقته فهو لم يقتصر على مساحة جغرافية خاصة لأنه ما يزال مفتوحاً من المحيط إلى الخليج .

 النقاد هم المصابيح التي تضيء الطريق للكاتب و تسلط الضوء على حروفه لتسبر مغاورها، ما رأيك بالنقد من جهة و النقاد من جهة أخرى ؟؟؟

 الناقد ذواق للكلمة وذائقته تعتمد على لغته وثقافته وتحرير أفكاره من التبعية الشللية باعتماده على الروائز النقدية التي تتجلى في دراسة الشكل والمضمون الذي يتضمن اللغة، الأسلوب، الحدث أو مجموعة الأحداث داخل صراع الشخصيات بمعالج فني يحكمه البناء النصي في جسد الرواية أو القصة أو القصيدة الشعرية أو حتى في فن المقالة أو الخاطرة ذلك لأن هذه الفنون جميعها تقدم نموذجاً هاماً في حياة الشعوب لأنها تمثل التاريخ.

والنقاد لا يتفقون مع بعضهم في تحليل نص تحليلاً متوافقاً لا بد من وجود خلاف متواتر بين كلا الناقدين، وفي نهاية الأمر لولا وجود الخلاف ما برزت أهمية النقد وما كان في الساحة الأدبية نقاد ، إن الذي يميزهم خلافهم، وهذا الخلاف يفتح آفاق المبدع على تصوراته وميوله وحركته داخل النص أو خارجه.
 الأديبة سها جلال جودت قدمت ثلاث مجموعات قصصية ما موقع القصة القصيرة بين الأجناس الأدبية، و هل حقيقة أصبحت تزاحم الشعر، و ما هي رؤيتك المستقبلية لهذا الفن ؟؟؟؟
 لكل نوع من الأنواع الأدبية ميزته ومتذوقوه فمن يتذوق الشعر لا يمكنك أن تفرض عليه قراءة قصة، وإذا كانت القصة قد بدأت تأخذ حيزاً في هذا الامتداد الجغرافي الطويل على مساحة الكرة الأرضية فلأنها أثبتت حضورها الثقافي وهُويتها الأدبية، والمستقبل لا يعني كاتبة أو كاتب بل يعني من يمثل هذا الفن ويمتثل إلى شروطه الفنية من حيث امتلاكه لأدوات القص وحراك الشخصيات ضمن صراعاتها وأحداثها في واقع ملموس أو ميتافيزيقيا الجمال، وكلما ازددنا فهماً للتعامل مع هذه الأدوات وكيفية حراكها كلما حافظنا على تقدمه وإثبات وجوده كفن له قيمة في مجال الأدب .

 ( الحلم والطفولة ) صنوان متلازمان يسهمان في بلورة خــيال الروائـــي الأديب، أين تقف الطفولة و الحلم في ذاكرة الأديبة .
*- الحلم والطفولة سيمفونيتي التي أعزف عليها بعطاء المحب المجتهد، وطفولتي ثرية غنية وأحلامي كانت منصرفة عني في تأملاتي التي لا تنفك تغادرني ، تأملت السماء والشمس والليل والنهار ، غصت مع معالم الطبيعة حتى سكنت ذاكرتي ، أعيش حالة الطير في تغريده، وأحلق مثل الفراشة حين أحقق نجاحاً على الصعيد المهني أو الفكري لأنه من اختيار ذاتي وبوعي من رشاد العقل، كل ما أكتبه نتيجة اختزان الذاكرة الطفلية لعلاقة الإنسان مع البحر والغابات، مع النهر والينبوع، مع البحيرة والأشجار، مع الطير والأسرة ، طفولتي لا تغادرني وإن غادرتني معنى هذا أنني انتهيت، ووجودها في ذاتي يعني وجود الحلم واستمراريته.

 هل تجدين أن الإعلام يقف موقف المنصف من الأديب المبدع في الساحة الأدبية؟ وأي الصحف أو المجلات استقبلت ما تكتبينه ؟
 لماذا كان عليك أن تضع مبضع الجراح على عنق الأديب ؟ سؤالك وجيه وجدير بنا أن نطرحه دائماً لأن الإعلام غير مؤهل لمناصرة قلم الأديب، إنه مؤهل لخدمة السياسة ومن يكتب في السياسة، فهو محكوم، ولأنه محكوم لا يمكننا أن نجد بسهولة من يأخذ بيدنا من دون انتظار قد يكون جدَّ طويل أو إهمال وعدم رد حتى بمجرد اعتذار عن النشر، كما أن الشللية الإعلامية هي الطرف الثاني من الألم ، نحن مجاهدون بلا أجر وهل يرضى المجاهد أجراً على جهاده ! أما عن الشق الثاني من السؤال فلن أنكر فضل صحيفة الجماهير في مدينتي حلب الشهباء التي تمثل هذا العام عاصمة للثقافة الإسلامية لأنها أقدم مدينة مأهولة بالسكان وتحتوي على العدد الأكبر للمساجد كما أنها اشتهرت بتذوقها للفن والطرب، وحقي أن أفخر بالانتساب إليها فلقد فتحت لي باب الصحيفة من أول مادة تربوية كتبتها وما زلت أتعامل مع هذه الصحيفة حتى كتابة هذه الكلمات.

 عكف بعض المبدعين على نشر نتاجاتهم الإبداعية على الشاشة العنكبوتية، وقد قرأنا لك بعض مشاركات في المواقع الأدبية، ما رأيك بالنشر الألكتروني، وهل هذا النشر يحقق للأديب طموحاته؟
 إنها برمجة الشبكة التي جعلت كل بعيد قريباً، لقد أصبحت من خلالها تنطلق نحو العالم الذي لا يمكنك أن تسافر إليه، وكل ما تكتبه لا رقابة إعلامية أو سياسية تحظر عليك نشر مادتك فيه، لهذا كما ذكرت عكف بعض المبدعين على نشر نتاجاتهم من خلال هذه الشاشة العنكبوتية، وأنا حين دخلت بعض المواقع وساهمت بالنشر فيها تعرفت على أسماء عربية وشخصيات هامة وأصبح بيننا تواصل المعرفة وتبادل الآراء ومناقشة المواضيع الثقافية التي تهمنا والنشر الألكتروني لا يغني أبداً عن طباعة الكتاب ورقياً لأنه الأثبت وجوداً وحقيقة وقيمة، وللمعرفة فقد وصلتني الكتب الورقية من بعض المبدعين الذين تعرفت عليهم من خلال هذه الشاشة تأكيداً على عدم الاستغناء عن الطباعة الورقية لما لها من أهمية، أما عن النشر الألكتروني فهو لا يحقق للأديب طموحه بل أعتبره أنا متنفساً ثقافياً حراً، ودائرة مفتوحة مركزها الشبكة وأنصاف أقطارها المواقع وعليك أن تدرس الموقع ومن هم القائمين عليه قبل أن تضع هُويتك الثقافية فيه، وكلمة أخيرة لولا هذه الشبكة ما حصل هذا اللقاء بيني وبينك ، أشكرك أستاذ حاتم .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى