السبت ٢ شباط (فبراير) ٢٠١٩
بقلم محمد متبولي

أوركسترا الشتاء

أشتد الشتاء، كان الجو قارسا، توارى الجميع خلف المدافئ والأغطية، ليسمعوا بين حين وآخر أصوات الرعد والرياح العاتية والأمطار، وبدت الشوارع خالية من المارة، حتى الكلاب النابحة والقطط الضالة بحثت لنفسها عن مكان تختبئ فيه من ذلك الشتاء العنيف.

كان مثله مثل الآخرين يجلس مستترا بكل ما لديه من ملابس ثقيلة وأغطية خلف شاشة التلفاز، لتقطع مشاهدته من آن لآخر أصوات شيش يرتطم، أو زجاج يتكسر أو شجرة تسقطها الرياح، لكنه من بين كل تلك الأصوات كان يسمع صوتا عذبا يتصاعد إلى أذنيه من الخارج، فى البداية تجاهل الصوت ومع إزدياده قرر أن يتخلى عن أغطيته ويقوم ليفتح النافذة ويرى ما هنالك، وما إن فتحها حتى ملئ الصوت أذنيه.

كانت الرياح والرعد يعزفان مقطوعة موسيقية رائقة لم يسمع مثلها من قبل، أعجبته كثيرا، بدأ يشعر بالدفئ يتسرب إليه، تحرر من ملابسه الثقيلة، وأرتدى ملابس صيفية، ثم نزل للشارع وأخذ يرقص، لم يكن يجيد الرقص من قبل أبدا، حتى فى الحفلات والمناسبات القليلة التى كان يحضرها أعتاد أن يشاهد المدعوين وهم يرقصون من بعيد، لكن كلما إزداد صخب الموسيقى، كلما وجد نفسه يتحرك بخفة غير معتادة، وحرارة جسده تزيد.

ومع إرتفاع صوت الموسيقى، بدأت الأشباح تراقصة، ثم بدأ أفراد أوركسترا الشتاء الخفية يظهرون له واحدا تلو الآخر، لم يعد وحيدا فى هذا الشتاء القارس الآن، فقد أصبح يرقص مع عشرات الأشباح على مسرح كبير نصب فى قلب الشارع، ومن خلفه الأوركسترا، لفت إنتباهه أن تلك الأصوات المرتفعة، وحركاته الراقصة لم تجعل أى من الجيران ينتبهوا فيفتحوا النوافذ ليشاهدوه، لكنه لم يكترث، أكمل رقصته مع الأشباح، شعر بأن جسده يرتفع عن الأرض وهو يراقصهم، فأخذ يعلو ويعلو ويعلو حتى أختفى وأختفى معه المسرح والأوركسترا والأشباح والموسيقى، ولم يبقى من كل ذلك سوى نافذة منزله المفتوحة، وأصوات درفها وهى تصطدم ببعضها البعض تحت قسوة رياح الشتاء الباردة.

تمت


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى