الأربعاء ٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم أسماء صالح الزهراني

بركة الحبيب

يفاجئني أن أرى مجموعة من المثقفات يتشاورن حول بركة الحبيب فلان، وكيف يشفى أمراضا عضوية معروفة، بمسحة من يده المباركة . ويؤسفني أن يواجه الناس واقع الحياة الصعب بالتفكير غير الواقعي، حين يفسرون كل شيء بمنطق العين والسحر والحسد، بدلا من أن يشغلوا وسائل التفكير المنطقي الواقعي الذي اختصره معلمنا الأعظم صلى الله عليه وسلم في كلمتين : " اعقلها وتوكل ". ويدهشني أن يتلقف الناس كل ما يقدم إليهم بثقة مطلقة، يوكلون غيرهم مهمة التفكير، ويستبقون لأنفسهم مهمة التطبيق الأعمى، فضلا عن المتعصب .

باسم الطب البديل مثلا، نجدهم يجعلون أجسادهم ساحة تجارب لكل ما يفتنون به من نصائح طبية غير مهنية، دون أن يفرقوا بين المحترف والمدعي لهذا الحقل الطبي الدقيق . وعندما هبت رياح البرمجة اللغوية العصبية، مختلطة بنوازع استثمارية بحتة، فتن بها الناس ( وغالبيتهم من المثقفين )، وصدقوا ببساطة أن الإنسان يمكن أن يصبح خبيرا، بمجرد حضور دورة واستلامه شهادة موقعة من فلان من الناس . سفح كثيرون الكثير من المال والكثير من الوعي في قاعات الوهم، باسم البرمجة اللغوية العصبية، دون أن يستمعوا لنصائح المتخصصين من علماء النفس والأطباء النفسيين ودعواتهم إلى الحذر في التعاطي مع هذا الحقل . وتوقف كثير من المفتونين بالبرمجة عن الاجتهاد في تخصصاتهم وأعمالهم، استنامة لوسائل البرمجة، التي تقول إن الإنسان لا يحتاج لكي يحقق هدفه، إلا لإرادة وإصرار، وقدرات كلامية فارغة، وكأني بجامعة الدول العربية مدرسة من مدارس البرمجة، وعيادة افتراضية كبرى، يمارس العرب فيها أقوى جلسات التنويم، وأبرع مباريات الفذلكة والسفسطة .

وفي الثمانينات سمعنا بأسطورة العروبة صدام حسين، وصدقناها، وقبله كانت الناصرية والناصريون، مثلما استسلمنا لدعاية الإعلام للجهاد الأفغاني، وأرسلنا أبناءنا وقودا للحرب وللأفيون، ولغياهب فكرية مضطربة ومظلمة، و في كل مرة نتجرع مرارة الصدمة . التماثيل تسقط كل مرة، و أبناؤنا عاد بعضهم ممسوخا فكريا، وعاد أكثرهم مصدومين بواقعهم الجديد، حيث حولهم الإعلام نفسه من أبطال جهاد، إلى مجرمي حرب، وصنع حولهم سدودا بينهم وبين مجتمعهم، وبينهم وبين المستقبل .

ونحن بين نقيضين يجمعهما موت السؤال، إما أن نسلم غيرنا أمر عقولنا تسليما تاما، أو نوصد هذه العقول تماما دون أي فكرة جديدة، وحين تسلم غيرك زمام عقلك فسيغلقه باسم نظرية المؤامرة دون غيره من الحواة، وهذا ما يحدث حين يغيب الوعي النقدي، ويوأد الحوار في مقبرة التصنيف والإقصاء . عانينا كثيرا من ويلات سببها غياب الوعي النقدي فمتى نوقظ حاسة النقد في أذهاننا ؟ ومتى تتحول طاقة الشك والارتياب في أذهاننا، إلى وقود لا ينفد من الأسئلة، ترفدها مساحات للحوار المحايد، غير قابلة للتحديد، ولا للتصنيف، وغير مشروطة بأي شرط من خارجها ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى