الأربعاء ١٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩
بقلم إسراء أبو زيد

حُبِّي وذِكرياتي الجزء الثالث

عن أحداث واقعيّة

كان يتردّد على ((الوحدة الصحيّة)) التي أعمل بها رجل هندام ووسيم أيضًا، عائشة تقول إنّه رجل خيّر, وكنت أرى ذلك دائمًا فلم يكن مريضًا ولكنّه كان يُرافق المرضى دائمًا.

فالوحدة الصحيّة بعيدة بعض الشيء ليست على مقربة, فكان يتردّد بين الحين والآخر بسيّارته الجيب, وبدأت أتساءل عنه حيث بدأ يُثير فضولي ولكن لم يخبرني أحد شيئًا مهمًّا عنه غير أنّه من أعيان المركز، غنيّ وغير متزوّج وله في أعمال الخير.

لم يرفع عينيْه يومًا وهو يحدّثني, ولم يدُر بيننا الكثير من الأحاديث سوى السلامات والكلام العامّ, ولكن كان بعيونه بريق قوّة وحزن لم أفهمهما ولم يُساعدني أحد على ذلك, النساء هناك أكثر صمتًا من شوارعهم الهادئة, لا يهوين الثرثرة, ربّما مع الغرباء والأمر يختلف بينهم لا أدري.

إلى أنْ أتى هذا الرجل الذي لم أعرف اسمه إلّا في هذا اليوم، الحج بهجت, فكان الجميع ينادونه يا حج, طلب منّي بكلّ لطف وأدب جمّ أنْ أذهب معه لمعاينه والدته المريضة, وقد وافقت بسهولة, فهذا بالأوّل والآخر عملي, وطلبت من عائشة مرافقتي.

وتفاجأت أنّي سأركب سيّارة أخرى غير سيّارته الجيب, فلم أركب معه بل صحبني أحد رجال حراسته الخاصّة بعربة إلنترا.

بدأت أتساءل أكثر: مَن هذا الرجل؟ وماذا يعمل؟ ساعة ونصف مِن السير المُتواصل بالسيّارة، الطريق غير ممهّد.

لم أشعر بالقلق؛ لأنّي بالصعيد, وبالصعيد يُقدِّرون الغريب ويحترمون الضيف وكأنّه واحد منهم، ويهتمّون لسلامته لحين عودته لبلده… بدأت أحبّ تلك العادات والتقاليد وأنسجم معها بعض الشيء.

دخلت السيّارة على ممرٍّ كلّه أشجار وورود، يبدو أنّها حديقة المنزل، لمدّة ربع ساعة السيّارة تسير بالحديقة إلى أنْ بدأ يظهر بيت بسيط جدًّا مِن الطوب واللبن أنيق تظلِّله الأشجار مِن كلّ جانب وكأنّي بالجنّة.

تمنَّيت حينها أنْ يكون لي مثل هذا المنزل ولو بجنينة صغيرة, فور دخولي صحبتني أحد النساء بالمنزل إلى غرفة الوالدة المريضة ولم تعرِّفني على نفسها, ولم أتطرّق لسؤالها.

حيث دخلت وكانت في حالة إغماء شديدة وانخفاض بضغط الدم وشحوب, توقّعت أنّها صدمة نفسيّة أدّت للإغماء, فطلبتُ نقلها فورًا للمستشفى, ولكنّ الحج بهجت رفض مُعللًا: أنّ أقرب مستشفى على بعد سبع ساعات, ستكون هنا مستشفى كاملة اطلبي ما تُريدين تجديه يا دكتورة ولكنْ أرجوكِ أسعفيها سريعًا, فنحن بوضع لا نُحسد عليه وليس لدينا وقت.

لم أستفسر ولم أُعقِّب, فعلت ما بوسعي وطلبت منهم ترك الوالدة ترتاح, كانت تهذي بكلمات مثل ولدي وتنطقها بكلّ صعوبة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى