الأحد ١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٨

اللغة العربية:لست لها شيخوخة

أحمد معراج الندوي

تتميزُ اللغة العربية بما لا تتميزُ بها أي لغة أخرى، فاللغة العربية ليست كأي لغة من اللغات الأخرى، بل هي فريدة من نوعها، قد اختارها الله تعالى من بين اللغات جميعاً لتكون وعاء لكتابه الخالد القرآن الكريم. أيضاً اختارها لتكون لسان نبيه الأمين؛ لذا أوجب الشارع الحكيم تعلمها حتى يفهم مقاصد الكتاب والسنة. إن اللغة العربية لغة قوية، وضع اللهُ عز وجل فيها كلَّ مقومات البقاء، قد أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل لأقوامهم بلغاتهم وانزل لهم كتبهم بنفس تلك اللغات لكنه عندما جاء بالرسالة العالمية الخالدة الخاتمة اختار لها نبيا عربيا وأنزل عليه كتابا يحمل النور للبشرية جمعاء باللغة العربية.

إن اللغة العربية قديمة في الزمن، ويصعب أن يحدد تاريخ نشأتها، ولكنها أقرب اللغات إلى الطبع والطبيعة. فإن العرب في جاهليتهم قد استنبطوا شيئا أهم وأعظم مما ابتكره الآخرون ، وهي لغة الضاد ونطقوا بها نثرا وشعرا، ولئن تعددت لهجاتها، فقد وحدت بينها الأسواق الأدبية كسوق عكاظ، ثم جاء بها القرآن الكريم ،فزادها ثراء وأغناها أفكارا، ووحد النطق بها، فانتشرت في الأصقاع والبلدان، حيث انتشر الإسلام، وغدت لغة شعوب متعددة الأصول، فوحدت أمة في ظل هذه اللغة الفريدة.

إن اللغة العربية أقدم اللغات التي وما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال،لقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها للآخرين فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة بفنونها المختلفة منها المعاني والبيان والبديع .وقد غبر دهر طويل كانت اللغة العربية هي اللغة الحضارية الأولى في العالم. لقد أخذت اللغات الرئيسية في العالم فيها الكثير من المفردات العربية الأصيلة التي يراها كثير من الباحثين تأثرا باللغة العربية وأخذا منها، واراها أنا امتداداً للغة العربية الأم التي تُعْتَبَرُ هذه اللغات تفرُّعا عنها، وامتدادا موغلا في القدم لها قدم البشرية على هذه الأرض، فهي لغة ادم حين علمه الله الأسماء وحين انزله على الأرض، ثم تكاثر البشر وتباعدوا وانقسموا أمما وشعوبا وتغيرت ألسنتهم وابتعدت كثيرا حتى غدت لكلِّ أمَّة لغة خاصة بها تختلف في شكلها وطريقة نطقها وكتابتها ، لكن آثارَ الأصل ما زالت موجودة مشتركة بينها تحتفظ ببعض المعاني والكلمات من أمها العربية الأصيلة رغم بُعدِها واختلافها عنها. وليس من لغة في العالم إلا وتشتمل على ألفاظ من أصل عربي، ولاسيما الإسبانية والفرنسية والانكليزية والتركية والإيرانية وغيرها كثير، وهي استوعبت فلسفة اليونان وعلومهم، وترجم إليها كتب من مختلف الثقافات، فتماهت عبرها كل معارف عصرها قديما وحديثا، وحافظت على قوتها دوما.

إن اللغة العربية هي الأداة التي نقلت الثقافة العربية عبر القرون، وعن طريقها وبوساطتها اتصلت الأجيال العربية جيلاً بعد جيل في عصور طويلة، وهي التي حملت الإسلام وما انبثق عنه من حضارات وثقافات، وبها توحد العرب قديماً وبها يتوحدون اليوم ويؤلفون في هذا العالم رقعة من الأرض تتحدث بلسان واحد وتصوغ أفكارها وقوانينها وعواطفها في لغة واحدة على تنائي الديار واختلاف الأقطار وتعدد الدول.

اللغة العربية هي لغة ملكت مقومات ريادتها على مدى قرون وقرون، استوعبت ثقافات وحضارات عريقة على مدى التاريخ ،وحملت دوما كنوزا في كل أنواع المعارف والعلوم والثقافات. وكان عندها أسباب القوة، فهي لغة القرآن، وتتميز ببناء قوي محكم، وتملك مادة غزيرة .لقد حملت رسالة الإسلام فغنيت بألفاظ كثيرة جديدة للتعبيرعما جاء به الإسلام من مفاهيم وأفكار ونظم وقواعد سلوك. وأصبحت لغة الدين والثقافة والحضارة.

إن اللغة العربية لغة ثرية بمفرداتها وتراكيبها، بل هي من أثرى اللغات، ولن تعجز عن أن يكون فيها مفردات تعبرعن هذه المصطلحات العلمية الحديثة، وللمجامع اللغوية العربية جهودٌ في تعريب الألفاظ والمصطلحات وأسماء الآلات والأجهزة الحديثة، وما زالوا يخرجون العشرات من الألفاظ الجديدة التي تحتملها اللغة العربية تعبيرًا عن مصطلحات وكلمات أجنبية. واللغة العربية قادرة على استيعاب كل جديد ، مضافا إلى تأييد كافة المعايير العلمية لقوتها وإمكانية خلودها على أرض الواقع.

إن هناك الكثيرمن اللغات في العالم التي يطلق عليها الآن لغات ميتة أو لغات منقرضة ولغات لا يتحدث بها أحد اليوم. قد ظهرت على وجه الأرض الكثير من اللغات ولكن مع مرور الزمن ذهب مع أدراج الرايح. أما اللغة العرية ، فإنها حظيت اللغة العربية بما لم تحظ به لغة أخرى من عوامل القوة والبقاء. واللغة العربية فهي اللغة الوحيدة التي حافظت على بنيتها، وكتب لها البقاء والخلود. إذن فاللغة العربية هي اللغة السامية الوحيدة التي قدر لها أن تحافظ على وجودها وأن تصبح لغة عالمية.

وقد أصبحت اللغة العربية اللغة العالمية الأولى في مختلف العلوم والفنون في عصر ازدهار الحضارة العربية الإسلامية منذ القرن الثالث الهجري، وإن عالمتها ظهرت واضحة عندما كانت البعثات العلمية في مختلف الأقطار الأوربية. ولقد بلغت اللغة العربية في أوج ازدهار في القرن الرابع الهجري وأصبحت أغنى وأبسط وأقوى وأرق وأمتن وأكثر اللهجات الإنسانية مرونة وروعة.
إن اللغة العربية ليست من اللغات التي نشأت من اختلاط الإنسان بالمحيط الذي يعيشي فيه، فهي ليست مأخوذة من أي لغات العالم ولا مقتبسة من لغة أخرى، بل هي أول اللغات وأولها استعمالا على وجه البسيطة، حيث إن العربية الأصل لجميع اللغات على وجه الأرض. لم تظهر مع مرور الزمن وبلغت إلى ذروة الكمال والفن. في هذا الصدد يقول المستشرق الفرنسي إرنست رينان : "اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة".

كانت اللغة العربية هي لغة العرب قبل الإسلام. تظهر مكتملة ناضجة في الشعر الجاهلي. فالغة العربية ليست لها طفولة ولا شيخوخة. كما يقول المستشرق الغربي الفرنسي رينان: يقول: "إن هذه اللغة تميزت بالنضج من أول ظهور لها وحتى الآن، فلا يُعرف لها طفولة، ولا يعرف لها شيخوخة، برغم أنها ظهرت وسط أقوامٍ متفرقين بدوٍ مرتحلين ليست لهم دولةٌ ولا مدينة ولا حاضرة متحضرة" أما المستشرق الألماني فريتاغ فيقول:" اللغة العربية أغنى لغات العالم". إن اللغة العربية هي اللغة الأم، وهي أول لغة تحدث بها الإنسان الأول، وهي اللغة الشابة التي لا يمكن أن تنتهي أو تموت كما يحدث مع باقي اللغات التي تموت وتنتهي كما يموت الإنسان وأن العربية صفة لهذه اللغة وليست اسما لها، وأنها سوف تكون اللغة الشابة.
ظلت هذه اللغةُ قويةً شامخة برغم كل ما حدث لها من هجوم ومحاولات هدم وتدمير، لأن هذه اللغة هي لغة القرآن، لذا فإنها ستظل باقيةً ما دام القرآنُ باقيًا.هذه تدل إلى أممية هذه اللغة وأصالتها وإشارة لسيادتها على جميع اللغات وديمومتها من بينها معتمدا في ذلك أيضا على وصف الله له بأنه لا اعوجاج فيه ولا نقصان أي انه لا يصل إلى درجة الاعوجاج والشيخوخة والموت والفناء.

إن اللغة العربية لا تحب أن تكون حبيسة في الجدران، بل تحب أن تكون حرة طليقة تطوي الأرض وتجوب الآفاق، وهي كذلك تحب أن تعيش دائماً شابة قوية لأنها تحيا وتتجدد مع كل الأجيال. إن اللغة ، ككائن حي، تحيا بحياة أبنائها، وتقوى بقوتهم، وتعز بعزتهم، وتسود بسيادتهم، وتتجدد مع الأجيال. فالعربية هي اللغة التي قدر لها أن تستمر وتدوم. فيمكن القول إن اللغة العربية هي لغة المستقبل، وستبقى حية قادرة على مسايرة الحضارة والتطور والتقدم.

أحمد معراج الندوي

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى