السبت ١٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم مهند عدنان صلاحات

فيروس الشرق

في الشرق ومنذ أعوام طويلة يسري داء، تسببه فيروسات اجتماعية خطيرة اسمها “الشرقية”، ولقد ثبت بالتحاليل الطبية والنفسية والاجتماعية، أن غالبية الرجال من نفس الجينات الشرقية، وحتى أن الداء أصاب جزءاً كبيراً من نساء الشرق، وبدأت الأعراض تظهر عليهن بأشكال متعددة، فجزء منهم أصابه وباء الشرقية التي تنسبها للدين، فبدأت هي من تلقاء نفسها تغطي نفسها بالخيمة السوداء كي لا تصبح عاراً على رجالها، من أخوة وزوج وأبناء عمومة وعشيرة، ومنهم من تمارس أعراض هذا المرض عبر ممارساتها اليومية من خلال علاقتها بأطفالها، فبدأت بعزل البنات عن الأولاد ووضع البنات في العزل الصحي في البيت، وخصصت لهن وظيفة واحدة فقط، هي العمل على خدمة الأخوة الأولاد.

أما هنالك حالة أخذت منحى أخر أكثر خطورة، فقد فقدن أنوثتهن، واخشوشن صوتهن، وفي بعض الحالات نما لبعضهن شارب، في محاولة لإثبات قدراتها في المجتمع الرجولي وحاولن استبدال الأدوار حتى في السرير.

هي تلك لمحة سريعة عن هذا الفيروس الشرقي، لأن الشرقية فيروس كثير وسريع الانتشار، كالأنفلونزا في بلادنا في فصل الشتاء، حيث قلة فقط من يستطيعون الهرب دون الإصابة بها، ومن لا يصاب بهذا الفيروس الشرقي سيصب بالجلطة، والضغط، والسكري، ويموت سريعاً من قهره من هذا المرض المنتشر في بلاده، أكثر من المخبرين، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، والقواعد الأمريكية، وبائعي العلكة والورق الصحي على الإشارات الضوئية.

حتى الذي يولد من أطفالنا في الشرق، يولد وهو يحمل هذا المرض معه من الطفولة، أو من لحظة الولادة، حتى إذا فكرنا بأسلوب علمي عملي طبي في أن نصنع طُعماً ضد هذا الوباء الذي بدأ يقضي على أمالنا في السير خطوات نحو الأمام، فيما يسمى الزمن القادم، أو المستقبل، في الوقت الذي ينشغل فيه العالم في إيجاد مطعومات وعلاجات لنقص المناعة المكتسبة، وأنفلونزا الطيور، وجنون البقر، وجنون الإرهاب، والاكتئاب، لا بد أن نفكر أكثر في تركيبة هذا الطعم.

في العادة يكون المطعم الذي يعطى للإنسان لوقايته من مرض ما هو عبارة عن فيروسات ميتة من ذات المرض، والمشكلة أن الشرقية لا مطعوم لها لأنها لا تموت كي يُحقن المريض فيها،
لذلك الحل الوحيد هو إعطاء المواطن العربي مجموعة من الحقن التي تحتوي على نوع جديد من التغذية التي لا يعرفها، نعطيه حقن تحتوي على حرية وديمقراطية فهي السبيل الأنجع للتخلص من هذا الوباء المسمى رجولة الشرق، ولكن يبقى الخوف في مدى قابلية الأجساد والعقول العربية لاستقبال هذا النوع من الأدوية، حيث أن سنوات طويلة من القهر والكبت والقمع التي عاشها المواطن العربي الشرقي عبر تواكب الاحتلال عليه من العثماني، إلى الأوروبي، ومن بعده الأنظمة العربية، ومن ثم الأمريكي بامتياز شركاتي رأسمالي، سنجد أن المواطن العربي في غالبية حالاته أدمن القيء المزمن في جسده، والمسمى الولاء والخنوع، ورد الفعل العكسي لديه تجسد على شكل ردود مجنونة على شاكلة الحل السلفي التدميري سواء سياسي أو اجتماعي.

وفي ظل تلويث تمارسه العولمة والدول الكبرى لمفهوم الحرية والديمقراطية سنجد من الصعب على الشرقي تقبل هذه القيمة في عقله بسهولة، لذلك يجب تبسيطها له، وتنويره أنه ليس بالضرورة أن تكون الديمقراطية هي فتح سجن أخر في كوبا، أو جعل الكلاب تنهش الأجساد كما في أبوغريب أو تفجير المساجد والكنائس كما في العراق أو مصر، أو قتل الأطفال والاقتتال الداخلي كما في فلسطين، بل توعيته لأن الديمقراطية بمعناها البسيط هي احترامنا للأخر، احترام الأخ للأخت، احترام الزوج للزوجة والنظر لها على أنها كيان وإنسان.

احترام علاقة الحب، إيجاد علاقة صداقة بين ذكر وأنثى حقيقية، لا يضطران للاختباء خلف الأشجار أو في زاوية أي مقهى لشرب فنجان من القهوة معاً، كي لا يراهما أبناء عشيرته أو عشيرتها.

بمعنى أن نوقظ في هذا الشرق الإنسانية.
أن نحقنهما بالإنسان حتى يكبر في داخلهما، ونقضي على الشرخ الذي عمره ألاف الأعوام من وأد البنات، وإمامة الرجل، وقوامة الرجل، ومسجدها بيتها، وناقصات عقل ودين، وفصل كلي بين الولد والبنت منذ رياض الأطفال حتى الجامعات.

والذي صنع لديهما عقدة الرجل والمرأة، عقدة الذكر والأنثى.
لكن حتى تأتي اللحظة التي يستطيع كلاهما استنشاق هواء نظيف فيه رائحة من حرية.
سيبقى الجميعُ مُختَرَق ... ويتخوزق بمحض إرادته.
فهذا هو الشرق بكل أوبئته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى