الثلاثاء ٢٩ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم توفيق الحاج

نعم.. أنا أكره أمريكا..!!‏

لم أكن يوما من محبي القاعدة والزرقاوي أو من المعجبين بطالبان أو من عشاق ‏صدام حسين وحماس و حزب الله ولم أباه الآخرين يوما بتديني وبشكل مفتعل وغير ‏عادي كما يحلو لكثيرين.. فقط كنت ولازلت مسلما مسالما بصمت وكفى.. إلى ‏درجة أني لم أذبح دجاجة قط طول 56 عاما هي عمري وأكره رؤية الدم وقد أغمي ‏علي عندما فاجأني أخي بمقطع فيديو لذبح الرهينة الكوري في العراق قبل عامين ‏وبقيت
مريضا في الفراش أسبوعين كاملين..!!‏

حتى عندما ضربت أمريكا في 11 سبتمبر شعرت بالحزن الشديد على الضحايا ‏الأبرياء ولم أشارك غيري إظهار الفرح وتوزيع الحلوى تشفيا وحقدا على قادة البيت ‏الأبيض والبنتاجون اللذين لطالما فتكوا بأبناء شعبنا الفلسطيني وبأيد إسرائيلية ‏متعطشة للقتل وجعلوا من أجساد أطفالنا معمل تجارب لا سلحتهم المتطورة والقذرة‏

كان لابد من هذه المقدمة كي أبين كيف حولني الفيلم الوثائقي "قافلة الموت " ‏للمخرج والمنتج الاسكتلندي جامي دوران من إنسان عادي إلى قنبلة غضب ‏هيدروجينية لانهاية لحقدها على كل صاحب قرار أمريكي ومما جعلني أتمنى على ‏الله إن أعيش إلى وقت أرى فيه مجرمي الحرب أولئك يعانون موتا أكبر وأقسى من ‏الموت نفسه وليس قبل إن يجروا جرا إلى محاكم العدل الإنساني لفضح ما اقترفوه
‏وشاركوا فيه وأخفوا معالمه من مذابح وممارسات حيوانية تمتد من فيتنام إلى ‏أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين إلى لبنان.‏

لقد سمعت كثيرا عن ممارسات جنود الاحتلال الأمريكي في كابل وبغداد و‏جوانتنامو وتقديمهم وجبات دسمة وغنية للمعتقلين تتضمن تشكيلة مبتكرة من ‏الاهانات الإنسانية والجنسية والدينية والسحق الآدمي كإجبار معتقل على شرب عشر ‏زجاجات ماء وعدم السماح له بالتبول أو ربط معتقل من عضوه الحساس وجره ‏كالكلب واغتصابه أمام زملائه ولكني..لم اصدق عيناي وأنا اشاهد الفيلم التسجيلي إن أمريكا التى تتباهى علينا ‏بأنها رائدة الحرية والديمقراطية في العالم قد وصل الامر بارادتها السياسية ‏والعسكرية إلى اسوأ درك من الانحطاط الاخلاقي والانساني يعجزالمرء عن ‏تصوره.‏

إن فيلم قافلة الموت ببساطة عار أخلاقي يتكشف بصمت و يطارد أمريكا إلى الأبد ‏ولن ينفع البنتاجون التنصل منه وإنكاره وهذا الفيلم الوثائقي يصور رحلة الموت ‏لأكثر من 3000 أسير أفغاني وعربي وباكستاني بعد مذبحة قلعة زيني في حاويات ‏حديدية مغلقة تضم كل حاوية مابين 200-300 أسير وذلك تحت أشعة الشمس الحارقة،ولما دق الأسرى المختنقون الجدار عملا بنصيحة غسان كنفاني أطلقت ‏النار بغزارة على الحاويات المكتظة بحجة إحداث فتحات للتهوية ولكن انهر الدم ‏الصغيرة بدأت تسيل بغزارة وسط الصراخ المكتوم والمختلط بضحكات الجنود ‏الأمريكيين وجنود مجرم الحرب الأفغاني الأول عبد الرشيد دوستم وكيل أمريكا ‏المعتمد للأعمال القذرة في كابول.

لم ينته الأمر عند هذا الحد بل أفرغت الشاحنات بعد ذلك وأخذ الأقوياء من الأسرى ‏إلى قلعة جانغي بنما كدس القتلي والجرحى والضعفاء في الحاويات من جديد ‏وبالتتابع وانطلق القتلة إلى صحراء دشت وهناك كان الجنود ينزلون الحمولة ثم
‏يطلقون النار ليدشنوا أكبر مقبرة جماعية في التاريخ وتحت رعاية رجال ‏الاستخبارات الأمريكية. وهذا ما تثبته صور الفيلم ولا تستطيع أمريكا إن تنكره ‏‏.وهكذا قضى جزء كبير من أسرى ربة العدل في العالم وأسدل الستار مؤقتا على ‏واحدة من أقذر الجرائم الإنسانية وأفظعها..!!‏

‏ ولكم كان المشهد مؤلما وفظيعا بعد عام من المذبحة.. عظام فك.. أصابع ‏قابضة..طاقية باكستانية تشير إلى ثمن الصفقة التي ابرمتها حكومة كراتشي العميلة ‏‏..سترة أفغانية لعريس شاب..فتافيت طافحة من مقبرة جماعية يعريها الريح ببطء..‏

انتهى الفيلم وصورة احد الناجين من مذبحة قافلة الموت تغوص في ذاكرتي وهو ‏يقول شعرت بالاختناق..لعقت الدم بحثا عن رطوبة.. عضضت من بجواري طلبا ‏لقطرة ماء..!!‏

الآن تتلاحق أمام عيني صور الضحايا الأبرياء من العبيد في جذور "اليكس هيلي " ‏وصور الهنود الحمر تحت نعال الكاوبوي وصور فتيات "مي لي"المغتصبات ‏والمضرجات بدم المذبحة في قرية فيتنامية وصور آخر النظرات للأسرى الأفغان ‏قبل إن يحشروا في الطريق إلى الجنة وصور جثت العراقيين المشوهة والعراقيات ‏المغتصبات في أبي
غريب والعامرية وصور الأطفال الفلسطينيين الذين تمزقت ‏أوصالهم بسلاح أمريكي متطور قبل تناول العشاء وصور الأطفال اللبنانيين ‏المعجونين بكتل الباطون والمحلقين في فضاء قانا وصريفة والشياح و... و...‏

حقا.. ولأول مرة اشعر بالعجز عن إيجاد الكلمات الملائمة التي تصف ما بداخلي من ‏حقد وبغض لأمريكا المتوحشة المتغطرسة واني أقذف هذا الفيلم الحقيقي - وهو ‏مجرد نقطة سوداء في بحر أسود تحاول زمرة بوش جاهدة إن تخفيه بالمعونات تارة ‏وبالتهديدات تارة أخرى – أقذفه بكل الغل في وجه كل متأمرك على شعبه ووطنه ‏ويحاول إن يجمل وجه الآنسة رايس القبيح لربما تنافس نانسي عجرم جمالا ودلالا
‏وأقول سحقا لكل من يبيع شرفه وقلمه مقابل حفنة دولارات..‏

لقد استطاع المحافظون الجدد وبنجاح منقطع النظير إن يطوروا من بينهم ومن ‏حولهم بأفعالهم غير المسئولة والهمجية التي تغذي ثقافة الكراهية مليار قنبلة موقوتة ‏ومحشوة بالحقد و تنتظر لحظة الانفجار وإذا كان عم شعبان يكره إسرائيل قيراط فأنا وبكل فخر أعلن وأصرخ أني أكره ‏أمريكا ملء الكون..!!‏

أشعر الآن بصدي صرختي يرددها مليار مسلم ومليارات أخرى من المظلومين ‏والمقهورين في العالم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى