الاثنين ٣ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم يوسف ناصر

أيّها المغتربون... ويا سكـّان قلوبنـا أنتــم ...!!!

... أيّها المغتربون الأحبّاء أينما كنتم... وفي أيّ مكان من بقاع الأرض انتهى الترحال بكم ...!! ويا سكّان قلوبنا المقيمين في ألسنتنا.. المغتربين في صدورنا وإن نأت الديار بكم ..!! ويا أيتها الدرر التي نزعتها منّا أيدي البحار وسلبتها من تيجان الأوطان عوادي الزمن ...!! إني لأسمعه كلّ يوم يسأل عنكم بأسى ذلك التراب المقدّس الذي كفّن أجدادكم .. كما تحنّ إلى سماع وطء أقدامكم تلك العظام الهامدة التي طال عنها غيابكم منذ أن نامت في ثرى الوطن الحبيب ...!! وإنّي لأرى جباله الشمّ تشيربيدهاوتستوقف الرياح الآتية من خلف البحارلتسألها عن أبناء أحبّاء على قلوبها رحلوا عنها يوما ..إنّهم أنتم...!!! ولقد شاهدت الصفصاف على الضفاف مسح بمنديله عن مآقيه دموعا سحّت عندما تذكّركم...!! ونحن أيّها الأحبّة كلّما هاجنا الشوق إلى لقياكم.. مددنا أيدينا إلى صدورنا ونزعنا منها قلوبنا.. وبعثناها مع الرياح إليكم لتتكلم عمّا بنا من وجـد وشجن لما نالنا من بعادكم.. ولتقول لكم عنّا أنّنا في البلاد لا ننساكم وإن ودّعتمونا وسرتم مع الدموع من أوطان غالية عليكم تركتم قلوبكم فيها.. وما تزال مذ رحلتم عنها تردّ عنها وهج الشمس تحت خيمة الليل البهيم ....!!!

..تيقّنوا أيّها ألأحبّة ... إنّ الأوطان التي اغترب عنها أبناؤها الى بلاد الله الواسعة سعيا وراء الحياة ، أوطان اغتربت هي قبل أبنائها إلى بلاد الموت ..!! وركبت جبالها وسهولها متون السفن واقلع بها الجهل والفقروالتعصّب على ظهور الزوارق ليلقي بها عند شواطىء الفناء والهلاك في هذا العالم.....!!
... إنّ الأمّة التي تنفي أدمغة أبنائها الى كلّ مكان قصيّ في الدنيا على غير رجعة إليها.. هي أمّة تحزّ بيديها رؤوس أبنائها وتضع على مناكبهم رؤوسا من حجارة لها عيون لا تبصرألق النور...!! وآذان لا تسمع نحيب العدالة...!! وألسنة لا تنطق بكلمة المحبّة... وأنوف لا تستنشق شذا الحريّة في هذا العالم...!!

.. أيّها الأحبّة... إنكم خرجتم إلى أمّة ألمّت بها الحــريّــة منذ زمن سحيق ومعها المفاتيح لكلّ أبواب سجونها وأطلقت منها أبناءها بعد أن جئتم من أمـّــة يأ بى ســجّانوها أن يكون للسجون بـاب واحد يطلّ النجم برأسه في الظلمة منه على المحبوسين في غياهبها مع الفقر والجهالة والدمع الهتون...!!!
... جئتم إليها من أمّة إستغنت عن ربّها وعبدت أصنامها .. وأنكرت أسيادها لتركع أمام عروش عبيدها منذ عهد سحيق... وما يزال أكثر ملائكتها البشريّة من نسائها إماء وجواري... وبناتها لسن غير إناث خليلات .. ما خـُـلقن إلاّ ليكنّ فراشا وثيرا في الفراش...!! وآبارا ُتـلقى في جنباتها قمامة الأجساد...!! ودررا مرميّة لا تدري البهائم ما الذي تطؤه أرجلها في الوادي الخصيب...!!!

... لقد خرجتم من أمّة يضرب الجوع أعناق أطفالها بالمناجل.. ويقطع الاستبداد ألسنة أقلامها بالفؤوس.. وإنّها أمّة مقطوعة الرأس والأيدي والأرجل لا تقوى على السير قد غلبتها السلحفاة.. حتّى انتهى بكم الترحال عند أمم لها رؤوس كثيرة وأيد طويلة وأرجل عدّة تختال بها فوق النجوم والكواكب...!!!
... كنتم أبرارا لأوطان لم تبرّ بكم ...!! وأوفياء لبلاد جارت عليكم... ورغم جورها بنيتم مجدها هناك من حجارة الذهب بأيديكم...!! وأضأتم سماءها بقلائد معلّقة فوقها من قلوبكم...!! وملأتم الدنيا حروفا من ماس مسبوكة في ألسنتكم... وما كتبتم بحبر غير الدموع تقطرحنينا إليها من أقلامكم... يا من شهدتم بعباقرتكم أنّكم سلالة أمّة حملت الشمس على كتفيها زمنا إلى أمم قلعت الظلمة أعينها وفاقت أهل الكهف سباتا....!! وأنكم من قوم كان دهرا يقبض على الجبل الأشم من هامته.. ويجرّه وراءه الى الوادي يصرخ.. حتّى يُخرج نخاعه من قحف رأسه ويلقيه مأكلا للدود، وطعاما للنسور التي تتحلّق حوله في الوادي العميق...!!!
r
.... مجّدتم بلادكم حين منحتم الأنسانية جمعاء مجدا من أمجاد البلاد التي رحلت معكم... وأعطيتموها من عبقريّتها التي اغتربت فيكم ... وكلّما ضربها الأعداء على كرامتها كنتم في الغربة أوّل قلب بين قلوب أبنائها يتوجّع... وأسخى عين تدمع... وخير أذن تسمع...!!
...لكم منّا أيّها الأحبّة كلّ تحيّة وتجلّة.. إنّ الزهرة الشذيّة التي تزهو في الحقول تشهد بجمالها أنها من ذريّة أجدادكم ..!! والصخرة الأبيّةالتي تقيم في سفوح الجبال تعترف أنها حبلت بها بطون أمّهاتكم ...!! والجبل الصابر يقصّ على الزمان أنّه بكبريائه ربي أيّام طفولته في أحضان آبائكم في ذلك العهد الرغيد..!!

.. يا أخوتي خلف البحار.. ويا أحبتي حيث كنتم في المهاجرالبعيدة... بأبــي أنتــم وأمّــي ..!! لا تتعجّبوا.. نحن الغرباء في أوطاننا وأنتم المواطنون في غربتكم...!! لا تحزنوا يوما ولا تبكوا علينا ساعة... إننا معكم نحيا على الرجاء.. ومثلكم نعيش على الألم وننتظر نجم المجوس حتّى يطلع...!! لكننا نخشى أن تطول الظلمة لأننا سبقنا الدنيا كلّها الى الجحيم قبل الموعد...!! وكأنّي بيوم الله الرهيب قد اقترب.. وساعة الدينونة قد حانت.. فقد كثرت بيننا الأوبئة والزلازل.. والذي على السطح لا ينزل.. والذي في الحقل لا يعود... ويل للحبالى والمرضعات .. لأنّني أخشى ألاّ ينجاب الليل ويكون الطوفان ُخـلق لنا وحدنا دون أمم الأرض في هذا العالم...!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى