الأربعاء ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠١٨
بقلم محمد علّوش

د. فياض فياض يرحل فياضاً بتضاريس الحّب

يرحل عنا وجه البد،يرحل فياضاً بتضاريس الحب
إلى ملكوت الرغبة والإصرار
يرحل مشتاقاً للأرض
يحمل إنجيل الصبح قناديل
يحمل أوجاع الأرض مناجل.

يرحل عنا وجه البدر
تودعني الذكرى
لأظل شقيّ الأحلام
أنا لست صديقاً للنسيان
فأنا دوماً أتطلع للآتي
أنتظر مجيئك فياضاً بالدهشة
وأياديك البيضاء تعانق حبر الشوق
وقصائدك وحيدة
تمخر قلبي المثقل!!

رحل صديقي ورفيقي الدكتور فياض فياض، هذا الإنسان الرقيق، الجميل والراقي، المناضل الشيوعي العريق الذي عاصر أصعب المراحل وأشدها وأقساها في تاريخ الشعب الفلسطيني، مناضلاً صلباً، وثابتاً على الثوابت والمبادئ والقيم التي آمن بها، وناضل من أجلها طلية سنوات عمره.

عرفته شاعراً وكاتباً يبحث دائماً عن الاختلاف، وعرفته طبيباً مخلصاً في مهنته ويمد يد المساعدة للفقراء دون تردد أو منة، وعرفته فلاحاً أصيلاً منتمياً للأرض التي عشقها حتى آخر لحظة من حياته.

لي معه ذكرياتٌ جميلة وعديدة، حيث التقينا دائماً على المحبة والوفاء والصداقة، والتقينا دائماً وكانت الثقافة عنوان اللقاء، وكان الوطن وقضاياه، وكان الفقراء والعمال والكادحون وهموم الشعب هم شغله الشاغل، حيث تتداخل العام مع الخاص في مسيرة نضاله وعطاءه.

كان اللقاء دائما فيه مراجعة وفيه نقد للواقع وفيه مواجهة للتحديات التي تواجهنا، حيث تجلت مواقف الدكتور فياض الراسخة من مختلف القضايا وبخاصة تلك القضايا والأسئلة الصعبة التي لا يجرأ الكثيرون على طرحها ومناقشتها.

عرفته ثورياً تقدمياً مبادراً ومثقفاً كبيراً ووفياً للمبادئ التي يؤمن بها، حيث آمن بالشيوعية وقدرتها على معالجة مشاكل العالم، وآمن بالأممية والصداقة بين الشعوب، وكان يعتز دائماً بتلك الحقبة التاريخية التي عاشها في يوغوسلافيا حيث تعمق انتماءه الاممي والطبقي، وانطلق من هناك إلى فضاءات أوسع وأكثر رحابة حيث عرف الدكتور فياض في مختلف الساحات وربطته علاقات وثيقة مع شيوعيي الداخل المحتل ومع الشيوعيين الأردنيين ومع الفلسطينيين بطبيعة الحال من خلال مواقعه في التنظيم السري للحزب الشيوعي الفلسطيني، وأيضاً ربطته علاقة وثيقة مع جبهة النضال الشعبي الفلسطيني التي وجد ضالته في أطروحاتها الفكرية والاجتماعية والثقافية فكان مثابراً على حضور ندواتها وبرامجها الثقافية المتعددة.

لقد أحب الاستماع إلى الحكايات والقصص التي يسردها على مسامعي في لقاءاتنا الأسبوعية، حيث التاريخ والثقافة والمواقف، كنت انتظر اللقاء معه دائماً ونجلس ونتحدث ونناقش ونفتح صفحات من تاريخ البلاد، من دير الغصون حتى آخر العالم.

هذا هو صديقي الدكتور فياض الذي أفتقده، أفتقده جداً، وكم كان مفجعاً هذا الرحيل وكم كان حزيناً أيضاً أن أقف في وداعه الأخير وتأبينه.

ما زلت أعيش الحزن في عام الحزن..

ففي مطلع هذا العام توفي والدي وخلال العام توفي عدد من الرفاق والأصدقاء الذين أعزهم، واليوم يرحل صديقي ورفيقي الكبير الدكتور فياض فياض "أبو عدنان".

عرفته من أخلص الناس ومن أصدق الناس في علاقاته وفي حرصه الدائم على التواصل وكم كان حريصاً كل الحرص على تجذير العمل الوطني وعلى مستقبل الشيوعية التي آمن بها لتكون عنوان تطور وازدهار وسلام للبشرية ككل.

رحل صديقي الرفيق الدكتور فياض فياض وكم هو صعب عليّ هذا الرحيل المفجع لرجلٍ ربطتني به علاقات وطيدة كنا خلالها صديقين عزيزين رغم فارق العمر الكبير بيننا فقد كان يقول لي دائماً انه يرى شبابه الماضي في عملي وفي نشاطي الوطني والثقافي.

قبل أيام قليلة التقينا وتحدثنا طويلاً حول السياسة والثقافة والمجتمع واستعرض لي محطات مهمة من حياته وخصوصاً ذكرياته من أيام الدراسة في يوغوسلافيا.

تحدث لي عن محطات من تاريخ الشيوعيين الفلسطينيين وعن جذور الحركة الوطنية في طولكرم وكتب مقالته الأخيرة عن المحامية والمناضلة الأممية فليستيا لانغر وقد ساعدته في نشر المقالة في مواقع مختلفة وفي جريدة "الاتحاد" الحيفاوية التي كتب على صفحاتها منذ عقود طويلة، وكنا قد اتفقنا أن يكتب الدكتور فياض سلسلة مقالات تحت عنوان "نافذة على الذاكرة" فكتب المقالة الأولى عن رفيقته الشهيرة لانغر ومقالته الثانية من هذه السلسلة وكانت عن رفيقه وصديقه القديم المحامي المناضل فتحي شبيطة حيث أنهى المقالة قبل يوم واحد من رحيله، وقد أرسلها صديقي د. صفوان لي وجهزتها للنشر وأرسلتها لـ "الاتحاد" ونشرت في اليوم التالي، وفي ذلك وفاءٌ لسيرة ومسيرة هذا المناضل الذي ظل وفياً لرفاقه ولمنهجه الماركسي حتى آخر الأنفاس.

الدكتور فياض، الرجل الثمانيني، الطيّب، والمثقف الكبير الذي لا تمّل من الاستماع إليه، فكنا نجلس ونتحدث ونناقش ونستعرض وننبش في الذاكرة وقد تعملنا منه الكثير.

امتاز بالبساطة الآسرة، وبحبه للثقافة والفكر وحبه الجم للأرض والعائلة والأصدقاء، وكم كان يحزنه في العامين الأخيرين عدم القدرة على القراءة بسبب مشاكل النظر وهو الحريص كل الحرص على القراءة وعلى المكتبة واقتناء الكتب.

كتب الشعر، وكانت أشعاره مختلفة وتحمل كل سمات الاختلاف، يكتب عن قضايا الإنسانية المسحوقة والمعذبة بعيداُ عن الترف الفكري والإبداعي والفن من أجل الفن، حيث كان يعتبر مضمون القصيدة هو الأهم وليس شكلها، وهنا كنا نختلف ونتناقش ونبتعد كثيراً في أتون الشعر، حيث يتمسك بموقفه من أن الشعر تحريض وتعبئة وتثوير وغضب وليس مجرد أبعاد فنية ودلالية يحاول الشاعر من خلالها أن يبوح بقصيده.

كتب المقالة السياسية والاجتماعية وكتب مقالات عديدة تتناول مسيرة حياته المهنية والحزبية والاجتماعية ونشر عدة كتب شكلت بدون أدنى شك إضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية بشكل عام ولي شخصياً بشكل خاص حيث أعتز بالكتب التي أهداها لي.

سبق لي أن نظمت ندوة ثقافية خاصة تناولت التجربة الشعرية والأدبية للدكتور فياض ونظمنا الندوة في مقر جبهة النضال بطولكرم وشارك فيها لفيف من المدعوين والمهتمين من شعراء وأدباء ومثقفي وسياسيي طولكرم وكان سعيداُ جداً بهذا اللقاء الذي اعتبره تاريخيا واعتبره وفاء له ولتجربته التي لم تحظى بالاهتمام ولا بالرعاية وكانت بعيدة عن الأضواء وعن مركز الاهتمام من قبل القائمين على المؤسسة الثقافية.

اللقاء الثاني الذي عملنا هو وأنا على تنظيمه كان عن صديقنا المشترك، الشاعر الكبير الراحل سميح القاسم حيث نظمنا ندوة ثقافية كبيرة وهامة في قاعة "العدوية" بتنظيم مشترك من جبهة النضال وحزب الشعب وكان اللقاء كبيراً ومشهوداً تولى عرافته الراحل الكبير د. فياض وتحدث فيه الأصدقاء المشتركون الأديب والقاص محمد علي طه والأديب والناقد د. نبيه القاسم.

وكان لنا صولات وجولات مشتركة بصحبة الصديق المشترك الشاعر عبد الناصر صالح في مدارس وجامعات طولكرم حيث تميز صديقنا الراحل بحرصه على الفعل الثقافي وعلى تنشيط المشهد الثقافي الفلسطيني.

بالتأكيد رحيل الدكتور فياض خسارة لعائلته الكبيرة والصغيرة، خسارة لنا نحن محبوه الذين كنا نختلف معه أحياناً ولكن لا نختلف عليه أبداً فهو من حراس الفكرة ومن حملتها الأوفياء وهو من الأحبة الذين عشنا وإياهم وتقاسمنا معهم رغيف الأمل وأيقونة الحلم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى