الاثنين ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩

سبعة أيام في الدار البيضاء

عن منشورات القلم المغربي، صدر كتاب "في الدار البيضاء من 1 إلى 7 غشت 1907" للدكتور فليكس بروني، ترجمة بوشعيب الساوري، وهو كتاب يقع في صفحة معزز بالصور، وتروي واقعة قنبلة الدار البيضاء عشية احتلالها من طرف الفرنسيين، "ولقد كتب عن هذه الواقعة عدد من الصحافيين والعسكريين والكتاب الفرنسيين، الذين سايروا الرواية المحرفة والموجهة، التي نشرتها الدبلوماسية الفرنسية. ومن بين الكتابات العسكرية الشهادة التي رواها الطبيب العسكري من بحارة كاليلي؛ الدكتور فليكس بروني FELIXE BRUNET، الذي رافق الفرقة النازلة من بحارة كاليلي صباح 5 غشت، وهي الشهادة التي سبق له أن نشرها سنة 1909، بمجلة باريز، في عددي 15 مارس و15 ابريل، والتي نقدمها للقارئ في هذا الكتاب".

ومما جاء في التقديم الذي خص به علال الخديمي هذه الترجمة: تعتبر شهادة بروني ذات أهمية تاريخية بارزة، إذ كتبها طبيب عسكري كان عنصرا شاهدا ومشاركا في الوقائع التي وصفها. فهل توفق بروني في نقل الوقائع بأمانة وموضوعية؟ أم غلبت عليه وظيفته كطبيب عسكري، في ظرفية استعمارية كان الكل منخرطا في أداء واجبه فيها؟

تعرض بروني لمعظم التطورات التي تسببت في حادث مقتل العمال بالمرسى، وجاءت روايته قريبة من الواقع أكثر مما كتبه غيره من الفرنسيين، الذين اهتموا بتاريخ مدينة الدار البيضاء؛ إذ أشار إلى الأسباب الحقيقية لحادث 30 يوليوز، التي أوردناها أعلاه، وفي مقدمتها جلوس المراقب الفرنسي بالديوانة. كما تتبع الوقائع منذ يوم 1 غشت إلى يوم 7 غشت، يوما بيوم بل ساعة بساعة، وركز على وصف ما جرى أيام 5 و6 و7 غشت؛ أي الأيام التي جرت فيها وقائع كارثة هدم الدار البيضاء، التي ارتكبتها البارجة كاليلي أولا، وسفن الأسطول الحربي الفرنسي. ومما كتبه بروني تتأكد الضغوط الإرهابية التي مورست على السلطات المحلية وفي مقدمتها مولاي الأمين، الذي قبل جل المطالب الفرنسية، والقائد أبو بكر بن بوزيد، الذي قدم مئونة ضخمة من ثيران وأكباش وفواكه إلى البارجة الحربية، ومع ذلك أسر وعوقب على مواقفه الوطنية.

وبالمقابل لم يخف بروني في روايته ترديد التبريرات الواهية، التي استعملها الفرنسيون لتبرير ما ارتكبه قائد البارجة الفرنسية، من هدم منازل المغاربة فوق رؤوسهم صباح يوم 5 غشت بالحي الشعبي "التناكـــر". كما ردد بعض المغالطات لإخفاء شمس المؤامرة التي دبرها سان أولير مع قائد السفينة أوليفي، والتي حللناها في كتاب "التدخل الأجنبي والمقاومة بالمغرب؛ حادثة الدار البيضاء واحتلال الشاوية" اعتمادا على تقارير اوليفي وما كتبه سان اولير نفسيهما.

وقد وردت أوصاف قدحية في مقالة بروني؛ الذي وصف المغاربة "بالمجرمين" و"العصابات" و"النهاب" و"المتعصبين"؛ وركز على ما قام به الفرنسيون، وكثيرا ما تشفى من المغاربة الذين كانت المدافع تسقطهم أرضا، والذين واجهوا مدفعية الفرنسيين بما ملكوا من بنادق، مما دل على حقد في النفس، لا يفسر إلا بالصمود الذي أبداه المغاربة في مقاومة المعتدين. ولم يستطع الكاتب إخفاء رد فعل المغاربة والمقاومة الشديدة التي أبدوها، على الرغم من المفاجأة، ومن صدمة القوة الجبارة للمدفعية الفرنسية، التي فجرت المساكن فوق رؤوس أهلها. زد على ذلك أن بروني قد سكت عن مجزرة السور الجديد، التي وصفها الصحفي جورج بوردون، في كتابه " ما شاهدنه في المغرب، أيام الدار البيضاء" الصادر سنة 1908.

وبالجملة، فإن مقالة بروني تعد من المصادر الأساسية لمن يرغب في فهم ما جرى بالدار البيضاء في غشت 1907؛ سواء من المتخصصين أو القراء العاديين. وقد فعل الأستاذ الساوري خيرا بنقل هذه المقالة إلى العربية، التي تزيل الغموض المقصود من الاستعماريين الذين يخلطون بين حادث السكة الحديدية يوم 30 يوليوز وكارثة الدارالبيضاء التي جرت أيام 5 و6 و7 غشت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى