الاثنين ٢٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم جمانة حداد

لكي تعود الطفولة إلى الطفولة

إلى طفليّ منير وأنسي

أكتب اليكم أيها الأطفال لكي توقفوا الحرب.

لن يوقفها الرؤساء ولا القادة، لا العرب ولا الأجانب، ولن تمنعها رهبة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي، ولا المؤتمرات المعقودة أو المؤجلة.
وحدكم تستطيعون أيها الأطفال أن تسكتوا هذا الأنين الذي يملأ الكون، وأن تنتصروا بطفولتكم على الرعب الأهوج الذي يلتهم كل روح.
"لكن"، تسألونني، "هل نستطيع أن نجترح المعجزات ونحن الذين تُطعَن أعمارنا تحت سكاكين الهلع؟

من يمنع عن قلوبنا وجفة الموت؟ بل من يسألنا ماذا نريد، ومن ينصت الينا؟!
نحن الأطفال الذين تعوّدنا النوم في أحلام ألعابنا، لم نعد ننام. وإذا نمنا لم نعد نحلم. وإذا حلمنا، فبالموت وحده نحلم ونلعب.
نحن الذين تشيخ طفولاتنا كأنها بساتين تهرم فوق نار الموت، من يرفع عن أجسادنا أشلاء البيوت والشموس المطفأة؟

متجهمون صامتون نائمون، ولامعون في ظلماتنا، فمن يغسل عن طراواتنا تجهّم الحسرة، ومن يوقظ ليلنا من صدمة النوم الذي لا تليه زغردة عصفور؟!".
لكني أقول لكم: كلنا عاجزون أيها الأطفال، وأنتم تستطيعون.
يا دموع الينابيع التي ترفع عن هذا الصيف الملعون حريق نهاراته، انزلوا بمفردكم الى الشوارع.

تقدّموا وحدكم الى خطوط المواجهة، وافتحوا القلب على موانئه المخلّصة.
أنتم يا مياه الأراضي المنغلقة على عطشها المتفحم، فليرتفع جمالكم الى سحب المدن، وليمشِ في دروب القرى اليتيمة، على أرصفة الشوارع المخلّعة وزوايا الأزقة الميتة، ولينشد التبكيت تحت النظرات المتعامية وتوحّش الدم والجوع.
أنتم يا نباتات أرحامنا الخضراء، احملوا الحجارة واضربوا بها زجاج الضمائر النائمة، واكسروه، لتتناثر شظاياه في الأدمغة والرؤوس المنشغلة بروائح الحسابات والمصالح. واقرعوا بأيديكم جدران القلوب الصماء، الى أن تتوقف ساعة هذا الزمن عن التقدم في اتجاه الوادي الدموي السحيق.
أنظر اليكم من يأسي المزدهر وأعثر على وجوهكم البيضاء في الملاجىء ومتاهات الخوف والدمار.

لا تموتوا أيها الأطفال تحت هذا الموت، ولا تسمحوا لهذا القتل أن يقتلكم.
انفضوا الغبار عن الهواء واخرجوا الى العالم.
إذهبوا الى الأمم المتحدة والى مجلس الأمن. الموتى والاحياء منكم، جنباً الى جنب، إذهبوا جميعاً الى هناك، واحتلوا المقاعد بعد أن تخلعوا الجالسين عليها. واصفعوا وجوه الرؤساء وأشباه الرؤساء، والعنوا مندوبيهم، واضربوا بقسوة أوجاعكم خدودهم التي تنمو عليها ديدان القتل وفتن المؤامرات.
وحدكم تستطيعون أن تنشروا الحكمة في رعونة هذا العالم. الى أن ترفعوا عن هذه البلاد وصمة قدرها الأرعن.

أخرجوا من الكابوس بقوة أحلامكم ولتقضّ دموعكم أمان المطمئنين.
إفتحوا توابيت الهواجس في عقول الأسياد والملوك والأمراء.
أغرزوا أظافركم الجريئة في لحوم قلوبهم، وليأكل الهمّ طعامهم وليشرب شرابهم.
وحدكم، نعم وحدكم تستطيعون أن توقفوا الحرب.

أيها الأطفال، خذوا معكم تأوهات أمهاتكم ويأس آبائكم.
وخذوا أيضاً معكم ثورتي وغضبي، حبي وحقدي، ضعفي وشقائي، ورغبتي في أن تربحوا طفولاتكم المسروقة لتمنعوا العيش الهنيء على الطغاة من كل نوع.
أين أنتم أيها الأطفال، يا موسيقى الأحشاء الليّنة، يا هواء الارتعاشات الخفيضة، ويا صرخة الفوز التي تعقب لحظة الولادة!
اخرجوا من الملاجىء ومن الغرف المعتمة، اخرجوا الى هذا البحر. قفوا أمامه، واصرخوا في وجهه، فهو يستطيع أن يوصل صرختكم الواحدة.

ليس لنا أيها الأطفال سوى طفولاتكم نحتمي بها لنردّ كيد الكائدين.
الحياة تموت في هذا الشرق. الحياة تموت في لبنان. والحياة تموت في كل مكان. إذ كيف لحياة أن تستمر، وكيف لضحكة أن تشتعل، حين يتوقف قلب طفل عن الخفقان؟
في هذا الوادي الجهنمي الراكض الى هلاكه وهلاكنا، شيء واحد يستطيع أن يصنع أعجوبة. سرٌّ واحد يستطيع، هو سرّ الطفولة.

فليرتفع صراخكم حتى يصل الى الله. وعندما يصل وجعكم الى هناك، دقّوا على بابه بأيدٍ جبارة وحنونة ليهبّ الى نجدتكم ونجدتنا.

اطلبوا منه أيها الأطفال أن ينزل معكم الى هذه الأرض ليوقف جنونها، ولكي تعود الطفولة الى الطفولة وترجع أنهر الحياة الى ضحكاتكم اللذيذة.

إلى طفليّ منير وأنسي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى