الاثنين ١ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
بقلم عزيز العرباوي

محاضرات اليوم الثاني السبت 30 مارس

باحثون عرب يقاربون أعطاب غياب علم الاجتماع والفلسفة في الدراسات الإسلامية بالعالم العربي

ذكرالدكتور ساري حنفي، أستاذ علم الاجتماع ورئيس قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في الجامعة الأمريكية ببيروت، أنه من خلال معاينته على مدى سنتين ونصف للعديد من الجامعات العربية التي تدرس الشريعة والدراسات الإسلامية، تبين له بالملموس أن هناك قطيعة بين نخب العلوم الاجتماعية والإنسانية من جهة، وبين نخب الدراسات الإسلامية، معتبرا أن تلك القطيعة موجودة بموافقة ضمنية من كلا الفريقين، وهو أمر غير مقبول برأيه، لأنه يخلع الشرعية عن العلوم الاجتماعية.

وأضاف ساري حنفي في محاضرة له في اليوم الثاني(السبت 30 مارس (آذار) الجاري) من الجامعة الربيعية، التي نظمتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"بمدينة مراكش (المغربية)، حول "دراسة الإسلام اليوم: نحو دراسات إسلامية برؤى متعددة"، أن كليات الشريعة تشبه بعضها في العالم العربي الإسلامي، وأن هدفها هو نشر الدين الحنيف والتعريف به بعيدا عن التعصب والتطرف، وتساءل أن هذا الأمر إذا كان كذلك، فكيف يمكن له أن يتم بعيدا عن العلوم الاجتماعية؟ وكيف يمكن إصلاح كليات الشريعة إذا لم يأت الأمر من المجتمع والقاعدة؟

وأوضح حنفي في محاضرته المعنونة بـ "العلوم الاجتماعية والشرعية: علاقات تجاهل أم تنافس؟"، أنه اشتغل على الموضوع بشكل علمي واتخذ من جامعات المغرب، ولبنان، والكويت، نماذج لكي يقف على الطريقة التي يدرس بها الدين في جامعات الشريعة والدراسات الإسلامية في تلك الدول، فوجد أنها تتوزع على ثلاث مدارس: مدرسة كلاسيكية يمثلها الأزهر، يطغى فيها الاتجاه التقليدي والقليل من الاجتهاد، والاتجاه السلفي المنتشر في الخليج وتحديدا في السعودية والكويت، ثم الاتجاه المقاصدي المنتشر في المغرب، والذي أثر على مشايخ الزيتونة بتونس.

ومن خلال استعراضه وتحليله لمضامين مناهج كليات الشريعة والدراسات الإسلامية، والمواد التي تدرس بها، لاحظ حنفي أنها تعرف غياب الفلسفة وعلم الاجتماع، ولا تدرس فيها الأخلاق، ولا الطروحات الفكرية الكبيرة لمحمد عابد الجابري مثلا، أو مفكرين آخرين، معتبرا أنه لا يمكن تنزيل الفقه على أرض الواقع دون ادوات علمية كانت وما تزال تتطور في ظل العلوم الإنسانية بشكل عام، واللوم الاجتماعية بشكل خاص، لأن من أهم وظائف هذه العلوم هو ربط الممارسة الدينية، والانتماء الديني بالظواهر الاجتماعية الأخرى.

وأكد ساري حنفي، أنه على الرغم من إقرار الكل بأهمية علم الاجتماع وضرورته، فإننا لا نجد له أثرا في الدراسات الإسلامية والدينة، على الرغم من أهميته في مقاربة العديد من المواضيع الحساسة، ومن دوره الأساسي في الكشف عن الظواهر الاجتماعية والدينية، والبحث في مأسسة تلك الممارسات من خلال مؤسسات اجتماعية دينية، مشيرا إلى أن كليات الدراسات الدينية والشريعة ما زالت ترزح تحت وطأة الثنائيات الفكرية الحادة: شرق|غرب، عقلي |نقلي، ديني| علماني، والتي أثرت وما زالت تؤثر على الدراسات والبحوث، وجعلت أصحابها يختزلون فهمهم للواقع في محاربة الاستعمار، الشيء الذي خلف عطبا إبستمولوجيا وكسلا أمبريقيا، وتوجها نحو "أسلمة المعارف" بشكل عام.

وللخروج من هذا المأزق المعرفي الخطير، دعا حنفي إلى التفكير في تطوير مجال اللاهوت العملي، وإقامة حوارات بين الاختصاصات الاجتماعية والإنسانية والشرعية، وإدخال الأخلاق في دراساتنا الدينية، والاستفادة من نماذج ناجحة ككليات معارف الوحي بماليزيا، وأكد على ضرورة فتح مجال الدراسات الدينية بعيدا عن أي توجه عقائدي، لكل من له الرغبة والقدرة على أن يقوم بذلك، حتى ولو لم يكنمتدينا، وإلا سيظل الدين حكرا على الحوزات والطوائف، وغيرها من الحلقات المغلقة.

ومن جهته، تناولالدكتور عبد الله ولد أباه، أستاذ الدراسات الفلسفية والاجتماعية بجامعة نواكشوط بموريتانيا، في محاضرته المعنونة بـ "المباحث الكلامية من منظور فلسفة الدين"، الدراسات الكلامية، وقال إنها الجانب الأضعف في الدراسات الإسلامية، رغم أنها كانت من ضمن الاهتمام الأول للمستشرقين.

وتطرق ولد أباه لثلاث إشكاليات كبرى: الأولى تتعلق بالمنزلة الإبستمولوجية لعلم الكلام في الخارطة المعرفية التراثية، وتساءل هل هو مجرد علم للجدل والمناظرة، أم أنه نمط من اللاهوت العقلي، أو أنه يتضمن مقومات فلسفة كاملة للدين؟ وتتعلق الإشكالية الثانية بالتساؤل حول علاقة علم الكلام بالمدونة الفلسفية من حيث أنماط القراءة للنص اليوناني، والتداخل مع كتابات الفلاسفة المسلمين، وامتداد الإشكالات الكلامية في السردية الفلسفية الوسيطة والحديثة؟ أما الإشكالية الثالثة، فهي التساؤل عن موقع المباحث الكلامية في الفكر الإسلامي المعاصر، سواء على ضوء محاولات تأسيس علم كلام جديد، أو عبرتجاوز المباحث الكلامية ضمن فلسفة دين بديلة؟

وأوضح الدكتور عبد الله ولد أباه أن هيمنة دقيق الكلام، والطبيعيات على علم الكلام، جعلته يقع في مسلكين متباينين: مسلك أنطولوجي، يقوم بتحويل علم الكلام إلى فلسفة في الوجود، ومسلك تأويلي، معتبرا أن "الحديث عن بناء علم كلام جديدأمر مغلوط، وتأسيس فلسفة جديدة على علم الكلام، كلام فارغ، لأنه سيكون بمثابة اللاهوت البروتستانتي".

وعرفت هاتين المحاضرتين، نقاشا واسعا بين الباحثين والمفكرين المشاركين في الدورة الأولى من الجامعة الربيعية، التي نظمتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" والتي ستتواصل لغاية يوم الأحد 31 مارس (آذار) الجاري، بمدينة مراكش (المغربية)، وقد امتد هذا النقاش إلى الورشات العلمية التي أطرها باحثون أكاديميون عرب وغربيون بهدف تأهيل طلبة الدكتوراه العرب المشاركين فيها، وتمكينهم من العدة العلمية اللازمة الكفيلة بتحصينهم وجعلهم يسلكون مسارا معرفيا صحيحا، خاصة في مجال الدراسات الإسلامية التي تعرف نوعا من الفوضى والمغالطات الكبيرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى