الثلاثاء ١١ حزيران (يونيو) ٢٠١٩
بقلم هاتف بشبوش

وفاء عبد الرزاق، بين شينِ وحاموت(2)...

(الحب هوالديانة الحقيقية للتعقيد المفرط... أدغار موران).

ثم تتحدث الرواية عن عبودية المال والسرقات التي لم يشهدها التأريخ. مالُّ مصحوب بعنف وقتل على طريقة فاقت آل كاوبوني رجل العصابات الأمريكي الذي يقول (يمكنك الذهاب إلى مدى بعيد بابتسامة، ويمكنك الذهاب إلى مدى أبعد بكثير بابتسامة ومسدس). هذا المال الوفير ينفقه على أربعة نساء لكي يكمل شرع الله، ولم يبقيهنّ أربعة بل يطلق إحداهن ويبقي على ثلاثة فيحق له الزواج مرة أخرى وهكذا دواليك من أفعال مخزية بإسم تعاليم الرب.

أب يمارس الجنس مع ابنه الجميل الصغير ثم يسلمه لتاجر مخدرات ليشبع جوعه وحاجته للمخدرات مما يضطر الإبن لقتل أباه حرقا مع هذا التاجر بعد ان ذاق ذرعا منهما.

تشهد دولة شين ممارسة الجنس بمايسمى مرض (النيكروفيليا) أي ممارسة الجنس مع الميت بتلذذ، حيث يقوم شخص مقرب لشين بإغتصاب طفلة ثم قتلها وممارسة الجنس معها وهي ميتة. وهناك فتاوى اليوم تجيز بنكحة الوداع للزوجة الميتة تواً. وهذه الجرائم الجنسية مثلت في فيلم رهيب من تمثيل (جاكوين فوينكس) حيث يقوم راهب الكنيسة بممارسة الجنس اللذيذ مع المتوفيات قبل دفنهنّ على طريقة الممثلة الجميلة (كيم باسنجر) في أحد أفلامها (التاسعة والنصف) حيث يذوب الحب مع كل أطايب حلوى الكراميل والمربى المُلعَق بلسان حبيبها من فوق أديم أسفلها الإسفنجي.

هؤلاء الشاذون أهانوا الجسد بما لايريده الآيروتيك الذي يعني الأنسنة الذكية والحساسة للحب الجسدي، بل هؤلاء حتى البورنوغرافيا التي تلحق بالجسد الرفض والمهانة، أشرف من أفعالهم. العالم بات قذرا لايطاق في هذه الدولة المراد لها أن تحكم بإسم الإله حتى إنشطرت الى العديد من الآلهة. دولة الشياطين تأمر بالإبتعاد عن الفاحشة والزنا بينما هم مرتكبيها، بل انّ البشرية كلها جاءت من أصل زنا كما قالها أبو العلاءالمعري ذات يوم:

إذا ما ذكرنا آدمــــــــاً وفعالــــه
وتزويجه لإبنيه ببنتيه في الخنا
علمنا بأنّ الخلق من نسل فاجرِ
وأن جميع الخلق من عصرالزنا

تنتقل بنا الرواية الى زين العابدين ذلك المرتشي الذي أدخل السجن وظل يدافع عن نفسه من انه أراد مالَ الرشوة هذه لزيارة مكة والنبي، فيضطر القاضي أن يقول له أنت لست زين العابدين أنت أسوأ العابدين.

أننا في زمن مصاصي الدماء، رؤوس مقطوعة، وجثث مرمية لشباب بعمر الزهور،وشابات مقطوعات الأثداء، ومغتصبات بطريقة وحشية، استخرجت أرحامهن بعد ممارسة الجنس معهن، وهذا ماحصل فعلا مع عروس التاجي/ بغداد في العام 2006 وكيف قطعت أثدائها أثناء زفافها. وهذه لم تأتِ أعتباطا بل كان النبي ذات يوم أمر أحد الصحابة بردع إمرأة كانت تكيل له السباب بسببٍ أو بعدمه، فذهب اليها الصحابي وهي ترضع طفلها فقطع ثدييها ثم قطع عنقها ثم انقض على طفلها الغض وهو لمايزل بريالته الدافئة.

الإرهاب هو الدرجة القصوى من العنف، مؤسسي الخلافة جميعهم ماتوا قتلا، عمر وعثمان وعلي ويقال ابو بكر مات مسموما، فلماذا لانسأل عن ماهية عمق الصراع العربي من هذا المنطلق الذي مازال مستمرا حتى اليوم، العرب في قتال مستمر ولم يستطيعوا أن يؤسسوا مجتمعا مدنيا على طول عصورهم (كل شيء ميت لدى العرب عدا الله... أدونيس).

شياطين عديدة إنتموا الى المنظمة الكبرى للشياطين ((:أنور، امير، إسراء، بشرى، باسم، برهان، ثرية، ثورة، ثابت، حازم، حاذق، حذام، حمزة، خولة، خليل جاسم، جميلة،، داوود، درية، دنيا، ذرى، ذياب، ذو النون، ذاكر، رسول،زهير، زين العابدين، زهدي، وسعيد وسمير).هؤلاء كلهم مبشرون بالدين الذي رُسم على مقاساتهم ومصالحهم، فكل الأديان نشأت على هذا المنوال النفعي لفئة معينة والآخرون لايحصدون غير التقتيل وسفك الدماء. (يقال أن الدين بدأ مع النياتردال عندما حفر قبره ووجهه الى الشرق وبدا يقول أن هناك حياة اخرى تنتظره... مرسيا آليات مولف كتاب العود الابدي)، ثم جاء النظام الامومي او الإنثوي ثم الذكوري او الديانة البطريريكية وهذه كلها رسمت لذاتها الميثولوجيا والهالات الإسطورية لتخويف الإنسان من العالم الآخر بعد الموت. متدينون مرهونون بالماضي ولايعترفون بالحاضر وأي شي خارج هذا النطاق سيحولهم الى فاشلين فيتصرفون بالعنف والأقصاء بأعتبار أن التأريخ مدنّس ولاشيئاً طاهراً غير مايأتي من السماء ووعدها. هؤلاء عملوا حاجزا هائلاً بين الناس والمستقبل لكي لايرونه ولايحلمون به.

خلال فترة بحث"شين"في الباب الثالثة عشر، كان"أنور"يبعث الرسل إلى الديار القريبة من صحرائهم، ويبعث معهم المبشرين بمذهبهم الجديد ويطلب منهم تأييد إنشاء (دولة شين (حتى يتكاثرأعوانهم ومؤيدوهم مع العون والمدد في الأعلان عن دولتهم الشيطانية لمحاربة كل من يخرج عن طاعة كريم، مثلما كان يحصل في الأزمنة السحيقة وكيف يتم تحويل الأمكنة المتهالكة والخرائب بالتطويب والقربان البشري الذي تحول فيما بعد الى قربان حيواني ثم بالأضاءة والهالة الشعاعية لكي يتميز عن المكان المظلم المدنس ثم المركزية ومركز العالم كما في الفاتيكان ومكة ونيبور لدى السومريون، واثينا الكاهنة الكبيرة في اليونان التي كانت تاتي في أحلام أوديسيوس في طريقه الى إيثاكا. واليوم ما أكثر الأماكن المقدسة بحيث أصبح حتى التراكتور الزراعي وعامود الكهرباء في السماوة مكانا للتطويب ودفع النذور وتجهيل الإنسان الضعيف الذي هو حطب كل مؤامراتهم التي أغرقت الآرض قتلاً وتشريدا وإرهابا كما فعلها أصحاب الرايات السود.

في نهاية المطاف الروائي بينما إبليس يرى كريم ثملاً رافعا نخب الإنتصار الدامي حتى آخر قطرة من قدحه، لم يتنازل إبليس عن موقفه لأخطاء إرتكبها كريم أو غيره بحقه فكلها تظل شبهات مبهمة وما من أحدٍ أعطانا دليلاً قاطعاً.

تذهب بنا الروائية وفاء بعد كل هذا الدمار في دولة شين لترينا طبيعة الحياة والموت وتأثيرهما على سايكولوجيا الإنسان في روايتها (حاموت) التي هي مكمّلة لأحداث ماكان يحصل في دولة شين. حاموت هذا الأسم قريب من ألاسماء الإسطورية الشهيرة طالوت وجالوت لكنها تعني هنا بالحياة والموت، المصريون لازالوا حتى اليوم يطلقون فيما يشبه هذا المصطلح التركيبي (حَموت من الجوع) أي أنا بين الحياة والموت من شدة لهفتي وجوعي للطعام. لكل رواية لها أبطالها عادة فهنا نجد أبطال حاموت كلُّ من محمد، عزيز ملك الموت، وجليل هو مثبت أركان السماوات. محمد هذا الإسم ربما له منحىً آخراً ومعنىً خفياً في قلب الراوي وهو الأنسي الوحيد بين هؤلاء الثلاث، أما عزيز وجليل فهم أشكال خارقة ولايمكن إختراقها، تتصف بين الجنيّة الملكوتية والإلهية وبين مانراه في أفلام الخيال العلمي كما سلسلة أفلام (ماتريكس) وكيف يتم حضور المخلّص (المهدي في الميثولوجيا العربية) من على شاشة الحاسوب بمجرد ضغطة زر من قبل الخارق المطلق الذي يشبه جليل هنا في رواية وفاء، فيتم إحضاره إذا شهد العالم دمارا هائلا وفسادا في ألأنفس وإجراما لايمكن إيقافه الاّ بمعجزةٍ من الخارق المطلق ومخلّصه.

في رواية حاموت تجتمع كل بنادق الرب في تحطيم الكيانات الأساسية للدول والمجتمعات التي بات يضرب بها الإرهاب من كل صوب علاوة على القتل الجماعي من اُثر الكوارث الطبيعية كما تسونامي أو تورنادو. ليس غريبا أن نقرأ مثل هذا القتل الذي يقطع نياط القلب دون حلول في الأفق لمعرفة ماهي الغاية الأساسية من هذا الزهق الرخيص، فقبل وفاء عبدالرزاق بقرون عديدة كتب الفرنسي (فولتير) عن إنفجار بركان برشلونة الشهير في قصيدته (كارثة برشلونة) في القرن السابع عشر الذي قتل الآلاف ومنهم الآطفال الرضّع الملتصقين بأثداء أمهاتهم وفي يوم القداس الذي يجتمع به الحشر الكبير من كل صوب لغرض إحياء مراسيم القداس وإذا بهم يقتلون جميعا بدون سبب يذكر، سوى أن الكهنة يعزونها الى عدم رضا رب الخلق عن الفساد المستشري بين الناس، فيروح فولتير ويقول لماذا لم يحدث في فرنسا فهي أم الفجور والفساد أنذاك، ولماذا في هذا اليوم وماهي رسالة الإله في هذا القتل الجماعي، وهكذا تعليلات جعلت منه أن يُنعت بالكفر والتجديف من قبل الكنيسة. حروب عديدة ومبررات ليس لها طائل في إستحقار المرأة مثلما يخبرنا فولتير أيضا في روايته(كانديد)، في أحد الحروب الإنكشارية التركية ضد الروس، جاع المسلمون بعد خسارتهم في الحرب فقرروا بعد إجتماع أن يأكلوا النساء جميعهن لعدم الحاجة لهن في الحرب ومآثرها. لكنّ شيخاً مؤمنا وواعضا أشارعليهم أن يتحلّوا بالصبر ويرحموا نساءهم فيأكلوهنّ لحمة بعد لحمة دون قتلهن. فأشار عليهم بأن يقطعوا ردفهن الأيسر في بداية الأمر لكثرة مافي العجيزة من لحمٍ طري فيأكلوا منه. وإذا لم يكتفوا بذلك فليقطعوا الردف الآيمن وهكذا يقطعوا جزءا جزءا حتى يفرجها الرب الرحيم وبهذا يكونوا قد إحتفظوا بنسائهم وأشبعوا بطونهم، يالها من موعظة تثير الدوار.
في رواية حاموت نجد في كل مرة يحدث بها القتل هناك بصمات لقابض الأرواح (العزيز) بصمات عديدة في قتل العمال، الأمهات، وكل فئات المجتمع حتى الديدان والحشرات لم تسلم وعليها أيضا بصمات العزيز وهنا مثلما نرى في أرشيف الافلام البوليسية العديدة التي تتحدث عن الجرائم فيجد المحققون آثار بصماتٍ لقاتل واحد.

ثم تتساءل الروائية عما حصل في هيروشيما وتقول في التفاتة رائعة جدا (كيف كانت بصمته (عزيز) على هيروشيما هل للموت الجماعي بصمة واحدة أم بصمات بعدد المحروقين فيها؟ ضحايا الحرب العالمية الأولى، والثانية.. هل كان إبهامه خصبا نديا برائحة الموت؟). تساؤلات محيرة يقف عندها العقل بلاجوابٍ يُريح النفس القلقة المتعبة من أثر العدمية التي تلحق بالبشر دون تفسير يعانق المنطق.

كل هذا القتل ينفرد بتنفيذه العزيز الذي يظهر عل هيئة شبح لمحمد ومن هنا يبدأ الحوار بينهم في كل عملية إبادة التي تشمل حتى صانع المجوهرات واللؤلؤ هذا الذي إكتشفه (الياباني ميكي موتو) تلك الحلي التي تضيء أعناق النساء، ولم يسلم من القتل حتى العالِم مكتشف الضوء (توماس أديسون) مضيء الحياة الحالكة. والحشرات أيضا التي يقتلها رذاذ المبيدات برشة واحدة فيصيب الملايين منها وهذه الحشرات بذاتها هي من تأكل أجساد البشرية عند الموت فما هذا التناقض المريع.

وسط هذه الدوامة من الموت نرى بعض الدعاة والأولياء ورجال الدين المنتفعين من يروج لبعض الخزعبلات كي يمرر مايريده لمصالح نفعية (التجاره بالأديان هي التجاره الرائجه في المُجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردتَ التحكم في جاهل، عليك أن تُغلف كل باطل بغلاف ديني.. إبن رشد)، فيروح هذا التاجر يبيع اللحم المريض والممنوع من قبل وزرات الصحة والبيئة فيدعي من انه قد وجد كلمة (الله) محفورة في قطع اللحم كدعاية لمنتوجه الفاسد وهذه حصلت فعلا في مدينتي في الدنمارك حيث هناك شخص وضع كف يده على الرز المطبوخ توا لغرض توزيعه في محفلٍ ديني، وادعى انها كف العباس (ع) فصارت ضجة في المحفل حتى طار الرز في ظرف أقل من ربع ساعة بإعتباره مباركا. وبعد فترة وجيزة سألتهُ شخصيا فراح يخر من الضحك ساخراً معترفا من إنها كف يده.

يقول محمد في أحدى محاورته من الرواية (هذه المرة الثانية التي يضعني فيها الشبح عزيز بالمحك مباشرة أمام الموت) حيث هناك فتىً كان يأخذ أباه الى المشفى لغرض مداواته من علّة قاتلة فاذا به يموت ويظل أبوه على قيد الحياة، وهنا يفسرها المدلّسون لقد اخطأ ملك الموت في تنفيذ حكمه وهذا المهزلة تحصل في الكثير من السجون حيث يتم إعدام أشخاص أبرياء بحكم الخطأ أو العمد لأغراض أخرى وهنا يشترك التنفيذ الإلهي مع البشري فأي مهزلة هذي.

يتبــــع في الجــزء الثانــي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى