الثلاثاء ٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم إسلام صالح

أحزان كهل

في الصباح الباكر حينما كنت اذهب إلى المدرسة ويدي معانقه يد أمي كنت دائم النظر إلى شرفة الطابق الأول في العقار المجاور لنا، كنت دائما أرى رجلا وزوجته جالسان هو يمسك الجريدة اليومية بيديه ويرتدي نظارته، ويحاور زوجته وهي جالسه أمامه ويرتشفان الشاي معا ويتبادلان الحديث الضاحك أحيانا والعابس أحيانا أخرى وكان ينظر إلى الرجل وزوجته ويبتسمان لي وكانت أمي تميئ لهما برأسها معبرة عن تحية الصباح وكان يتبادلان إيماءة الرأس وابتسامة خفيفة ترتسم على وجوههم وحينما انزل مساءا لقضاء احتياجات أمي من عم طه البقال كنت أراهم جالسين كأنما لا يتحركان منذ الصباح مع الفرق انه ليلا كان يمسك بكتاب بدلا من الجريدة .

وظل هذا الحال لسنوات طوال وكنت أتساءل دائما أليس لديهم أبناء فكانت أمي تجيبني بان لهم ابنا سافر منذ بضع سنوات للعمل في الخارج ولم يعد حتى الآن وبدأت أتقدم في العمر وفي مراحل دراستي وحال جاري كما هو بل كان يزداد رأسه شيبا حتى تخرجت من الجامعة والتحقت بإحدى الوظائف ولكني لم أجد نفسي ولم تحقق طموحي ولم أستطيع من راتبها أن أتزوج أو أكون عائلا لأسرة فقررت السفر وسافرت إلى الخارج بعد رحلة معاناة مع أبي وأمي حتى لا أسافر وأكون مثل ابن جارنا كل ما يربطني بهم هو الاتصالات التليفونية والخطابات .

وعدت بعد خمسة أعوام وحينما نزلت في المساء لقضاء صلاة العشاء وعند العودة منها وجددت الرجل جالسا وحيدا هائما حزينا ينظر إلى الأفق ولم أره يمسك بأي من الكتب يهم بقراءته كما كنت أتعود منه على ذلك وقد يصبح كهلا ولاحظت غياب زوجته فعللت ذلك بانها قد تكون بالداخل لتصنع الشاي له .

ومع تعدد خروجي من المنزل في المساء كنت أرى جارنا هذا كما هو كأنه تمثال لا يقوى على الحراك ينظر إلى الأفق هائما حزينا وحده وزوجته تفارقه.

وفي اليوم التالي أثناء صلاة الفجر كان يصلي بجواري على مقعد وبعد الانتهاء من الصلاة هممت لمصافحته وقمت بتعريف نفسي له وذكرته حينما كنت طفل اذهب إلى المدرسة مع أمي وكنت دائك النظر إليه فتذكرني وقال في اشتياق "ياااااااااه" لقد كبرت الآن وطلب منى أن أوصله إلى المنزل وارتشف معه الشاي فقبلت لأني متلهف لأعرف لماذا هو حزين كهذا قد يكون فضول مني ولكن هذا الرجل حينما كنت انظر إليه كان حبي له يزداد في قلبي وسالت نفسي لماذا ولكني لم أجد إجابة على هذا السؤال .

وعند دخولنا إلى منزله وأجلسته على مقعد مجاورا لباب المنزل وأنا أسنده فوجد نفسي أساله في سرعة أين زوجته فرفع رأسه ونظر إلي ثم وارى رأسه وهو محلقا إلى أعلى إلي الجانب الأخر ينظر إلي صوره زوجته وقال أنها فارقت الحياة منذ ثلاثة أعوام حزنا على ابنهما الذي لم يروه منذ بضعه سنين وحكى لي إن ابنه استقر في مصر منذ عده سنوات وكان يزوروهما على استحياء من زوجته على فترات متباعدة تطيل لأكثر من عامين لان زوجته مسيطرة عليه ولا تريد أن يقوم بزيارة أبواه حتى لا يعطيهم من أمواله التي جمعها في الخارج .

وقال لي في نبرة حزن انه رآه لأخر مرة عند وفاه أمه ولم يره بعد قط فغلى الدم في عروقي وقلت له اعطني عنوان مسكنه سوف اذهب إليه واحضره إليك كي تراه ففرح الأب ومن شده فرحته كان مرتبكا يريد أن يكتب لي العنوان ولكنه لا يستطيع فكانت دموعه تبلل وجهه وكلمات الشكر لي لا تتوقف فهممت بأخذ الورقة والقلم منه وكتبت العنوان الذي املأه لي وقمت باصطحابه إلى فراشه .

وذهبت إلى ابنه في المساء وقرعت جرس الباب ففتحت لي امراه متزينة وقالت من أنت فسألتها عن زوجها فقالت انتظر ودخلت لمناداته وجاء زوجها وصافحني وسألني أي خدمه فقلت له أنا جار والده فرحب بي وأدخلني إلى غرفة الصالون وأغلق الباب وسألني في لهفة كيف حال والده فقمت بمعاتبته وذكرته بآيات الله الكريمة في البر بالوالدين وعنفته بشده فأخذ ينظر إلى الأرض من شده الخجل وشرح لي معللا انه يحب زوحته بشده كما أن كل أمواله مسجله باسمها فلا يستطيع أن يغضبها حتى لا يضيع تحويشة العمر فطلبت منه أن يهم معي لزيارة والده الكهل وعاتبته لولا أبواه ما كان هكذا فدبت روح نخوة الرجال في جسده وقام معي مسرعا ولم يكترث لكلمات زوجته إلي أين أنت ذاهب وحينما وصلنا قمنا بطرق الباب وطال الانتظار عليه فنظرنا بخوف شديد إلى بعضنا فقد انتهت صلاة العشاء منذ وقت طويل وسألته أليس معك مفتاحا فأجابني وهو مرتبك لا فسألنا حارس العقار الم يخرج فأجابنا بالنفي قال لم يذهب لصلاة العشاء أيضا

ففزعنا وصعدنا هرولة إلى الشقة وقمنا بكسر الباب ودخلنا نبحث عنه في أرجاء الشقة ووصلنا إلى فراشه فقد فات الأوان وصعدت روحه إلى بارئها وامسك ابنه بيده وجلس على الأرض جواره وضع رأسه على صدره وأنا أقف خلفه دموعي تبللني من شده قسوة الموقف وظل ابنه يبكي طول العمر ................؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى