الأحد ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم أسامة جودة

أسد

قوى أنا اليوم حقا ً ولا أخشى الخوف وما يلى خير دليل على صدق كلامى فقد خرجت الليلة صوب صديق لي يقطن أقصى المدينة ولأختصر الطريق الطويل اخترقت الحارات الشعبية والطرق الضيقة غير المأهولة ولا أدرى هل من حسن الحظ أن انقطعت الكهرباء فجأة وحل الظلام والصمت على المكان وكأنما انتقلت من عالم إلي آخر، أكملت مسيرى في الظلام الذى اكتسحنى بعاصفة من الريبة والقلق وأخذت أتمتم بآية الكرسى وأدعية الحفظ من الشرور التي أحفظها عن ظهر قلب لكن هذا لم يمنعنى من أن استشعر بصبار الخوف بأشواكه الحادة ينبت فى قلبى حتى أنى صرت أتلفت يمنة ويسرة أو أقف فجأة لأنظر خلفى ثم أكمل المسير، ظللت هكذا حتى سمعت بكاء يملئ أذنى، ارتجفت في مكانى وشعرت بقشعريرة تملئ جسدى الضخم وأخذت أنظر حولى لأبحث عن مصدر الصوت وفي خاطرى ذكرياتى مع قصص الجن والأشباح،ولم يكن الصوت بعيدا ً عنى ولمحته فى هذا الظلام الدامس جلس منكمشا ً على نفسه بجوار جدار بيت قديم تنهمر دموعه بلا هوادة، صوت نحيبه يخترق القلوب ليمزقها، يبحث فى القلوب الميتة عن ذرة عطف وحنان لينولها، ولأننى كتبت في التاريخ من أصحاب القلوب الرقيقة التى ربما تتوقف عن الحركة وقرع الطبول من الفزع لمجرد دعابة ساذجة لم يحتاج هذا الطفل لبذل مجهود مضاعف لاستحضار عطفى فبسرعة البرق وجدتنى أقترب منه دون حتى التفكير فى ماهيته وهل هو إنسان أم جنى؟!!

نسيت نفسى ونسيت قلقى وخوفى، فلقد آنس وحدتى لذا يستحق العطف والشفقة وبدأت اطمئن عليه لأطمئنه فاعترف لي بخوفه من الوحدة والظلمة، اقتربت منه أكثر لأحتضنه وأربت على كتفه بيد أنه دفع يدى بعيدا ً عنه ونهرنى، عاودت المحاولة فسألته عن مقصده، أخبرنى أنه كان ذاهبا ً لجدته فعرضت عليه أن أوصله فى طريقى فهى فرصة سانحة فى أن أجد مؤنس للطريق لكنه رفض وصارحنى بخوفه منى وعاود مطالبتى بالابتعاد عنه ولكن كيف أبتعد وأتركه هكذا؟!، ولن يطاوعنى قلبى أن أتركه يتألم؟!

ولابد أن أريحه من آلامه التي آلمتنى أنا شخصيا ً فاتخذت القرار واقتربت منه وطالبته أن يكف عن البكاء والنحيب فلم ينصاع فامتدت يدى لتربت على كتفه وقبل أن يرفع يده ليدفع يدى كانت يدى انتقلت من كتفه إلي عنقه وبسرعة خارقة وقبل أن يقاوم كانت أصابعى الغليظة وأظافرى الحادة قاما بالمطلوب وتوقف الطفل عن البكاء ثم تأكدت من أننى أرحته من البكاء نهائيا ً فأغمضت عينيه الجاحظتين لأكون أنجزت عملا ً سيمحو اسمى من ذاكرة الضعف ليكتب اسمى من جديد فى ذاكرة القوة والأقوياء، ذاكرة أناس لا يخافون الوحدة أو الظلمة، لا يخافون الأشباح أو الجن، لا يخافون الخوف، والآن ولأول مرة أشعر بنشوة لم أذوقها من قبل وأنا أكمل طريقى فى الظلام بلا خوف أبحث عن فريسة أخرى أنهش لحمها وكأننى أسد فحقا أنا اليوم قوى.

تمت

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى