السبت ٣٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
في سيرته الذاتية
بقلم أديب قعوار

أنيس صايغ عن أنيس صايغ

أكتب عن كتاب السيرة الذاتية لأنيس صايغ في 534 صفحة التي لا تكاد تغطي هذه الحياة المليئة بالحياة والنضال لأجل فلسطين وغيرها من القضايا العربية، كتاب "أنيس صايغ عن أنيس صايغ" الذي يقول عن نفسه بأنه "ولد والقلم بيده" لأقول بأنه وضع القلم في يدي لأكتب أول كتبي الذي كان واحداً من أكثر من الثلاث مئة كتاب نشرها "مركز الأبحاث الفلسطينية" تحت ادارته في عدة لغات وبعضها في عدة أجزاء، الى جانب مجلة شهرية ونشرة رصد تصدر مرتين في اليوم. ولا ننسى العمل الضخم الموسوعة الفلسطينية وأربعاً من المجلات الدورية.

يبدأ أنيس صاغ سيرته الذاتية بفصل عنونه "في المنبت"، أي العائلة الكبيرة التي كان آخر حبة في عنقودها، الوالدان القسيس الإنجيلي عبدالله الذي ولد في خربا الحورانية، وعفيفة من البصة على الشاطىء الفلسطيني ، وهو وبعض من إخوانه ولدوا في طبريا على شاطىء بحر الجليل. أنيس الذي كاد أن يسمى بنيامين، هو واحد من سبعة اولاد وبنت واحدة ماري، أنجبتهم هذه العائلة، سبعة ذكور أحدهم فؤاد الذي مات طفلا، أما الباقون الستة فقد برز كل منهم في حقله: يوسف، عالم الإقتصاد والأستاذ الجامعي والمناضل الفلسطيني، فؤاد (2) المهندس المدني، فايز استاذ جامعي وكاتب وناشط في الحقل الفلسطيني على النطاق العالمي، توفيق استاذ جامعي ايضاً وناقد وشاعر، منير طبيباً وطبعا آخر العنقود أنيس وهو أشهر من أن يعرف وتحديد ما برز فيه، وهو الوحيد مع شقيقته ماري الذي لا يزال على قيد الحياة، أطال الله عمره.

ثم ينتقل الى مسقط الرأس طبريا، الفردوس الذي اجتاحه الأشرار الصهاينة وشردوه الى شتاته الواسع. طبريا لأنيس هي الحب المفقود الذي يتوق الى العودة اليه ولكن شرط أن يكون محرراً من الاحتلال، وهو عبر سيرته الذاتية يتغزل بطبريا، "فما الحب الا للحبيب الأول".

وبعدها ينتقل الى الأمر الذي شغلة على مدى العمر منذ أن كان تلميذاً ابتدائياً، "الكتابة والتاأليف والتحرير" وله بالإضافة الى هذا الكتاب تسع عشرة كتاباً ومآت المقالات والأبحاث، كما وضع القلم في أيد واستكتب مآت المثقفين والباحثين في القضية الفلسطينية ليثروا المكتبة الفلسطينية من منشورات مركز الأبحاث والمجلات والموسوعة الفلسطينية التي رأس تحريرها وأدارها.

ومنها الى الحديث عن مركز الأبحاث والموسوعة الفلسطينية، قال "ارتبط المركز والموسوعة بي وارتبطت بهما حتى كدنا نصبح واحداً"، وبالفعل كانا كذلك. عبرهما ناضل وقاتل كانه يحمل مدفعاً وليس مجرد بندقية، ولئن كان أصاب به بالعدو مقتلا، إلا أن شظايا الغدر الصهيوني وعداءه للحقيقة والفكر العربي أفقدته بعض الحواس، السمع والبصر والشم وبعض الأصابع، كأن العدو أراد أن يفقده القدرة على ممارسة هوايته المفضلة القراءة ومهنته الكتابة، ولكنه وجد في زوجته ومساعديه ومحبيه العوض فيقرأون له ويملي عليهم عصارة أفكاره، فتمكن من قهر العدو، فهو لا يزال يستعمل سلاحه القاتل ضده، مع أنه قال إنه لم يطلق رصاصة واحدة طوال سني عمره.

وينتقل الى الحديث مطولاً في فصل عنونه: "في العلاقة مع السيد ياسر عرفات... المأساة أن تتحول الوقائع والأحداث الى نوادر للتسلية وفكاهات للدعاية"، ويسهب لتبرير العلاقة المتوترة مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان يضع العصي في دولاب عمله، مع أن السيد عرفات كان بشكل أو بآخر رئيسه المباشر كون مركز الأبحاث كان أحد روافد منظمة التحرير الفللسطينية، والمفروض أن يكون أحد أمضى أسلحتها. ويقول الدكتور أنيس في هذا الخصوص: "أما أن يعتب علي بأني أنبش صفحات من الذاكرة عن عرفات بعد رحيله فأمر مردود ومرفوض، لأن هذه الصفحات جزء أساسي من تاريخ شعب وقضية وثورة. وإن تجارب المرء الشخصية حق من حقوق الأمة وتراثها الثقافي والسياسي والنضالي وليست ملكاً لفرد يستأثر بها ويتستر عليها، رحم الله ياسر عرفات". ويضيف: "كان عرفات يريد أن يكون المركز ومنشوراته وباحثوه رجال إفتاء يجيزون الأفكار والآراء والأحكام التي يريدها حسب مزاجه وفهمه للأمور". وهو يقول: "لم يكن لعرفات مآخذ واضحة وصريحة ومباشرة على إدارتي لمركز الأبحاث".

"في الحزب: لم أبق في الحزب، ولكن بعض الحزب بقي فيََ" هو عنوان الفصل السابع من الكتاب. والحزب، كما يعرفه والذي انتمى اليه أنيس صايغ وبعض من اخوانه: يوسف وفؤاد وفايز، الى حين وكما يقول، "في مصطلحات العائلة" هو: "الحزب السوري القومي الاجتماعي". وكما نفهم من محتويات سيرته الذاتية ومن معرفتي الجيدة به وبآرائه، الذي بقي فيه هو العقيدة القومية كإطار شامل. توسع الدكتور من الإطار السوري الى الإطار العربي الأوسع. فقد كتب: "عبرت عن ‘تحولي‘ الفكري واعتناقي العقيدة القومية العربية في خمسة من الكتب ظهرت تباعاً بين 1958 و 1966: "الفكرة العربية في مصر"، "تطور المفهوم القومي عند العرب"، "في مفهوم الزعامة السياسية"، "الهاشميون والثورة العربية الكبرى"، "الهاشميون وقضية فلسطين" ونتيجة للكتابين الأخيرين فتح نظام الحكم الأردني عليه النار ومنع من زيارة الأردن لفترة طويلة من الزمن.

ويتحدث في الفصل الثامن من سيرته: "في المدن وحكاياتها"، التي زارها وأقام فيها أولاً نتيجة للاقتلاع من مسقط الرأس وحبه الأزلي ل"طبريا" الى صيدا حيث تلقى دروسه الثانوية، فالى بيروت الجامعة الأميركية تعلم وعلم وأقام فيها معظم أيام عمره، ومنها الى كمبريدج في بريطانيا حيث أيضاً درس ودرس، المدينة التي لم يكل من زيارتها، الى مدن أميركية وعربية مثل القاهرة وتونس وغيرها كثير، فالسفر والتنقال كان له متعة ومن موجبات العمل.

واخيراً: "في التقاعد: من ‘مقولة مت قاعداً‘ الى تعاقد مع الحياة للموت واقفاً". ولا يزال واقفاً ويعمل بالرغم عن الأيام والعاهات التي وقعها الإرهاب الصهيوني بأحرف بارزة على ضحيته التي دحرته. وقد كتب في تقديمه لأحد كتبي، وهو واحد من عشرات المقدمات لكتب طلب منه كََتَابها أن يقدم لها، فقد كتب معبراً عن ولعه بعدم القعود بالنسبة اليه والى غيره قائلاً: "... الى أن حوَل ‘تقاعده‘ المهني الى ظرف زماني في اعداد هذا الكتاب وغيره من الأعمال الفكرية والقومية".

وختم سيرته الذاتية قائلاً: "في طبريا وعلى الطريق الى طبريا، ومن أجل طبريا، يطيب الموت، لأن المرء يموت واقفاً، وكأنه لا يموت. هناك يتساوى الموت مع الحياة حلاوة. ودون ذلك تتساوى الحياة مع الموت مرارة." وبذا فالحياة بالنسبة إلى أنيس صايغ هي الوطن، وبدون وطن حر لا حياة، وما أحلى الموت إذا لم يكن هناك هدف في العودة الى الوطن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى