الأحد ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩

الدراسات العربية وانتفاضات الربيع العربي

صدر عن دار المشرق في لبنان كتاب جديد بعنوان الدراسات العربية وانتفاضات الربيع العربي، تأليف بلال الأرفه لي (الجامعة الأميركيّة في بيروت، لبنان)، ومها حسامي (جامعة ديوك، الولايات المتّحدة الأميركيّة)، ورنا سبليني (معهد الدوحة للدراسات العليا، قطر)، وباربرة وينكلر (جامعة مونستر، ألمانيا)، وكريستيان يونغي (جامعة ماربورغ، ألمانيا)

شكّلت الانتفاضات العربية التي بدأت عام 2010 نافذة للتغيير والتحوّل لا على الصعيد السياسيّ فحسب بل على الصعيدين الاجتماعيّ والفكريّ أيضًا. وهي وإن لم تُؤْتِ ثمارها بتغيير إيجابيّ على الصعيد السياسيّ فإنّها قد نجحت بتغيير صورة "الشعب العربي" الخاضع لحكّامه في العالم، كما نجحت في الإضاءة على تحدّيات اجتماعية وأخلاقية وفكرية تواجه العرب. وقد كان لهذه الانتفاضات أثرٌ في الدراسة الأكاديمية للعالم العربي وفي العلاقات بين المؤسّسات الأكاديمية في العالم العربي وخارجه.

يُعنى هذا الكتيّب بأثر الانتفاضات العربية على حقل الدراسات العربية أوروبا والعالم العربي عبر تقديم نماذج محدّدة هي غيضٌ من فيض. وبطبيعة الحال لا يدّعي الكتيّب الشمولية، ولا يقدّم أحكامًا تقديرية على أثر الانتفاضات على هذا الحقل بالذات، لكنّه يحاول أن يرصد تغيّرات مهمّة حصلت، ناتجة عن استجابة باحثين ناشطين في الحقل للظروف المحيطة بهم. والنماذج المقدّمة لا تهدف بالضرورة إلى مساءلة المعرفة، لكنّها تبيّن كيفيّة التفاعل معها وتشكيلها وكيفيّة تخطّي الصعوبات والتحدّيات والاستفادة منها لدفع الحقل قُدُمًا. تحثّ هذه النماذج على التفكير في طرق جديدة لإنتاج المعرفة، عبر مناهج ورؤى ومنصّات وتجارب وروابط جديدة، متغيّرة بتغيّر الوقائع والظروف، تمنح موضوع البحث والقيّمين عليه والعاملين فيه قدرةً على التعبير وفرصًا للتغيّر والتغيير.

يرصد الفصل الأوّل أثر الانتفاضات العربية على دراسة اللغة العربية لغير الناطقين بها في البرنامج الصيفيّ لمركز دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في بيروت، لبنان. فالكتب التقليدية المستخدمة في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها لم تساعد كثيرًا في فهم ما كان يطلقه المحتجّون الغاضبون المطالبون بسقوط الأنظمة من لهجة عاميّة وكلام سوقيّ. لقد تركت العربية نخبة المجلس ونزلت إلى الميدان العامّ. ولا شكّ أنّ السفر إلى المنطقة غدا أصعب بل وخطر في بعض الأحيان، مع أنَّ ضرورته لتعلّم اللغة في محيطها الاجتماعي والثقافي قد تزايدت. وبات لبنان مأوى غير متوقّع للطلاب الذين كانوا يدرسون في مصر وسوريا. واستوجبت أساليب التدريس الجديدة التخلّي لا عن سحر العربية التقليدية فحسب، بل الخلط أيضًا بين العربية الفصحى الحديثة ولهجاتها، في ظاهرةٍ راحت تتّضح على نحو متزايد في وسائل الإعلام والأدب. واضطرّ الطلاب في برامج العربية الصيفية المكثّفة، مثل برنامج الجامعة الأمريكية في بيروت، إلى ترك صفوفهم التقليدية ليختلطوا بالناطقين المحليّين وباللاجئين والفئات المحرومة في الشوارع. وترك هذا التحوّل بصمته على المنهاج الدراسيّ، مع زيادة في استخدام أغاني البوب والشِّعارات والبرامج الحوارية في غرفة الصّفّ.

ينتقل الفصل الثاني إلى نطاق أوسع فيتتبّع أثر الانتفاضات العربية المتعدّد الأوجه في حقل الدراسات الأدبية العربية بوجه عامّ، وفي هذا الحقل في ألمانيا بوجه خاصّ. إذ سارت إلى جانب الاحتجاجات السياسية في العالم العربيّ "ثورةٌ ثقافية" تنظر إلى ممارسات الأدب والفن على أنّها أدوات تعتبر الحياة العادية سياسة. وكان من عواقب ذلك أَنْ بدأت الدراسات الأدبية العربية تعيد النظر في العلاقة بين الأدب والمجتمع، مفضيةً بذلك إلى "توسيع" مفهوم النصّ الأدبيّ التقليديّ. وبات باحثو الأدب العربيّ توّاقين إلى دراسة أشكال نصّية جديدة، مثل المدوّنات وكتابات الجدران والشعارات، واستكشاف ما يحيط بالنصوص من شروط اجتماعية سياسية وما يقترن بالكتابة من ممارسات اجتماعية ثقافية. غير أنَّ هذا التوسيع لا يقتصر بأيّ حال من الأحوال على البحث الأكاديميّ في الدراسات الأدبية العربية، بل يتعدّاه إلى توسيع التشبيك الأكاديميّ ولغة التعليم والالتزام المجتمعيّ في كلّ ما يتعلّق بهذا الفرع. ومع تعزيز التعاون بين باحثين في الغرب وفي العالم العربيّ، وتدريس اللغة العربية بوصفها لغة حديثة للتواصل وإنتاج المعرفة، وإبراز الالتزام المجتمعيّ إزاء حضور اللاجئين والمهاجرين العرب المتنامي في ألمانيا، فإنَّ حقل الدراسات الأدبية العربية يتحرك قُدُمًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى